ياسر بركات يكتب عن: سد النهضة.. قضية مصر الكبرى التى يحملها الرجال
موقف مصرى ثابت .. فى مواجهة عبث أثيوبى
ـ العالم كله شهد بنزاهة الدولة المصرية فى التعاطى مع القضية .. وأديس أبابا تكشف عن وجه قبيح
بالأحرف الأولى، قامت مصر بالتوقيع على الاتفاق المطروح تأكيداً لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده. وتنتظر أن تعلن السودان وأثيوبيا عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت باعتباره اتفاقاً عادلاً ومتوازناً ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث.
كان من المنتظر أن تبرم البلدان الثلاثة اتفاقا بشأن ملء وتشغيل السد، في واشنطن، لكن مصر فقط هي التي قامت بالتوقيع، بينما تغيبت إثيوبيا عن اجتماع الاتفاق النهائي الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي ٢٧ و٢٨ فبراير ٢٠٢٠، ما قد يعني تملصها من تنفيذ ل الالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في ٢٣ مارس ٢٠١٥، أو تعمدها استمرار الأزمة دون حل حتى تفرض الأمر الواقع على الدولة المصرية.
موقف مصر خلال كافة مراحل التفاوض على مدار السنوات الخمس الماضية، اتسم بحسن النية وتوفر الإرادة السياسية الصادقة في التوصل إلى اتفاق يلبي مصالح الدول الثلاث. وقد أسهم الدور البناء الذي اضطلعت به الولايات المتحدة والبنك الدولي ورعايتهما لجولات المفاوضات المكثفة التي أجريت على مدار الأشهر الأربعة الماضية في بلورة الصيغة النهائية للاتفاق، والتي تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية.
الولايات المتحدة تعهدت بالاستمرار في الانخراط بالمفاوضات، بينما أبدت القاهرة استياءها من أديس أبابا لتغيبها غير المبرر عن الاجتماع الأخير. وقال ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكية، يوم الجمعة، إن بلاده ستظل تتابع الدول الثلاث، إلى أن توقع على اتفاق ينهي سنوات من الخلافات.
منوتشين أوضح أنه أجرى محادثات ثنائية منفصلة مع وزراء من مصر والسودان على مدار يومين، بعدما طلبت إثيوبيا تأجيل ما كان من المفترض أن تكون الجولة الأخيرة من المحادثات. وأضاف الوزير الأمريكي أنه يتطلع إلى اختتام إثيوبيا لمشاوراتها الداخلية، لإفساح المجال للتوقيع على الاتفاق "في أقرب وقت ممكن". وكانت إثيوبيا قد أعلنت، يوم الأربعاء، أنها طلبت من الولايات المتحدة تأجيل ما كان يتوقع أن تكون الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بالسد العملاق، الذي تشيده على النيل الأزرق لإنتاج الطاقة الكهربائية، مما أرجأ حلا محتملا للنزاع الذي أشعل أزمة دبلوماسية منذ سنوات. وقال المتحدث باسم وزارة المياه والري والكهرباء بزونه تولشا لـ"رويترز": "طلبنا لأننا بحاجة لمزيد من الوقت للتشاور".
من جانبها، أبدت مصر استياءها من تغيب إثيوبيا عن المفاوضات في هذا الوقت الحساس، حسب بيان أصدرته وزارة الخارجية في الساعات الأولى من صباح السبت. وقال البيان إن مصر "تؤكد على أن مشاركتها في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي 27 و28 فبراير جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذا للالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وأثيوبيا في 23 مارس 2015". وأضافت الخارجية المصرية: "على ضوء ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية وضمان عدم الإضرار الجسيم بها، فقد قامت مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح تأكيدا لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده، ومن ثم فإن مصر تتطلع أن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت، باعتباره اتفاقا عادلا ومتوازنا ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث".
بعد أن جددت مصر تقديرها للدور الذي تقوم به الإدارة الأمريكية وحرصها على التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاث"، وبعد أسفها لتغيب إثيوبيا غير المبرر عن هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات، انتهى بيان الخارجية بأن كافة أجهزة الدولة المصرية سوف تستمر في إيلاء هذا الموضوع الاهتمام البالغ الذي يستحقه، في إطار اضطلاعها بمسئولياتها الوطنية في الدفاع عن مصالح الشعب المصري ومقدراته ومستقبله بكافة الوسائل المتاحة.
انسحاب إثيوبيا، من الجولة الأخيرة أربك المحادثات التي كان من المفترض أن يتم خلالها وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ملء وتشغيل السد. وبالفعل حضر وفدا مصر والسودان؛ تأكيداً على رفض مقترح إثيوبيا بالتأجيل. وأعلنت أديس أبابا، الأربعاء، عدم مشاركتها في المفاوضات الثلاثية، التي تشمل مصر والسودان، بزعم "عدم انتهاء مشاوراتها الداخلية مع الجهات المعنية"، فيما ردت القاهرة بتأكيد "تمسكها بالمسار التفاوضي، الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي"، على أمل التوصل لاتفاق نهائي.
