الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:36 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب: حكايات الرعب والموت فى بلاد العم سام .. كورونا يحصد أضعاف قتلى أمريكا فى حرب فيتنام


تجاوز حاجز ال 100 ألف شخص يثير الفزع فى الولايات الأمريكية
والت ديزني تعلن العودة للعمل .. وخمس ولايات تتصارع للبقاء بعيدا عن الوباء
وقائع مقتل رجل اسمه جورج فلويد
مقطع الفيديو يثير أزمة بين أوباما وترامب
ظهور رجل شرطة أبيض يقوم بخنق مواطن أمريكى أسود يدفع الاتحاد الإفريقى إلى التدخل الدبلوماسى
الرئيس السابق يحذر من حرب أهلية فى حالة عودة العنصرية
خاص
من الاستعباد إلى رئاسة أمريكا
التاريخ السرى للصراع بين البيض والسود

تجاوزت الولايات المتحدة، منذ أيام، حاجز الـ100 ألف وفاة بسبب الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بما يعادل حوالي 28% من عدد الوفيات على مستوى العالم. ولم يجد الرئيس الأمريكي ما يقوله غير كيل الاتهامات للصين. والإعراب عن مواساته القلبية لكل عائلات الضحايا وأصدقائهم!.
عدد وفيات كورونا في الولايات المتحدة تجاوز ضحايا حرب فيتنام والحرب الكورية مجتمعة، ويقترب من عددهم من قتلى الأمريكيين خلال الحرب العالمية الأولى الذي بلغ 116 ألف. وأشار بعض مسؤولي الصحة الأمريكيين أن الأعداد قد تتصاعد خلال الفترة المقبلة، بينما توقعت تقارير ارتفاع حصيلة الوفيات إلى 138 ألف حالة بحلول شهر أغسطس، مع إعادة الولايات الأمريكية فتح الاقتصاد والشركات.
بدأت كل ولاية خطوات إعادة فتح الاقتصاد ورفع القيود المفروضة على الشركات والأماكن العامة. وحذر مسؤولي الصحة من انتشار الفيروس مع إنهاء عمليات الإغلاق، وتزايدت النصائح حول تفادي لمس الأسطح ومقابض الأبواب والموائد وأكياس التسوق ثم لمس الوجه، وتشجيع المواطنين على الحرص الشديد في التعاملات اليومية.
عمدة مدينة واشنطن العاصمة، موريل بوزر، أعلن أن المدينة ستشهد الخطوات الأولى من إعادة فتح المتاجر والشركات يوم الجمعة الماضى ، بعد أن شهدت انخفاضا لمدة 14 يوما في أعداد الإصابات، وهو أحد المقاييس الرئيسية التي أقرتها وزارة الصحة الأمريكية كمعيار لإعادة فتح الاقتصاد. ومن جهته، تفاءل حاكم ولاية نيويورك في مؤتمره الصحفي صباح الخميس بأن أعداد الوفيات بالفيروس بدأت في الانخفاض. وفي المقابل، شهدت 14 ولاية أمريكية أخرى اتجاها متصاعدا في أعداد الإصابات والوفيات، من أبرزها ولايات بنسلفانيا ومسيسيبي وكاليفورنيا وكارولينا الجنوبية. وحذر حاكم ولاية ميسيسبي من التهاون في الإجراءات الاحترازية بالتزامن مع إعادة فتح الاقتصاد.
