دينس روس يكتب.. نتنياهو يرى لحظة تاريخية في عملية الضّم، ولكنه قد لا يرى المخاطر
بينما كنتُ جالساً في ساعة متأخرة من إحدى الليالي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على طاولة المفاوضات المتعلقة بما سيُعرف لاحقاً بـ "بروتوكول الخليل"، قال لي: "سأقوم بما فعله بن جوريون". وكنتُ أعلم أنه تلميذ الحركة "التصحيحية" - العدوّة اللدودة لدافيد بن جوريون، لذلك قلتُ: "أنتَ تقصد مناحم بيجن". فردّ قائلاً: "كلا، لا أقصد بيجن، بل بن جوريون - هو مَن قام بالإنجازات المهمّة".
وبينما كنتُ أسعى جاهداً لأفهم لماذا يبدو نتنياهو مصمماً للغاية على المضي قدماً في ضمّ أراضي الضفة الغربية المخصصة لإسرائيل في خطة ترامب، بدأتُ أفكّر مجدداً في تلك المحادثة. فنتنياهو هو رجل سياسي إسرائيلي لا يقيّده شيء، غير أنه كان يتجنّب المخاطر طوال فترة تولّيه منصب رئاسة الحكومة عندما تعلّق الأمر بالأمن القومي.
لكن بينما يصرّح العاهل الأردني الملك عبدالله أنّ عملية الضم ستثير "صراع شامل"، ويقول الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إنّ جميع الاتفاقات مع إسرائيل ستنتهي، ويهدد وزير خارجية "الاتحاد الأوروربي" جوزيب بوريل بالعواقب إذا مضت إسرائيل قدماً في خططها، ويُعبّر جو بايدن الذي قد يصبح رئيس الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير المقبل عن معارضته، يبدو أنّ نتنياهو مصمّمٌ على تنفيذ هذه الخطوة اعتباراً من 1 تموز/ يوليو.
وكان بن جوريون قد أعلن عن قيام دولة إسرائيل - بالرغم من المعارضة الأمريكية المتوقعة واليقين بالتعرّض للغزو من قبل الدول العربية. وعَلِمَ أنّ الثمن سيكون غالياً، لكنه اعتقد أنه إذا لم يعلن عن قيام الدولة مع انتهاء الوجود والانتداب البريطانييْن، فقد لا تكون هناك مجدداً ذريعة وتبريراً للقيام بذلك. نعم، لقد دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً إذ فقد 6,000 إسرائيلي حياتهم، أي ما يقارب 1 في المائة من سكّانها، في حرب استقلالها. لكن بالنسبة لبن جوريون، الذي كان مصمماً على إنهاء ألْفّي عام من التشرد اليهودي، كان الثمن أكبر لو لم يحرّك ساكناً.
ويرى نتنياهو الآن أنّ لحظة بن غوريون الخاصة به قد حلّت. فهو يعتقد أنّ إدارة ترامب تسمح له بتحديد حدود إسرائيل إلى الشرق، والحفاظ على المناطق التي يعتبرها مهمة جدّاً للأمن الإسرائيلي، وإنشاء خط أساس جديد لأي مفاوضات قد تجري في المستقبل مع
الفلسطينيين. فلن يبقى خط الأساس مرتكزاً على خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967، بل على خطة ترامب: أي ما يصل إلى 70 في المائة من الضفة الغربية بدلاً من 100 في المائة.
وعلى نحوٍ مشابهٍ جدّاً لبن جوريون في عام 1948، يرى نتنياهو فرصةً تاريخية. ولكن بخلاف بن غوريون، الذي كان يدرك أنّ الثمن سيكون باهظاً، لا يرى نتنياهو مخاطرة تُذكر. وكانت هناك تحذيرات لم تؤخَذ على محمل الجدّ بشأن اندلاع العنف إذا نقلَ ترامب السفارة الأمريكية واعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل؛ وكانت هناك تحذيرات من اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية في الجولان؛ وكانت هناك تحذيرات بشأن خطة ترامب للسلام - ولكن لم يتحقق أي شيء في أيٍّ من هذه الحالات.