انسحاب أديس أبابا لم يكن مفاجئاً، في ظل إشارات إثيوبية طوال الأيام الماضية، تؤكد عدم نيتها توقيع الاتفاق النهائي، وحديثها عن قضايا عالقة ما زالت بحاجة إلى مفاوضات حولها. بينما ظلت الدبلوماسية المصرية حريصة على عدم الانزلاق في المساعي الإثيوبية لهدم المسار الأمريكي، والدخول في مسارات أخرى، تمنحها الفرصة لإهدار مزيد من الوقت، وفرض سياسة الأمر الواقع.
القاهرة فضّلت مواصلة الضغط، من خلال واشنطن، خصوصاً أنه جرى الاتفاق على غالبية بنود الاتفاق النهائي. بينما أرجعت إثيوبيا عدم مشاركتها إلى أنها أخطرت وزارة الخزانة الأمريكية بأنها غير قادرة على التفاوض في الوقت الحالي، وفق بيان لوزارة المياه والطاقة الإثيوبية، مؤكدة عدم انتهائها من المناقشات التي تجريها محلياً مع الجهات المعنية بشأن السد. وردت وزارة الخارجية المصرية ببيان، الخميس، أكدت فيه أنها ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي، خاصة أن الهدف من الاجتماع الراهن في واشنطن وفق ما سبق أن اتفقت عليه الدول الثلاث هو وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق ملء وتشغيل السد.
واضح أن إثيوبيا تقوم بمناورة جديدة وفق سيناريو مخطط ومتفق عليه، علماً بأنها تعتزم بدء ملء السد في يوليو المقبل. ولأن واشنطن تعهدت بحل الخلاف على لسان رئيسها ترامب، فليس أمام مصر الآن سوى الضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ موقف يثبت حيادها وجديتها، قبل أن تلجأ إلى ما تمتلكه من أوراق عديدة لتحقيق أمنها المائي.
السودان أكد، السبت، على ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل يتضمن تشغيلاً آمناً لسد النهضة، وذلك قبل بدء عملية الملء الأول للسد. وكان وفد السودان المشارك في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، برئاسة وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله قد وصل إلى واشنطن. وأعلن بيان صادر عن وزارة الري السودانية أن الوفد الإثيوبي كان قد طلب تأجيل هذه الجولة من المفاوضات لإجراء مزيد من التشاور الداخلي، ولذلك فقد قرر وفد السودان الانخراط، ثنائياً، مع فريق وزارة الخزانة الأمريكية.
البيان أوضح أن الوفد السوداني قدم ملاحظاته بشأن مسودة الاتفاقية الشاملة، التي يجري التفاوض حولها، إلى فريق وزارة الخزانة الأمريكية، الذي قام بتضمينها في المسودة. وأشار البيان السوداني إلى أن مسودة الاتفاقية تم إعدادها بناءاً على مفاوضات الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) التي استمرت منذ عام 2015. وأكد الوفد على التزام الخرطوم بعملية التفاوض لأجل الوصول إلى اتفاق شامل لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بما يحفظ مصالح الدول الثلاثة، كما أكد ضرورة التوصل لاتفاق شامل يتضمن تشغيلاً آمناً لسد النهضة، وذلك قبل بدء عملية الملء الأول للسد.
هناك عوامل دفعت بإثيوبيا للتخلف عن اجتماع واشنطن، أهمها صراع الانتخابات العامة في أغسطس المقبل، كون السدّ أصبح، في ظل أجواء انقسام كبيرة تشهدها البلاد، عامل توحيد يرتبط بالدعاية الانتخابية. ما يشير إلى صعوبة وجود اتفاق نهائي قبل نهاية هذا العام ومعرفة نتائج الانتخابات العامة ومن يفوز فيها. بالإضافة إلى أن القيادة السياسية الإثيوبية لا تزال تنظر إلى دعوة مصر المجتمع الدولي وإشراك كل من الولايات المتحدة والبنك الدولي، على أنها تصعيد متعمد، انطلاقا من زعمها أن الخلاف مسألة فنية يمكن حلها بين الدول الثلاث، وأن الأمر لا يتعدى وضع مبادئ توجيهية تقنية لتنظيم الملء الأول والتشغيل السنوي للسد، وأنها تريد أن تتنصل من الالتزام بأي اتفاقات ملزمة فيما يتعلق بالحصص المائية.
هناك خياران للحل الدبلوماسي، الأول اتفاقية ملزمة بين الدول الثلاث. والثاني اتفاق إطاري لدول حوض النيل والذي لم توافق عليه مصر والسودان وهو يضمن إدارة المياه والسدود في جميع الدول النهرية مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول المصب، وليس من المستبعد استخدام القوة، حال استمرار إثيوبيا في الهروب، أو سعيها للتنصل بأعذار داخلية غير حقيقية، كما أن موقفها يشير إلى عدم وجود نية حسنة منذ البداية للوصول إلى حل، وما كان يتم هو فقط مجرد مجاراة لعملية التفاوض وليس تفاوضاً حقيقياً.