من جانب آخر، أعلنت شركة والت ديزني إعادة فتح منتجعها السياحي في مدينة أناهيم بولاية كاليفورنيا في منتصف شهر يوليو المقبل، ووضعت شروطا على الموظفين والضيوف بارتداء كمامات وإجراء اختبار فحص درجات الحرارة قبل دخول المتنزهات. وفي ولاية فلوريدا، أعلن عمدة مدينة ميامي ديد كارلوس عن إعادة فتح الفنادق وجميع الشواطئ ، حيث سيتم السماح بممارسة رياضة السباحة والركض والمشي مع الالتزام بقيود التباعد الاجتماعي بمسافة لا تقل عن ستة أقدام وارتداء الأقنعة. ووفقا لمعهد المقاييس والتقييمات الصحية بجامعة واشنطن (IHME)، فإن التوقعات بارتفاع أرقام الوفيات إلى 138 ألف حالة بحلول أغسطس تعكس توقعات بوقوع ما يصل إلى ألفي حالة وفاة إضافية في الأسبوع. وحذر المعهد من تخفيف قواعد التباعد الاجتماعي وعدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية. وقال الدكتور مايكل ساج، مدير المعهد، إن السؤال الملح لدينا جميعا هو "ماذا سيحدث إذا استمر هذا الارتفاع المستمر للحالات ولم نتمكن من السيطرة عليه بسرعة كافية وحماية أنظمة الرعاية الصحية لدينا؟". وأضاف: "إعادة تشغيل الاقتصاد مهم، لكنك لا تريد أن تصل إلى حد الانهيار وهذا ما نحاول القيام به". وشدد ساج على أن وضع الولايات المتحدة ليس في حال أفضل مما كان عليه قبل بضعة أشهر، ومن المحتمل ألا يكون اللقاح متاحا قبل بداية العام الجديد. وطالب بالحفاظ على نهج الصحة العامة وإجراءات التباعد الاجتماعي.
وسط هذه الأزمة التي تعاني منها كل دول العالم، تصاعدت الاحتجاجات في منيابوليس بعد وفاة رجل أمريكي يدعى جورج فلويد، من أصول إفريقية شوهد في مقطع مصور يكافح لالتقاط أنفاسه، بينما يجثم رجل شرطة أبيض بركبته على عنقه حتى يخنقه للموت، أعلنت الشرطة الأمريكية، الجمعة، أن 7 أشخاص أصيبوا بالرصاص أحدهم على الأقل في حالة حرجة بعد احتجاجات في لويفيل بولاية كنتاكي على مقتل امرأة من أصول إفريقية تدعى بريونا تايلور بالرصاص في شقتها في مارس.
الغضب اشتعل في شوارع منيابوليس بعدما هز فيديو فلويد الولايات المتحدة، وظهر وكأنه يلفظ أنفاسه إثر تعرضه لمعاملة عنيفة من شرطي في ولاية مينيسوتا، رغم توسلاته بأنه لا يستطيع التنفس. وظهر الشرطي وهو يجثم بركبته فوق رقبة الضحية، الذي كان مستلقيا على الأرض يستعطف رجل إنفاذ القانون من دون جدوى، حتى توفي لاحقا. وخلال اللقطات التي صورت في منيابوليس، واجتاحت وسائل الإعلام، أمكن سماع صوت الضحية وهو يقول: "من فضلك من فضلك، لا أستطيع التنفس"، ثم أضاف: "بطني تؤلمني. رقبتي تؤلمني. كل شيء يؤلمني". ولاحقا تدخل الرئيس الأمريكي ونشر تغريدة قال فيها إن "مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة العدل يجريان بالفعل، بطلب مني، تحقيقا في وفاة جورج فلويد المؤسفة جدا والمأساوية في منيابوليس".
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قال، الجمعة، إن وفاة جورج فلويد، الرجل الأسود الذي قضى خلال توقيفه في مينيابوليس، يجب ألا تعتبر "أمرا عاديا" في الولايات المتحدة. وكتب الرئيس الديمقراطي السابق في بيان: " يجب ألا يعتبر هذا "أمرا عاديا" في أمريكا 2020، ولا يمكن أن يكون عاديا". وأضاف أول رئيس من أصول أفريقية للولايات المتحدة "إذا أردنا أن يكبر أولادنا في بلد يكون على مستوى أعظم قيمه، بإمكاننا ويجب علينا القيام بما هو أفضل".
