الموجز
الجمعة 22 نوفمبر 2024 05:10 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

أصابها جنون الحب.. حكاية كوثر المصرية التي تسببت في بناء أول مصحة للأمراض العقلية

كوثر المصرية
كوثر المصرية

بعد وفاة احمد ابن طولون سنة 883 ميلادية تولى الحكم أبنه خمارويه، وواصل مسيرة ابيه في إدارة شئون مملكته وتوسيع حدودها، ولكن بلغه ذات يوم أن أحد رجال الحرس له أبنة اسمها كوثر هي أجمل بنات مصر وأنضر زهرة في البستان المصري الواسع، فأرسل في طلب والدها وأخبره أنه يتفدم له لخطبة ابنته التي سمع عن أخلاقها وجمالها، فأحضرها والدها لقصر خمارويه فملكت قلبه بسحر عينيها وطلتها البهية وشعر بأن تلك المصرية السمراء قد ملكت عليه حواسه وقيدت قلبه بسلاسل الحب، وبالفعل تم عقد القران وكانت أول مصرية يتزوجها خمارويه.

جنون كوثر المصرية

ولكن القصر كان مليئًا بزوجات وجواري من مصر والشام والشركس والترك وفارس، وفوجئت كوثر بكل هؤلاء النسوة يحدقن إليها بنظرات الغيرة والحسد لأنها العاشقة والمعشوقة لخمارويه، ولأنها بنت صغيرة رقيقة ومحبه لخمارويه، وبالفعل ذاقت أنواعًا كثيرة من الآلام النفسية والضغط العصبي والمكائد من هؤلاء النسوة ولم تتحمل روحها الرقيقة كل هذا.

وفوجىء من في القصر ذات يوم بصراخ عالي ينبعث من جناح كوثر وفوجئوا بها تخرج عليهم صارخة باكية ضاحكة ثائرة ناكشة شعورها، وقد أصابها الجنون.

وعلى الفور ارسل خمارويه في طلب طبيبه القبطي ابن يعقوب، وكان من أبرع نوابغ عصره في الطب وخاطبه قائلا :"يا بن يعقوب انني أضع فيك أملي وثقتي، وأنا أعلم أنك الرجل الوحيد الذي في مقدوره أن يشفي زوجتي الحبيبة من هذا الداء المجهول الذي أصابها، لذلك أضع تحت تصرفك كل ما يلزمك من مال أو أدوات لكي تشفيها من مرضها ولك كل ما تحلم وتريد فقط اعد لي زوجتي الحبيبة".

وكان رد ابن يعقوب :" سأكون عند حسن ظنك يا مولاي وسأبذل في سبيل علاجها كل ما أملك من علم ووقت ومهارة ".

أول مصحة للأمراض العقلية

مرت أيام على حديث خمارويه لأبن يعقوب وكان لا يفارق زوجته لحظة واحدة، يرقد بجانبها يهدئها دون أن يفطن إلى الحقيقة المؤلمة وهي أن زوجته المحبوبة قد أصابها الجنون من شدة حبها له، إلى أن صارحه بعد فترة الطبيب ابن يعقوب أنه لا سبيل إلى شفائها إلا بواسطة علاج خاص يحتاج وقت ومكان مخصوص تحت إشراف الطبيب ليراقب تطورات العلاج بدقة وعناية، وأن على خمارويه أن كان راغبا بالقيام بعمل يعيد إلى زوجته عقلها الشارد، وأن يسجل له في التاريخ للأبد ويجعل الأجيال القادمة تترحم عليه وتذكره بالدعوات الطيبة أن ينشىء في عاصمته القطائع ( لم تكن القاهرة انشئت بعد) دارًا لمعالجة هذا النوع من الأمراض العقلية، وأن يفتتح الدار بنفسه ويدخل إليها زوجته المحبوبة ويعده أنها ستخرج بعد فترة علاجها أن شاء الله كما كانت وتعود إلى سابق عهدها.

بالفعل لم يتردد خمارويه وانشأ هذه الدار التي أطلق عليها (المارستان)، وهي كلمة فارسية تعني مكان العلاج وهي من انشاء خمارويه وليس والده احمد بن طولون، كما يعتقد مؤرخون كثيرون وكانت أول من دخل المارستان هي كوثر زوجة خماروية الذي أدخلها بنفسه وودعها .

