الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 11:07 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: الاقتصاد العالمي يواجه الانهيار الكبير ..قطاع السياحة والبترول أول الراسبين فى اختبار كورونا




خلال أسابيع، أدى تفشي فيروس كورونا المستجد وعزل ملايين الأشخاص إلى إضعاف الاقتصاد العالمي إلى درجة أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أعنف انكماش في التاريخ الحديث، وقد يكون أسوأ من "الانهيار الكبير".
ويتوقع أن يواكب ذلك ارتفاع في معدل البطالة. وسيكون حجم الصدمة مرتبطاً بأساليب العلاج التي تتبعها الحكومات والمصارف المركزية والمؤسسات الدولية، وبمدة الأزمة الصحية.
منظمة السياحة العالمية توقعت، يوم الجمعة، أن يتراجع عدد السياح في العالم بنسبة 20 إلى 30% في عام 2020 بسبب فيروس "كورونا المستجد"، ما يهدد ملايين الوظائف. كما كانت الأمم المتحدة قد توقعت سابقاً أن يبلغ التراجع 1 إلى 3% مقارنةً بعام 2019، وتوقعت وكالة الأمم المتحدة المتخصصة، ومقرها في مدريد، أن تتراجع الإيرادات السياحية 300 إلى 450 مليار دولار، أي قرابة ثلث عائدات 2019 التي بلغت 1,5 تريليون دولار.
الأمين العام للوكالة زوراب بولوليكاشفيلي،قال في بيان، إن "السياحة من بين القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً"، مضيفاً: "واضح أن ملايين الوظائف في القطاع مهددة". وأشارت الوكالة إلى أن السياحة العالمية تراجعت بنسبة 4% خلال الأزمة الاقتصادية عام 2009 وفقط بنسبة 4% عام 2003 في أعقاب تفشي متلازمة "سارس" التي أودت بحياة 774 شخصاً في أنحاء العالم. وكانت المنظمة قد توقعت مطلع العام أن تسجل السياحة العالمية نمواً بنسبة 3 إلى 4%، لكنها عدّلت توقعاتها في 6 مارس بسبب التفشي السريع لـ"كوفيد – 19" وتنبأت بأن يبلغ التراجع 1 إلى 3%. ومنذ مراجعة التوقعات، فرضت مزيد من الدول قيوداً على السفر وتم إلغاء مزيد من الرحلات في وقت تسعى حكومات العالم لاحتواء انتشار الفيروس.
خبراء الاقتصاد في وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، يتوقعون أن "تواجه اقتصادات دول مجموعة العشرين الصدمة في الجزء الأول من العام وتسجل انكماشاً في 2020 قبل أن تسجل ارتفاعاً من جديد في 2021". وقال الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أنخيل جوريا، لشبكة "بي بي سي"، إنه يتوقع أن يعاني الاقتصاد العالمي "لسنوات".
الأزمة الحالية تبدو أقسى من تلك التي حدثت في 2008؛ لأنها لا تطال القطاع المالي فقط، بل تطال جزءاً من الاقتصاد الحقيقي أيضاً مع انهيار الإنتاج وبالتالي العرض، وكذلك الطلب بسبب العزل المفروض على ملايين الأشخاص. والنقل والسياحة والتوزيع كلها قطاعات منكوبة، لكن قطاعات أخرى وضعها أفضل مثل الصيدلة والصناعات المرتبطة بالمعدات والمنتجات الصحية والتجارة الإلكترونية للمواد الغذائية.
دول مجموعة العشرين مجتمعة، قد تشهد انكماشاً نسبته 0.5% في إجمالي الناتج الخام هذه السنة، حسب وكالة "موديز". في الولايات المتحدة سيبلغ هذا الانكماش -2%، وفي الاتحاد الأوروبي –2.2%. وتضيف "موديز"، أن نمو الصين سيبلغ 3.3%، وهي وتيرة ضعيفة جداً لهذا البلد. وتتوقع مجموعة "موديز" المصرفية للولايات المتحدة انكماشاً نسبته 3.8% في 2020، بينما يرى "دويتشه بانك" أنه أسوأ انكماش للاقتصاد الأمريكي منذ "الحرب العالمية الثانية على الأقل".
