الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:58 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: أباطرة المستشفيات يقتلون الفقراء بكورونا الجشع!..شياطين الشر فى مصر

مصر أولاً وليسقط كل تجار الدم

أسرار حرب الوزيرة .. مع دولة الفاسدين

قائمة التسعير التى وضعتها الدولة لإجبار المستششفيات الكبرى على علاج الغلابة تثير غضب حيتان البيزنس

التأميم الحلال

ننشر خريطة تأميم المستشفيات والمصانع فى دول العالم

مصر هى الدولة الوحيدة التى رفضت تأميم الشركات بعد انتشار الوباء

وزير الصحة الإسباني "سلفادور إيلا ": لن نكتفى بتاميم المستشفيات والخدمات الصحية .. ونقوم باستدعاء طلاب كليات الطب للمشاركة فى حماية الشعب الإسبانى

رئيس الوزراء الفرنسي "إدوارد فيليب" : نحن على استعداد لتأميم شركة الخطوط الجوية الفرنسية إلى جانب القطاع الطبى

عمدة نيويورك: نعيش أزمة كبرى وهناك فرصة لتأميم المصانع والصناعات الحيوية التي يمكن أن تنتج الإمدادات الطبية

وزير الاقتصاد والطاقة الألمانى : لن نتردد فى تأميم القطاعات والشركات المتعثرة

يشهد العالم ولادة تقسيم تاريخي جديد، وبعد أن كان الاختصاران الشهيران "AC" و"BC" يرمزان تاريخيًا إلى حقبتَي قبل وبعد ميلاد المسيح، فإنهما في الوقت الراهن باتا يحملان رمزية جديدة، تشير إلى أن شكل العالم قبل فيروس كورونا، أصبح مختلفًا عن العالم بعد تفشي الوباء على كافة الأصعدة. ومن أبرز التغييرات الجذرية التي يشهدها العالم الآن، تصالح الدول الرأسمالية مع المحرمات الاشتراكية، وإعادة النظر في "ثوابت ثقافية" أو حتى اتخاذ "إجراءات متطرفة" تقوض الحريات وتنتهك الخصوصيات، بالإضافة إلى تغيير كيفية التسوق والسفر والعمل وأيضًا طريقة صنع القرارات السياسية والاقتصادية.

يحدث ذلك في كل دول العالم، لكن في مصر، التي قررت حكومتها تسعير خدمة علاج مصابي كورونا في المستشفيات الخاصة، قوبل هذا القرار بالرفض، على الرغم من أن القانون يتيح إمكانية أن تؤول هذه المستشفيات لجهة إدارية قد تكون حكومية يحددها رئيس الجمهورية لتقديم الخدمة بالتسعيرة التي تراه الجهة والحكومة ورئيس الجمهورية، مناسبة حال تطبيق قانون الطوارئ.

كانت وزارة الصحة والسكان، قد أعلنت عن تسعيرة علاج المصابين بفيروس كورونا في المستشفيات الخاصة بعد تلقيها العديد من الشكاوى بالمغالاة في تسعيرة العلاج والتي لا تتناسب مع تكلفة الخدمة، وجاءت موافقة الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان بأن تكلفة العزل بالقسم الداخلي تتراوح من 1500 إلي 3000 جنيه، وتكلفة العزل بالرعاية المركزة شاملة جهاز تنفس صناعي تتراوح من 7500 جنيه حتى 10000 جنيه وتكلفة اليوم في الرعاية بدون جهاز تنفس صناعي من 5000 جنيه حتى 7000جنيه. وقالت وزيرة الصحة والسكان، إن الأسعار شاملة الخدمة والمستلزمات وأجور الأطباء والتمريض والإقامة بالكامل وكذلك التحاليل والأشعة، مشيرة إلي تولي العلاج الحر والتراخيص الطبية مسئولية التنفيذ .

الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية بوزارة الصحة والسكان، أرسلت منشورًا دوريًا إلى جميع إدارات العلاج الحر بالمحافظات يتضمن تسعيرة علاج مصابي كورونا في المستشفيات الخاصة. وحذرت من عدم الالتزام بالأسعار. لكن الدكتور خالد سمير عضو مجلس إدارة غرفة مقدمي الخدمات الصحية باتحاد الصناعات، قال إن غالبية المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمة علاج فيروس كورونا، انسحبت من تقديم خدمتها بعد إقرار وزارة الصحة الأسعار الجديدة. على الرغم من أن المادة الثانية من القانون 22 لسنة 2020 بتعديل أحكام قانون الطوارئ، نصت على إلزام بعض أو كل المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل، في حالات الطوارئ الصحية ولمدة محددة، بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية بصفة عامة أو لحالات مرضية مشتبه في إصابتها بأمراض محددة، تحت الإشراف الكامل للجهة الإدارية التي يحددها رئيس الجمهورية، وتحدد هذه الجهة أحكام التشغيل والإدارة، والاشتراطات والإجراءات التي يتعين الالتزام بها.

الغرب الرأسمالي ناقش ضرورةَ تأميم العديد من القطاعات الاجتماعية والإستراتيجية، مع أن التأميم هو أحد ركائز النظام الاشتراكي الذي يعتمد تأميم وسائل الإنتاج في إطار تغيير نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى نمط إنتاج قائم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وقطاعاته الحيوية التي تخدم المجتمع كل المجتمع من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله.

أعلنت إسبانيا تأميم جميع مستشفيات ومنشآت تقديم الرعاية الصحية الخاصة في البلاد، في إطار مواجهة فيروس كورونا. وذكرت الحكومة الإسبانية أنها تضع جميع منشآت مقدمي الخدمات الصحية الخاصة تحت الإدارة العامة، لم تحدد إلى متى سيظل وضع هذه المنشآت تحت الإدارة العامة. وأكد وزير الصحة الإسباني "سلفادور إيلا " على نفس الخطوات التأميمية للقطاع الخاص للصحة، وأضاف أن طلاب الطب في السنة الرابعة سيلتحقون لتقديم مساعدات صحية في البلاد تحت إشراف الدولة وأن على جميع الشركات القادرة على إنتاج المعدات الطبية الاتصال بالحكومة.

في فرنسا أثار مفهوم التأميم جدلا كبيرا كأحد الخيارات في حماية الاقتصاد الفرنسي والحفاظ على الوظائف واحتواء الوباء، وإثر ذلك لم يستبعد رئيس الوزراء الفرنسي "إدوارد فيليب" يوم 17 مارس الماضي في مقابلة مع قناة فرانس 2 مسألة التأميم مؤكدا أمام ملايين المشاهدين أنه على استعداد لتأميم شركة الخطوط الجوية الفرنسية، وهو ما أكده وزير الدولة للنقل "جان باتيست جيباري" وقال وزير المالية الفرنسي خلال عرضه مشروع قانون المالية المعدل في 18 مارس: لا يجب إغلاق أي شركة كبيرة، لا ينبغي أن يتزعزع الوضع الاقتصادي للبلاد، لدينا وسائل تحت تصرفنا لدعم شركاتنا الصناعية الكبيرة. يمكننا التأميم إذا لزم الأمر، نحن مستعدون لاستخدام كل هذه السيناريوهات.

كثير من المراقبين تحدثوا عن احتمال تغيير النموذج الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي في نهاية الوباء. واستدل البعض على ذلك بخطاب الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي " في أزمة 2008 المالية العالمية الذي جاء فيه: لقد انتهى مبدأ عدم تدخل الدولة، لقد انتهى قانون السوق الذي كان يعتبر دائما على حق، يجب أن نتعلم من هذه الأزمة حتى لا تحدث أزمة مرة أخرى ، لقد انتقلنا للتو لحافة الكارثة.

من قلب مدينة تولون الفرنسية، واتت ساركوزي الجرأة ليصف "القوة المطلقة للأسواق، ووجوب عدم تقييدها بأي قواعد أو تدخل سياسي" بأنها كانت فكرة "مجنونة"، وهو الوصف نفسه الذي رآه ينسحب أيضًا على فكرة أن "الأسواق دائمًا على حق"، مطالبًا بـ"إصلاح النظام الرأسمالي العالمي؛ بعدما كشفت الأزمة المالية (آنذاك) عن ثغرات خطيرة في الأنشطة المصرفية العالمية".

