ياسر بركات يكتب عن: مصر تؤجل الضربة ..وتعلن العودة للمفاوضات مؤقتا : النهر الخالد .. حكاية شعب
الجيش السوداني يعلن مقتل ضابط في هجوم نفذته ميلشيات أثيوبية على الحدود
أديس أبابا حاولت استمالة السودان لتعبئة خزان السد .. والخرطوم ترد بعنف
عدم ترسيم الحدود بين السودان وأثيوبيا يفتح الباب لحروب ميليشيات بين البلدين
الاتحاد الأوربى يبدأ مرحلة جديدة من المناقشات .. وتخوفات من تكرار الفشل السابق
تفاصيل المكالمة الهاتفية بين نائب رئيس المفوضية ومسؤل الأمن بالاتحاد الإفريقى
ـ لماذا رفضت أثيوبيا التوقيع على مقترح البنك الدولى ؟
الأورومو .. والأمهرية
ننشر تفاصيل صراعات القبائل التى تهدد بتفجير أثيوبيا من الداخل
إلى واجهة الأحداث، عادت مجددا أزمة سد النهضة الإثيوبي، التي يبدو أن إعلان عودة أطراف الأزمة إلى طاولة المفاوضات شجع الاتحاد الأوروبي على إعادة تأكيد دوره، الذي قد يكون وساطة جديدة، لم نعرف بعد طبيعتها أو أوراق الضغط التي يملكها وتؤهلة للعب دور حقيقي ومؤثر.
المعلومات المؤكدة تقول إن جوزيب بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومفوض شؤونها الخارجية، أجرى مكالمة تليفونية، الخميس الماضي، مع إسماعيل شرقي، مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، تبادلا خلالها الآراء حول آخر مستجدات أزمة السد. وتوافقا على أن حل الخلاف مهم للاستقرار في كل المنطقة.
المكالمة التليفونية جاءت كما هو واضح بعد إعلان مصر والسودان الموافقة على استئناف التفاوض وتكليف وزراء المياه في الدول الثلاث للبدء في ترتيبات العودة إلى التفاوض بأسرع فرصة ممكنة. وقبل هذا الإعلان تواصل بوريل أيضا خلال الأسابيع الماضية مع كل الأطراف وشجعها على تجنب الاستقطاب المتزايد. وشدد على أهمية تجنب أي تصعيد وإيجاد حل عاجل يحقق مصالح كل الأطراف. وأكد على استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم الدول الثلاث وتبادل خبرات الاتحاد الأوروبي معها.
إعلان مصر والسودان استئناف التفاوض جاء استكمالاً لمشوار طويل من المفاوضات تخلله الكثير من النكسات والانقطاعات، منذ شروع أثيوبيا في بناء السد سنة 2011، بهدف الاتفاق حول تقليل تأثير السد الأثيوبي على كل من السودان ومصر، اللتان تخشيان من تراجع إمداداتهما من مياه النيل. وفي فبراير الماضي رفضت أثيوبيا التوقيع على مقترح اتفاق تقدمت به الولايات المتحدة التي دخلت في نوفمبر الماضي كوسيط إلى جانب البنك الدولي لإيجاد حلول لخلافات الدول الثلاث.
في 12 مايو رفض السودان مقترحاً أثيوبياً بتوقيع اتفاق جزئي حول ملء بحيرة السد. ونقلت وزارة الري والزراعة السودانية عن رسالة من عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، إلى أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي أن توقيع أي اتفاق جزئي للمرحلة الأولى لا يمكن الموافقة عليه نظراً لوجود جوانب فنية وقانونية يجب تضمينها في الاتفاق، وأن معظم القضايا تحت التفاوض وأهمها آلية التنسيق وتبادل البيانات وسلامة السد والآثار البيئية والاجتماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ليس فقط بالملء الأول وإنما بكل مراحل الملء والتشغيل طويل المدى وبالتالي لا يمكن تجزئتها.
تعبئة خزّان السد القادر على استيعاب 74 مليار متر مكعّب من المياه من بين أبرز النقاط العالقة بين الدول الثلاث. وتخشى مصر أن تسرّع أديس أبابا عملية ملء الخزّان، ما من شأنه أن يخفض تدفق المياه إلى مصب النهر، وبالتالي على حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب. وما من شك في أن أي تحرك للاتحاد الأوروبي بشأن سد النهضة يتقاطع مع دور الولايات المتحدة، خاصة أن حمد صالح، كبير مفاوضي السودان كان قد أشار منذ حوالي أسبوعين إلى تحركات سودانية لاستئناف التفاوض بمرجعية أو تحت إشراف واشنطن.
