الأتحاد الأفريقى يسبق مجلس الأمن فى تأييد موقف مصر
ياسر بركات يكتب : لا ملء دون اتفاق ..أول انتصار دبلوماسى فى معركة المياه
ـ الأتحاد الأفريقى يسبق مجلس الأمن فى تأييد موقف مصر
مفاجأة قد تقلب الموازين
عضو فى لجنة الخبراء الدوليين :
عيوب فى التصميم الهندسى للسد تهدد بانهياره
قبل الجلسة التي يعقدها مجلس الأمن اليوم (الإثنين) لمناقشة قضية سد النهضة الإثيوبي، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء الجمعة، في قمة مصغرة لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي عبر الفيديو كونفرانس لمناقشة القضية نفسها، برئاسة سيريل رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد، وبحضور كلٍ من أعضاء المكتب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، والرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا، والرئيس فيلكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى مشاركة عبد الله الحمدوك رئيس وزراء السودان، وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا.
الرئيس الجنوب إفريقي، قاد وساطة بعقد قمة افريقية افتراضية جمعت رؤساء مصر السودان، إثيوبيا، كينيا، الكونغو، ومالي، وشارك في القمة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي. وقال بيان أصدره مجلس الوزراء السوداني إن الأطراف الثلاثية المعنية بقضية السد اتفقت على بدء مفاوضات على مستوى اللجان الفنية فوراً للوصول لاتفاق في غضون أسبوعين. وذكر البيان أن رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، شدد على ضرورة الوصول إلى اتفاق يحفظ مصالح الدول الثلاث. وأكد على أن السودان ليس وسيطاً محايداً ولكنه طرف أصيل في القضية، وأكبر المستفيدين من السد كما أنه سيكون أكبر المتضررين في حال وجود مخاطر. وحث حمدوك مصر وإثيوبيا على ضرورة العودة العاجلة للتفاوض وبإرادة إفريقية للوصول إلى تفاهم حول القضية.
البيان السوداني ذكر أن الاجتماع سادته روح إيجابية بين كل الرؤساء الذين تحدثوا عن ضرورة أن يصل الجميع لحل يرضي جميع الأطراف وبإرادة ودعم من القادة الأفارقة. وأكد المتحدثون أن المفاوضات السابقة قد حلت ما بين 90 إلى ٩٥% من القضايا ولم يتبقى الا القليل الذي سيتحقق بفضل توفر الارادة والعزيمة. ودفعت وزارة الخارجية السودانية، (الأربعاء) الماضي، بخطاب لمجلس الأمن الدولي، بينت فيه موقف السودان من آخر التطورات في قضية سد النهضة الإثيوبي، ونتائج جولات المفاوضات بين الدول الثلاث. وكانت الحكومة السودانية حذرت من أن ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق، يعرض حياة الملايين من السودانيين للخطر.
خلال القمة توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بالشكر للرئيس الجنوب إفريقي على مبادرته بالدعوة لعقد هذه القمة الهامة لتناول قضية سد النهضة بحضور الدول المعنية الثلاث، باعتبارها قضية حيوية تمس بشكل مباشر حياة الملايين من مواطني مصر والسودان وإثيوبيا، مؤكدًا تقدير مصر لحكمة وجهود جنوب إفريقيا الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي في التعامل مع التحديات الاستثنائية التي تواجه القارة الإفريقية في هذه المرحلة.
الرئيس أكد أن مصر منفتحة برغبة صادقة في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها، أخذًا في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية، ومن ثم يتعين العمل بكل عزيمة مشتركة على التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن لمصر والسودان مصالحهما المائية ويتيح المجال لإثيوبيا لبدء الملء بعد إبرام الاتفاق. وشدد الرئيس على أن مصر دائمًا لديها الاستعداد الكامل للتفاوض من أجل بلوغ الهدف النبيل بضمان مصالح جميع الأطراف من خلال التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، ومن هذا المنطلق فإن مصر تؤكد أن نجاح تلك العملية يتطلب تعهد كافة الأطراف وإعلانهم بوضوح عن عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية، بما في ذلك عدم بدء ملء السد بدون بلورة اتفاق، والعودة الفورية إلى مائدة المفاوضات من أجل التوصل إلى الاتفاق العادل الذي نصبو إليه.