وبعد 10 سنوات، أعلن إيمانويل ماكرون في أول خطابٍ بعد تنصيبه رئيسًا لفرنسا خلفًا لفرانسوا هولاند الحرب على "النزعات التسلُّطيّة وتجاوزات الرأسمالية العالمية"، لكن برغم كل هذه السوابق الجريئة، لم يكن متوقعًا أن يصل الأمر بالرئيس ماكرون إلى حد التلويح في خطابٍ متلفز بـ"تأميم الصناعات" إذا لزم الأمر لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.

وحديث ماكرون، الذي دعمه وزير ماليته برونو لو مير، عن "التأميم"، في دولةٍ مثل فرنسا تتبنى الاقتصاد الليبرالي؛ يدل على "تغيير في نمط التفكير الفرنسي"، بمعنى: أنه لم يعد من المحرمات أن تلجأ الدولة الفرنسية إلى إجراءات اشتراكية، تضع يد الدولة على قطاعات اقتصادية أساسية، بل ربما تكون الأزمة نقطة انطلاقٍ لإعادة النظر على القواعد الاقتصادية الراسخة في زمن العولمة، خاصة في قطاعات حية مثل الأدوية.

صحيحٌ أن النهج الذي اتبعته فرنسا حتى الآن هو الأكثر جرأةً أوروبيًا؛ إذ تعهدت باريس بعدم السماح للفشل بأن يُقَوِّض أركان أي شركة فرنسية مهما كان حجمها، نتيجة التفشي الوبائي لفيروس كورونا الذي دفع الشركات، كبيرها وصغيرها، إلى تعليق عملياتها، متعهدةً بتقديم مئات المليارات من القروض وتأخير مدفوعات الضرائب وتعليق فواتير الإيجار والمرافق للشركات الصغيرة.

لكن فرنسا ليست حالة استثنائية بين الدول الأوروبية في اتخاذ هذا النهج الاقتصادي الصارم، حسبما يرصد تشارلز رايلي في "سي إن إن بزنس"؛ فها هي الدولة الألمانية أيضًا تلقي بثقلها لإدارة دفة المشهد الاقتصادي، فتحشد ما لا يقل عن 550 مليار دولار من ضمانات القروض، وتتعهد بتوفير سيولة غير محدودة للشركات المتضررة من الوباء، وليس هذا وذاك سوى جزء من حزمة إجراءات وصفها وزير المالية أولاف شولتس الأسبوع الماضي بأنها تشبه "البازوكا" (قاذف صواريخ مضاد للدبابات قادر على اختراق العوائق الصلبة).

وبعدما كانت الدول الرأسمالية تعيب على الدول الاشتراكية مثل هذا التدخُّل الحكومي المفرط، وتصفه بـ"الانتهازية" وتجرده من قيمة "التنافسية العادلة" التي تتعطش إليها الأسواق، باتت هي نفسها الآن تلجأ إلى ما كانت تنتقده في الماضي، ليس فقط تلويحًا بتأميم الصناعات كما فعلت فرنسا، أو بإطلاق بازوكا بقوة 500 مليار يورو كما فعلت ألمانيا، ولكن بالتدخل أكثر كما فعلت إيطاليا حين أعلنت اعتزامها تأميم شركة "أليتاليا" للطيران، التي فتك بها الركود الناتج عن الحظر الحالي.

وإذا كان التأميم هو آخر الدواء في فرنسا، فإن مجلس الوزراء الإيطالي ينظر الآن بالفعل في "تأسيس شركة جديدة تديرها تمامًا وزارة الاقتصاد والمالية، أو أن يكون لها الحصة الأكبر فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". والبازوكا الإيطالية التي تجهزها الحكومة لاقتحام قطاع الطيران تبلغ قوتها 600 مليون يورو، والنتيجة المرتقبة هي: سيطرة الدولة على القطاع كاملًا أو على الأقل جزئيًا.

