ياسر بركات يكتب عن: صهاينة السد.. الصراع الأثيوبى يشتعل وإسرائيل على الخط
الأنتخابات التشريعية كلمة السر فى ملف السد
سر طلب أبى أحمد وساطة جنوب أفريقيا
رئيس مؤسسة بني شنقول لحقوق الإنسان:
الأعتراف السودانى بالسد يعنى أعطاء أثيوبيا حق لا تملكة
تفاصيل لقاء 60 رجل أعمال إسرائيلى مع وزير الزراعة الأثيوبى
شركة الكهرباء الإسرائيلية هى من تتولى أدارة قطاع الكهرباء فى أثيوبيا
التحركات الإثيوبية تتحكم فيها لعبة الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أغسطس القادم، لكن مصر لم يعد بإمكانها الانتظار أكثر من ذلك، بعد كل هذه السنوات من المفاوضات، خاصة في ظل التهديد الإثيوبي بقرب بدء ملء السد، الذي اكتمل نحو 70% منه أواخر ديسمبر 2019، وينتظر الانتهاء منه عام 2023. بينما بات من المؤكد أن السودان سيبقى في تلك الأوقات في المنتصف لحين إشعار آخر، أو أقرب قليلاً لإثيوبيا.
تخلفت إثيوبيا عن حضور اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير الماضي، كان مخصصاً للتوقيع على اتفاق نهائي، بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، رأينا أنه عادل ومتوازن. ما يعني أن غياب أديس أبابا كان متعمدا بهدف إعاقة مسار المفاوضات. ثم واصلت إثيوبيا حشد مواطنيها حول المشروع بوصفه "سلاحا للتغلب على الفقر"، كما أشارت رئيسة البلاد ساهلورك زودي، معلنة المضي قدماً في تدشينه وملء خزانه. بينما كثفت القاهرة تحركاتها الدبلوماسية الدولية لدعم موقفها الرافض لأي إجراء "أحادي" يؤثر على حصتها المائية في مياه نهر النيل.
لن تغامر إثيوبيا، كعادتها طوال السنوات الماضية، بالانجرار سريعاً إلى مربعات حاسمة في مفاوضات سد النهضة، وستستمر بالتزامن مع بناء السد، في التجاوب المتحفظ على الخطوات الدولية على طريقةِ خطوة للأمام واثنتين للخلف. ومع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية الإثيوبية في أغسطس المقبل، ووجود إرث خلافات عميق في إدارة شؤون البلاد، ستعلو نبرة التصريحات من عينة "لا يمكن لقوة منعنا من بناء السد"، وانتقاد الولايات المتحدة، أو بإجراءات مثل الامتناع عن الذهاب لاجتماع واشنطن لتوقيع اتفاق سد النهضة.
الدوائر الدولية تضع التصعيد الإثيوبي في ملف سد النهضة ضمن حدود البروباجاندا أو الدعاية الانتخابية، ومحاولة كسب شعبية أكبر لنظام أبي أحمد، رئيس الوزراء، في أول تجربة انتخابية خلال فترة حكمه. لكن تصعيد اللهجة الإثيوبية تجاه واشنطن أثار بعض الشكوك، ودفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن ذلك تم بناء على اتفاق مسبق، تنفيذا لمصالح مشتركة، خاصة أن هذا التصعيد جاء بعد أيام من زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي إلى إثيوبيا، وهي الزيارة التي تحدث خلالها عن إمكانية حل أزمة السد خلال أشهر، رغم أن موعد توقيع الاتفاق كان على الأبواب.
