الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 06:13 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

اليمن على مفترق طرق.. هل ستنجح مفاوضات السلام السعودية ـ الحوثية؟

السعودية والحوثي
السعودية والحوثي

شهدت الفترة السابقة جهود حثيثة من المملكة العربية السعودية لاستكمال مسار المفاوضات والوصول لاتفاق لرفع المعاناة عن الشعب اليمني، وقد أفرز ذلك التوصل لمرحلة متقدمة للغاية تجعل هناك مسافة قصيرة جداً للوصول للهدف المنشود، من خلال إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج عن اعتزامه وضع خريطة طريق للسلام بناء على التزامات الأطراف اليمنية، وما تبعها من بيانات وردود أفعال مبشرة بخصوص عملية التسوية واتفاق السلام.

وفي ضوء ذلك، توجد عدد من المعطيات التي تحيط بتلك العملية وتتقاطع معها؛ مثل التصعيد الحوثي في المياه الاقليمية، وعدد من المستجدات الداخلية، علاوة على بعض الرسائل والآراء للقادة الحوثيين، وهو ما يجعلنا أمام سؤال واحد مباشر، هل سيتعاطى الحوثيون بجدية وبمسؤولية أمام تلك اللحظة التاريخية وإنجاح المشهد بالوصول لاتفاق، أم سيكون لهم توجه مختلف؟

وفي ذات السياق، هناك تحدي آخر يتمثل في بعض تحركات ومساعي الجنوب تجاه الانفراد برسم مسار أحادي منفصل عن توجه الوحدة والاستقرار السياسي في اليمن، خاصة مع تبني الجنوب وقادته لتيار معاكس لكافة جهود التوافق، وتحركاتهم السياسية المدعومة بأجندات خاصة متشرذمة، فأي مستقبل لدور الجنوب في الاتفاق السياسي، ومدى تأثيرهم في نجاحه أو إعاقته.

حسابات الانخراط الحوثي في الاتفاق السياسي


قوبلت تصريحات المبعوث الأممي بنوع من الصمت الحوثي فسرته بعض التقارير على أنه مؤشراً على تراجع الجماعة عن التزاماتها تجاه السلام، خصوصاً مع تصعيدها للهجمات ضد سفن الشحن، وسعيها إلى تحويل البحر الأحمر إلى ساحة للصراع العسكري الدولي، وحشدها في الداخل بتجنيد عشرات الآلاف.

لكن هذا الموقف الأولي قابله تأكيدات للعديد من التقارير التي أكدت توافقات على بعض البنود المسربة لخارطة الطريق، أبرزها وقف إطلاق النار لجميع الأعمال العسكرية في اليمن، وهو ما يعني ضمنيًا وقف الهجمات الحوثية على السفن، وكذلك تكفل السعودية برواتب الموظفين.

أكدت صحيفة وول ستريت جورنال أن "خارطة الطريق" الـ "غير رسمية" تشمل ترتيبات لمدة لمدة ثلاث سنوات، بما يوحي بأنها قابلة للنقاش والتطوير وأنها غير نهائية، وهو ما يعني إمكانية تجاوز مساحات الشك والنقاط العالقة إذا ما وٌجدت.

توقعت عدد من التقارير أن يُعلن قريباً عن تشكيل حكومة جديدة في صنعاء تابعة لجماعة الحوثي، وذلك استعداداً لدخول مرحلة تنفيذ بنود خارطة الطريق لتكون منطلقاً لمسار سلمي يفضي إلى حلّ سياسي للصراع، مؤكدة تسارع المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة وشمولها شخصيات منتمية لتيارات سياسية مختلفة.

الضغط الحاصل من المجتمع الدولي والمتابعين للشأن اليمني؛ خاصة في دعم دول ومنظمات وتأييدها لمسار الاتفاق، وقيام شخصيات سياسية ودبلوماسية وأكاديمية وإعلامية واجتماعية بتوجيه رسالة دعم إلى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.

