صوت الأزهر الشريف أوقف جريمة صهيونية جديدة
ياسر بركات يكتب : إسرائيل تتراجع عن سياسة ضم الأراضى الفلسطينية
الاتحاد الأوربى يهدد تل أبيب بالمقاطعة .. ومصر وفرنسا والأردن أعلنت رفض السطو على الأراضى الفلسطينية
كان من المقرر أن يبدأ الائتلاف الحاكم في إسرائيل مناقشة خطة الضم في الأول من يوليو الجاري. لكن ذلك لم يحدث بسبب خلافات داخل الائتلاف. وغالبا لم يحدث بعد أن حذرت مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، الثلاثاء الماضي، من تبعات ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية.
هذه الدول، إلى جانب المجتمع الدولي والأمم المتحدة، تعارض خطط إسرائيل التي تتضمن ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. كما تعارض السلطة الفلسطينية هذه الخطوة. وقال وزراء الخارجية بعد مؤتمر بالفيديو: "نحن متفقون على أن أي ضم لأراضٍ فلسطينية محتلة في عام 1967 سيكون انتهاكاً للقانون الدولي، وسيهدد أسس عملية السلام". وأضافوا: "لن نعترف بأي تغييرات في حدود 1967 لا يوافق عليها طرفا الصراع". وتابعوا أن التغييرات "قد يكون لها أيضاً عواقب على العلاقات مع إسرائيل". وقالت الدول الأربع، في بيان وزعته وزارة الخارجية الألمانية، إن وزراء خارجيتها بحثوا كيفية استئناف المحادثات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
قبل أن تغيب شمس الإمبراطورية البريطانية عن المشهد السياسي العالمي، كان لها دور أساسي في إعداد وتحضير قوة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لذا كانت فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وفقاً لأحد الباحثين، مرحلة لتحقيق هدفين أساسيين: إنشاء بنية أساسية تجعل إسرائيل دولة ظلٍ ممثلةً في الوكالة اليهودية وأفرعها العسكرية والمالية والاستخبارية.. وتهيئة جيل جديد من الفلسطينيين يتخلون عن قيادتهم ويساومون في تاريخهم الوطني وفي حقوق شعبهم.
كانت المهمة منذ البداية تقتضي امتلاك أكبر كم من المعلومات حول المجتمع الفلسطيني، والعمل على نشر الخلافات والصراعات داخله، وخلق حالة من الفوضى والاضطراب في المنطقة العربية ككل. وفي تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، مؤخراً، طالبت الصحيفةُ بريطانيا بتصحيح الخطأ الذي تسبب فيه "وعد بلفور" وبالوقوف ضد "الضم" الذي تنوي الحكومة الإسرائيلية تنفيذه في مناطق من الضفة الغربية وغور الأردن. وينقل التقرير عن أحد المختصين: "إن اليهود كانوا في سنة 1907 لا يملكون في فلسطين سوى 2%، لكن مشروع التقسيم الذي اقترحته الأمم المتحدة أعطى لليهود نسبة 55%، وزادت هذه النسبة عقب حرب 1967، ثم جعلت اتفاقية أوسلو إسرائيلَ تستولي على 78%. وإذا مضت الحكومة الإسرائيلية في ضم 30% من الضفة الغربية فلن يبقى للفلسطينيين إلا نسبة 15%".
الحقيقة أن العالم كله، لاسيما دول الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، يرفض مخطط "الضم". وقد هدد الاتحاد الأوروبي إسرائيلَ بعقوبات تشمل: توقف وزراء خارجية دول الاتحاد عن زيارة الدولة العبرية، وقف التعاون الأكاديمي، وقف كل المعونات والمنح التي يخصصها الاتحاد للجامعات الإسرائيلية رغم ما يسببه له ذلك من خسائر كبيرة. كما وجّه الأزهر الشريف دعوة إلى الأمة العربية والإسلامية لمواجهة مخططات السطو على أرض الضفة، ودعا الجميع إلى مواجهة ما يحاك ضد فلسطين.
إسرائيلياً، كان المؤرخ الإسرائيلي "بيني مورس" واضحاً وصريحاً عندما قال إنه "خلال سنوات سينتصر الفلسطينيون، وسيكون اليهود أقلية في هذه الأرض، وصاحب الحظ مَن يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا". وتابع "مورس" قائلا: "إن إسرائيل لا تزال تعتبر نفسها دولة يهودية، لكن حُكمَها لشعب محتل، بلا حقوق ولا مصير، ليس وضعاً قابلا للاستمرار والاستدامة". وفي معنى قريب من ذلك، يقول رئيس "الشاباك"، جهاز الأمن العام الإسرائيلي السابق، كارمي جليون، "إن استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى سيقود إلى خراب مؤكد ضد إسرائيل". كما يعبر الرئيس السابق لـ"الموساد" ، منير داجان، عن شعوره بوجد "خطر يهدد بضياع الحلم الصهيوني". وفي السياق نفسه يقول "روني دانييل"، المحلل العسكري في القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، إنه غير مطمئن إلى أن أولاده سيكون لهم مستقبل آمن فى إسرائيل، ويتوقع أن يغادروها عاجلاً أم آجلاً.
