الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:45 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: زعماء العالم يبكون مستقبل البشرية ..أحزان قمة العشرين


دعوة لنبذ الخلافات الدولية للسيطرة على وباء القرن
هل تتصالح أوروبا مع الصين ويبدأ تاريخ جديد للصراعات العالمية ؟!

أكدت دول مجموعة العشرين، الخميس الماضي، التزامها بتشكيل جبهة متحدة لمواجهة فيروس كورونا الذي لا يعترف بأي حدود، بعد قمة استثنائية افتراضية انعقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ لمناقشة سبل المضي قدماً في تنسيق الجهود العالمية لمكافحة الجائحة، والحد من تأثيرها الإنساني والاقتصادي.
قمة القادة الاستثنائية لـ"مجموعة العشرين"، تم خلالها تنسيق الجهود للتصدي لفيروس "كورونا" المستجد والحد من تأثيره، عبر إقرار حزمة إجراءات صحية واقتصادية. وأشار البيان إلى أن دول "مجموعة العشرين" تتخذ حالياً تدابير فورية وقوية لدعم اقتصاداتها، وحماية العاملين والشركات، وتحديداً المنشآت الصغرى والصغيرة والمتوسطة والقطاعات الأكثر تضرراً، إضافة إلى حماية الفئات المعرضة للخطر من خلال توفير الحماية الاجتماعية الملائمة. كما تقوم بضخ أكثر من 5 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، وذلك كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة. ووعدت بالعمل لضمان تدفق الإمدادات الطبية الحيوية، والمنتجات الزراعية الضرورية والسلع والخدمات الأخرى عبر الحدود، ومعالجة الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وذلك لدعم صحة ورفاهية جميع الناس.
البيان الصادر عن مجموعة العشرين أكد أن هذه الكارثة غير المسبوقة "تعد رسالة تذكير قوية بمدى الترابط بين دولنا وبمواطن الضعف لدينا، وتتطلب عملية التعامل معها استجابة دولية قوية منسقة واسعة المدى، مبنية على الدلائل العلمية ومبدأ التضامن الدولي"، معرباً عن بالغ الأسى والحزن تجاه "المأساة الإنسانية والخسائر في الأرواح والمعاناة التي ألمت بالشعوب حول العالم". وشدد القادة على أن "أولويتنا القصوى هي مكافحة الجائحة وتبعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتداخلة فيما بينها. ونعرب عن امتناننا ودعمنا لجميع العاملين في المجال الصحي الذين يمثلون خط الدفاع الأول أثناء مواجهتنا للفيروس"، مبدين التزامهم ببذل كل ما يمكن للتغلب عليه، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى. وأكدوا عزمهم على بذل قصارى جهدهم فرديّاً وجماعيّاً من أجل حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي، وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة للمساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية.
وأبدى القادة الالتزام باتخاذ كل الإجراءات الصحية اللازمة، والعمل على ضمان التمويل الملائم لاحتواء الجائحة وحماية الأفراد، وخصوصاً من هم أكثر عرضة للخطر، ومشاركة المعلومات بصورة آنية وشفافة، وتبادل البيانات المتعلقة بعلم الأوبئة والبيانات السريرية، والمواد اللازمة لإجراء البحوث والتطوير، وتعزيز الأنظمة الصحية العالمية. إضافة إلى توسيع القدرات الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد على الإمدادات الطبية، وضمان إتاحتها على مدى واسع وبأسعار ميسورة. وأكدوا دعمهم الكامل لمنظمة الصحة العالمية، وتعزيز صلاحياتها، والعمل بشكل عاجل لسد فجوة التمويل في خطتها الاستراتيجية للتأهب والاستجابة، وتقديم موارد فورية لها، داعين جميع الدول والمنظمات الدولية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الخيرية، والأفراد إلى الإسهام في هذه الجهود. كما كلّفوا وزراء الصحة بالاجتماع شهر أبريل المقبل لإعداد حزمة من الإجراءات العاجلة حول تنسيق الجهود لمواجهة الفيروس.
القادة والزعماء طلبوا من منظمة الصحة العالمية، التعاون مع المنظمات المعنية بتقييم الفجوات المتعلقة بالتأهب لمواجهة الجوائح، وذلك بهدف تأسيس مبادرة عالمية بهذا الشأن. كما التزموا بالقيام باستخدام جميع أدوات السياسات المتاحة للحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة، واستعادة النمو العالمي، والحفاظ على استقرار الأسواق وتعزيز المرونة. وأشار البيان إلى أن دول العشرين أكدت القيام بتوفير أكثر من 5 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، والعمل بشكل وثيق مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدة المالية الدولية المناسبة بشكل عاجل، مطالبين منظمة العمل الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مراقبة تأثير الوباء على التوظيف والعمل. كما التزموا بمواصلة العمل معاً لتيسير التجارة الدولية، وتنسيق الاستجابات المرتبطة بها، مكلفين وزراء التجارة بتقييم أثر الجائحة على القطاع.