نشر أوباما بيانه على تويتر، موضحا أنه بحث مع أصدقاء له في الأيام الماضية الفيديو التي أظهرت آخر لحظات فلويد البالغ من العمر 46 عاما وهو "يلفظ أنفساه ووجهه أرضا على الأسفلت تحت ركبة شرطي". وعلق على فيديو لفتى عمره 12 عاما يدعى كيدرون براينت يؤدي أغنية لفلويد يقول فيها "كل ما أريده هو أن أعيش"، لقيت انتشارا واسعا في الولايات المتحدة وأرسلها له أحد أصدقائه ليعبر له عن "إحباطه". وقال أوباما: "صديقي وكيندرون يأتيان ربما من أوساط مختلفة، لكنهما يتشاطران اليأس نفسه. أنا أيضا أشاطر هذا الشعور مع ملايين آخرين". وتابع "من الطبيعي أن نتمنى أن تعود الحياة "إلى طبيعتها فحسب" في حين أن الوباء والأزمة الاقتصادية يقلبان كل شيء من حولنا رأسا على عقب. لكن علينا أن نتذكر أنه بالنسبة لملايين الأمريكيين، أمر "عادي" بشكل مأساوي وأليم إلى حد يدفع إلى الجنون أن يعاملوا معاملة مختلفة على أساس العرق، سواء في تعاطيهم مع نظام الرعاية الصحية أو مع النظام القضائي، أو أثناء ممارسة رياضة الهرولة في الشارع، أو مجرد مراقبة الطيور في منتزه". وأشار أوباما بذلك إلى عدة قضايا حصلت مؤخرا وأججت الجدل حول المعاملة العنيفة والظالمة التي يتعرض لها السود في الولايات المتحدة.
الطريف هو أن الشرطة الأمريكية ألقت، يوم الجمعة، القبض على مراسل قناة "سي إن إن" الأمريكية والفريق الذي معه، خلال تغطية الأحداث التي تشهدها مدينة مينيابوليس بعد وفاة رجل أسود كان محتجزاً لدى الشرطة. ووفقاً للقناة الأمريكية، أُلقي القبض على المراسل عمر جيمينيز وفريق العمل المصاحب له رغم إبلاغ رجال الشرطة بهويتهم، وهو "انتهاك واضح للتعديل الأول في الدستور الأمريكي، ويجب على السلطات في ولاية مينيسوتا، بما في ذلك الحاكم، الإفراج عن أعضاء الفريق الثلاثة على الفور". وأوضح موقع القناة أن الضباط اقتربوا من الطاقم الإعلامي الذي شمل منتجاً ومصوراً صحفياً، بعدما ألقوا القبض على متظاهرة.
الموقع أشار إلى أنه يمكن رؤية المراسل، وهو يحمل شارة القناة، وهو يتحدث مع رجال الشرطة، حيث أخبرهم أن طاقم القناة سينتقل إلى المكان الذي يحددونه، ولكن ضابطاً أمسك به ووضع قيود في يده وقبض على مصور القناة فيما استمرت الكاميرا في بث الحادث، ولاحقاً قال المراسل عقب الإفراج عنه إنه عومل بشكل ودي. ولفتت القناة إلى أن مراسلاً تابعاً لها كان في موقع الحادث ولكن ليس مع الفريق، يدعي جوش كامبل، أبيض اللون لم يُعتقَل وعومل بشكل مختلف، حيث سمح له رجال الشرطة بالبقاء. وقال كامبل: "بعدما عرفتُ نفسي لهم قالوا: مسموح لك بالوجود في المنطقة. لقد عوملتُ بشكل مختلف كثيراً عن زميلي الأسود اللاتيني".
على الخط، دخل الاتحاد الأفريقي وأدان مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصول أفريقية على أيدي الشرطة. وذكر بيان صادر عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، أن الاتحاد يدين بشدة مقتل جورج فلويد على أيدي ضباط إنفاذ القانون بمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية معربا عن تعازيه إلى أسرته وأحبائه. وأشار فكي إلى قرار منظمة الوحدة الأفريقية (المسمى السابق للاتحاد الأفريقي) التاريخي بشأن التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية الذي اتخذه رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، خلال الاجتماع الأول للجمعية العمومية لمنظمة الوحدة الأفريقية بالعاصمة المصرية القاهرة، في يوليو 1964. وأكد رفض الاتحاد الأفريقي للممارسات التمييزية المستمرة ضد المواطنين من أصول أفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية.
رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي حث السلطات في الولايات المتحدة على تكثيف جهودها لضمان القضاء التام على جميع أشكال التمييز على أساس العرق أو الأصل العرقي. لكن يوم السبت الماضى ، أعلنت السلطات الأمريكية مقتل شخص في إطلاق النار على متظاهرين بمدينة ديترويت الأمريكية، خلال احتجاجات نددت بعنف الشرطة وممارساتها العنصرية.
