الصين تدعم الحوثيين وتضعهم في موقف قوة أمام أمريكا
كثفت الولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية جهودها الدبلوماسية لحشد موقف دولي متعدد الأطراف من أجل مواجهة الخطر الحوثي في البحر الأحمر وحماية سلسلة توريدات التجارة العالمية من ناحية، ودعم تخفيف الحصار المفروض بحرياً على الكيان الصهيوني من جانب الحوثيين من ناحية ثانية.
وبينما عملت الولايات المتحدة بجهد كبير على توحيد الصف دولياً ومحلياً لتحقيق توازن وردع إقليميين، تفاجأت بمواقف مُعارضة عربياً ودولياً لم تكن في الحسبان، إذ وجدت نفسها في قيادة تحالف لم تنضم إليه أي دولة عربية ذات ثقل إقليمي، كما رفضت الصين المنافس الدولي الأبرز للولايات المتحدة الانضمام للتحالف، ما وضع الجهود الأمريكية في موضع حرج إقليمياً ودولياً.
الموقف الصيني
أعلنت شركة الشحن الصينية "كوسكو" المملوكة للدولة تعليق شحناتها عبر البحر الأحمر على خلفية الهجمات الحوثية.
ورفضت الصين المشاركة في تحالف حارس الازدهار بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر.
تشير بعض التسريبات بأن الصين رفضت الاستجابة لنداءات استغاثة من جانب سفن شحن إسرائيلية في البحر الأحمر.
وواجه موقف الصين امتعاضاً من جانب الولايات المتحدة التي رأت في ذلك تخلياً عن دورها في حماية الملاحة الدولية باعتبارها قوة دولية كُبرى.
كما وجهت الولايات المتحدة اتهامات للصين بدعمها لهجمات حركة أنصار الله الحوثية في البحر الأحمر، واختيارها مبدأ الإبحار الآمن لسفنها إلى موانئ العالم باستثناء الموانئ الإسرائيلية.
وظهرت تسريبات تشير إلى أن الصواريخ الحوثية المُستخدمة في هجمات البحر الأحمر ضد السفن، هي صواريخ ذات تكنولوجيا صينية، انتهت إلى الأيادي الحوثية عبر إيران.
فيما أبرزت التقارير احتمالات استفادة الصين من الهجمات الحوثية ضد السُفن في البحر الأحمر، عبر توفير فرصة لها لمضاعفة خطوط السكك الحديدية الصينية من آسيا إلى أوروبا، ومن ثم تدعيم النفوذ الصيني بالشرق الأوسط على حساب تقويض نفوذ البحرية الأمريكية.
ما الذي تريده الصين
تحاول الصين دعم نفوذها في الشرق الأوسط عبر سياسة مُستقلة بشكل كبير عن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهر ذلك بشكل كبير عبر رعاية الصين للتقارب السعودي الإيراني في مارس من العام الماضي، وتحافظ الصين على ذلك الدور عبر اتخاذ مواقف منسجمة مع المملكة وإيران من سائر الملفات الإقليمية.
وتتعاون الصين مع دول المنطقة وبخاصة تلك التي انضمت مؤخراً إلى مجموعة "بريكس" (الامارات ومصر والمملكة) في اتخاذ مواقف مشتركة من أبرز الملفات، وهو ما تجلى في رفض تلك الدول جميعاً الانضمام إلى التحالف الأمريكي.
كما تعمل الصين على موازنة النفوذ البحري الأمريكي الذي تنامى بفعل اتفاق أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في المحيطين الهادي والهندي، عبر اتخاذ مواقف دفاعية مناوئة لتلك الدول في البحر الأحمر تحمي مصالح الصين.
وأصبحت دول الشرق الأوسط وبخاصة الخليج العربي مصدر هام للاستثمار وسوق للشركات الصينية، وهو ما يعني اتخاذ صين مواقف أكثر اتساقاً مع دول الشرق الأوسط.
وتعمل الصين خلال تنافسها العالمي مع الولايات المتحدة على تشكيل جبهة دولية تُمثل الجنوب العالمي في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا، بغرض موازنة تأثير الولايات المتحدة ومنافسته.