مع ذلك، فإن اللهجة الإثيوبية مهما ارتفعت، فإنها ستعود إلى مسارها الطبيعي في التحرك في إطار تبريد الأزمات المحيطة بملف السد، والتركيز على الدفاع على كونها تمارس سيادتها على ثرواتها، وأنها لن تغلق باب المفاوضات الفنية أو السياسية، على أمل كسب مزيد من الوقت والنتائج. وقد تستثمر إثيوبيا مزيداً من الوقت بإصرارها على تفعيل طلب أبي أحمد من رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الوساطة في مفاوضات سد النهضة؛ نظراً لأن بلاده تسلمت رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2020 خلفاً لمصر. وقد يكون انسحاب إثيوبيا من حضور اجتماع واشنطن الأخير نهاية فبراير الماضي تحت زعم "إجراء مزيد من المشاورات المحلية"، سيناريو قابلاً للتكرار في مراحل متقدمة بأساليب مشابهة، وتكرار الوصول إلى طريق مسدود.
اللغز هو موقف السودان الذي جاء عل الرغم من تصاعد فعاليات حملة شعبية في السودان للتحذير من مخاطر سد النهضة الإثيوبي من خلال سلسلة ندوات يحاضر فيها خبراء ومسؤولون سابقون في ملف المياه بالسودان، من أعضاء مجموعة "مخاطر السد الإثيوبي"، التي حذرت من "غرق السودان" إذا لم تُراجع اتفاقيات سد النهضة. كما حذر آخرون من تأثير السد على "شعب بني شنقول"، وهم جماعة عرقية تعيش على الحدود الإثيوبية السودانية، وهو أحد الأقاليم المكونة للفيدرالية الإثيوبية، والتي أصبحت عشرة أقاليم بعد تصويت غالبية أفراد قومية "سيداما" الإثيوبية لصالح استحداث إقليم جديد يتمتع بالحكم الذاتي، حسبما أعلن المجلس الانتخابي الوطني يوم السبت. ويقع السد الإثيوبي في إقليم بني شنقول، الذي يعتبره السودانيون إقليما خاضعا لـ"الاحتلال الإثيوبي"، ويعيش في الإقليم نحو 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول سودانية.
الحكومة الإثيوبية كانت قد أعلنت سنة 2017 أن "أجهزتها الأمنية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة، وكانت المجموعة المهاجمة تتكون من 20 فردا، انطلقوا من إريتريا، كان هدفهم الاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجما وهرب 7 من المهاجمين إلى داخل الأراضي السودانية، ولكن الحكومة السودانية سلّمت المهاجمين فوراً إلى نظيرتها الإثيوبية.
إبراهيم الخناقي، رئيس مؤسسة بني شنقول لحقوق الإنسان، قال إن "الشعب السوداني مغيّب عن تاريخه الذي يذكر أن بني شنقول كان أحد أهم المراكز الحضرية في السودان تاريخيا، لأنه كان منبع النيل الأزرق ومركز للثروات المعدنية، وبخاصة من الذهب، وكل أراضي بني شنقول تتبع السودان، وبذلك فإن الاعتراف بالسد يعني إعطاء إثيوبيا حقا لا تملكه وتنازلا عن سودانيّة إقليم بني شنقول المُحتل من إثيوبيا، والموافقة على ذلك تعني تكريس احتلال بني شنقول". وطالب الخناقي حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بتغيير نهجها الراهن إزاء سد النهضة نظرا لأضراره "المدمرة" على السودان وسيادته.
موقف السودان من ملف سد النهضة الإثيوبي كان متأرجحا، بدا لفترة وجيزة ما بين 2011 و2013 حريصاً على حصته المائية، ثم تدرج نحو حالة حياد، ثم تغير كلية في ظل النظام السابق وصار منحازاً بشدة للرؤية الإثيوبية دون أن يقدم دليلاً للشعب السوداني بأن هذا الموقف يعني الخير المستدام بلا أي منغصات أو شبهة لأثر سلبي واحد هنا أو هناك. ما جعل البعض يفسَّرَ هذا التقلب في الموقف بمطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسلم البشير لمحاكمته، وحينذاك بادل البشير موقف بلاده المتحفظ من السد برفض إثيوبيا تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، فكان تأييد السد والإشادة به، نظير أن تقدم إثيوبيا حماية معنوية للبشير.
هل يمكن أن تكون هناك تحركات أو ألعاب إسرائيلية؟!