في أوروبا، تحدث وزير الاقتصاد الألماني عن انكماش "لا يقل" عن 5% في 2020 في ألمانيا وفرنسا، بينما تتوقع وكالة "موديز" نسبة 1.4%. ويتحدث نونو فرنانديز الأستاذ في جامعة "آي أي إس أي بيزنس سكول" عن انكماش نسبته -2% في 2020 وفق سيناريو يعتمد على انتهاء الأزمة الصحية في نهاية يونيو. وبالنسبة للمملكة المتحدة، تتوقع مجموعة "كي بي إم جي" تراجعاً أكبر يبلغ 2.6%، ويمكن أن يبلغ الضعف إذا استمر الوباء حتى نهاية الصيف.
في منطقة اليورو التي تمتلك تشريعات للعمل أكثر حماية، يتوقع مكتب "كابيتا إيكونوميكس" ارتفاعاً في معدل البطالة بنسبة 12% بحلول نهاية يونيو "ما يسقط سبع سنوات من المكاسب في هذا المجال"، وإن كان تحسن سيسجل في النصف الثاني من العام. وفي بريطانيا والولايات المتحدة، يبلغ معدل البطالة مستويات منخفضة تاريخياً بفضل ارتفاع عدد الوظائف الهشة في إطار "أعمال صغيرة".
في الولايات المتحدة، حيث يمكن تسريح الموظفين الذين لديهم عقود طويلة الأمد، أعلنت وزارة العمل الخميس تقدّم 3.3 مليون شخص بأول طلب لتعويضات البطالة المسجلة، وذلك للأسبوع الممتد بين 15 و21 مارس وبارتفاع بثلاثة ملايين طلب عن الأسبوع السابق الذي سجّل نحو 282 ألف طلب جديد. ويعدّ هذا الرقم غير مسبوق في الولايات المتحدة. حتى إنّ جيمس بولارد، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" في سانت لويس، صرح في مقابلة مع وكالة "بلومبرج" للأخبار المالية، بأن معدل البطالة قد يرتفع إلى 30% في الأشهر المقبلة.
هناك أيضا تباين أداء أسعار النفط، منذ يوم الجمعة، إذ اتخذت حكومات خطوات غير مسبوقة للحد من التبعات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا. وانخفض خام برنت 34 سنتاً أو ما يعادل 1.2% إلى 26 دولاراً للبرميل. وارتفع الخام الأمريكي 8 سنتات أو ما يعادل 0.4% إلى 22.68 دولار. والخامان القياسيان منخفضان بنحو الثلثين تقريباً منذ بداية العام الجاري، وتسبب تراجع النشاط الاقتصادي والطلب على الوقود إلى تقليص جبري كبير للاستثمار من جانب شركات النفط وغيرها من شركات الطاقة. وقال مدير وكالة الطاقة الدولية إن احتياجات العالم من النفط ربما تهبط 20% مع عزل ثلاثة مليارات شخص، ودعا المنتجين الكبار مثل السعودية للمساهمة في تحقيق استقرار بأسواق النفط.
بافيل سوروكين، نائب وزير الطاقة الروسي، قال إن السعر العادل لأسواق النفط والذي يسمح بزيادة الطلب ويحول دون زيادة في النمو للمشاريع المكلفة يجب أن يتراوح بين 45 و55 دولاراً للبرميل. وأضاف: "في رأينا، السعر العادل الذي يسمح لسوق الطاقة بالعمل بشكل طبيعي، يتراواح بين 45-55 دولاراً للبرميل، أي أن هذا السعر لا يسمح بنمو المشاريع الباهظة الثمن التي لا يحتاجها العالم، ولكن في الوقت نفسه يسمح بنمو الطلب بشكل مستقر وتحقيق التوازن تدريجياً في السوق. وفي حال لم نأخذ في اعتبارنا انتشار فيروس كورونا، نعتقد أن سعر النفط سينخفض إلى مستويات الإنتاج التي لاحظناها في الربع الأول". كما أشار سوروكين إلى أن روسيا لم تهدف يوماً للتأثير على سوق النفط من خلال تصريحات صاخبة، لافتاً إلى أنها تسترشد بالمنطق السليم في مقترحاتها، وقال: "استرشدنا بضبط النفس في جميع مقترحاتنا المتعلقة بتمديد الاتفاق بعد الربع الأول". ورفضت موسكو مقترحاً بزيادة تخفيضات الإنتاج عن مستواها الحالي بواقع 1.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية العالم الجاري، ومن جهتها رفضت الرياض تمديد اتفاق خفض الإنتاج بالشروط الحالية لمدة 3 أشهر.
