ياسر بركات يكتب: زعيم كوريا الشمالية.. مستر إكس لا يموت
ظهر الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون للمرة الأولى بشكل علني بعد اختفائه عن الأنظار لمدة ثلاثة أسابيع، حسبما أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية يوم السبت، وذلك بعد تكهنات عن مصيره. وعرضت وسائل الإعلام في كوريا الشمالية صورا للزعيم كيم وهو يشارك في حفل بمناسبة إنهاء العمل في إنشاء مصنع للسماد في مدينة سونشون (50 كيلو متراً) شمال العاصمة بيونج يانج. ووفقا للوكالة، تلقي كيم "هتافات مدوية" من المشاركين في الحفل، الذي أقيم يوم الجمعة.
لم يظهر كيم بشكل علني منذ نحو ثلاثة أسابيع. وشوهد آخر مرة في اجتماع حزبي مهم في بيونج يانج يوم 11 أبريل، بينما غاب عن الاحتفالات بعيد ميلاد جده الراحل يوم 15أبريل. وفي تقريرها الذي يتألف من 1500 كلمة، يوم السبت، لم تتطرق وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية للتكهنات بشأن صحة كيم. منذ صدور تقرير في صحيفة "دايلي ان كيه" الالكترونية ومقرها كوريا الجنوبية، منتصف أبريل الماضي عن أن كيم خضع لجراحة في القلب، في أعقاب غيابه الواضح عن بعض الأحداث المهمة، كان المراقبون للشأن الكوري يتساءلون عن مصيره. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين ردا على سؤال عن ظهور كيم العلني، "من الأفضل ألا أعلق على الأمر، كيم يونج أون. سنتحدث عن الأمر في الوقت المناسب".
فجأة وفي ظل تفشي فيروس "كورونا" المستجد، تم تسريب خبر يخشاه كثيرون في شرق آسيا بل وفي العالم كله، يزعم أن كيم جونج أون، رئيس كوريا الشمالية، إما مات أو يصارع الموت. وما زاد من سرعة انتشار الخبر أو الشائعة هو سرية النظام التي تجعل من الصعب معرفة ما يجري داخل تلك الدولة، خاصة إذا تعلق الأمر بالحالة الصحية للزعيم.
مرات عديدة، ثبت أن شائعات مرض كيم جونج أون لا أساس لها من الصحة، لكن هذه المرة قد تؤخذ الحالة على محمل من الجد، فالخبر انتشر بعدما تغيب قبل أسبوعين عن احتفالات ذكرى عيد ميلاد جده، كيم إيل سونج، الذي حكم 50 عاماً. ومن الصعب التكهن بما سيحدث إذا ما مات كيم، لأنه يتحكم بالسلطة الكاملة في البلاد، لذلك قد يؤدي رحيله إلى عدم الاستقرار ونتائج خطيرة أخرى، وربما يكون مفيداً في نهاية المطاف للولايات المتحدة.
متابعون لأحداث كوريا الشمالية قالوا إنه ليس مفاجئاً إذا خضع كيم لجراحة في القلب والأوعية الدموية، فقد عانت أسرته من مشكلات في القلب ومرض السكري، وإذا كان كيم ليس في خطر الآن، فإن الخطر سيبقى إذا لم يغير أسلوب حياته، فإذا أصبح عاجزاً فستكون هناك فترة يحكم فيها باسمه أشخاص مقربون منه، وتكون شقيقته كيم يو جونج المرشحة المحتملة، بسبب قربها الأخير من "الزعيم" ومؤهلاتها الأسرية. ويضيف المتابعون أنه كلما طالت مدة هذا الوضع قل احتمال خضوع القيادة العسكرية والحزبية لإمكانية عودة كيم وتضاءل خوفهم من عقاب محتمل، أيضاً عجز مطول قد يوفر الفرصة ليو جونج ودائرتها لتثبيت نفسها على أعلى المستويات في المؤسسات الحاكمة للحزب.