لا يقتصر عنف الشرطة الأمريكية ضد المواطنين السود على مدينة مينابوليس. فالاعتقالات في أوساط السود أكثر في بعض المناطق، مع أن البيض يرتكبون جرائم أكثر. فقد شهدت مدينة فيرجسون بولاية ميزوري الأمريكية اضطرابات وأعمال عنف منذ مقتل شاب أسود برصاص شرطي أبيض. ومنذ مقتل الشاب ذي الأصول الإفريقية مايكل براون في التاسع من أغسطس 2014 أصبحت هذه المدينة بؤرة لتجدد الجدل حول قضية العنصرية والاختلاف الطبقي والاقتصادي في المجتمع الأمريكي. وهنا يبرز التساؤل عن مدى انتشار التفاوت الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية. فضاحية سانت لويس الأمريكية مثلا يبلغ عدد سكانها 21 ألف نسمة، ثلثهم من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، لكن رئيس بلدية هذه المنطقة أبيض البشرة، وكذلك خمسة أعضاء من مجلس مستشارية المنطقة هم بيض، من أصل ستة مستشارين.
الاضطرابات التي تلت مقتل الرجل الأسود "ما هي إلا نتيجة لحرمان الأمريكان الأفارقة من حق المشاركة في تقرير المصير"، كما يقول الأخصائي الاجتماعي دارنيل هانت، مدير مركز الدراسات الإفريقية-الأمريكية في جامعة كاليفورنيا. ويضيف: "هذا يبدو كما كان سابقا في سنوات الأربعينات، حين نشطت حركة الحقوق المدنية". وما حدث في فيرجسون ليس حالة فردية، بحسب رأي 80% من الأمريكيين الأفارقة، الذين تم استطلاع آرائهم. في حين يتفق معهم 37% فقط من الأمريكيين البيض على ذلك.
"ما حدث في فيرجسون ليس إلا مثالا على ما شهدناه في السنوات الأخيرة وفي العقود الماضية"، كما تقول ليكسار كوامي المتحدثة باسم منظمة الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، مشيرة إلى حالات قامت فيها الشرطة بإطلاق النار على أمريكيين سود مدنيين غير مسلحين وتم قتلهم دون معاقبة الشرطة على ذلك، مثل مقتل الشاب ترايفون مارتن في سانفورد بولاية فلوريدا، الذي انتشرت أخباره حول العالم والذي قال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما: " أنا نفسي كان من الممكن أن أكون في مكان ترايفون مارتن". ومنذ منتصف يوليو 2014 قتل أربعة أمريكيين من أصول إفريقية برصاص الشرطة، بحسب مجلة ماذار جونس الأمريكية اليسارية.
"لا نسمع عن حالات يتم فيها استهداف شباب بيض البشرة" في الولايات المتحدة، كما يقول الخبير الاجتماعي هانت، مضيفا: "ثمة رأي بأن الرجال السود يشكلون تهديدا ينبغي ترصده ومراقبته، ولكن في الواقع فإن البيض تكون لهم تجارب مختلفة عن السود لدى الشرطة". ففي مدينة فيرجسون مثلا بلغت نسبة حالات التفتيش في صفوف السود 92% ووصلت نسبة الاعتقالات في أوساط سائقي السيارات من السود إلى 93%، في العام 2013، وذلك رغم أن الشرطة وجدت أن عدد المخالفات التي ارتكبها البيض (نسبتها 34%) أكثر بكثير من تلك التي ارتكبها السود (نسبتها 22 %). وهذا التفاوت في النِّسَب ليس حصريا على مدينة فيرجسون، بل يتجاوزها إلى مدن أخرى. كما أن عدد حالات تفتيش الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية في شوارع نيويورك أكثر مقارنة بعدد حالات تفتيش الأمريكيين البيض. ويقول الخبير الاجتماعي هانت إن آباء الأطفال السود وأمهاتهم لا يكونون واثقين دائما من أن الشرطة لن تتعرض لأولادهم بالعنف. وتحاول هذه العائلات تجنب الاحتكاك بين أولادها والشرطة. وتطالب هذه العائلات المحاكم بمنع الشرطة من إجراء أية أعمال تفتيش بناءً على لون البشرة، وتطالب أيضا بتدابير أخرى كتوعية عناصر الشرطة أثناء فترة الدراسة.
