خُصصت لها أماكن.. هكذا كانت الدعارة في أيام الحملة الفرنسية وعصر الباشا
كانت الدعارة في مصر مقننة، فوُضعت لها القوانين، ونظمتها اللوائح، وعوقبت المُخالفات بالإبعاد إلى مناطق بعيدة عن القاهرة، بل وبالجلد في بعض الأحيان.
فى كتابه "مجتمع القاهرة السرى- 1900-1951" يؤكد المؤرخ الدكتور عبد الوهاب بكر، أنه خلال الحملة الفرنسية أقيمت فى "غيط النوبى" المجاور لحي الأزبكية فى القاهرة أبنية للبغاء على هيئة خاصة، وفرضوا على من يدخلها رسما معينا، إلا إذا كان مصرحا له بورقة يحملها صادرة من السلطات الفرنسية تبيح له الدخول دون أجر.
ظل البغاء نشطا فى عهد محمد على (1805- 1848) حتى أصدر فى يونيو 1834 قانونا حظر فيه الرقص العمومى للنساء والبغاء فى القاهرة، وتقرر عقاب المُخالفات لهذا القانون بالجلد 50 جلدة فى المرة الأولى، وبالأشغال الشاقة لمدة سنة أو أكثر فى حالة تكرار المخالفة.
وتضمنت العقوبات أيضا، إبعاد المومسات والراقصات إلى "إسنا" و"قنا" و"الأقصر"، فى محاولة منه لتطهير العاصمة من هذا النشاط، أو تهميش نشاط النساء العموميات بدفعهن إلى حافة المجتمع.
ترك قانون محمد على آثارا سلبية رغم مقاصده الصحيحة، حيث تحولت المغنيات والراقصات إلى البغاء باعتباره مهنة تتم فى الخفاء، وانتشرت بؤره فى "الجنوب" لسعى الأجانب للاستمتاع بهذه الحرفة المحرمة ممارستها فى القاهرة.
وفى عهد "الوالى عباس" رفع الحظر عن البغاء والرقص والغناء، وعادت المشتغلات بهذه الحرف لممارسة نشاطهن فى العاصمة، وزادت الضرائب التى تحصل منهن.
وفى 15 يوليو سنة 1896، وضعت نظارة الداخلية تعديلات على لائحة "بيوت العاهرات" التى سبق إصدارها فى أول يوليو عام 1885، وهى اللائحة التى تؤرخ لبداية تسجيل العاهرات وإعطائهن تذاكر تسجل بها مهنهن وتاريخ الكشف الطبى عليهن.
ويذكر الدكتور عماد هلال فى كتابه "البغايا فى مصر- دراسة تاريخية واجتماعية من 1834- 1949"، أن اللائحة بتعديلاتها تضمنت 16 مادة، وعرفت بيوت العاهرات بـ"كل محل تجتمع فيه امرأتان أو أكثر من المتعاطيات فعل الفاحشة يعد بيتا للعاهرات، ولجهات الإدارة أن تقرر ما إذا كان ينبغى اعتبار البيت من ضمن بيوت العاهرات".
واشترطت اللائحة على أنه لا يجوز فتح بيوت للعاهرات إلا فى الأخطاط (الأقسام) التى تعين لذلك خاصة بأمر يصدر من المحافظ أو المدير، ويجب أن يكون بكل منها باب عمومى واحد فقط، ولا تجوز مواصلة بينها وبين مساكن أخرى أو دكاكين أو محلات عمومية.
وحددت اللائحة الأشخاص الذين لا يجوز لهم أن يفتحوا أو يديروا بيوتا للعاهرات، وهم القصّر غير بالغى الرشد والمحجوز عليهم، والمحكوم عليهم بسبب ارتكاب جناية عادية (غير سياسية)، والمحكوم عليهم لارتكاب سرقة، أو إخفاء أشياء مسروقة، أو نصب، أو نشل، أو خيانة بعد ائتمان، أو إخفاء أشقياء، أو مجاهرة بهتك حرمة الآداب، أو تحريض قاصر على الفسق، وذلك إذا كان قد مضى على الحكم الصادر عليهم أقل من خمس سنين، أو يكون قد صدر عليهم فى خلال الخمس سنين التالية لصدور الحكم، حكم بالحبس فى مواد الجنح.