وأعرب القادة عن قلقهم البالغ حيال المخاطر التي يواجهها اللاجئون والمشردون، معتبرين تدعيم الأمن الصحي في أفريقيا أمراً جوهرياً للمتانة الصحية العالمية، مشيرين إلى أنهم سيعملون على تعزيز بناء القدرات وتقديم المساعدات الفنية، وتحديداً للمجتمعات المعرضة للخطر، كما أنهم على استعداد لحشد التمويل الإنساني والتنموي. وتابعوا: "سنعمل بشكل سريع وحاسم مع المنظمات الدولية الموجودة في الخط الأمامي؛ لتخصيص حزمة مالية قوية ومتجانسة ومنسقة وعاجلة، ومعالجة أي ثغرات في حزمة الأدوات الخاصة بهم. والاستعداد لتقوية شبكات الأمان المالية الدولية"، داعيين جميع هذه المنظمات إلى تكثيف تنسيق الإجراءات فيما بينها، بما في ذلك مع القطاع الخاص؛ لدعم البلدان الناشئة والنامية التي تواجه صدمات صحية واقتصادية واجتماعية جراء الفيروس.
تأجيل الفعاليات العامة الكبرى، كان بين الجهود التي أشاد بها قادة مجموعة العشرين، خاصة قرار اللجنة الأولمبية الدولية بتأجيل دورة الألعاب الأولمبية لموعد غير محدد قبل صيف عام 2021. مؤكدين أنهم على أتم الاستعداد للاستجابة الفورية، واتخاذ أي إجراءات إضافية لازمة، والاستعداد كذلك للاجتماع مرة أخرى حسب ما تقتضيه الحاجة، لافتين إلى أن العمل والتضامن والتعاون الدولي أصبح ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، وأنهم على ثقة بتمكّنهم من التغلب على الجائحة بالعمل معاً بشكل وثيق.
إن المتفائلين يتوقعون القضاء على وباء كورونا قبل يونيو القادم، والأقل منهم تفاؤلاً يقولون لنا اصبروا حتى نهاية العام الجاري. أما الأكثر تشاؤماً، فيصفون الحالة بأنها صعبة ومعقّدة، ويستبعدون القضاء على الفيروس قبل أواسط العام القادم، وهو ما سيعني كارثة حقيقية لن ينجو منها أحد، بمن فيهم "أصدقاء الفيروس وأحباؤه!".
على سبيل المثال، إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فسوف ينهار القطاع السياحي في العالم، وستواجه الكثير من الدول، وفي مقدمتها إيطاليا وإسبانيا وتركيا واليونان، أزمة اقتصادية ومالية خطيرة بكل انعكاساتها على القطاعات المرتبطة بالسياحة، والتي لن تصمد حينها أمام الهزات الارتدادية لزلزال كورونا. وسيضرب حينها هذا الزلزال جميع القطاعات الأخرى في جميع أرجاء العالم، وأهمها القطاع المصرفي، وهو شريان الحياة بالنسبة إلى الرأسمالية العالمية التي تواجه أخطر أزماتها بعد سقوط النظام الشيوعي الماركسي، وهو ما سيعني سلسلة من الكوارث الاقتصادية والمالية بعد أن يفقد حوالي 100 مليون إنسان عملهم، ليؤدي ذلك إلى كوارث اجتماعية ونفسية إنسانية لن يكون سهلاً على البشرية أن تواجهها بأي شكل كان.
ربما لهذا السبب قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: "إن فيروس كورونا هو الخطر الأكبر الذي تواجهه ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية"، وهو ما قد يعني بداية حرب عالمية ثالثة، ليس بالمفهوم العسكري، بل الإيديولوجي والفلسفي، ولن يخرج منها أحد منتصراً أو سالماً، إلا إذا كان مدركاً خطورة الفيروس وما سيؤدي إليه، لا من حيث عدد الإصابات والوفيات فحسب، بل أيضاً من الجانب الاستراتيجي لهذه القضية، إن كانت طبيعية أو مصطنعة على طريق الحرب البيولوجية، أي الجرثومية، القادمة!
إن العالم مقبل على تغيير تام بكل أفكاره ومؤسساته العملية والنظرية، والأهم من كل ذلك قيمه السياسية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية، بل وحتى الدينية. وهذه الحقائق يجب على الدوام أن لا تغيب عن الذهن، في الوقت الذي يتصاعد الشرق بقواه الاقتصادية والعسكرية والعلمية، ولا يستطيع أحد إيقافه، فالتاريخ حالياً يسير وفق قوانينه الموضوعية، لا وفق رغبات الأفراد والجماعات وأمزجتهم.
ومثلما كان الغرب صاعداً والدولة العثمانية آفلةً، هكذا يتصاعد الشرق حالياً، وينازع الغرب دفاعاً عن بقائه، ومثلما فرض المستعمر الغربي هواه في التجزئة، ورسم معالم المنطقة في تلك المرحلة، هكذا سيرسم صعود الشرق العالم، ومنه الشرق الأوسط وغرب آسيا، وفق معايير مختلفة تتناسب مع اتجاهاته وهواه ومصالحه.
الاتجاه الذي يفرض نفسه حالياً على مستوى العالم في ظلّ نقطة الجذب الشرقية، هو الاتجاه شرقاً، ليس لدوله فحسب، بل لأوروبا أيضاً؛ صانعة الغرب الذي ورثت الولايات الأميركية قيادته، فمن المعروف أن الرئيس الصيني زار إيطاليا، وعقد معها اتفاقيات واسعة على مختلف الأصعدة، ثم زار فرنسا وعقد قمة بحضور قادة دول أوروبا، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، أرست أسس التعاون المستقبلي بين الشرق الصاعد والغرب المأزوم الباحث عن الخلاص في توجّهه شرقاً.
ليس التلاقي الصيني - الأوروبي عبارة عابرة في ظلّ التنسيق والتكامل مع روسيا ودول الشرق المختلفة. إنه انقلاب تاريخيّ في مجرى التطورات والأحداث على مستوى الكرة الأرضية.