تحت أيدينا تقارير تؤكد أن المخابرات الصهيونية عقدت اجتماعات أمنية مع بعض دول حوض النيل، من أجل تحريضها والضغط على مصر لتعديل اتفاقية دول الحوض وتقديم مساعدات مالية مغرية وسخية وتقنيات حديثة من أجل بناء سدود ومشروعات زراعية فى كل من إثيوبيا وأوغندا، هذه "المساعدات" التي تقوم بها إسرائيل تتجاوز حدود ما يسمى "بالمنافسة الدبلوماسية" مع مصر، لأن الموضوع بالنسبة إلى إسرائيل يتمثل في تحقيق حلمها القديم بالوصول إلى مياه النيل.
وإسرائيل تعمل على الدوام على تهديد الأمن الوطنى السودانى منذ عام 1952، فقبل أن ينال السودان استقلاله قامت الدولة العبرية بدعم ومساعدة التمرد بالجنوب لإضعاف قوى الشمال ذات الارتباط العربي، فقد صنَّفت إسرائيل السودان على أنه دولة معادية لها، نتيجة لمشاركة كل وحدات الجيش السوداني القتالية بالفعل في الصراع ضد إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، وجعل أرضه في الشمال الشرقي تحت تصرف القيادة المصرية لنصب صواريخ أرض جو لإفشال أى عملية التفاف على الجيش المصري لضرب السد العالي، ولم تغيِّر العلاقة التى نشأت بين المخابرات السودانية والإسرائيلية في عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميرى من توصيف الحالة بين إسرائيل والسودان، بدليل أن إسرائيل رغم نجاحها في وجود علاقة مع مركز القيادة السودانية إلا أنها لم تتوقف عن دعمها لحركة التمرد فى الجنوب.
إن محاولة تفكيك السودان وإضعافه ليست وليدة سياسات إسرائيلية جديدة، بل ومنذ عشرات السنين، قال ديفيد بن جوريون: إن الجهد الإسرائيلي لإضعاف الدول العربية لا يجب أن يحشد على خطوط دول المواجهة فقط، بل فى الجماعات غير العربية التي تعيش على التخوم فى شمال العراق وجنوب وغرب السودان وفى جبال لبنان.
ووفقاُ لهذا التصور أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية في داخلها "المؤسسة الدولية للتعاون والتنمية" (MASHAV)، التي تقوم بمهام الربط ما بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص لإحداث اختراق إسرائيلي محكم للقارة الإفريقية، ويعد جهاز التعاون الدولي الإسرائيلي أحد أزرع وزارة الخارجية في تنفيذ وتحقيق سياساتها في القارة الإفريقية. وأبرز الأنشطة التي يعمل فيها "MASHAV" إقامة المزارع وتأسيس غرفة للتجارة الإفريقية الإسرائيلية، وتقديم الدعم في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، وتقديم الخبراء والخبرات في بعض المجالات التكنولوجية والعلوم التطبيقية، بالإضافة لتقديم المنح والقروض والدورات التدريبية في العديد من الأنشطة التي تحتاجها دول القارة الإفريقية، من خلال التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية والسفارات الأجنبية، وبصفة خاصة هيئة المعونة الأمريكية "USAID" التي نشطت على ضوء مبادرة كلينتون للشراكة مع إفريقيا. ويتركز نشاط "الماشاف" على فئات معينة مثل القادة والنساء والخبراء والشباب الذين سيصحبون صنّاع السياسة مستقبلا، ويتجه نشاطه للتركيز على التجمعات الإسلامية والعربية التي تعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل للحصول على تأييدها في دول مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا.
أواخر 2011 جاءت زيارة وزير الخارجية الصهيوني أفيجدور ليبرمان إلي عدد من دول حوض النيل استكمالا للمخطط الصهيوني لفرض نفوذها و الاستيلاء علي منابع نهر النيل. وهو المشروع الذي بدأ في عقول رواد الصهيونية الأوائل من أمثال هرتزل قبل قيام الدولة الصهيونية علي أرض فلسطين بسنوات كثيرة. وتطورت العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الإثيوبية حتى أن وزير الزراعة الإثيوبي، تفرا دبرو أعلن أن 250 شركة إسرائيلية تقدمت بطلبات للحصول على رخص تجارية للعمل في مجالات مختلفة داخل إثيوبيا في مارس 2014.
