بـ”الخوزقة”.. هكذا أُعدم سليمان الحلبي بعد قتله لقائد الحملة الفرنسية كليبر
في 14 يونيو عام 1800، كانت القاهرة على موعد مع حدث من نوع خاص، تمثل في مقتل قائد الحملة الفرنسية كليبر على يد شاب سوري هو سليمان الحلبي، والذي جاء من بلاده خصيصاً لتنفيذ هذا الهدف.
ويذكر عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتابه "تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر"، أن كليبر وقت مقتله، كان قائدا للحملة بعد عودة نابليون بونابرت إلى فرنسا، بينما كان "الحلبى" شابا يبلغ من العمر 24 سنة، وأبوه تاجر من حلب اسمه الحاج محمد أمين، حيث غادر بلدته سوريا وذهب إلى بيت المقدس، ثم حضر إلى القاهرة خصيصا لقتل الجنرال كليبر وقضي بها واحد وثلاثين يوماً.
ويروي المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي في الجزء الخامس من كتابه "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار"، واقعة الاغتيال، قائلًا ، إن "كليبر" كان يسير مع كبير المهندسين داخل البستان فى داره بالأزبكية، فدخل عليه شخص حلبي وقصده، فأشار إليه بالرجوع، وقال له: "مافيش"، ظناً منه انه شحاذ، وكررها ، فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر فى قضائها، فلما دنا منه مد إليه يده اليسرى وكأنه يريد تقبيل يده، فمد إليه الآخر يده، فقبض عليه وضربه بخنجر كان أعده فى يده اليمنى أربع ضربات متوالية، فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخاً.
ضرب سليمان الحلبي ضربته وهرب، وفتشوا عنه حتى وجدوه منزويا فى البستان المجاور لبيت كليبر بجانب حائط مهدوم، ويقول الجبرتى: "سألوه عن معارفه ورفقائه، وهل أخبر أحدا بفعله، وهل شاركه أحد فى رأيه، وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك، وكم له بمصر من الأيام والشهور وعن صنعته؟ وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال".
محاكمة عسكرية
تولى الجنرال "مينو" قيادة الحملة خلفا لكليبر، وأصدر يوم 15 يونيو منشوراً عسكرياً للجيش ينعى إليه الجنرال كليبر، وينوه بخدماته العسكرية والإدارية ويبلغ الجنود أنه بحكم أقدميته قد تولى قيادة الجيش بصفة مؤقتة، وأصدر "مينو" فى اليوم نفسه أمراً بتأليف محكمة عسكرية لمحاكمة قتلة كليبر، وتكونت هيئة المحكمة من تسعة من كبار رجال الجيش.
وبعد عدة جلسات قضت المحكمة بحرق اليد اليمنى لسليمان الحلبى، ثم إعدامه فوق الخازوق، على أن تترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح، وأن يكون ذلك خارج البلد فوق التل المعروف باسم "العقارب"، وأن يقع التنفيذ علنا عقب تشييع جنازة القائد العام بحضور رجال الجيش وأهل البلاد.
كما قضت المحكمة بإعدام متهمين آخرين شاركوا "الحلبي" في قتل "كليبر" هم عبدالقادر الغزى على الخازوق أيضا، ومصادرة أمواله من عقار منقول لحساب الجمهورية الفرنسية، ويؤكد الرافعى: "كان عبدالقادر هاربًا ولم يكن له مال".
وقضت المحكمة أيضاً بإعدام كل من محمد الغزى وعبدالله الغزى وأحمد الوالى بقطع الرأس، ثم توضع رؤوسهم فوق الرماح، وتحرق جثتهم بالنار وأن يكون ذلك فوق تل العقارب أيضا وأمام سليمان الحلبى قبل أن ينفذ الحكم فيه.
قرأ المترجم "لوماكو" الحكم على المتهمين في 16 يونيو، وتم تنفيذه فى اليوم التالى، ويذكر كريستوفر هيرولد فى كتابه "بونابرت فى مصر": "لم يشك سليمان ويده تُشوى على الجمر، ولكن حين نزلت جمرة إلى مرفقه نبه إلى أن الحكم لم يذكر المرفق، ورفع الخازوق قائما عليه ثم غرس فى الأرض، ورجا سليمان جنديا فرنسيا واقفا بقربه أن يعطيه شربة ماء، وكان على وشك أن يناوله زمزميته لولا أن منعه القائد الفرنسي برطلمين الذى ينفذ الحكم، قائلا: "أقل شربة من الماء كفيلة بقتله فورا، فتتعطل بذلك مجرى العدالة".