الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 11:00 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:الوباء الذى مزق غرور الأمريكان فى أيام.. 22 مليون عاطل .. و7 مليون جائع !


الولايات تعيش حالة كساد غير مسبوق منذ عهد ريجان
هبوط سوق الأسهم بشكل دراماتيكى وارتفاع صاروخي فى نسبة البطالة

الفيروس التاجي قام بتمزيق سوق العمل الأمريكي، حيث ارتفعت البطالة الجديدة خلال الشهر الماضي وحده، لتتجاوز 22 مليوناً في اقتصاد بلغ عدد العاملين به قبل شهر 160 مليون شخص. هذه التداعيات الاجتماعية، الناجمة عن التباعد الاجتماعي وأوامر البقاء في المنزل، هي جزء من الجهد المبذول لإبطاء انتشار الجائحة، لكنها تلحق الضرر ببعض فئات العمال أكثر من غيرهم، وتؤدي إلى حجم بطالة غير مسبوق.
كان الإعلان قبل أسبوعين عن 6.6 مليون مطلب إعانة اجتماعية جديدة، هو الأعلى على الإطلاق، حيث زاد بعشر مرات عن أعلى مستوى سابق له في أسبوع واحد، والذي بلغ حوالي 700.000 وظيفة مفقودة خلال فترة الركود في عهد ريجان في أكتوبر 1982. وفي الأسبوع الماضي، قدم 5.2 مليون شخص إضافي مطالبات. وبعبارة أخرى، أدى الوباء إلى تشريد العمال بسرعة مذهلة. وفي الأسبوع الثالث من مارس، قفزت مطالبات البطالة بأكثر من 1000%، مقارنة بـ45% في مارس 1969. وكانت النتيجة هي صدور أول تقرير سلبي عن الوظائف خلال ما يقرب من عقد من الزمان، حيث تقلص صافي التوظيف بمقدار 700.000 وظيفة في مارس، وهو رقم لا يعكس، حتى الآن، العبء الأكبر من مطالبات البطالة. وكانت معظم الوظائف المفقودة في قطاع الخدمات.
حتى الآن، يعمل معظم العمال الأمريكيين في قطاع الخدمات، والذي يشمل وظائف في مجالات البيع بالتجزئة وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية، وغيرها. وفي عام 1970، كان قطاع التصنيع يوظف حوالي ربع العمال الأمريكيين. أما اليوم، فقد تراجعت هذه الحصة إلى نحو 10% فقط. ومنذ عام 2010، أضافت الولايات المتحدة ما يقرب من 19 مليون وظيفة في الخدمات. وأدت الوظائف في مجالات مثل الضيافة والنقل، إلى زيادة نصيب القطاع من القوى العاملة الأمريكية، ليتجاوز 80% من الوظائف الأمريكية. وقد أصابت الجائحة هذه الوظائف بشدة. ويشير أحدث البيانات إلى أن شركات قطاع الخدمات تخلصت من أكثر من 90% من تلك الوظائف البالغ عددها 22 مليون وظيفة.
بالطبع، فالأمر يتعلق بظروف استثنائية؛ فوجود أزمة صحة عامة يختلف عن الركود التقليدي. وقد اتخذت الحكومات في جميع أنحاء العالم خطوات كبيرة لاحتواء الوباء، بما في ذلك حظر السفر، وإغلاق المطاعم، وإصدار أوامر بالبقاء في المنزل. كل هذه الإجراءات تقيد النشاط الاقتصادي، لكنها تضرب قطاع الخدمات بشكل خاص. فهي لا تعني فقط عدم استخدام الطائرات ومحطات الوقود وغرف الفنادق الشاغرة والمطاعم المغلقة.. فقد توقف الأمريكيون، أيضاً، عن استخدام العديد من الخدمات المهنية، مثل العقارات والخدمات القانونية والمالية.
لعل أفضل مثال يوضح عدد الأمريكيين الذين يعملون الآن في قطاع الخدمات، أو بالأحرى الذين فقدوا عملهم، هو حقيقة أنه في شهر مارس المنصرم، ارتفعت البطالة في كل فئة ديموغرافية رئيسية، بما في ذلك العرق والجنس والعمر. فما السياسات التي يمكن أن تساعد على تخطي هذه الأزمة؟
إن استعادة هذه الوظائف - ومساعدة الذين فقدوها- ستكون مهمة صعبة للغاية. وذلك أولاً؛ لأن العديد من العاملين في قطاع الخدمات كانوا يعملون في وظائف تحصل على الحد الأدنى من الأجور، أو في مواقع تعتمد بشكل كبير على الإكرامية. وهؤلاء أصبحوا الآن في ضائقة. وثانياً؛ لأنه لا توجد ضمانات بأن وظائفهم ستعود، إذ قد لا تتمكن الشركات الصغيرة، التي أغلقت بأوامر من حكومات الولايات، من تعويض إيراداتها المفقودة، وإعادة فتح أبوابها. وربما تسرّع هذه الأزمة نمو "اقتصاد العمل الحر"، حيث تدفع الشركات للأشخاص الذين تحتاج إليهم فقط، لفترات محدودة، وعدم تقديم رواتب منتظمة.
في ظل هذه الآفاق الرهيبة أمام الكثير من الناس، يناقش المراقبون مجموعة من السياسات للمساعدة على إنقاذ الأمريكيين من ركودٍ كبيرٍ آخر، أو ما هو أسوأ منه. وتشمل بعض الاقتراحات وضع إجراءات حماية أقوى لسوق العمل، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة. هذا إلى جانب تزايد الدعوات للحصول على قسائم الإسكان الفيدرالية، والتعليق الرسمي لعمليات الطرد من الوظائف.