هناك احتمال بديل، فقد يحاول شخص رفيع المرتبة في النظام، إنما من خارج الأسرة، الحفاظ على النظام الحالي كما هو، لكن الآن من غير الواضح ما إذا كان أي حاكم من خارج عائلة كيم يمكنه القيام بذلك. والأخطر من ذلك كله، أن ينهار النظام بأكمله مع انقسام كوريا الشمالية إلى خليط من الوزراء الذين يحكمهم أمراء الحرب، مثل هذا السيناريو يدفع إلى حرب أهلية وكارثة إنسانية، إذ قد يتطلع أمراء الحرب الذين يعانون من ضائقة مالية إلى بيع الأسلحة أو التكنولوجيا النووية أو البيولوجية أو الكيماوية، أو استخدام تلك الأسلحة الفتاكة بعضهم ضد بعض.
وسط هذه السيناريوهات، رأي المتابعون، أن تتصرف الصين بسرعة، فآخر شيء تريده هو الصراع على حدودها أو الفوضى التي قد تغري الولايات المتحدة بالتدخل. يضيفون؛ إذا نجا النظام الحالي، سواء تحت قيادة الشقيقة كيم يو جونج أو مسئول رفيع آخر في النظام، فمن المحتمل جداً أن تدعم الصين الزعيم الجديد وتساعده، لكن إذا انهارت كوريا الشمالية في حرب أهلية فقد تشعر الصين بأنها مضطرة للتدخل مباشرة.
عند هذه النقطة سيكون أمام الصين خياران. تحويل كوريا الشمالية إلى محمية وتوفير المساعدة الاقتصادية، إلى جانب المستشارين الصينيين وقوات حفظ سلام. لكن الذي سيتولى السلطة في كوريا الشمالية لن يقبل أن تكون محمية صينية، عندها فمن المحتمل أن يتشكل الخيار الآخر للصين بسبب التكاليف لإنعاش اقتصادها بعد وباء "كورونا"، فقد تحاول تحويل تكاليف إعادة بناء ودعم استقرار كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، وتوافق على وحدة الكوريتين، بشرط انسحاب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة. أيضاً قد تقبل أو لا تقبل كوريا الجنوبية نظراً للتكاليف الهائلة لإعادة التوحيد، أثناء تعافيها هي الأخرى من الوباء، ومع هذا فإن أياً من هذين الخيارين قد يفيد الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة انخرطت لأول مرة في كوريا عام 1950 لمنع النظام الشيوعي في الشمال بدعم من الاتحاد السوفيتي (آنذاك) والصين من غزو الجنوب. وحتى اليوم لا تزال أمريكا ملتزمة بكوريا الجنوبية لمنع التهديد من الشمال الذي كان يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى حرب، وكان هذا احتمالاً دائماً حيث اعتمد الديكتاتوريون الثلاثة؛ الجد والأب والابن، على شيطنة حكومتي سيول وواشنطن لتبرير الإنفاق العسكري الضخم والقمع الداخلي والقبضة الحديدية على السلطة.
في الواقع لم تكن كوريا الشمالية أبداً تشكل تهديداً للولايات المتحدة، لكن النظام فيها صُمم لإبقاء أفراد عائلة كيم في السلطة. إذا انتهت سلالة كيم، فلن يكون هناك سبب للعداء بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. وعلى كل حال، يعتمد دور أمريكا في شبه الجزيرة الكورية بشكل أساسي على ما تريده كوريا الجنوبية، وإذا أصبحت كوريا الشمالية محمية صينية تركز على التنمية الاقتصادية أكثر من التركيز على القوة العسكرية أو الترهيب الخارجي، فقد ترى سيول حاجة قليلة لوجود القوات الأمريكية، وينسحب القول نفسه إذا توحدت الكوريتان؛ خصوصاً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقترح مؤخراً أن تدفع سيول تكاليف القوات الأمريكية التي تحميها.
كيم لا يزال على قيد الحياة ولم تفعل المعلومات المخابراتية المتضاربة التي تصدر عن واشنطن وبكين وسيول غير أنها أوضحت ما يمكن أن تكسبه تلك الأطراف عبر تأخير تسريب الخبر الصحيح. كما أتاحت هذه التحركات للاعبين على أرض كوريا الشمالية اعتماد الخطوات لتعزيز قواعد سلطتهم وتأمين استقرار الوضع، لأن جميع مكونات الصراع على السلطة في واحدة من أكثر الدول تقلباً وخطورة في العالم متوفرة.