كما بدأ حوالي 50 رجل أعمال إسرائيلي بإقامة مشروعات منذ 2014 في قطاعات مختلفة، إضافة إلى حضور 60 مسثتمرا إسرائيليا اجتماع مع وزير الزراعة الإثيوبي لبحث سبل التعاون في مجالات مختلفة، أكد عليها دبرو في تصريحاته عقب الاجتماع.
تفرا دبرو، قال وقتها إن بلاده تتطلع إلى الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي تمتلك التكنولوجيا الحديثة في قطاع الزراعة. وأن العلاقات القديمة بين البلدين لم تستفيد منها بلاده في تعزيز التبادل التجاري والاستثماري على الوجه الأمثل.
أيضاً، ظهر التعاون الأمثل بين تل أبيب وأديس أبابا في مجال الطاقة والكهرباء، حيث ذكرت صحيفة "كابيتال" الإثيوبية يوم 16 سبتمبر 2012، أن مجلس إدارة شركة الكهرباء الإثيوبية التابعة للدولة وافق بشكل رسمي على اختيار شركة كهرباء إسرائيل لتولي إدارة قطاع الكهرباء في إثيوبيا، كما تم الاتفاق على إنشاء محطات طاقة ووقود تتولى إسرائيل إدارتها.
وفي هذا الشأن ذكرت وزارة الشئون الخارجية الأثيوبية أن وزير الخارجية تيدروس أدهانوم حث الشركات الإسرائيلية في مارس 2014 على الاستثمار الإسرائيلي داخل إثيوبيا، جاء ذلك أثناء لقائه رئيس شركة، ألانا بوستاش الإسرائيلية ، وذكر بوستاش أن إجمالي استثماراته يصل إلى 650 مليون دولار، مع استعداد الشركة لإقامة مصنع في المنطقة وإمداده بالتكنولوجيا المطلوبة وتعهد بتلبية الطلبات المحلية.
مهما كان الأمر، فإن إثيوبيا تنظر إلى السد باعتباره موحداً لمواطنيها، الذين يعانون من صراعات إثنية وسياسية، وقالت الرئيسة ساهلورك زودي إن "سد النهضة الكبير هو نموذج لوحدتنا"، وأضافت في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية "هو أكثر من مجرد مشروع تنموي... هو سلاحنا للتغلب على الفقر والأمل في التنمية المستقبلية". وتحدثت زودي خلال إطلاق برنامج جمع التبرعات من المجتمع لدعم السد، ودعت جميع الإثيوبيين إلى استكمال بناء السد قبل الموعد المحدد.
أما مصر فتواصل تحركاتها الدبلوماسية، للحصول على تأييد دولي واسع لموقفها. وبعد نجاحها في استصدار قرار وزاري عربي، يدعم "حقوقها المائية" ويطالب إثيوبيا بوقف أي إجراءات أحادية في هذا الشأن، عقد وزير الخارجية، سامح شكري، لقاءً مع سفراء الدول الأفريقية في القاهرة، تناول آخر تطورات الملف والرؤية المصرية للحل، وعرض آخر ما بذلته مصر من جهود جادة وصادقة نحو التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق مصالح الأطراف الثلاثة. كما تلقت مصر دعما أمريكيا لافتاً وتعهداً بتدارك الأزمة، عقب رفض إثيوبيا الحضور وتوقيع الاتفاق. وقال ستيفن منوشين، وزير الخزانة الأمريكي إن بلاده "شعرت بخيبة أمل شديدة لغياب إثيوبيا"، كما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، استمرار إدارته في بذل "الجهود الدؤوبة" والتنسيق مع مصر والسودان وإثيوبيا، وصولاً إلى انتهاء الدول الثلاث من التوقيع على الاتفاق.