حالة الطوارئ التي أعلنتها إسبانيا هذه المرة ليست كتلك التي تطبقها الدول عادة أثناء الكوارث الطبيعية، بل تمنح الحكومة "سلطات استثنائية"؛ سيطرت بموجبها على المرافق الصحية، والمبادرات العامة والخاصة، وتحولت البلاد في ظل هذه الطوارئ إلى مدن أشباح، حتى لا تكاد ترى شخصًا يمشي في الشوارع إلا القليل. وصرح وزير الصحة سلفادور إيلا بأن مرافق الرعاية الصحية الخاصة ستصادر لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، ويجب على مصنعي وموردي معدات الرعاية الصحية إبلاغ الحكومة في غضون 48 ساعة.

هذه الإجراءات وغيرها نادرًا ما نشاهدها في غير زمن الحرب، كما تقول جريدة "الجارديان" البريطانية، لكن الدول الأوروبية أعلنت بالفعل أنها في حالة حرب ضد عدو "غير مرئي ومراوغ" مثلما قال "ماكرون" ملوحًا بمعاقبة أي شخص يخالف الإجراءات التي تفرضها الحكومة، بل طبقت الشرطة الإيطالية بالفعل غرامات على 20 ألف شخص خلال أربعة أيام لعدم امتثالهم للقواعد المفروضة لاحتواء الفيروس.

التغييرات الجذرية التي يشهدها العالم نتيجة الذعر الناتج عن تفشي وباء كورونا العالمي، لا تقتصر على السياسات الاقتصادية أو الإجراءات الصحية أو العقوبات الجماعية، بل تمتد لتشمل إعادة النظر فيما قد يعتبره البعض ثوابت مجتمعية، انطلاقًا من قناعة أن مواجهة الوباء تتطلب تغيير الثقافة وليس فقط البحث عن علاج دوائي. وفي مقالٍ نشرته صحيفة "بوسطن جلوب" يوم 13 مارس الماضي، أشارت البروفيسيرة ميشيل جلفاند من جامعة ميريلاند، إلى بحث نشرته هي وزملاؤها في مجلة "ساينس" قبل عدة سنوات، خلص إلى أن المجتمعات التي تتبنى نهجا ثقافيًا صارمًا، في دول مثل الصين وسنغافورة والنمسا، لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعي، واعتاد مواطنوها على مستويات عالية من المراقبة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد. أما المجتمعات التي تتبنى نهجا ثقافيًا فضفاضًا، في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، فلديها قواعد أضعف وأكثر تسامحًا.

هذه الاختلافات في مستويات الصرامة في مقابل التسامح لم تكن عشوائية، بل وجد البحث الذي شمل 33 دولة أن البلدان التي لديها أقوى القوانين والعقوبات الأكثر صرامة، هي تلك التي كان لديها تاريخ من المجاعة والحرب والكوارث الطبيعية، وأيضًا تفشي الأمراض، وهو ما جعلها تتعلم بالطريقة الصعبة على مر القرون كيفية الاستفادة من القواعد الصارمة والنظام المنضبط لإنقاذ الأرواح.

في المقابل، فإن الثقافات التي واجهت القليل من التهديدات – مثل الولايات المتحدة – كان لديها دائمًا رفاهية تبني ثقافة فضفاضة وأكثر تسامحًا، لكن في أوقات الخطر يتبين أن هذا التراخي يسهم في مضاعفة المخاطر، بالمقارنة بالاستجابة الأكثر كفاءة وفعالية التي أظهرتها المجتمعات الصارمة مثل سنغافورة وهونج كونج في مواجهة كوفيد-19. والاستنتاج الذي توصلت إليه ميشيل جلفاند من التفشي الحالي هو: "أن برمجتنا الثقافية الفضفاضة تحتاج إلى تغيير كبير في الأيام القادمة"؛ ولا يعني هذا نقل مساوئ أنظمة الحكم المستبدة، بل التخلص من عيوب التراخي الحكومي والتساهل المجتمعيّ. وإذا كان التغيير الذي تقترحه ميشيل وزملاؤها يتعلق بالثقافة، فإن نصيحة ياشا مونك، الكاتب المساهم في مجلة "ذي أتلانتك" تصل إلى حد "إلغاء كل شيء"، حتى لو بدا تصرفك "غريبًا، أو غضب منك الآخرون، أو سخروا منك، واتهموك بالتطرف، والإفراط في القلق"؛ لأن هذا ببساطة هو "الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله".