في ختام القمة، تم التوافق على تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب الدول الأفريقية الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي، وكذا ممثلي الجهات الدولية المراقبة للعملية التفاوضية، وذلك بهدف الانتهاء من بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، مع الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن باعتباره جهة الاختصاص لأخذه في الاعتبار عند انعقاد جلسته لمناقشة قضية سد النهضة اليوم الإثنين.
الوعد الإثيوبي الشفهي لا يقنع أحداً في مصر، فمصالح الدول والشعوب تقوم على التزامات متبادلة ومقننة، تتوافق مع القانون الدولي وخبرات الشعوب والدول الأخرى، والاستفادة من إيجابياتها والتخلي عن سلبيات إن وجدت. وطوال السنوات الست الماضية وحتى قبل التوصل إلى اتفاق الخرطوم الإطاري في مارس 2015، عبرت مصر عن تفهمها لحاجة الشعب الإثيوبي للتنمية عبر توليد الكهرباء وفي الوقت ذاته ألا تتضرر مصر من بناء السد الإثيوبي ضرراً جسيماً، إذ تدرك أنه سوف يؤثر حتماً على واردات المياه لمصر، وأنه يمكنها أن تتحمل فقد جزء من واردات المياه بطريقة منظمة تراعي حجم الفيضان وفقاً لحالته. ومن هنا كان موقف مصر لا يعترض على بناء السد الإثيوبي ويربط تشغيله بقواعد القانون الدولي وباتفاقات مسبقة ومفصلة.
منذ أسبوع، أحالت مصر النزاع، إلى مجلس الأمن الدولي، بعد أن فشلت المحادثات الثلاثية، بين مصر وإثيوبيا والسودان، منتصف يونيو الحالي، في التوصل لاتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار، ويتم بناؤه قرب حدود إثيوبيا مع السودان. إذ كانت إثيوبيا تُصر على ملء خزان السد، كمرحلة أولى، في يوليو المقبل، بنحو 5 مليارات متر مكعب، دون الاكتراث بالاعتراضات المصرية والسودانية.
بينما كانت إثيوبيا تجري استعدادات لتدشين "حملة افتراضية عالمية" لدعم بناء السد، من قبل أعضاء من المغتربين الإثيوبيين وأصدقاء إثيوبيا. وبحسب الوكالة الإثيوبية الرسمية، فإن الحملة تنظم من قبل "منظمة الإثيوبيين المتحدين من أجل السلام والمصالحة"، وهي منظمة مدنية مقرها المملكة المتحدة، بالتعاون مع شبكة تبادل المعرفة العالمية. وتهدف الحملة إلى "تعريف أعضاء المجتمع الدولي بسد النهضة وعمليات التفاوض وجمع الأموال لإكمال السد".
اكتمل بناء السد بأكثر من 70%، وتقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الطاقة الكهربائية. لكن جيدو أندارجاشيو، وزير الخارجية الإثيوبي، كان قد أكد في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إن بلاده تعتزم البدء في ملء بحيرة سد "النهضة" حتى دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان في هذا الشأن. وقال الوزير: "سنبدأ خلال الشهور المقبلة في ملء بحيرة السد، حتى لو لم يكن هناك اتفاق بين الدول الثلاث"، مصر وإثيوبيا والسودان. ومع ذلك أعرب أندارجاشيو عن أمل بلاده في التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، مضيفاً في المقابل أن "إصرار" مصر على التحكم في تدفق المياه صعب، وقال: "لن نسمح بذلك مع مصدر المياه الخاص بنا".