ويرى المتخصص الاجتماعي الأمريكي هانت أن ظاهرة عنف الشرطة الممارَس على السود لها جذورها وخلفياتها قائلا: "لدينا رئيس أسود لكن معظم الأمريكيين السود يعانون حاليا من سوء الأحوال الاقتصادية أكثر مما كانوا عليه قبل 20 عاما". إنهم مهمشون في جميع مجالات الحياة: فنسبة البطالة بينهم زادت خلال عقود إلى ضعف نسبتها بين البيض، كما أن مدخولهم المالي أقل بنسبة الثلث من متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة، ونسبة السود الفقراء أكثر بثلاث مرات من البيض، كما أن الاعتقالات والعقوبات في أوساطهم أكثر منها لدى البيض.
هناك أسطورة تقول إن الولايات المتحدة قد تمكنت من إنهاء مشكلة العنصرية. لكن ما حدث في مدينة فيرجسون ويحدث في مناطق أمريكية أخرى تدل على أن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من مشكلة التفرقة العنصرية. وهناك حراك عنصري تقوم به بعض جماعات اليمين المتطرف الأمريكي، وهي حركات عنصرية، تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وتعارض كل قوانين المساواة بين الأعراق، ويأتي على رأس هذه المنظمات، منظمة الكلو كلس كلان، التي نشأت في الجنوب الأمريكي، بعد انتصار الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، على الانفصاليين في الجنوب الأمريكي، الذين كانوا يعارضون تحرير السود، ولا تزال هذه الحركة قائمة حتى اليوم، وتساندها عشرات المنظمات العنصرية الأخرى.
بعد هزيمة الانفصاليين العنصريين في الجنوب الأمريكي، في عام 1865، وإعادة الجنوب إلى الدولة الأم في واشنطن، تأسست منظمة الكلو كلس كلان، وتخصصت في ملاحقة السود، والتنكيل بهم، وكان لها أنصار في كل قطاعات الحكومة، أي الشرط والمحاكم وغيرها، وعانى السود من بطش هذه المنظمة لعقود طويلة، خصوصا وأنه تم تحريرهم من العبودية، ولكنهم ظلوا مواطنين من الدرجة الثانية بحكم القانون، فقد كانت هناك قوانين عنصرية صارمة للفصل بين البيض والسود، في المدارس والمواصلات وكل مكان يجتمع فيه الناس، وبعد حوالي القرن من الفصل العنصري، كان هناك حراك قوي من السود، وأحداث عنف جسيمة، جعلت الحكومة الفيدرالية تدرك أنه لا بد من عمل ما، قبل أن تنفجر الأوضاع، وتتحول للأسوأ.
عام 1960، انتخبت أمريكا رئيسا شابا، اسمه جون كينيدي، وكان ديمقراطيا ذو كاريزما مبهرة، وحمل معه أجندات إنسانية، ضمنها العمل على تحقيق العدل والمساواة، ونصرة الفقراء، وقرر إنقاذ أمريكا من انفجار وشيك، بين السود والبيض، ولكنه اغتيل بطريقة مأسأوية، في مدينة دالاس، بولاية تكساس، في عام 1963، ورحل وهو في ريعان شبابه، ولا تزال قصة اغتياله لغزا يستعصي على الفهم، رغم مرور أكثر من نصف قرن على حدوثه، وآلاف الكتب والأفلام، التي تحدثت عنه، وخلفه نائبه، الرئيس ليندون جانسون، والذي لم يكن بإنسانية كينيدي، لكنه نفذ مشروعه، واستطاع تحقيق المعجزة، وذلك بإصدار قانون إلغاء الفصل العنصري، والمساواة بين البيض والسود، ورغم أن هذا القرار التاريخي سار على ما ينبغي حتى اليوم، إلا أن جماعات اليمين المتطرف لم توقف نشاطاتها العنصرية، وهو النشاط الذي بلغ أوجه، منذ انتخاب دونالد ترامب.