وتتزايد حدة التنافس العالمي بين الولايات المتحدة والصين على خلفية مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في مواجهة مشروع "ممر الهند - الشرق الأوسط – أوروبا" الأمريكي.
ويهدد طول أمد حرب غزة المصالح الصينية بشكل متنامي، ومن ثم فإن هدف الصين الأساسي وقف حرب غزة وليس تشكيل تحالف بحري عسكري قد يؤدي إلى مفاقمة الصراع وتوسيع رقعته في الشرق الأوسط.
وترى الصين في أن حل أزمة البحر الأحمر يكمن في السعي لوقف حرب غزة وليس في تشكيل تحالفات دفاعية في البحر الأحمر، إذ أعلن الحوثيون أن الهجمات ستقف إذا توقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وتتعامل مع التصعيد في البحر الأحمر على أنها ليست مشكلة صينية، فالحوثيون يستهدفون إسرائيل والسفن المتجه صوب موانئها، ومن ثم لا تشعر الصين بقلق من تهديد تجاه سفنها.
كما تصر الصين على عدم استخدام قاعدة جيبوتي الصينية باعتبارها قاعدة لوجيستية وليست عسكرية، ومن ثم لا ترى إمكانية المشاركة في التحالف باستخدام قاعدتها في جيبوتي.
أثر الرفض الصيني على تحالف "حارس الازدهار"
شجع الموقف الصيني مزيد من الدول على اتخاذ مواقف مناوئة للولايات المتحدة بشأن الانضمام للتحالف، إذ لفت الموقف الصيني النظر لمسألة الحل الحقيقي للأزمة وهو وقف الحرب على غزة باعتباره الحل الأنجع لمشكلة التصعيد الحوثي.
وقوض الموقف الصيني – بالإضافة إلى الموقف العربي – من فاعلية التحالف الدولي في مواجهة الحوثيين، إذ لم يتمكن التحالف من حشد تأييد واسع دولياً وإقليمياً يمكنه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
ويدعم الموقف الصيني الرؤية الحوثية التي ترى في الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل السبب الأساسي في استمرار حرب غزة، ومن ثم يُشكل الموقف الصيني ضغطاً متزايداً على الولايات المتحدة وتشجيعاً للاستمرار الحوثي في الهجمات البحرية.
تدعيم الموقف الحوثي
يعمل الموقف الصيني على اتخاذ طريقاً مناوئاً للنفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط، وهو ما يفسر انحياز الصين استراتيجياً ضد تحالف حارس الازدهار.
ورغم الموقف الصيني المناوئ للولايات المتحدة، فإن الصين تتكئ في مواقفها على مصالحها الاقتصادية بشكل أساسي، وهو ما يعني تغير تلك المواقف وتبدلها بحسب الحاجة دون تقيد بمبادئ ثابتة.
بينما تتزايد المنافسة الصينية التجارية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الصين لا تبدو حتى الآن مستعدة لأداء دور الولايات المتحدة أمنياً وعسكرياً.
وأظهرت التفاعلات حول تشكيل تحالف حارس الازدهار، مدى تراجع التأثير والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وانسجامه مع مواقف الدول العربية، لصالح تنامي الانسجام والتناغم فيما بين مواقف الصين والدول العربية.
ويُظهر الموقف العربي من تحالف حارس الازدهار الاستعداد العربي لتنويع الانحيازات الدولية، وتوزيعها فيما بين القوى الدولية الكُبرى.
ويدعم الموقف الصيني المناوئ لتحالف حارس الازدهار من تقويض فاعلية ذلك التحالف، الذي تراجع الزخم حوله بشكل كبير بعد الأيام الأولى من تشكله، في ظل غموض كبير بشأن طبيعة أهدافه والدور المُحتمل الذي سيقوم به لردع الحوثيين.
ويعمل الموقف الصيني على تدعيم الموقف الحوثي، ومن ثم قد يؤدي إلى استمرار التصعيد الحوثي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة في البحر الأحمر، ومن ثم استمرار تعطيل جهود السلام اليمنية التي ترعاها المملكة.