في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، قال بيل دي بلاسيو، عمدة نيويورك، عاصمة كورونا في العالم، إن تفشي الفيروس فرصة لتأميم المصانع والصناعات الحيوية التي يمكن أن تنتج الإمدادات الطبية التي نحن في حاجة إليها، وأضاف: إننا في وضع يشبه الحرب والحكومة الفيدرالية عاجزة عن توفير الأقنعة وأجهزة التنفس والمعقمات والمطهرات مما أصاب الناس بالجنون فلنعمل على تأميم هده القطاعات الحيوية.

وألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا صرحت حكومتها بأنها لا تستبعد تأميم الشركات المتعثرة وقال بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد والطاقة، وكان إلى جانبه أولاف شولتز، وزير المالية: لا يجب إغلاق أي شركة ولا يجب أن يفقد أي مواطن وظيفته، وأكد أن بنك التنمية الوطني سيتكلف بهده العمليات. وأشار إلى أن عملية التأميم ستطال حتى القطاع الصحي الخاص رغم أن ألمانيا لديها نظام صحي عام قوي ممول من الدولة به أكثر من 28 ألف سرير للعناية المركزة، وأجهزة تنفس صناعي هي الأكثر من أي دولة أخرى في العالم.

في نيودلهي العاصمة الهندية أغرقت الولايات والأقاليم الاتحادية المحكمةَ العليا بعرائض ونداءات لتأميم القطاع الصحي الخاص ومعاهد الرعاية الصحية وطالبت من خلالها أن تصبح تحت تسيير الدولة الهندية حتى يستطيع الهنود العاديون من الولوج للعلاج والرعاية و احتواء الوباء.

كل صدمةٍ اقتصاديةٍ وأزمة وبائية تترك ندوبها على جسد البشرية، ولن يكون فيروس كورونا المستجد مختلفًا، إذ بدأ يغير منذ الآن كيفية التسوق والسفر والعمل، ومن المرجح أن يستمر هذا التأثير لسنوات قادمة. ففي غضون أسابيع فقط، اعتاد الناس في المناطق المتضررة على ارتداء الأقنعة، وتخزين الضروريات، وإلغاء التجمعات الاجتماعية والتجارية، وإلغاء خطط السفر، والعمل من المنزل. وإذا كان الوباء يؤدي إلى تقليل الطلب على بعض السلع، فإنه على امتداد الخط يؤثر على العرض، ما يضطر المُصَنِّعين الدوليين إلى إعادة النظر في مصادر شراء وإنتاج سلعهم، ويسرع بالتبعية التحوُّل الذي أطلقته الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لتجنب مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للمكونات. باختصار: ما كانت القرارات السياسية والاقتصادية تفعله في سنوات، يمكن أن يحدثه الفيروس في أيام.

وبينما أعلنت البنوك المركزية حالة طوارئ غير مسبوقة، تلهَث الحكومات لإيجاد أموالٍ لدعم القطاعات المتعثرة، وباتت النظافة على رأس جدول أعمال الحكومات والشركات، حتى أن سنغافورة تخطط لتطبيق معايير تنظيف إلزامية، ناهيك عن التغييرات الأعمق أثرًا على أنماط العمل والتنقل، والتغييرات التي سيحفزها الوباء ولا بد على صعيد الرعاية الصحية، حتى في الدول الفقيرة. ولأن آثار الصدمات لا تتشابه عادة؛ لا يجرؤ أحد على توقع ما هو قادم.

الوباء جعل الأنظمة الرأسمالية التي تقدس الملكية الخاصة والقطاع الخاص وحرية المبادرة وعدم تدخل الدولة، تطرح ضرورة التأميم على مستوى الحكومات والدول وليس فقط على مستوى الشعوب.