كان عام 1619 هو أول تاريخ موثق للعبودية في أمريكا، حيث وصلت سفينة إلى مستوطنة إنجليزية فيما يعرف الآن بولاية فرجينيا الأمريكية، تحمل نحو 20 من الأفارقة المختطفين وهذا وكان قراصنة إنجليز قد أسروهم من سفينة برتغالية تحمل أفارقة مختطفين بغرض استعبادهم قبالة سواحل المكسيك، وكانت السفينة البرتغالية تحمل نحو 350 أفريقيا اختطفوا مما يعرف الآن بأنجولا وقد مات الكثير منهم خلال الرحلة بسبب الظروف السيئة المحيطة بها، وقد قام القراصنة ببيع الأفارقة الذين استولوا عليهم لسكان المستعمرات في فرجينيا الذين كانوا بحاجة لعمال.
بعدها أصبحت أمريكا مكانًا لعمل العبيد في القرن التاسع عشر، ثم تصاعدت الدعوات لتحرير هؤلاء العبيد، فخاضت الولايات المتحدة حربا أهلية دامية وبالتحديد في الفترة من عام 1861 إلى 1865 حيث راح ضحيتها مئات الآلاف، إلى جانب ملايين المصابين عدا عن الخراب والدمار الذي تسببت به المعارك والنزاعات، وبعدها تم تعديل الدستور الأمريكي ليتم إلغاء العبودية بشكل رسمي، ولكن المحكمة العليا الأمريكية أرست مبدأ هاما ينص على مبدأ "منفصلون ولكن متساوون"، فهي قالت إن الفصل العنصري لا يتناقض مع الدستور طالما أن المنفصلين متساوون، كل في عالمه، وعقب هذا بدأ فصل جديد في التاريخ الأمريكي يتعلق بالمعاملة العنصرية للملونين في أمريكا.
نعم هناك إلغاء للرق في القانون والدستور، ولكن هناك أيضا فصل عنصري بالقانون بين البيض والملونين لم تصاحبه المساواة على الإطلاق، فمدارس السود لم تكن بأي حال مساوية لمدارس البيض من حيث مواردها وإمكاناتها المادية والتعليمية، والرعاية الصحية والسكن وكل مرافق السود وغيرها، لم تكن متساوية مع تلك الخاصة بالبيض. وبعد نصف قرن على خطابه التاريخي، الذي ألقاه قائد حركة الكفاح ضد العنصرية في أمريكا مارتن لوثر كينج، والذي جعل عنوانه الشهير عندي حلم (I have a Dream) ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود فى أمريكا قائمة.
في دراسة حديثة أجريت عام 2014، تبين فيها أن السود مهمشون في جميع مجالات الحياة: فنسبة البطالة بينهم زادت خلال عقود إلى ضعف نسبتها بين البيض، كما أن مدخولهم المالي أقل بنسبة الثلث من متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة، ونسبة السود الفقراء أكثر بثلاث مرات من البيض، كما أن الاعتقالات والعقوبات في أوساطهم أكثر منها لدى البيض. وفي دراسة أخرى تمت عام 2018، ونشرتها جريدة الجارديان البريطانية توضح أن السود في الولايات المتحدة يتعرضون للتمييز رغم خلفياتهم الاجتماعية العالية المستوى، وكشفت الدراسة عن أن الأولاد السود -حتى الذين نشؤوا وترعرعوا في أسر عالية الدخل والمستوى- يعانون جراء عدم المساواة في الراتب عندما يكبرون، وذلك بالمقارنة مع البيض الذين يكبرون في بيئة مماثلة، بل أن السود يتقاضون رواتب وأجورا أقل، موضحة أن العرق -وليس الطبقة الاجتماعية- هو العامل المؤثر في هذا السياق.
التمييز في أمريكا لم يعد مقتصرا في العقود الأخيرة على الملونيين، بل تعداه إلى المسلمين الذي يعيشون في أمريكا. ففي أحدث دراسة نشرت عام 2019، قال ما يزيد عن ثمانية من كل 10 أمريكيين إنهم يعتقدون أن المسلمين يواجهون على الأقل بعض التمييز في المجتمع الأمريكي، متجاوزين الفئات الكبرى الأخرى، حسب استطلاع للرأي أجراه مركز Pew الأمريكي للأبحاث، وحسب شبكة CNN الأمريكية، فإن حوالي 82% من المشاركين، قالوا إن المسلمين يواجهون تمييزاً، مقارنة بقولهم الأمر نفسه عن مجموعات أخرى مثل الهسبان أو المثليين والمثليّات، وقالت نسبة أقل قليلاً بلغت 80% إنهم يعتقدون أن أصحاب البشرة السمراء يواجهون على الأقل بعض التمييز.