اللافت هو أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت باتجاه استئناف المفاوضات للتوافق على قواعد ملء وتشغيل "سد النهضة". وسبق أن عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس عبد الفتاح السيسي، في اتصال تليفوني قبل نحو أسبوعين، عن "التزام بلاده بتسهيل الوصول إلى اتفاق عادل حول سد النهضة"، قبل أن تتوقف المفاوضات. كما سبق أن دخلت الولايات المتحدة على خط النزاع، في نوفمبر الماضي، بعد جمود المفاوضات، بهدف التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد. لكن العملية فشلت بعدما دفعت الولايات المتحدة في اتجاه توقيع اتفاق تعتبره مصر "عادلا ومتوازنا"، وهو ما أثار غضب إثيوبيا التي اتهمت الولايات المتحدة بأنها "لا تتصرف بشكل دبلوماسي".
من جانبه، قال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، إن بلاده ستواصل مساعيها من أجل الوصول إلى اتفاق مرض لأطراف سد النهضة، موضحا أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، بحث معه خلاله سير المفاوضات الثلاثية. وبحسب تصريح حمدوك، فإن المسؤول الأمريكي أشاد بجهود السودان من أجل الوصول لتوافق بين الدول الثلاث (السودان، ومصر، وإثيوبيا) على ملف سد النهضة، مبرزا أنه أبلغ المسؤول الأمريكي شكره على الدعم الأمريكي لإنجاح التفاوض على سد النهضة، وأكد له أن السودان "سيواصل جهوده للوصول إلى اتفاق باعتباره طرفاً أصيلاً في المفاوضات".
بدوره، قدم ياسر عباس، وزير الري السوداني، شرحا مفصلا للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخرطوم بخصوص آخر تطورات ملف سد النهضة، وقال في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء: "تلقينا دعوة من إثيوبيا لاستئناف المفاوضات، وأكدنا لها أن العودة لطاولة التفاوض تتطلب إرادة سياسية لحل القضايا الخلافية العالقة". وأوضح عباس أن مسودة الاتفاق التي قدمها السودان خلال جولات التفاوض، التي جرت منذ منتصف يونيو الحالي، تصلح كأساس للتوافق بين الدول الثلاث، بعد أن اتفقت على معظم الوسائل الفنية. وجدد رفض حكومته لشروع إثيوبيا في ملء سد النهضة من جانب واحد، قبل توقيع اتفاق، لتأثير ذلك على سلامة "سد الروصيرص السوداني"، المتاخم للحدود الإثيوبية، بحسب تعبيره.
الخلافات تتركز في الجوانب القانونية الأساسية، وتتعلق بإلزامية الاتفاق، وعدم ربطه باتفاقيات تقاسم المياه وآليات حل النزاعات، إلى جانب مسائل فنية محدودة. وقد كشف وزير الري السوداني عن احتمالات إلحاق سد النهضة أضرارا على بلاده، تتعلق بالتشغيل غير الآمن، وتأثيره على الخزانات السودانية. وتبذل الحكومة السودانية جهوداً حثيثة لتنوير الرأي العام، المحلي والعالمي، بموقفها من تطورات ملف سد النهضة، وهو ما أكد عليه المسؤول السوداني بقوله إن "المهم هو الوصول لاتفاقية ملزمة قانوناً لملء وتشغيل سد النهضة، دون التطرق لحصص المياه في النيل الأزرق".
بالتزامن، جددت معلومات سودانية عن "عيوب" في التصميمات الهندسية للسد المخاوف من انهياره، الأمر الذي قد يسبب أضراراً واسعة. وهناك من ذهبوا إلى إن المشاكل الفنية هي سبب سعي إثيوبيا طوال الوقت إلى تعطيل عمل لجان الخبراء الدوليين، ورفضها استكمال أي دراسات محايدة بشأنه، وتقدم فقط "معلومات محلية مضللة".
