الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:35 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: وسقط المغرور فى الفخ السورى


تدمير مدفعيات تركية كانت فى طريقها للهجوم على الجيش السورى
الطيران الروسى يؤدب رعايا أردوغان فى أدلب

بوتين يبعث أقوى رسالة إلى أنقرة
مجلس الأمن الروسى يعقد اجتماعات طارئة بحضور وزراء الدفاع والداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات
ـ العالم يترقب قرارات روسية جديدة للقضاء على عصابات الإرهاب فى سوريا

أظهرت موسكو حزماً في التعامل مع التهديدات التركية المتواصلة بإطلاق عملية عسكرية واسعة لإجبار الجيش السوري على التراجع عن مواقع استعادتها أخيراً في محافظة إدلب. ومع تريث المستوى السياسي الروسي في التعليق، على محاولات فصائل سورية مدعومة بقوات المدفعية التركية التقدم في مدينة النيرب، بدا تحرك القوات الروسية حاسماً لوقف الهجوم بعد مرور ساعات على بدئه. إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدخل طيرانها الحربي لقصف أرتال المدرعات والدبابات والآليات المحملة بأسلحة ثقيلة التي توغلت في مناطق واسعة من النيرب. وأفاد بيان عسكري بأن موسكو أجرت اتصالات مع أنقرة لوقف القصف المدفعي الذي رافق تقدم الفصائل الإرهابية.
وفقاً للبيان العسكري، فإن مقاتلات روسية من طراز "سوخوي 24" شنت هجوماً على الأرتال المتقدمة، دمرت خلاله دبابة و6 مدرعات و5 عربات رباعية الدفع تابعة للمسلحين، الذين قال البيان إنهم "اقتحموا مواقع للجيش السوري في محافظة إدلب". ولفت البيان الذي أصدره مركز المصالحة التابع لقاعدة حميميم، إلى أن الغارات الروسية مكّنت الجيش السوري من صد هجمات للمسلحين في المنطقة بنجاح، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية دمرت آليات مزودة بأعيرة ثقيلة.
لهجة البيان لفتت الأنظار في أشارته إلى أن الهجوم نفذته "عصابات إرهابية" استخدمت أعداداً كبيرة من المدرعات والآليات باتجاه محور قميناز - النيرب. وقال، إن تقدم المسلحين كان مدعوماً بنيران مدفعية القوات المسلحة التركية؛ ما سمح باختراق دفاعات الجيش السوري. ومع تأكيد وقف الهجوم، قالت وزارة الدفاع الروسية، إنه "تم إبلاغ الجانب التركي بأن وسائل السيطرة الروسية رصدت نيران مدفعية من المواقع التركية على وحدات الجيش السوري، وبعد إبلاغ الجانب التركي بهذه المعلومات، توقف إطلاق نيران المدفعية". وحملت الوزارة بقوة على أنقرة، مشيرة إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تدعم فيها القوات المسلحة التركية المسلحين السوريين"، داعية "الجانب التركي إلى وقف دعم عمليات الإرهابيين ونقل أسلحة لهم".
كانت هناك إشارات إلى تمكن الميليشيات، بدعم من القوات التركية بالسيطرة على بلدة النيرب بالقرب من طريق "إم 4" الاستراتيجية جنوب شرقي مدينة إدلب، بعد إبعاد قوات الجيش السوري عن المنطقة. واللافت، أن موسكو قالت، إن تدخل طيرانها لوقف الهجوم تم "بطلب من القيادة السورية". وتجنبت الإشارة إلى حجم الخسائر في صفوف المهاجمين، لكنها أشارت إلى وقوع عدد من الجرحى من الجيش خلال هجوم المسلحين.