بعد عدة شهور، وذات يوم وخمارويه في قصره يدير شئون الحكم، أخبروه أن الطبيب ابن يعقوب يطلب مقابلته على وجه السرعة فطلب منهم أن يدخلوه، وبعد القاء التحية سأله خمارويه عن طلبه فاستأذنه أن معه زائرة ترتدي خمارا يغطي وجهها بالخارج يرجو إدخالها فاستغرب خمارويه لكنه طلب ادخالها، وعندما دخلت وانحنت لخمارويه طلب منها الطبيب رفع الخمار ليجد خمارويه ابتسامة زوجته الحبيبة فقد تم شفائها وعادت سليمة العقل والجسد، وبالفعل عاد الحب للقصر وانقطع خمارويه إلى كوثر كل ليلة ولم يعد يدخل الا إلى جناحها.

ولكن القصة لم تنتهي بالنهاية السعيدة، حيث اشتعلت نيران الغيرة والحقد في صدور باقي نسائه وأخذت مجموعة منهن أكثرهن غيرة وحسدًا وأمهرهن في المكائد والدسائس يتآمرن مع مجموعة من رجال الحاشية والحرس الأتراك لم يعجبهم ميل خمارويه الكامل لهذه المصرية بنت أحد الحراس وإهماله بنات كبار رجال الحاشية والقادة، وبالطبع تحت إغراء المال والجمال تكونت شراكة شريرة في الخفاء تدبر لأغنيال خمارويه .

مقتل خمارويه

وفي سنة 895 ميلادية علم الخليفة العباسي المعتضد بالله بجمال وحسن (قطر الندي) ابنة خماروية التي تغني الناس بحسنها وجمالها وارسل إليه يطلبها زوجة له، ووافق خمارويه وارسلها إلى بغداد في موكب اسطوري مازالت تروى عنه الحكايات والقصص وتم كتب الكتاب واتمام الزفاف، وكان اول قرارات المعتضد بالله بعد الزفاف اقرار ولاية خمارويه على مصر والشام وحلب وأرسل إلى خمارويه مجموعة من الهدايا الفاخرة ووصل إلى مصر الرسول بالهدايا، فوجد أن خمارويه انتقل للأقامة في قصره في الشام واخذ معه حرسه وحريمه جميعا ليقيم الصيف كله هناك، وبالطبع معه الحبيبة كوثر وكان له أسد قام بتربيته في قصره يتميز بعينيبن زرقاوين وهو نادر بين الأسود وكان مخلصا لسيده اخلاص الكلب الوفي.

وكان لدى خمارويه اعتقاد أن اعدائه لن ينالوا منه ابدا طالما معه هذا الاسد بجانبه ولكن قبل رحيله عن مصر قالت له احدى زوجاته المتآمرات :" يقولون يامولاي انك تعتمد على أسدك الأليف في الدفاع عن نفسك وأنك تصحبه معاك لأنك تخاف من غير وجوده وقد اضطريت للرد على من يقولون ذلك أنهم كاذبون، والدليل أنك ستسافر إلى الشام دون اصطحاب الأسد فهل أحسنت أم اخطأت يا مولاي" فكان رد خمارويه :" لن آخذ الأسد معي للشام وسوف يعلم اولئك النمامون انهم هم الجبناء" وبالقعل ترك الاسد في مصر ورحل بدونه

كانت اطراف المؤامرة قد احكموا خطتهم بأشتراك نساء خمارويه وبعض قادة الجيش والحرس ورجال الحاشية وخططوا لتنفيذ خطتهم في الشام، خاصة بعدم وجود الاسد الذي كان يبات على باب غرفة خمارويه في الليل وتسلل بعضهم ذات ليلة وذبحوا خمارويه على سريره بمعاونة بعض الخدم ورجال الحرس.

وبعد مقتل خماروية هربت كوثر من القصر ولجأت إلى كوخ صغير خوفًا على حياتها، ولكن بعد أيام تم العثور جثتها طافية على مياه نهر بردي وقد احاطت بها الاغصان والنباتات كأن الطبيعة نسجت لها كفنًا ونعشًا ولم يعرف أن كانت انتحرت اوسقطت او أن هناك من قتلها.

أقرأ أيضا:

حكاية ”شمّع الفتلة” وعلاقتها بحادث الأرانب وابنة الطواشي قراقوش

قصة القضية التي أنشأت محاكم الاستئناف في العالم.. بطلها متهم بريء