لكي نعرف مدى تغلغل العنصرية داخل النفسية الأمريكية، فقد نشرت الصحف الأمريكية منذ أكثر من عام تعرض فتاة أمريكية في العشرينات من عمرها تدعى يتني أليس، لحادث تمييز عنصري على يد زميلتها البيضاء في مدرستها بمدينة فيلادلفيا الواقعة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، عندما نعتتها بـ"العبدة".
حتى قانون أوباما للرعاية الصحية، والذي كان يخدم فقراء أمريكا وأغلبهم بالطبع من السود، فإن ولايات الجنوب المحافظة، التي يتمركز فيها أعداد معتبرة من السود، لم تشترك أصلا في ذلك المشروع لأن حكومات ولاياتها من الجمهوريين كانت ترفض القانون بالمطلق، وأطلقوا عليه تعبير (أوباما كير) سخرية منه، بل سعوا مرات عديدة لإلغائه أصلا عبر الكونجرس، في أثناء ولاية أوباما وبعد انتهائها.
الوباء كشف عن تلك العنصرية بشكل فاضح، وأثبتت البيانات الحكومية أن السود هم الأكثر إصابة ووفاة بفيروس كورونا بما لا يقارن بالبيض، بل بالمقارنة بالأقليات الأخرى، فقد تبين أن مدينة ديترويت، مثلا، التى يشكل السود 80% من سكانها هي أكثر المدن المضارة من الفيروس، بين كل مدن ولاية متشجان، وعدد الوفيات بها يمثل 40% من الوفيات بالولايات المتحدة.
ويصدق الشيء نفسه على مدن أخرى ذات أغلبية سوداء مثل مدينتي شيكاغو بولاية إلينوى، ونيو أوليانز بولاية لويزيانا، ففي شيكاغو، مثلت الوفيات بين السود 100% من كل الوفيات بالمدينة، وفى ولاية لويزيانا، التي يمثل فيها السود 32% من السكان، فإنهم يمثلون 70% من الوفيات بفيروس كورونا، أما فى نيويورك، بؤرة تفشى المرض، أعطيت الأولوية فى توفير اختبار المرض للذين سافروا للخارج، الأمر الذى كان يعنى ضمنيا توفيره لمناطق البيض ذوى الدخول المرتفعة، القادرين على السفر للخارج، وحرمان المناطق ذات الغالبية السوداء مثل بروكلين من الخضوع لذلك الاختبار. وبحسب جريدة واشنطن بوست، فإن الفجوة العرقية تقوم بدور كبير فيما يتعلق بإجراء فحوص لاكتشاف الفيروس ومعالجته، إضافة إلى توزيع الدواء ونقص المعدات والطواقم الطبية في هذه المجتمعات وكل ذلك أدى إلى تداعيات كارثية للمرض.
الجريدة أشارت إلى أن اللامساواة والتمييز يجعلان تأثير أزمة كورونا متفاوتة بهذا الشكل، فالأمريكيون السود يعانون أصلاً من مشكلات صحية خطيرة، أقلها مرض السكري والربو وذلك بسبب فقرهم ومعاناتهم في الحصول على فرص عمل، مؤكدة أن هذه الحقيقة ليست عارضا طارئا، بل هي نتيجة لظروف اقتصادية وبيئية مفروضة على الأقليات، بسبب تاريخ الولايات المتحدة المليء بالعنصرية بحسب الجريدة. والجدير ذكره أن الإحصاءات الرسمية لعدد الوفيات والإصابات بالفيروس داخل مجتمعات الأمريكيين من أصول أفريقية ليست دقيقة، ما يعني أن الأعداد والنسب قد تكون أكبر بكثير، وهذا ما دفع عدداً من أعضاء الكونجرس إلى مطالبة وزارة الصحة الأمريكية بتقصي تداعيات الفيروس ضمن هذه المجتمعات الفقيرة.
نعم قد تكون أمريكا دولة تتربع على عرش النظام العالمي، لكنها تفتقر إلى العدل والمساواة، ويشيع فيها الظلم والتمييز الذي هو المسمار الأخير في نعش هذه الإمبراطورية.