الخبير السوداني المهندس دياب حسين دياب عضو لجنة الخبراء الدوليين لتقييم سد النهضة، والتي تشكلت عام 2011 من الدول الثلاث، إن دراسات السد غير مكتملة حتى الآن، وإن إثيوبيا اكتفت بدراسة موقع السد فقط وتصاميم على مراحل مع التشييد دون أي تأمين. وأضاف، في حوار مع جريدة "أخبار اليوم" السودانية: "قمنا بزيارة الموقع لمراجعة العمل أكثر من ثلاث مرات والتقرير الختامي (صدر عام 2014) أوضح المطلوب من إثيوبيا إدخاله في التصميم، وفي أثناء عمل اللجنة تم تكليف لجنة جانبية لمراجعة الأساسات والحفر وعمل تقرير بالملاحظات للجنة الخبراء، وتم رفع التقرير بالمطلوب عمله إلى الشركة المنفذة، وأهمها ترسيب الصخور والنظافة والحشو في السد الرئيسي، أما السد السروجي فوجد الأساسات غير ثابتة وصخورا هشة يجب إزالتها تصل إلى أعماق أكثر من45 مترا ولم توجد صخور ثابتة". كما أشار إلى أنه في المنتصف توجد كهوف أخطر من التربة لا يعرف مداها، واختلف الخبراء هل توجد فوالق أم لا.
إثيوبيا نفت في ردها على التقرير وجود فوالق أو كهوف في الموقع، لكن لا يستبعد وجود فوالق داخل البحيرة على بعد مائة كيلو. غير أن الخبير السوداني كشف أن إثيوبيا لم تقم بعمل دراسة مسح مائي مفصل بشبكات، لمعرفة أي مشاكل تؤدي لحدوث شقوق وفوالق، منوها إلى أن وجود فوالق أو شقوق داخل بحيرة محملة بطمي وأخشاب وممارسة الشعب الإثيوبي في البحيرة، مع ضغط المياه والطمي تؤدى إلى حركة قوية مثل تسونامي ممكن تصل إلى السد ويحدث موج عالي يطفو فوق السد السروجي قد يؤدى لانهياره. وأضاف: "طالبنا إثيوبيا بعمل مسح مائي بدقة لكن لم تلتزم". ونوه إلى أنه في مثل هذه السدود الكبيرة يوصي خبراء البنك الدولي، بتكوين لجنة دولية دائمة من خبراء لزيارة الموقع على الأقل كل 3 شهور، لمراجعة التصاميم والعمل الإنشائي وعمل ملاحظات للمقاول والمستشار لكن إثيوبيا لم تفعل هذا، وتكتفي فقط بخبراء محليين".
لمعرفة الأضرار إذا حدث انهيار، بحسب الخبير السوداني، من المفترض عمل نموذج حسابي تحليلي لتوضيح الكميات المنسابة والسرعة والأبعاد والإنشاءات المتأثرة، وقد وعدت إثيوبيا من البداية بأنها ستقوم بهذا العمل، لكنها لم تلتزم حتى الآن بذلك.
طبعا من حق إثيوبيا أن تستفيد تنموياً من الثروة المائية، لكن ليس من حقها أن يكون ذلك على حساب مصر والسودان. وبكل تأكيد لن تكون هناك تنمية لو لم يتم التفاهم على صيغة ترتضيها الدول الثلاث، لأن عدم التفاهم سيؤدي إلى مواجهة، باردة، ثم ساخنة، لا قدر الله.
وأخيرا، فإن التحديات التي تواجهها بلادنا تدفعنا للتفكير في ضرورة البحث عن خطاب إعلامي يتسق مع التحولات التي نعيشها ويتفاعل معها، وتكون له انعكاساته على المجتمع ورؤيته للأشياء، وآلية تفكيره وتواصله مع الآخر.