موافقة مشروطة وقابلية لتطوير الموقف

رصدت بعض التقارير رفض مليشيات الحوثي لمضامين إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن بشأن خارطة الطريق الأممية، وتوجيهها لقواتها برفع الجاهزية ومواصلة التصعيد براً وبحراً، وإصدار عبد الملك الحوثي تعميماً لقياداته لا سيما العسكرية في الجبهات برفع الجاهزية والبقاء في حالة تأهب، لكن تظل تلك القراءة غير مؤكدة، خاصة في مقابل تصريحات حوثية هادئة من بعض الأطراف.

أقدمت جماعة الحوثي على بعض الخطوات التي لا تبشر بجدية في إنجاح المسار؛ مثل عملها على ربط جميع المرافق الخدمية والايرادية في العاصمة وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرتها بغرفة عمليات واحدة وربط الكتروني يكون تحت سيطرتها.

أكد عضو المكتب السياسي للحوثيين، علي القحوم، في مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز البريطانية، على وجود نقاط تقارب وأخرى لا تزال محل خلاف. وأن هناك بوادر جيدة فيما يتعلق بتسهيل صرف المرتبات للذين لم يحصلوا على مرتباتهم منذ سنوات، وإعادة فتح المطارات والموانئ باعتبارها خطوات تخفف معاناة الملايين.

تطور الموقف الجنوبي تجاه الاتفاق السياسي والوحدة

اعتمد الانتقالي الجنوبي في بداية الأمر على تجاهل التعليق أو الاشتباك مع خارطة الطريق وتصريحات المبعوث الأممي، في موقف قد يعكس تأني لقياس الرأي العام، أو انتظار للتشاور سواء داخلياً أو خارجياً، وربما انتظار لبلورة موقف محدد.

ظهر ما يمكن اعتباره "فيتو جنوبي" على خارطة جروندبرج للسلام في اليمن؛ فعلى الرغم من الترحيب الأولي للمجلس الانتقالي الجنوبي، على بيان المبعوث الأممي حول إطلاق خارطة الطريق، والترحيب بأي جهود سلام، إلا أنه اشترط استكمال المشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة، والتشديد على ضرورة وجود عملية سياسية لحل قضية شعب الجنوب من خلال تضمين القضية في المسار التفاوضي الذي سترعاه الأمم المتحدة.

أكد المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، سالم ثابت العولقي، أن المجلس يدعم جميع جهود وقف الحرب، وإحلال السلام في اليمن. وتأكيده على أن نجاح أي جهود بالنسبة للانتقالي يعتمد على الالتزام بمضامين اتفاق ومشاورات الرياض بهذا الشأن. وتأكيده على أن الجنوب لن يتحمل تبعات الجماعة الحوثية المتمردة على المجتمع الدولي.

كما أكد القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، حرص المجلس على تحقيق السلام الحقيقي العادل والشامل الذي يلبي تطلعات الجميع، ودعمه لكل الجهود الإقليمية والدولية للوصول إلى ذلك. وتأكيده على أن رفض المجلس تجاوز أو القفز على قضية الجنوب لا يمثل تعطيلاً للجهود الدولية، بل هو تمسك بثوابت جنوبية وباتفاقات تم التوقيع عليها برعاية إقليمية كاتفاق ومشاورات الرياض، إضافة إلى كونه دفاع عن حق شعب سُلبت حقوقه منذ إن وقع تحت "الاحتلال" قبل نحو 30 عاماً.

وانتقد عضو رئاسة المجلس الانتقالي، عمرو البيض، سوء إدارة ملف الأزمة اليمنية منذ استلام المبعوث الأممي للملف، وعدم الرضاء عن السياسة والآليات التي اتبعها غروندبرغ، والذي اتهمه بالاكتفاء بموافقة طرف واحد فقط وهو مجلس القيادة الرئاسي، وعدم استكماله مشاوراته مع باقي الأطراف.

استمرار عقبة الانتقالي الجنوبي

أكدت تقارير غربية أن الإشكالية أمام تطبيق خارطة الطريق ليس متعلق فقط بالحسابات الحوثية، وإنما بما أسمته "المطالب الخاصة لبعض الأطراف"، حيث يرى المجلس الانتقالي أن العملية السياسية المزمع الاتفاق عليها لن تلبي طموحاته ما لم تناقش قضية شعب الجنوب وحقه في الاستقلال.