وباء كورونا المستجد يثير الكثير من الشكوك حول تغير الأسعار بين مخاطر كساد اقتصادي وانكماش إذا انهار الطلب لفترة طويلة، لكن مع الضغط التضخمي إذا تم تخفيض أسعار العملات أو حدثت أزمات نقص في المواد... وتعدّ معدلات التضخم منخفضة حالياً وبعيدة بشكل عام عن أهداف المصارف المركزية، خصوصاً في المملكة المتحدة. وفي المملكة المتحدة، يوضح كارل إيمرسون من معهد الدراسات الضريبية، أن الدين الذي يشكل نحو 90% من إجمالي الناتج الداخلي مرتفع حالياً، لكنه "بلغ نحو 260% بعد الحرب العالمية الثانية".
أما عجز الحسابات العامة، فكان منذ فترة غير بعيدة يبلغ 2%؛ وهو ما جعله المحافظون قاعدة في ميزانيتهم، وارتفع إلى 10% خلال الأزمة المالية في 2008. ومن المفترض أن يشكل الدين والعجز أصغر هموم المسئولين بينما معدلات التمويل منخفضة تاريخياً على حد قول جوناثان بورت أستاذ الاقتصاد في جامعة "كينجز كوليدج" في لندن. لكن من واشنطن إلى برلين، يبدو أن السلطات تتجاهل السياسات المتشددة عبر الإعلان عن خطط إنعاش قيمتها آلاف المليارات من الدولارات.
الدروس المستفادة من مواجهة الأزمة ستدفع الدول إلى اتخاذ كل الإجراءات التي ستسمح بمواجهة أزمات مماثلة في المستقبل، وسيكون ثمة ارتفاع في معدلات الشعور الوطني والقومي، والبحث عن سبل حماية الدولة وبقائها، في ظل تهديدات مستمرة متبدلة الوجوه والمظاهر. ويمكن لبعض الدول الليبرالية القيام بدراسة لمدى جدوى الاستمرار بسياسات "الخصخصة التامّة" التي اعتمدتها، لكن الأمر ليس سهلاً. ومن المؤكد أن الاقتصاد العالمي سيعاني بشدّة. ويعتقد العديد من الاقتصاديين أن العام 2020 سيكون عام الركود الاقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، من الصعب أن تؤدي هذه الأزمة إلى تقليص عولمة الإنتاج، فالإنتاج الذي تحوّل عبر عقود من الزمن من "إنتاج مصمّم وموجّه إلى السوق المحلي" إلى إنتاج "مخصّص للأسواق العالمية"، من الصعب أن تقضي عليه أزمة وبائية مثل كورونا وسواها.
قدرة الدول على القيام بتغيير حادّ وجذري في السياسات العالمية، تبدو غير ممكنة، فالتطورات في التكنولوجيا وآليات السوق ستبقى عاملاً حاسماً في المنافسة العالمية بين الدول وقدرتها على الاستمرار فيها. أما المستبشرون بأن هذه الأزمة ستدفع الدول إلى الاشتراكية مجدداً، وأن التأميمات ستكرّ بعد الأزمة، فيبدو الأمر أكثر صعوبة مما يعتقدون. ويبقى على الدول أن تستخلص من دروس كورونا ضرورة تأمين شبكات أمان للضعفاء غير القادرين على البقاء والحياة في اقتصاد السوق، فالدول، وإن لم تكن قادرة على احتكار السلطة والقرار في بيئة عالمية معولمة، يمكنها أن تكون أساسية كدرعٍ واقٍ من عدم الاستقرار الاقتصادي.