سياسيون إسرائيليون بارزون يعارضون "الضم" بأقوى العبارات. وعلى سبيل المثال، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إيهود أولمرت" اتهم صراحة بنيامين نتنياهو بأنه يسعى لـ"إشعال الشرق الأوسط من خلال خطة الضم"، فيما اعتبرت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، أن "الضم خطأ تاريخي ضد المصالح الإسرائيلية، ويعني حقيقةً أن إسرائيل ستتجاوز وتتخطى نقطة اللاعودة، وهذا خطأ تاريخي لإسرائيل".
كذلك، تحدثت مصادر مطلعة عن أن المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية قلقة، وأحياناً مستاءة، من توجهات "الضم"، لكنها تعبّر عن ذلك على نحو غير مباشر ومن خلال أصوات بارزة ولو "متقاعدة". فمثلا، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام "الشاباك" (يعقوب بيري) قال: "أي عملية ضم أحادية الجانب، لن تحمل معها استراتيجية أو فرصة تاريخية". أما رئيس معهد أبحاث الأمن القومي ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) الأسبق، "عاموس يدلين"، فقال: "يمكن فهم خطوة الضم فقط في إطار تسوية مستقبلية وليس في نطاق خطوة ضم في توقيت بائس، لذا فستكون مساهمتها في الأمن القومي هامشية". ويضيف: "إنها خطوة مناهضة للصهيونية، وستمنع في المستقبل أي إمكانية للانفصال عن الفلسطينيين والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، آمنة وأخلاقية".
أيضا يرى متان فلنائي، الوزير السابق ورئيس حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، أن "إضعاف السلطة الفلسطينية سيتسبب بإشعال الشارع الفلسطيني. إنها خطوة متسرعة، وفي حال تنفيذها فستؤدي إلى عدم استقرار محلي وإقليمي، وسندفع جميعاً ثمن ذلك. لا نعرف كيف سيبدو اليوم التالي للضم، لكننا بالتأكيد نعرف أمراً واحداً وهو أنه لا يوجد أي مبرر أمني لهذا الضم. كما أنه سيؤدي في نهاية الأمر إلى قيام دولة ثنائية القومية ووضع حد للحلم الصهيوني". كما يعتقد "عاموس جلعاد"، اللواء احتياط والرئيس السابق للقسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن الخطة "عمل غير مسؤول وتنطوي على رهان خطر، وفيها تهديد لأمن إسرائيل القومي.. إنها خطوة لا لزوم لها بتاتاً، وذات طاقة ضرر كامنة متعددة الأبعاد في المدى البعيد على أمن إسرائيل ومستقبلها".
الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية يفضي إلى إبعاد إسرائيل عن قبولها إقليمياً في المنطقة، خاصة أنها لطالما ادعت بعدم رغبتها في حكم الفلسطينيين وأن الاحتلال وضع مؤقت، لكنها إن نفذت "الضم" فإنها بذلك تديم حالة الاحتلال.
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، كانت قد أكدت نهاية الشهر الماضي أن مخطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة "غير شرعي"، وطالبت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالعودة عن المخطط، محذرة في بيان من أن العواقب قد تكون كارثية. وقالت "الضم غير شرعي. نقطة على السطر.. أي ضم سواء كان لـ30% من الضفة الغربية أم لـ5%". وحضت إسرائيل على أن تصغي إلى كبار موظفيها الرسميين السابقين وجنرالاتها وكذلك إلى العديد من الأصوات في العالم التي تحذرها من المضي في هذه الطريق الخطرة، محذرة من أن آثار الضم ستستمر لعقود وستكون مسيئة جداً لإسرائيل". وقالت "إنه لا يمكن توقع العواقب المحددة للضم، لكنها قد تكون كارثية للفلسطينيين ولإسرائيل ولكل المنطقة".
باشليه، حذرت من أن "أي محاولة لضم أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة لن تسيء فقط بشكل خطير إلى جهود التوصل إلى سلام دائم في المنطقة، بل من المرجح أن ترسخ وتديم وتفاقم الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي طبعت النزاع منذ عقود". ونبهت إلى أن من شأن خطوة كتلك أن تؤدي بالتأكيد إلى زيادة القيود على حق الفلسطينيين في حرية التنقل، في وقت تصبح مراكزهم السكانية جيوباً معزولةً. ونبهت باشليه بأن الفلسطينيين داخل المناطق المخطط ضمها، سيتعرضون لضغوط كبيرة كي يغادروها، مشيرة إلى أن تجمعات سكانية بأكملها غير معترف بها بموجب الخطة الإسرائيلية ستواجه مخاطر نقل قسري.
المستوطنات، تعد أساسا انتهاكا واضحا للشرعية الدولية. والضم غير الشرعي لن يغير صفة إسرائيل كقوة احتلال بموجب القانون الدولي. لكنه سيضر بشكل كبير بإمكانية حل الدولتين، ويقوض احتمالات تجدد المفاوضات ويرسخ انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة القائمة وانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي نشهدها اليوم.