بدا أن موسكو التي كانت قد حثت القيادة التركية على "التوقف عن إطلاق تهديدات تصعيدية" والعودة للحوار على مستوى الخبراء" الدبلوماسيين والعسكريين، وفقاً لتصريح الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا، سعت من خلال تدخلها المباشر والقوي لمنع أنقرة من فرض أمر واقع جديد عبر العملية العسكرية. وكان وزير الخارجية سيرجي لافروف نبّه قبل يومين، إلى أنه "لا عودة إلى الوضع الذي كان في إدلب قبل 18 شهراً"، في إشارة إلى معارضة موسكو الحازمة للمطالب التركية بانسحاب الجيش السوري من المناطق التي سيطر عليها في الشهور الأخيرة. ورغم أن التدخل كان حازماً، لكن الملاحظ وفقاً لمحللين روس، أن الجانبين التركي والروسي تجنبا وقوع احتكاكات مباشرة بينهما، وحرصت موسكو على توجيه ضرباتها إلى الأرتال التي تضم مقاتلين سوريين، وعدم استهداف مدرعات تنقل أعداداً من قوات النخبة التركية. في المقابل، لفت محللون إلى أن أنقرة لم تعلن رسمياً عن شن عملية عسكرية، وأن الهجوم رغم أنه كان مدعوماً بنيران المدفعية التركية عن بعد، لكنه اقتصر على قوات تابعة للمعارضة السورية.
خبراء عسكريون روس، أشاروا إلى أن هذا الحذر من الجانبين، والحرص على تجنب الاحتكاك مباشرة، أظهر وفقاً لمحلل عسكري، أن "العملية محدودة وربما كانت تهدف إلى تحسين أوراق أردوغان التفاوضية، كما أنها موجهة للداخل التركي؛ لأن الرئيس التركي رفع سقف تهديداته كثيراً خلال الفترة الماضية". ونقلت جريدة "إزفستيا" الروسية عن النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الدوما للدفاع، أندريه كراسوف، أن "لا أحد يريد فرض حل بالقوة العسكرية في إدلب"، ووفقاً له، "الإرهابيون وحدهم يستفيدون من الحل العسكري للأزمة، باستغلالهم الفوضى". ونقلت الجريدة عن مصادر تركية، أن "الأجواء في البلاد متوترة بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب. والجيش السوري يعمّق هجومه داخل المحافظة. لكن تركيا تريد تسوية هذا الموضوع بعد مباحثات مع الجانب الروسي لاستبعاد الصدام المباشر بين قوات البلدين".
وفقاً لرئيس مركز دراسة تركيا الجديدة، يوري مافاشيف، فإن "التوجه المقبول لتسوية التوتر المتصاعد حول إدلب بسبب تقدم قوات الجيش السوري، هو السماح لأنقرة بفك الحصار عن نقاط المراقبة أو البقاء في المواقع التي تشغلها اليوم. وهي، سوف تستمر في تعزيز وجودها، لكنها لن تقوم بخطوات خطيرة". وزاد، أنه لا يستبعد أن "تلعب روسيا دور العازل بين تركيا والجيش السوري. فيغادر السوريون نقاط المراقبة، ويشغل الجيش الروسي المواقع المتنازع عليها. وحينها، سيتمكن أردوغان من أن يستعرض لجمهوره أنه أجبر بشار الأسد على الابتعاد عن الحدود".
هذه التحليلات تعززها إشارة أوساط روسية إلى أن العملية العسكرية في النيرب هدفت إلى فتح الباب لمواصلة الحوار من أجل إيجاد آلية متفق عليها للتعامل مع الوضع المستجد على الأرض في محافظة إدلب، عبر التوفيق بين رفض تركيا الانسحاب من مراكز المراقبة وتغيير خطوط التماس المنصوص عليها في اتفاق سوتشي، ودفع روسيا إلى قبول اقتراح تركي بديل بتسيير دوريات روسية - تركية مشتركة في بعض المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري أخيراً. وفي هذه الأثناء، كان الكرملين أعلن عن ترتيبات لعقد قمة ثلاثية في بداية الشهر المقبل تجمع الضامنين في "محور آستانة" (روسيا، وتركيا، وإيران) في طهران بداية الشهر المقبل، لكن موسكو قالت، إن الاتفاق على موعد نهائي مرتبط بموافقة أردوغان على المشاركة في القمة. وجاء هذا الخيار بديلاً للطلب التركي بعقد قمة ثنائية للرئيسين الروسي والتركي، وهو اقتراح تعاملت معه موسكو بفتور.
