طارق الشناوي يكتب : خريف عادل إمام
رغم أنه لا يزال النجم العربي الأول، إلا أنه تراجع عن صدارة المشهد، تابعنا في السنوات الأخيرة تضاؤلاً في درجة السعادة التي كان يفجرها صاحب السعادة، تحول عادل إمام من ملكية عامة إلى ملكية خاصة، تحيطه أسوار العائلة، صار ابنه المخرج رامي إمام هو المسؤول عن استثمار عادل إمام، فهو المخرج والمنتج الوحيد لأعماله، تضاءلت أو تلاشت تماماً كل مساحات الاختيار الأخرى.
أنا شاهد إثبات على زمن منذ مطلع الثمانينات وحتى نهاية التسعينات، عندما كانت على الأقل 70 في المائة من السيناريوهات تكتب على مقاس عادل إمام، الكل يفكر في الحصول على توقيعه، ولهذا تكرر وصفه بـ«أغلى نجم في مصر»، والوجه الآخر هو «أرخص نجم في مصر»، فهو وإن كان يحصل على أعلى أجر، فإنه يحقق للمنتج أضعاف الرقم، فيصبح طبقا لتلك المعادلة الأرخص، يعرض عليه العشرات، ويختار هو بحرية مطلقة الأفضل فنياً وتجارياً، كان عادل يقول: «أنا أحصل على أجري من جيوب الجماهير، وليس من خزائن المنتجين»، في السنوات الأخيرة وخاصة في الدراما التلفزيونية، شاهدنا عادل وقد ضاقت أمامه زاوية الرؤية، ولا يعني ذلك ألا يقدم عادل أي أعمال فنية من إخراج ابنه، ولكن عليه أن يفتح الباب على مصراعيه للآخرين وبعدها ينتقي الأجمل.
للموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب جملة شهيرة: «لا شيء يقف أمام الأجمل»، هو يبحث ويدقق ويدفع الثمن من أجل الحصول على الأجمل، يرفض أن يحتكره أحد أو يحتكر أحدا، يتابع الجميع، وبعدها يحدد اتجاه البوصلة.
وهكذا مثلاً كان عبد الوهاب كملحن وأيضاً كمنتج أفلام وأسطوانات، يراهن منذ نهاية الأربعينات، على ابن شقيقه سعد عبد الوهاب، والذي كان يشبهه كثيراً في الصوت والملامح، وأنتج له العديد من الأفلام، ومنحه الكثير من الألحان، حتى ظهر في منتصف الخمسينات عبد الحليم حافظ، فلم يكتف فقط عبد الوهاب بالتلحين والإنتاج له، ولكنه أيضا تقاسم معه شركته الإنتاجية «صوت الفن»، وفي نفس الوقت توقف عن التعامل الفني مع ابن أخيه.
لم يحتكر عبد الحليم غناء كل ألحان عبد الوهاب، بل كانت هناك مساحات لأنغام من عبد الوهاب رددتها نجاة وفايزة ووردة ووديع الصافي وغيرهم، بينما غنى عبد الحليم أيضاً من تلحين كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي ومنير مراد.
التعدد يكمن فيه سر الإبداع وسحره، البعض يضرب مثلاً بثنائية فيروز والرحبانية، الأخوين عاصي ومنصور يقدمان مذاقاً شعرياً وموسيقياً يبحث عن صوت فوجداه في فيروز، ورغم ذلك هناك ألحان وأشعار لآخرين على حنجرة فيروز، مثل عبد الوهاب وفيلمون وهبة وسيد درويش وأشعار لنزار قباني وسعيد عقل وجبران خليل جبران وأحمد شوقي وغيرهم.
يضعف الأب أحياناً أمام ابنه، كما أن الزوج ربما لا يستطيع دائماً مقاومة رغبات زوجته، مثلما لحن بليغ حمدي «العيون السود» لنجاة وقبل التسجيل بساعات، وفي بداية زواجه من وردة طلبت منه غناءها فلم يستطع سوى أن يسحبها من نجاة، إلا أنه بعد ذلك صار حريصاً على ألا يسمع وردة أي لحن قبل تسجيله، حتى لا تطمع في غنائه.
التحرر من القيد العائلي شرط استراتيجي للاستمرار، عادل كان ولا يزال نجماً استثنائياً ملكية عامة ولكل المبدعين، ولا يجوز تحت أي حجة «خصخصته»!
......
نقلا عن الشرق الأوسط