نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء، هذه كانت أسلحته التى اعتمد عليها فى إصطياد النساء، والإيقاع بهن فى شباكه حتى يتمكن من سرقتهن وقتلهن .
سعد إسكندر، الشهير بـ"سفاح كرموز"، استطاع أن يزرع الخوف والرعب فى قلوب رجال الإسكندرية قبل نسائها، وسطع نجمه فى عالم الإجرام، وتصدرت صورته صفحات الجرائد والمجلات، وظل أكثر من خمس سنوات يمارس جرائمه بعيدا عن أعين رجال الشرطة، اعتمد السفاح على وسامته بشكل كبير فى جرائمه ضد النساء، ولم يخطر أبدا بباله أن أيدى رجال المباحث قريبة منه، وأنه سيأتى يوما ويقع هو فى شباكهم .
بدأت حكاية سعد إسكندر، الشهير بسفاح كرموز، عندما ترك بلدته التى نشأ فيها، فهو من مواليد محافظه أسوان، ووجه قبلته نحو مدينة الإسكندرية فى عام ١٩٤٨ قاصدا أحد أقاربه وعندما استقر به الحال، أخد منه مبلغ من المال على سبيل الإقراض بحجة أنه يرغب فى تجارة الغلال، ولكن حلم إسكندر كان أكبر بكثير من التجارة فى الغلال، والحصول على حفنة من الجنيهات فهو دائما كان يتطلع إلى تحقيق حلم الثراء حتى يصبح من الأعيان أصحاب الأرصدة فى البنوك .
ويبدو أنه كان يعلم طريقه جيدا، فخلال فترة زمنية قصيرة ارتكب سلسلة من الجرائم التى أدخلت الرعب والذعر فى قلوب سكان الإسكندرية .
سفاح كرموز كان يستقبل السيدات النازحات من منطقة جبل نافع إلى سوق الأقمشة، حيث كان يعترض طريقهن في منطقة مينا البصل بجلوسه على كرسى قام بوضعه على الرصيف، وبنظراته استطاع جذب السيدات إليه ثم ارتكابه الجرائم فى حقهن، ولم تقتصر جرائم السفاح على قتل النساء فقط بل وصلت إلى الرجال الذى كان يقوم بقتلهم من أجل السرقة.
إختفى الكتير من السيدات فى ظروف غامضة ، واتجه الاهالى إلى أقسام الشرطة لتحرير البلاغات ضد مجهول يقوم بخطف ذويهم من النساء، ولكن دون جدوى فالجريمة موجودة والفاعل فى كل مرة مجهول .
وظل أختفاء السيدات وعدم العثور على جثثهم لغز أحتار فى فكه رجال الشرطة، واستطاع اسكندر أن ينفذ جريمته فى كل مرة بمنتهى الاتقان .
وفى إحدى المرات تعرف السفاح على فتاة تدعى "فاطمة" تسكن فى حى غبريال، وقعت فى غرامه وراحت تستضيفه كل ليلة فى منزلها، وخشية افتضاح أمرها أخبرت جيرانها بأنه شقيقها، وفى إحدى الأمسيات أخبرته عن جارتها العجوز التى تعيش بمفردها ولديها الكثير من الاموال، فاختمرت فكرة قتل العجوز وسرقتها فى رأسه وراح يدبر ويخطط لها .
وفى الليلة التالية توجه إلى منزل العجوز "بمبة" وطرق الباب وعندما فتحت له، انهال عليها بالساطور ولم يتركها إلا بعدما تأكد أنها فارقت الحياة، ولكن شاءت الأقدار أن تضع جارتها "قطقوطه" فى طريقه ولم يجد أمامها سوى القيام بقتلها والتخلص منها ثم فر هاربا، بعد سرقة قرطها الذهبى ومبلغ سبع جنيهات، وفشلت الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض عليه.
استمر السفاح فى إرتكاب جرائمه، وفى إحدى الأيام قام إسكندر باستدراج تاجر أقمشة شهير بالإسكندرية، إلى الشونة بحجة أنه يرغب فى شراء بعض الأقمشة، ثم غافله وقام بضربه، على رأسه بعصا كانت بحوزته، ولم يتركه إلا جثة هامدة وسط بركة من الدماء، ثم إستولى على أمواله وقام بدفنه في أرض الشونة.
وتوالت جرائم السفاح الوسيم، حتى تم إلقاء القبض عليه، في عام 1952، بحيلة ذكية من النقيب عبد الحميد محمد محمود، الذى تم استدعائه خصيصا للإيقاع بالسفاح ، وكان وقتها يعمل فى قسم شرطة نجع حمادى، ارتدى الضابط جلبابا صعيديا وكان يجيد اللهجة الصعيدية، وتم الاتفاق مع سيدة من الإسكندرية تسير برفقته وضابط أخر، حيث حاول "السفاح" أن يجذب السيدة إليه، وتمكنوا من الإيقاع به، وألقوا القبض عليه،وانتهت أسطورة السفاح التى أرعبت شوارع الإسكندرية.
وبالرغم من سقوط السفاح فى قبضة الأمن وإيداعه قفص المحكمة، إلا أنه كان حريصاً على الظهور أنيقاً مرتدياً أفضل الثياب، وكان يضع "الجاكت" على قيوده الحديدية حتى لا تراه الفتيات وهو مغلول الأيدى ولا يتمكن الصحفيون من التقاط صور له.
وتم تقديمه للمحاكمة أربع مرات وأصدرت المحكمة أول حكم لها بالأشغال المؤبدة مرتين في قضيتي مقتل تاجر الحبوب وتاجر الأقمشة ثم صدر بعد ذلك ضده حكمين بالإعدام.
وفى 25 فبراير عام 1953 اقتيد إلى غرفة الإعدام، وقبل إعدامه بدقائق قليلة سأله مأمور السجن السؤال المعتاد، عما إذا كان يريد شيئاً قبل تنفيذ حكم إعدامه، فأجاب بهدوء شديد وابتسامة غير مباليةً قائلاً:"أريد كوب ماء وسيجارة"، وتم تنفيذ الحكم فى صباح هذا اليوم .