السؤال الآن: هل يمكن أن يكون الجانب الأوروبي أكثر حيادية مقارنة بالروسي أو الصيني أو الأمريكي؟
إن أي تحرك للاتحاد الأوروبي يتوقف على مواقف الدول الكبرى فيه خاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، والأخيرة لها تاريخ استعماري في أثيوبيا. ونجاح أي وساطة محتملة تتطلب توافر النية الحقيقية وتوظيف أوراق الضغط الأوروبية وعلاقات دول أوروبا القوية بأديس أبابا، واستثماراتها في المشروعات التنموية لتحديث الري هناك. وهناك أيضا شراكة استراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر والدعم الأوروبي لأثيوبيا والسودان، الذي يسعى نظامه الجديد إلى الانفتاح على الغرب بعد عقود من الانكفاء عنه تحت حكم عمر البشير.
هل ينجح الاتحاد الأوروبي في إغلاق ملف سد النهضة وتأكيد وجوده في إفريقيا؟ تجربة أدوار الاتحاد الباهتة في المنطقة لا تبشر بالخير. حيث لم يستطع من خلال الرباعية الدولية، التي شُكلت عام 2002 في مدريد من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المساهمة في عملية السلام بين العرب وإسرائيل، ولم يترك أي بصمة تبقى في ذاكرة التاريخ. وما يقلق أيضا هو ذلك التطور الدراماتيكي على الأرض، يوم الجمعة، بإعلان الجيش السوداني مقتل ضابطٍ وجرح آخرين في هجوم نفذته ميلشيات أثيوبية على الجانب السوداني من الحدود. ما قد يعيد خلط أوراق اللعبة ويرجع جهود السلام والوساطة إلى نقطة الصفر.
الجيش السوداني اتهم القوات الحكومية الإثيوبية بمساندة ميليشيات محلية إثيوبية في هجمات عبر الحدود على مواقع سودانية. وأعلن عامر محمد الحسن، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، في بيان أصدره الخميس، أن ميليشيات إثيوبية مسنودة بالجيش الإثيوبي واصلت تعديها على الأراضي والموارد السودانية. وكانت الحدود السودانية الإثيوبية قد شهدت، الخميس، توتراً جديداً بعد تسلل ميليشيات إثيوبية إلى الحدود واعتدائها على المشروعات الزراعية بمنطقة بركة نوريت وقرية الفرسان. كما اشتبكت مع قوة عسكرية سودانية في معسكر بركة نورين, ما أدى إلى مقتل نقيب في الجيش السوداني وطفلة، إلى جانب جرح عدد من العسكريين والمدنيين. وبناء على ذلك توجهت تعزيزات عسكرية للمنطقة على وجه السرعة، وقامت بمطاردة الميليشيات الإثيوبية إلى ما وراء الحدود المشتركة.
للسودان وإثيوبيا حدود متداخلة مشتركة تمتد إلى حوالي 1500 كيلو متر، وهي أطول حدود في أفريقيا ويعد التنوع والتباين العرقي هو سمة أهل السودان وإثيوبيا. ولكن انفصال جنوب السودان جعل السودان الشمالي يقترب من التجانس الديني، حيث أكثر من 97 % من السكان مسلمون، ولكن على مستوى الأعراق تبلغ نسبة العرب ما يقرب من 70 % ، بينما القوميات الأخرى من البجا في الشرق، والنوبيين في أقصى الشمال، والفور والزغاوة في دارفور، أما أثيوبيا فهي تعاني من انقسام أشد، فهناك قبيلة الأورومو وتعد كبرى القوميات الإثيوبية، وتنتشر في جنوب غرب البلاد، وتشكل 40% من سكان إثيوبيا البالغ حوالي مئة مليون نسمة، ويعتنق ما يزيد على 70% من شعب اورومو" الدين الإسلامي، و20% منهم المسيحية، وتشتكي الأورومو منذ عشرات السنين بسبب ما تعتبره انتهاك حقوقها والتمييز الاقتصادي والمجتمعي الذي تمارسه الحكومة ضدها، وفي أكتوبر 2014، قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تقرير لها إن السلطات الإثيوبية تمارس بلا رحمة التعذيب بحق أكبر قومياتها "الأورومو".
