عزيز عثمان.. قصة «محمود بلاليكا» الذي وقع في غرام ليلى فوزي وقضت عليه الغيرة القاتلة
عبر شخصية «محمود بلاليكا» التي جسدها في فيلم «لعبة الست»، عرف المصريون الفنان عزيز عثمان، بخفة دمه، وأغنيته الشهيرة «بطلوا ده.. واسمعوا ده»، والتي ظلت معلقة في أذهانهم رغم مرور عقود طويلة على غنائها.. فما هي قصة هذا الفنان الذي توفى بعد أيام من طلاقه لزوجته؟.
إنشاد ديني وحفلات
البداية كانت من عند المطرب الشهير محمد عثمان، بعد أن فقد القدرة على الغناء جرّاء إصابة حنجرته بمرض حار الأطباء في علاجه، فوجه الأنظار نحو ابنه الذي بدأت تظهر لديه موهبة الغناء، فألحقه بفرق الإنشاد الديني باعتبارها من أهم الفرص لأي مطرب ناشئ آنذاك، وبدأ يصحبه في الحفلات التي كان يشارك بها ليتسنى له تعلم الغناء بحرفية عالية.
ويروي زياد عساف في كتابه «المنسي في الغناء العربي»، أنه مع مرور الوقت، بدأ الابن الصغير يقدم بعض الفقرات الغنائية في الحفلات، وأخذ يرسم لنفسه خطاً مغايراً بالتوجه نحو الأغنية الفكاهية والساخرة على عكس رغبة والده الذي وجهه نحو مدرسة الطرب الأصيل حتى يكمل المشوار من بعده، فراح «عزيز» يغني لليلى مراد في أوبريت «اللي يقدر على قلبي» قائلاً، «سيبك منهم ده مفيش غيري.. قيمة ومركز ووظيفة ميري» التي عززت شهرته تاركاً بصمة خاصة له في هذا اللون وتجربة متميزة تستحق البحث والدراسة.
وكحال معظم المطربين عمل عزيز عثمان في كازينو بديعة مصابني بداية الأمر، إلا أن ظهوره تأخر عدة سنوات. يعلل الكثيرون ذلك بأن فن الغناء الساخر يحتاج لوقت طويل حتى يترسخ اسم الفنان، كما أن مداه لا يتعدى مجال السينما، وهذا ما يفسر بقاء عزيز محصوراً بالسينما الغنائية التي كانت تقدم عدداً قليلاً من الأفلام سنوياً، ومن هنا وقع هذا المأزق فكانت كل أغانيه التي استمعنا إليها من خلال الأفلام فقط التي ظهر بها.
وعلى ما يبدو أن «عزيز» تعامل مع الفن كهواية ولم يبذل أي مجهود من أجل التوسع والانتشار، فلم يشارك في الحفلات الإذاعية أو في المسرح الغنائي أو حفلات أضواء المدينة، عدا أن القدر لم يسعفه بالاستفادة من التلفزيون كونه توفى قبل ظهوره بعدة سنوات.
أعمال عديدة
على كلٍ، لم يتجاوز تواجد عزيز عثمان (1892- 1955) على الساحة الفنية عشرة أعوام قدم خلالها ما يقارب الثلاثين فيلماً، ولم يأخذ دور البطولة مطلقاً لاعتبارات عديدة، منها دخوله مجال التمثيل وهو في سن الخمسين من العمر مما يتنافى مع مقاييس النجومية تلك الفترة، إضافة إلى أن ملامحه لم تكن بمواصفات الوسامة التي تعتمدها السينما بتخصيص دور البطولة لنجوم بمقياس أنور وجدي ورشدي أباظة وحسين صدقي.
لقد امتلك عزيز عثمان الموهبة التي تؤهله إلى فرص أكبر، وكان كل ما ينقصه مخرجين بعقلية الثمانينيات القرن الماضي التي تجاوزت متطلبات الوسامة التقليدية، وأصبحت أدوار البطولة تُسند لنجوم بمقاييس أحمد زكي ويحيى الفخراني وعادل إمام.
لكن رغم الأدوار الثانوية التي كان يؤديها «عزيز» فإن الجمهور أحبه لخفة الدم وعفوية الأداء، وظهر ذلك في أول فيلم شارك به هو «لعبة الست» عام 1946 مع نجيب الريحاني وتحية كاريوكا، وعلق بأذهان الناس بشخصية «محمود بلاليكا».
كما شارك مع نجمات السينما في الأربعينيات وأواسط الخمسينيات من القرن العشرين مع الفنانة تحية كاريوكا مثّل مجموعة أفلام مثل «على كيفك»، و«المنتصر»، و«المرأة كل شيء»، و«أنا ذنبي إيه»، و«ابن للإيجار».
وقدم مجموعة أعمال جميلة مع شادية منها «أيام شبابي»، و«ساعة لقللبك»، و«سماعة التليفون»، و«مشغول بغيري»، و«لسانك حصانك»، كما وقف أمام ليلى مراد في فيلمي «الهوى والشباب»، و«عنبر»، أما آخر أفلامه فكانت مع صباح في «يا ظالمني».
وفي أفلامه قدم مجموعة من الأغاني منها «نفسي أغني»، و«تحت الشباك ولمحتك يا جدع»، وببساطة وخفة الأداء التي عُرف بها غنى «عيون حبيبي خُضر».
زواج وغيرة
«أونكل عزيز»، هكذا اعتادت الممثلة ليلى فوزي أن تخاطب عزيز عثمان صديق والدها الذي كان دائم التردد على زيارتهم في المنزل وشاركته التمثيل في بعض الأفلام فيما بعد.
وكانت المفاجأة في الوسط الفني وما بين عامة الناس عندما تزوجت ليلى فوزي من «عزيز» الذي يكبرها بثلاثين عاماً، في وقت كان يُطلق عليها لقب «جميلة الجميلات» لجمالها الشديد.
في فيلم «لعبة الست» غنى عزيز عثمان متهكماً على نجيب الريحاني «بطلوا ده.. واسمعوا ده.. يا ما لسه نشوف وياما.. الغراب يا وقعة سودة.. جوزوه أحلى يمامة»، وكان ذلك في مشهد حفل زفاف نجيب الريحاني معاتباً العروس (تحية كاريوكا) على سوء اختيارها، لكن هذه الأغنية انعكست سلباً على عزيز عثمان وعلى أرض الواقع وليس على شاشة السينما.
ومن خلال الكتاب الذي قدمه طاهر البهي عن سيرة حياتها، تروي ليلى فوزي كيف أن الناس أصبحوا يغنون لها هذه الأغنية «بطلوا ده» أينما حلت، معبرين بذلك عن استغرابهم عن هذا الزواج فشكّل لها هذا ضغطاً نفسياً لا يُحتمل.
وتفسر ليلى فوزي في مذكراتها أنها تزوجت «عزيز» بإلحاح من والدها، وكيف أن عزيز أصبح يعاملها بقسوة آخذاً دور الأب المتشدد وهي التي تزوجته معتقدة أنها ستتخلص من سطوة والدها. ومع تدخل أصدقاء من الوسط الفني وافق عزيز على طلاقها مُرغماً، وتوفى بعد ذلك بأيام عام 1955 من جراء هذه الصدمة التي لم يقو على احتمالها.