وفي نظر نتنياهو، إن تهديدات عبّاس بإنهاء جميع أوجه التعاون وإدارة "السلطة الفلسطينية" ظهرها لإسرائيل هي تهديدات فارغة وليست جديدة - فرغم كل شيء، يوفّر التعاون الأمني مع إسرائيل الحماية لعبّاس ولقيادة "السلطة الفلسطينية" من حركة «حماس» وغيرها، ولن يدعَ عبّاس والآخرون انهيار "السلطة الفلسطينية" لأنّ ذلك يعني خسارة كل ما يملكونه.
من جهة أخرى، يعتمد الأردن على المساعدة الماليّة الأمريكية أكثر من أي وقتٍ مضى، ولا يمكنه أن يتحمّل تعريضها للخطر؛ ويهتم بعض القادة العرب الآخرين بالحفاظ على المساعدة الهادئة من إسرائيل ضدّ إيران وجماعة «الإخوان المسلمين» أكثر من اهتمامهم بالفلسطينيين؛ ويتصرّف "الاتحاد الأوروبي" على أساس الإجماع، مع ضمان قيام المجر على نحوٍ شبه مؤكّد بمنع أي عقوبات.
لكنني أظن أن نتنياهو مخطئ بشأن كلٍّ من المكاسب والمخاطر.
أوّلاً، إذا فاز بايدن وعكس الاعتراف بعملية الضم، وتنصّل من خطة ترامب، فلن ينشأ خط أساس جديد، لا سيّما في ظل عدم قبول أي أحد دوليّاً بالتصرف الإسرائيلي. ثانياً، يتجاهل نتنياهو أنّ الاستجابات المحدودة لقرارات ترامب بشأن القدس ومرتفعات الجولان وخطة السلام الخاصة به كانت جميعها تتعلق بالخطوات الأمريكية، وليس الإسرائيلية. أمّا الآن، فإسرائيل هي مَن تتصرّف وتفرض النتيجة. وسيشعر الفلسطينيون أنهم مضطرون لإظهار عدم الرضوخ؛ ويبرّر الجهاز الأمني الفلسطيني دوره على أنه ضروري لتحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية، وليس ضمان قيام إسرائيل بضمّ ما يعتبره الفلسطينيون أراضيهم. ولا يمكن اعتبار سلوكهم، وحتى بقاء "السلطة الفلسطينية"، التي بدأت تتزعزع اقتصاديّاً، أمراً مفروغاً منه. فقد يؤدّي ذلك إلى الفوضى والعنف.
ثالثاً، قد تكون خيارات الملك عبدالله محدودة، إلا أنّ ضمّ غور الأردن سيجبره على الرد وربما يقوم بتعليق معاهدة السلام الأردنية مع إسرائيل.
رابعاً، قد لا يكون الإجماع في "الاتحاد الأوروبي" موجوداً لفرض عقوبات، لكنه ضروري من أجل توسيع نطاق البرامج القائمة في إسرائيل. فهل سيستمر "برنامج «الاتحاد الأوروبي» للبحث والابتكار"، الذي يستثمر بشكل كبير في قطاع البحث والتطوير الإسرائيلي؟ لا تراهنوا على ذلك.
هناك مخاطر أخرى تشمل احتمال قيام إدارة أمريكية جديدة لا تدافع عن عملية الضم الإسرائيلية في "مجلس الأمن الدولي"، وقيام "المحكمة الجنائية الدولية" باستغلال عملية الضم كذريعة أكثر شرعية للعمل ضدّ إسرائيل.
وبالطبع، قد يقرّر نتنياهو أن يقتصر نطاق عملية الضم على مناطق الكتل الاستيطانية التي يُرجَّح أن تشكّل جزءاً من إسرائيل في أي عملية تسوية سلمية واقعية، وقد يعلن أنه يقوم بذلك لإعطاء الفلسطينيين فرصةً من أجل التفاوض قبل اتّخاذ خطوات إضافية. ويمكن أن يخفف ذلك من حدّة ردة الفعل الصادرة عن الجميع باستثناء الفلسطينيين. فبالنسبة إليهم، سيتم تجاوز عتبة جديدة في هذه الحالة.
وفي النهاية، قد يكون نتنياهو على حق، وقد أكون مخطئاً بشأن حساباته. ولكن هناك فرق مهم. فإذا كنتُ مخطئاً، ستستمرّ إسرائيل في السيطرة على الأرض ولن تخسر شيئاً. أمّا إذا كان نتنياهو على خطأ، فقد تتكبّد إسرائيل خسارة هائلة.