هناك أيضا القومية الأمهرية التي تنتشر في شمال البلاد، تقدر نسبتها بـ 25% من السكان، وقد حكمت البلاد لعقود، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطور هايلي سيلاسي، وبعده نظام مينجيستو هايلي مريم، وهيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، وتوجد أيضا القومية الصومالية: وتقدر نسبة هذه القومية بنحو 6.2%، ويقطن سكانها في إقليم أوجادين الذي يعرف بالإقليم الخامس بحسب التقسيم الإداري الإثيوبي، وقد ضُمَّ إلى إثيوبيا منذ عام 1954، وهناك أيضا طائفة تيجراي: وتقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إرتيريا، تشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهي العرقية التي تحكم إثيوبيا منذ تولي ميليس زيناوي السلطة عام 1991، وتسيطر تيجراي على قوات الجيش، إذ إن نسبة 99% من ضباط قوات الدفاع الوطني من هذه الطائفة.
في ظل هذا الارتباك، هناك عدة عوامل تتحكم في مسار العلاقات الأثيوبية السودانية أهمها تداخل الحدود بين الدولتين وعدم ترسيمها بشكل دقيق، والصراع القبلي على جانبي تلك الحدود المرسومة، والخلافات العرقية والقبلية الداخلية، والتي تحاول كل دولة استثمارها للتأثير على قرارات جارتها. بالإضافة إلى سد النهضة وملف نهر النيل، الذي حاول السودان فيه الوقوف بمظهر المحايد في الخلاف المصري الأثيوبي المتصاعد، خاصة أن السودان لن يضر بحجز المياه لأن اعتماده على مياه النيل الأزرق ضئيل، وله مصادر أخرى كثيرة للمياه. كما تغري أثيوبيا السودان بمعاملة خاصة في بيع كهرباء السد. لكن هناك احتمال لإنهيار السد وهو ما قد يؤدي إلى غرق مساحات شاسعة في شرق السودان وشماله.
خلال الأسابيع الأخيرة، أقدمت مصر على خطوة لاستمالة الجانب السوداني في صفها، عندما أتمت مشروع الربط الكهربي بين البلدين، الذي أسقط حاجة السودان إلى كهرباء سد النهضة، وهي الخطوة التي تعتبرها أديس أبابا قد تصيب مشروع الربط الكهربي بين السودان وإثيوبيا في مقتل. ولكن هل تؤدي هذه التطورات إلى اندلاع حرب بين البلدين، خاصة أن التوتر بينهما لم يقف عند توغل الجيش الأثيوبي داخل الحدود السودانية، بل سبقه تسمية سفير إثيوبي في السودان ينتمي إلى القومية الأمهرية المسيحية كرسالة تصعيد إثيوبية مع الخرطوم، خصوصاً أن السفير الذي تم سحبه لم يستكمل فترته بعد، وأن خطوة تسمية سفير أمهري تجيء بالمخالفة لقاعدة أن السفراء الإثيوبيين خلال الثلاثة عقود الأخيرة كانوا من أقاليم العفر والأورمو، باعتبار أنها أقاليم للمسلمين في إثيوبيا، أصحاب التعاطف التقليدي مع السودان.
احتمال الحرب بين البلدين هو احتمال ضعيف، نظرا لغرق أثيوبيا في توترات داخلية بين القوميات والأعراق المختلفة، والتي نتج عنها تفجير المساجد والكنائس الإثيوبية، وممارسة الاغتيال على أسسٍ إثنية، وكذلك وجود توترات داخل الكنيسة الإثيوبية وهي كنيسة أرثوذكسية، ينازعها الأورمو المسيحيون ليكون رأس الكنيسة منهم وليس من الأمهرا الذين يحوزون هذه المكانة الدينية الرفيعة تاريخياً، كما تواجه الكنيسة الأرثوذكسية أيضاً تحديات جديدة بسبب حجم التبشير البروستانتي حالياً في إثيوبيا والمستند إلى انتماء آبي أحمد إلى هذه الطائفة، وتحت مظلة جملة هذه التوترات الداخلية، اضطر رئيس الوزراء الإثيوبي إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أجلٍ غير مسمى، في خطوة سوف تزيد الاحتقانات السياسية الإثيوبية، ولا تخفف منها.