تعرف علي حكاية مثل ”الحسود لا يسود” الذي خرج من عهد الخليفة العباسي
نشاهد المسلسلات ونتعلق بها، وبالأحداث التي تدور فيها، حتى أننا أحيانًا نأخذ منها "حكم وأمثال" نرددها، والأمثال الشعبية يتم تداولها بين الناس في حياتهم اليومية، فهي تعكس ثقافة المجتمع التي جاءت منه، والشعب المصري من أكثر الشعوب التي تنتشر فيه الأمثال الشعبية والحكم المأثورة التي تعبر عن موقف ما يصادف الفرد.
لكن في الغالب لا نعرف ما هي قصة هذا المثل الشعبي، الذي نستخدمه في مختلف المواقف الحياتية، فعلى سبيل المثال ظهر في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي، والعطار والسبع بنات"، وغيرها من الأعمال العديد من الأمثال الشعبية التي سنستعرضها معًا تحت عنوان "مثلك من مسلسلك".
"الحسود لا يسود" تدور أحداث هذا المثل في عهد المعتصم بالله الخليفة العبّاسي ، بين رجل مقرب من أميرِ المؤمنين وبين الوزير، حيث في هذا المثل حكمة وعبره كالتالي..
يُروى أنّه دخلَ رجلٌ على المعتصم فقرّبه وأدناه، وجعله نديمهُ وصارَ يدخلُ على حريمهِ من غيرِ استئذان، وكان للمعتصم وزير حاسد فغار منهُ وحسدهُ، ثم قال في نفسهِ: إن لم أتحايل على هذا الرّجل وأقتلهُ فسوفَ أفقد مركزي، فصارَ الوزيرُ يتلطّف ويساير الرّجل، حتّى اتى به الى منزلهِ.
طبخَ الوزير للرّجلِ طعاماً وأكثر فيهِ الثّوم فلمّا أكلهُ الرّجل قال لهُ الوزير: احغذر أن تقترب من أميرِ المؤمنين فيشمّ منكَ رائحةَ الثّوم فيتأذّى من ذلكَ لأنّه يكرهُ رائحتَهُ، ثمّ ذهبَ الوزيرُ إلى أمير المؤمنين وقال له: يا أميرَ المؤمنين إنّ الرّجل الذّي تتّخذه صديقاً لك يقولُ عنك أنّك أبخر، والأبخر هو الشّخص ذو الرائحةِ الكريهةِ منَ الفم، وأنّ رائحة فمكَ قد أهلكته.
فلمّا دخل الرّجل على أميرِ المؤمنين جعل يدَهُ على فمهِ مخافةَ أن يشمّ منهُ رائحةَ الثّوم، فلمّا رأهُ أميرُ المؤمنين وهو يسترُ فمهُ بيدهِ قال في نفسه: يبدو أنّ ما قاله الوزير عن هذا الرّجل صحيح.
فكتب أميرُ المؤمنين كتاباً إلى أحد عمّاله يقول لهُ فيه: إذا وصلً إليكَ كتابي هذا فأضرب رقبة حاملِهِ ودَفعَ إليهِ بالكتاب، وقال له: امضي به إلى فُلان ، وائتني بالجواب.
فامتثلَ الرّجل لطلبِ أميرِ المؤمنين، وأخذَ الكتابَ وخرجَ به من عندهِ، وبينما الرّجل بالباب، إذ لقيَهُ الوزيرُ فقال: إلى أين تريدُ الذّهاب؟ فردَّ عليه الرّجل: أتوجّه بكتابٍ من أميرِ المؤمنين إلى عامله فُلان، فقال الوزيرُ في نفسهِ: إنّ هذا الرّجل يحصلُ له من التقليدِ مالاً جزيلاً، فقال له: أسمع يا رجل، ماذا تقولُ فيمن يريحُكَ من هذا التعبِ الّذي يلحقك في سفركَ ويعطيكَ ألفي دينار، فردّ عليه الرّجل قائلاً: أنتَ الكبيرُ، وأنتَ الحكيم ومهما رأيتُ من رأيٍ سأفعل فقال الوزير: أعطني الكتاب، فدفعَهُ إليه وأعطاهُ الوزير ألفي دينار، وسارَ الوزيرُ بالكتابِ إلى المكان الّذي هو قاصدُهُ، فلمّا قرأَ العاملّ الكتابَ، أمرَ بضربِ رقبةِ الوزيرِ فوراً، ومن هنا جاء مثل "الحسود لا يسود".