ردود الفعل والتحركات على المستويين السياسي والعسكري، تسارعت لبلورة آليات لتسوية الوضع حول إدلب، بعد مواجهات عنيفة في بلدة النيرب بين قوات الجيش السوري وفصائل الإرهابيين تدخلت فيها بشكل مباشر المدفعية التركية والطيران الروسي الذي عرقل تقدم الإرهابيين وأفشل هجومهم. وبدا من تعليقات الخبراء العسكريين والسياسيين المقربين من دوائر صنع القرار في روسيا أن موسكو "نجحت في توجيه رسالة واضحة إلى القيادة التركية بعزمها على مواجهة أي اختبار للقوة أو للصبر، ومنع أي محاولات لتغيير الواقع الميداني وخصوصاً ما يتعلق بالسيطرة على المناطق المؤثرة على الطرق الدولية"، وفق تعليق وسائل إعلام روسية حكومية.
كان الوضع في إدلب محوراً أساسيا في مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وقال الكرملين في بيان إن بوتين أعرب خلال الاتصال عن "قلقه البالغ" إزاء "الأعمال العدوانية" للمتشددين في منطقة إدلب. وأضاف أن الرئيسين اتفقا خلال المحادثة الهاتفية على "تعزيز المشاورات الثنائية حول إدلب بهدف خفض التوتر، وإرساء وقف لإطلاق النار والقضاء على التهديد الإرهابي".
أما الرئاسة التركية فقالت من جهتها إن أردوغان أكد لبوتين "ضرورة كبح النظام في إدلب وأن الأزمة الإنسانية يجب أن تنتهي". وقال الرئيس التركي لنظيره الروسي إن الحل يكمن في العودة إلى اتفاق سوتشي الموقع في العام 2018، والذي أتاح لتركيا إقامة نقاط مراقبة عسكرية في إدلب.
كان الكرملين قد حذّر للمرة الثانية خلال الأيام الأخيرة، من مخاطر انزلاق الوضع نحو "السيناريو الأسوأ"، وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف رداً على سؤال الصحفيين عن احتمال وقوع مواجهة روسية – تركية بسبب إدلب: "لا أريد حتى التفكير في أسوأ سيناريو". وأجرى الرئيس بوتين اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد مكالمة مماثلة للرئيس التركي مع الطرفين. وبدا أن الطرفين الروسي والتركي يسعيان إلى حشد تأييد أوروبي لمواقفهما، على خلفية النداءات الأوروبية المتواصلة بوقف تدهور الوضع في إدلب.
الرئاسة الروسية قالت إن بوتين أكد خلال الاتصال "ضرورة اتخاذ خطوات فعالة ضد الإرهابيين في سوريا". وزاد أن المكالمة ركزت على "آليات تسوية الوضع، في سياق الأوضاع المتفاقمة بصورة حادة في إدلب، نتيجة لاعتداءات التشكيلات المتطرفة على القوات الحكومية السورية والمدنيين". وأفاد الكرملين بأن بوتين شدد على ضرورة "تحييد التهديد الإرهابي في ظل احترام سيادة الجمهورية العربية السورية وسلامة أراضيها. فيما أعرب كل من ماكرون وميركل عن استعدادهما للإسهام في التخفيف من حدة التوتر شمال غربي سوريا". وكشف الكرملين عن اقتراح تلقاه بوتين لعقد قمة رباعية تجمع زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، لكن الناطق الرئاسي قال إن الموقف النهائي لبوتين حيال الفكرة لم يتحدد بعد. وكانت موسكو وطهران اقترحتا قبل ذلك عقد قمة ثلاثية لضامني محور أستانة، لكن الرئاسة التركية لم تعلن موافقتها على الاقتراح.
في إطار التحركات الروسية، عقد بوتين اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الروسي بحضور رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع والأمن والداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات، تم خلاله بحث تطورات الموقف في إدلب، وجرى التداول وفقاً لمصادر الكرملين حول آليات التحرك اللاحقة على خلفية بلورة موقف روسي لإبلاغه للرئيس التركي، كما تمت مناقشة فكرة عقد القمة الرباعية خلال الاجتماع. وقالت مصادر روسية إن وفداً روسياً ربما يتوجه إلى أنقرة لاستئناف الحوار حول سبل محاصرة التوتر المتفاقم في إدلب.
