الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:37 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

محمود الوراوي.. اصطياد الغنوشي.. ووعي التوانسة

محمود الورواري يكتب : اصصياد الغنوشي.. والوعى التونسي

الورواري
الورواري

ستبقى تلك الجلسة في ذاكرة التونسيين لفترة كبيرة، جلسة عنوانها مساءلة رئيس البرلمان على تجاوزاته السياسية، حين تغول بسلطته "التشريعية" وابتلع السلطة الأخرى "التنفيذية".

ورغم تسويف الأكثرية ومماطلة النهضة، إلا أن إصرار الإجماع الوطني دفع بها إلى الاكتمال، ومع بدء تدفق الكلمات تبدل الحال من المساءلة السياسية إلى المكاشفة الفكرية، بل وفضح ألاعيب حركة النهضة "ذراع الإخوان السياسي" في تونس.

وانتقل النواب المسائلون من مربع السياسة الضيق إلى مربع البناء الفكري لجماعة الإخوان في تونس، ثم إلى مربع دولي تنظيمي آخر أوسع وأخطر وهو التنظيم الدولي للإخوان.

وبدت أدبيات الجماعة الإخوانية والتنظيم الدولي مكشوفة ومفضوحة في مناطق كثيرة ليس للنواب فحسب، وإنما للمواطن العادي البسيط، ورحنا نتابع ما كتبه" قطب حول حاكميته التكفيرية"، وما كتبه أبو الأعلى المودودي الباكستاني والمنهج التاريخي لرسائل حسن البنا، كل شي سقط عنه حجاب التخفي

وكما قال النائب "المنجي الرخوي"، موجها كلامه للغنوشي، إن "دبلوماسيتك هي التقية والمكر والمحايلة".

هنا نقف أمام مجموعة من الدلالات:

ما الذي حدث في وعي البرلمانية عبير موسى، رئيس حزب الدستوري الحر، والمنجي الرخوي وبقية النواب الذين تحدثوا في مساءلتهم للغنوشي؟

إذا قارنا هذا التغير في الوعي مع أقرب محطة للانتصارات الإخوانية البرلمانية والسياسية، وهي محطة مصر وتحديدا 2012، حين نجح إخوان مصر في تشكيل برلمانهم بأغلبية ساحقة.

نفس الحالة التونسية تماما، كان سعد الكتاتني ،رئيس الكتلة الإخوانية في مصر، كما الآن "راشد الغنوشي" رأس الكتلة الإخوانية المنتصر"حركة النهضة " في تونس، لكن نسبة الوعي في حديث النواب في زمن 2020 تغيرت عن حديث النواب في 2012.

ما الذي حدث بخلاف أن التراكم الزمني يؤدي بالضرورة إلى زيادة الوعي؟.

الذي حدث إن ما كان مجهولا أو مشكوكا في تمامه منذ ثمانية أعوام أصبح بديهيا ومسلما في يقينه.

جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي لا تملك جديدا في المراوغة، لأن عقلية الإنسان العربي طورت من أدوات وعيها في التفريق بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني، وبات الإنسان العربي البسيط يتعامل من منطق "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".

عبير موسى ومعها رفاقها الوطنيون التوانسة يتعاملون بذاكرتين واحدة مصرية وأخرى تونسية.

لذا لا غرابة أبدا من التعجب من حماستها، أو من حضور حجتها، أو شراستها، فالصورة عندها حاضرة كما كانت الصورة حاضرة في عيون الشعب المصري وهو يثور في 30 يونيو 2013، لإسقاط حكم الإخوان، وإسقاط مشروعهم المناطقي التوسعي الذي لا يؤمن بالجغرافيا ولا بالمواطنة.

الشعب المصري كان يرى مصر في فم ذئاب شرسة، وكان يريد استخلاصها سليمة بلا تمزيق أو تجريح. وعبير موسى ورفاقها، يرون تونس تدخل رويدا رويدا لفم الذئب الإخواني، فتحارب بكامل شراستها حتى لا تضطر لانتزاعها وهي مجروحة كما حدث في مصر، التي مازالت دماؤها تنزف في سيناء، وما زال سم الذئب الإخواني يظهر في الجسد المصري متمثلا في جماعات التكفير التي تربت على زيت الإخوان وخبزهم.

هكذا هي الصورة، البرلمان التونسي ينتفض ليخرج من بين أسنان الإخوان، ينتفض ليتحرر لا ليتساءل، الأمر أكبر من كونه اعتراضا سياسيا، بل هو كشف لمشروع فكري.

هنا أسوق إليكم بعضا من مداخلة البرلمانية عبير موسى، والتي تثبت فهمها الفكري للمشروع الإخواني:.

"أريد أن أوضّح للتونسيين أن الذي فعلته ليس في قالب غلطة وليس سهوا وليس زلة تتعهد بعدم تكرارها، ما فعلته هو تطبيق لأجندتك الخاصة الإخوانية... أطلب من التونسيين أن يدخلوا إلى الموقع الرسمي لحركة النهضة وسوف يتبيّنون بالوثائق حقيقتكم التي ترغبون في إخفائها وهي جليّة... يكفي الدخول للموقع وكتابة الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة سوف تجدون أنه تم بتاريخ 3 يونيو 2020 تنزيل 3 فيديوهات بشأن هذه الرؤية.