ساد المشهد حالة وخط عام في كتابات ومقالات عدد من الأكاديميين الجنوبيين ومنهم، حسين لقور بن عيدان، والتي تؤكد على نفس الخط التحريري والذي ينصب على التأكيد على أن المجلس الانتقالي الجنوبي، سياسياً، غير ملزم بما جاء في مبادرة المبعوث الأممي، وليس عليه الاعتراض أو الموافقة عليها، بل تركها لنفس المصير الذي آلت إليه غيرها من المبادرات التي قدمت خلال سنوات الحرب، وبالتالي لا يتحمل وزر فشلها بسبب ما يحيط بها من عوامل غير مواتية للنجاح.

تناقت بعض التقارير، في ضوء تحركات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، من إيعاز دولة عربية للمجلس الانتقالي المدعوم منها، لإفشال خارطة الطريق، وهو ما اتضح في كلمة الزبيدي خلال زيارته للضالع على الحدود بين الشمال والجنوب معلنا رفضه خارطة الطريق المعلنة.

مواقف خارجية

هناك بعض المحددات التي تعتبر خارج الحسابات الحوثية والجنوبية، لكنها تؤثر على مواقفهم، منها:

  • توقعت عدة مصادر أن هناك معوقات قادمة من الخارج، وليست من أطراف الحل، ومتمثلة في ضغط واشنطن لتأجيل التوقيع على الاتفاق الذي كان مقرراً أصلاً في الأسبوع الأخير من نوفمبر، غير أن تداعيات حرب غزة تسببت بتأجيله، والتأكيد على أن الولايات المتحدة تريد رهن الاتفاق بالتعامل مع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وباب المندب.
  • بعض التقارير التي تدعم اتجاهات معينة والتي تشير إلى أن اتفاق "السعودية والحوثيين" –هكذا تطلق عليه- تم دون مشاورة مع الحكومة الشرعية أو الأطراف اليمنية الفاعلة، وأن عدد من السياسيين وصفوه بالكارثي، ولا فرق بينه وبين الاتفاقات السابقة، والتي تم وصفها بأنها سطحية، وترسخ نفس الصيغ، وتكمن خطورتها في تسليمها البلاد للحوثيين.

مستقبل المفاوضات السعودية ـ الحوثية بشأن السلام

تؤكد مساحات التوافق الكبيرة على أن مستقبل اليمن أمام نقطة فارقة وإزاء مرحلة متقدمة للغاية، فهناك حالة دعم دولي لخارطة الطريق، وتوافقات للمسار السياسي غير مسبوقة، وتمثل نقطة انطلاق ودفع مهمة في سبيل السلام.

كما تؤكد مستوى التصريحات الخاصة بالقادة الحوثيين على أن هناك مساحة تقارب مطمئنة لكنها لا تخلو من بعض العراقيل التي يمكن التعامل معها رغم ذلك.

ولا تخلو التقارير المختلفة من بعض التناقض ما بين حالة التفاؤل الشديد وما بين نقاط الجمود، بما يؤكد أننا في مرحلة حرجة وحساسة، لكنها يمكن أن تتحول إلى فرصة كبيرة.

وبالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي فلا يزال يحاول فرض رؤيته الخاصة، ومحاولة الاستمرار في مساره الأحادي في قضية الجنوب بما لها من تداعيات غير جيدة على مسألة وحدة اليمن وسيادته، واستمرار ربط الجنوب مصيره بحزمة من الارتباطات الخارجية واستيراد الدعم من الخارج سيكون له تأثير سلبي على مسار الاتفاق الشامل.

أخيرًا، ورغم العديد من نقاط التوتر في الداخل اليمني، لكن هناك فرصة للحل، والإسراع في مسار السلام مهم في تلك المرحلة في ظل احتمالات تصاعد تأثير العوامل الخارجية، وفي ظل عدد من السيناريوهات المحتملة المتعلقة بأمن الملاحة أو حرب غزة، وبالتالي، محاولة فصل مسار الحل السياسي عن أية سياقات وضغوطات هي مسألة مهمة.