تزامن ذلك مع توجيه وزارة الدفاع الروسية انتقادات جديدة إلى أنقرة. وأشار بيان أصدرته قاعدة حميميم الروسية إلى أنه "مع تفاقم الوضع في منطقة إدلب جراء التصعيد الناجم عن الهجمات المكثفة المنسقة التي يشنها مسلحون من الجماعات الإرهابية على مواقع القوات الحكومية السورية، يقوم المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا بمراقبة مستمرة على مدار الساعة للوضع في المناطق الشمالية الغربية من البلاد". وزاد أن مراقبة الوضع الإنساني أكدت أن "المعلومات حول التدفق المزعوم لمئات الآلاف من المدنيين نحو الحدود السورية - التركية غير صحيحة ولا أساس لها". وهذه المرة الأولى التي تنفي موسكو فيها تقارير تركية كثيرة حول وجود نحو مليون نازح فروا خلال العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوري إلى المنطقة الحدودية. وقال البيان العسكري إنه "لا توجد مواد مصورة يمكن التحقق منها أو أي دليل آخر يؤكد النقل المزعوم لحوالي مليون لاجئ". وزاد أنه "على مدار الأسابيع القليلة الماضية تم نقل قوافل كبيرة من المعدات والشاحنات العسكرية وبلغ طولها (القافلة) عدة كيلومترات".
البيان الروسي أوضح أن "الإرهابيين يستخدمون المدنيين حالياً دروعاً بشرية ويمنعون خروجهم عبر ممرات إنسانية أعلن عنها مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة بالتعاون مع الحكومة السورية". ودعا البيان الجانب التركي إلى "اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إمكانية الخروج الآمن والطوعي لسكان المناطق الشرقية والجنوبية من محافظة إدلب من خلال نقاط التفتيش المفتوحة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية".
في غضون ذلك، نقلت وسائل إعلام روسية تفاصيل عما وصف بأنه مقدمات لـ"حظر جوي فرضته تركيا على مرور الطائرات العسكرية الروسية فوق أجوائها". ونقلت جريدة "نيزافيسيمايا جازيتا" الروسية عن شبكة "فري نيوز" وهي شبكة إلكترونية متخصصة بالشؤون العسكرية، إن تركيا أغلقت مجالها الجوي أمام الطيران الحربي الروسي. وقالت إن هذا الإجراء يتعلق حتى الآن بالطائرات العسكرية التي كانت قد عبرت أجواء تركيا سابقاً في طريقها إلى القاعدة الروسية (حميميم) في سوريا.
قيل إن أنقرة منعت مرور طائرة نقل عسكرية من طراز "توبوليف 154" ومقاتلتين من طراز "سوخوي 24" وطائرة استراتيجية روسية. وأشارت إلى أنه "كان على الطائرات الروسية تغيير المسار، فحلقت فوق بحر قزوين وأراضي إيران والعراق". وربطت الجريدة الإجراء بفشل المفاوضات في موسكو لحل الوضع في إدلب.
ولم يستبعد خبراء احتمال أن يكون الإجراء مقدمة لفرض حظر على النقل البحري للقوات الروسية. وقال مسئول عسكري سابق: "إذا قام الأتراك فقط بإغلاق منطقة مضيق البحر الأسود مؤقتاً على الأقل أمام سفننا الحربية، فإن تشغيل خط الإمداد المتواصل سوف يتعطل في الحال"، في إشارة إلى عمليات النقل المنتظمة للسفن الحربية وسفن النقل المختلفة لتسليم الشحنات إلى سوريا.
ألكسندر خراميخين، نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري، رأى أن فرض حصار كامل للحركة عبر مضيق البوسفور والدردنيل من قبل تركيا يبدو مستبعداً، لكن أنقرة "يمكن أن تجد دائماً أعذاراً لإبطاء نظام خط الإمداد السوري الدائم بما في ذلك الأعذار الفنية"، مشيراً إلى خطورة الوضع بالنسبة إلى موسكو التي تنقل عبر هذا الممر نحو 90% من إمدادات قواعدها العسكرية في سوريا فضلا عن الإمدادات التي تسلم إلى السوريين.
وانعكس هذا الإجراء على آراء الخبراء العسكريين الروس، إذ قال الجنرال السابق يوري نتكاشيف: "إن محاولة كسر الإمداد الجوي للمجموعة العسكرية الروسية في سوريا تشير إلى أن أنقرة لم تعد تعتبر شريكاً لها في عملية أستانة"، لافتاً إلى أن منع مرور الطائرات أو السفن يعني مضاعفة تكاليف الرحلات مرتين تقريباً ما يشكل إرهاقا جديا للموازنة العسكرية التي تم تقليصها في العام الحالي.