وهذا المنهج وهي "ذات الفيديوهات التي تم تنزيلها في موقع الحركة بتاريخ 27 أغسطس 2019 خلال الحملة الانتخابية وذلك حتى يجدّدوا كذبهم على ناخبيهم".

ما قالته عبير موسى، هنا يكشف جزئية فكرية شديدة الأهمية وهي أن اتصال الغنوشي بأردوغان وتهنئته للسراج، محاولته تمرير الاتفاقية التركية والقطرية، هي ليست صدفة وإنما مخطط مقصود لأجندة إخوانية تتخطى جغرافيا تونس.

مقطع آخر لعبير موسى :

"لمن يقولون إنّ النهضة حزب "تونسي" فإنّ الرؤية الفكرية تقول لهم أنّ النهضة بنيت على أساس ديني فهو حزب شمولي ديني وليس حزبا مدنيا... وجاء في الوثيقة ما يلي "إن حركة الاتجاه الإسلامي بتونس تتخذ "العقيدة الإسلامية" منطلقا لها وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي التي إليها يعود تحديد المواقف والرؤى إزاء قضايا الوجود عموما وقضايا الوجود الإنساني بصفة خاصة.

إنّ مرجعيتكم في كل القضايا سواء المتعلقة بالمجتمع أو الاقتصاد هي مرجعية مبنية على أساس عدم الفصل بين الدين والدولة والدعوي عن السياسي وأنتم الذين أطلقتم في السابق كذبة أنكم قمتم بفصل الدعوي عن السياسي وذلك أيام التوافق سنة 2016".

كان من الممكن أن تركز عبير موسى، على تصرفات الغنوشي السياسية وتكون محقة لكنها قفزت إلى ماهو أبعد، إلى الرؤية الفكرية التي تفكك البناء من أساسه وتنقض ما يرددونه في إطار التقية السياسية.

وهو فكرة المدني والديني، فكرة الفصل بين ماهو سياسي وبين ما هو ديني، فهم دائما يؤسسون كيانات ظاهرها غير باطنها، ظاهرها يوحي لمن يراه من بعيد أنه مدني وحين تقترب أكثر تراه فصيلا دينيا متشددا تكفيريا.

مقطع آخر:" أريد من التونسيين أن يفتحوا الفيديو رقم 1 في الدقيقة 46 و 54 ثانية سوف تجدون أنّهم يتحدّثون فيه عن التكفير حتى تعرفوا أسباب عدم تحرّكهم يوم قاموا بتكفيرنا في المجلس، وقد جاء في الفيديو ما يلي "إننا لا نكفّر مسلما إلّا إن أقرّ بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة أو كذّب صريح القرآن أو فسّره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لا يحتمل تأويله إلا الكفر" هؤلاء نصّبوا أنفسهم أوصياء على التونسيين حتى يحدّدوا من هو الكافر ومن هو المسلم".

وتكمل عبير موسى في هذا الإطار:" أريد أن تعلموا أن من كتب هذه الوثيقة هو عبد المجيد النجّار وهو اليوم الأمين العام المساعد الاتحاد العام العالمي لعلماء المسلمين، اتحاد القرضاوي الذي أفتى بقتل النفس وقتل الأبرياء، والذي قال إنه يجوز وضع النفس على ذمّة الجماعة.. عبد المجيد النجار عوّضك أنت (راشد الغنوشي) في ذات المنصب الذي كنت فيه في اتحاد علماء المسلمين.. أنتم جزء من هذا التنظيم الدولي المصنّف إرهابيا وموقعكم الرسمي يدل على ذلك".

في هذا المقطع انتقلت النائبة عبير موسى، من دائرة الإخوان في تونس إلى دائرة أوسع هي دائرة التنظيم العالمي للإخوان، تحديدا حين ذكرت "يوسف القرضاوي وعبد المجيد النجار" إسمان من أهم الأسماء المعنية بصياغة الخطط وإعادة تدوير الأدبيات الإخوانية وتوزيعها عالميا.

هنا مربع الوعي الذي يتجاوز ما هو سياسي إلى ما هو فكري تنظيمي إيديلوجي، ولعل ذلك تأكد أكثر بمداخلة "المنجي الرحوي" ممثل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ونائب الشعب عن دائرة "جندوبة"، حين أشار إلى علاقة الغنوشي الشخصية مع عبدالكريم بالحاج وبن لادن والقرضاوي، وأكد أن هناك جيلا تونسيا راح ضحية لاغتيالاتهم السياسية مثل "شكري بلعيد ومحمد البراهمي".

وهنا تتأتي أهمية تلك الجلسة، بأنها كانت بمثابة كاشف ضوئي فاضح للمخططات الإخوانية في المنطقة العربية.