معظم الأمريكيين لزموا منازلهم لفترة شهر، على الأقل، حتى الآن. معظمهم يتوقون للعودة إلى العمل وبدء التمتع بالأنشطة الخارجية، التي تتزامن مع حلول الأيام الأولى للموسم الصيفي. لكن معظم الناس قلقون من احتمال تفشٍ أكبر لفيروس كورونا، في حال رُفعت القيود على الأنشطة بشكل مبكر. وقد أضحى النقاش حول فتح الاقتصاد الأمريكي الآن موضوعاً مركزياً في الحياة السياسية الأمريكية، وخاصة في سنة انتخابية.
في بداية السنة كانت أقوى ورقة لدونالد ترامب، من أجل إعادة الانتخاب لولاية ثانية في نوفمبر المقبل، هي قوة الاقتصاد الأمريكي. فقد كانت سوق الأسهم مرتفعة بشكل قياسي، والبطالة منخفضة إلى أدنى مستوياتها. ولئن كانت شعبية ترامب بين الجمهور ما زالت في حدود 45%، فإنه استفاد من الطفرة الاقتصادية، كما اعترف أشد منتقديه بأنه سيكون من الصعب هزمه في حال تواصلت الطفرة حتى شهر نوفمبر. لكن بعد ذلك أتى الوباء، واليوم هبط سوق الأسهم بشكل دراماتيكي، والأسوأ من ذلك هو أن البطالة ارتفعت بشكل صاروخي مع فقدان الناس وظائفهم بمعدل لم يُر له نظير منذ "الكساد الكبير" في أواخر العشرينيات والثلاثينيات. عواقب هذه الكارثة الاقتصادية على المدى الطويل لم تُحص بعد، لكن بالقياس لأزمات مماثلة في كل البلدان الكبرى، فإنها من المحتمل أن تكون وخيمة جداً.
كان ردّ فعل ترامب على هذا الانهيار الاقتصادي، القول بأنه ظاهرة قصيرة المدى، وإن الانخفاض الحاد في المؤشرات الاقتصادية الأساسية، سيكون متبوعاً بارتفاع حاد، حينما يعود الأمريكيون إلى العمل. وكان أمله أن يبلغ الوباء الحالي في الولايات المتحدة ذروته سريعاً، وأن يعاد فتح الاقتصاد ويشهد طفرة من جديد، وأن يكون هو قادراً على ترؤس تعافٍ اقتصادي دراماتيكي في الوقت المناسب، من أجل إعلان النصر، وبالتالي الصعود في نتائج استطلاعات الرأي العام، تمهيداً لإعادة انتخابه. وقد بدأ ترامب، واضعاً هذه الاستراتيجية في ذهنه، وضد كل التوجيهات الصادرة عن إدارته، يشجّع الأمريكيين على الاحتجاج ضد بعض حكام الولايات ("الديمقراطيين" بشكل رئيسي) الذين اعتمدوا بروتوكولات إغلاق جذرية في ولاياتهم، من أجل المساعدة في السيطرة على تفشي الفيروس. ويُعتبر قرار ترامب دعم المجموعات الصغيرة من المحتجين الذين احتشدوا أمام مقرات الجمعيات العامة للولايات، والذين كان بعضهم مدججاً بالأسلحة من أجل التأكيد على حقهم في حمل السلاح، كما ينص على ذلك التعديل الثاني من الدستور، خطوةً مقصودةً تهدف إلى تعزيز معدلاته الجيدة بين ناخبي قاعدته الذين يضمّون، بشكل رئيسي، الأمريكيين البيض ذوي الدخل المنخفض.
إحدى نتائج هذه الاحتجاجات، هي أن الحكام الجمهوريين لبعض الولايات، مثل جورجيا وتينيسي وفلوريدا، بدأوا يصدرون توجيهات جديدة تخفّف كثيراً من القيود التي كانت قائمةً الشهر الماضي، على الرغم من أن حالات إصابة جديدة بالفيروس بدأت تظهر كل يوم. فجورجيا، على سبيل المثال، باتت تسمح الآن بفتح صالونات الحلاقة، وصالونات تجميل الأظافر، والقاعات الرياضية، وصالونات التدليك، وفي الأسبوع المقبل المطاعم. والحال أن خبراء الصحة يعتبرون هذه الخطوات متطرفة وخطيرة للغاية، ويعتقدون أنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الإصابات.
كل هذا يُبرز المأزق والاختيار الصعب الذي يواجه البلاد. ذلك أنه إذا استمر الإغلاق فترة أطول بكثير، فإن التكلفة الاقتصادية بالنسبة للبلاد ستزداد بشكل تصاعدي، ولكن من جهة أخرى إذا خُفّف الإغلاق، فإن الوباء يمكن أن يستمر ويزداد سوءاً. وبالتالي، فإن التداعيات السياسية ستزداد حدة، في وقت تعاني فيه أعداد متزايدة من الأمريكيين "حمى المقصورة" وترغب، على نحو يائس، في الخروج من البيت والعودة إلى أنماط عيشها السابقة. غير أنه إذا كانت "موجة ثانية" من الفيروس هي نتيجة التخفيف المبكر لقواعد الإغلاق، فإن معدل الوفيات في الولايات المتحدة سيرتفع مرة أخرى، وستعاني كل من صحة البلاد وثروتها من انتكاسة كارثية أخرى لآمالها في التعافي. ومما لا شك فيه أن هذه النتيجة هي أسوأ كابوس بالنسبة لدونالد ترامب.