ياسر بركات يكتب عن: اليمين المتطرف يشعل ألمانيا
هجوم مسلح على مقهيين في بلدة هاناو بألمانيا، مساء الأربعاء الماضي، أسفر عن مقتل 9 أشخاص، بينهم أتراك، وإصابة 6 آخرين بجروح. وعقب الهجوم، داهمت قوات الأمن منزل المهاجم الإرهابي "توبياس. ر" (47 عاما)، وعثرت على جثته وجثة والدته البالغة 72 عاما. بينما تشير أصابع الاتهام إلى اليمين المتطرف في ألمانيا، الرافض لسياسات برلين بشأن استقبال المهاجرين.
وقع أول إطلاق للنار قرابة الساعة العاشرة ليلا بتوقيت جرينتش، في مقهى "ميدنايت" لـ"الشيشة" وسط المدينة، حيث قتل ثلاثة أشخاص أمام المبنى، وفق وسائل إعلام محلية، فيما أفاد شهود عيان عن سماع دوي عشر طلقات نارية. وحسب الشرطة، فإنّ مطلق أو مطلقي النار غادروا على الفور المكان على متن سيارة نحو مقهى آخر وهو "أرينا بار"، حيث وقع إطلاق النار الثاني، وقالت وسائل الإعلام المحلية إنّ ثلاثة أشخاص قتلوا في المقهى الأول وخمسة في المقهى الثاني. وذكرت تقارير أن المهاجم قرع جرس المقهى الثاني وأطلق النار على الأشخاص الذين كانوا في ركن المدخنين.
السلطات الألمانية قالت ليلا في بيان "في هذه المرحلة يمكننا فقط التأكيد أن ثمانية أشخاص قتلوا"، ثم توفي شخص آخر صباح الخميس متأثرا بجراحه، لترتفع الحصيلة إلى تسعة. وذكرت الشرطة في تغريدة على تويتر إنّه "عثر على المنفّذ المحتمل (للهجومين) جثة هامدة في منزله في هاناو، كما عثرت قوات التدخل الخاصة التابعة للشرطة على جثة أخرى". وقال وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، إن التهديد الأمني المرتبط بـ"اليمين المتطرف" مرتفع جدا في البلاد، مشيرا إلى أن القوات الأمنية عززت وجودها في محيط المساجد. وأضاف زيهوفر في مؤتمر صحفي، أن الشرطة الألمانية قامت بتعزيز وجودها، خصوصا أمام المساجد،. وتعهد الوزير بزيادة وجود الشرطة أمام "المؤسسات الحساسة" في جميع أنحاء البلاد. وقال إن "التهديد الأمني المرتبط باليمين المتطرف مرتفع جدا في ألمانيا".
المحققون عثروا على سيارة المشتبه به التي كانت تحتوي على ذخائر، وفق وسائل إعلام محلية أضافت أنه كان يحمل رخصة صيد وأنه ألماني. وعقب إطلاق النار بدأت الشرطة "عملية مطاردة واسعة النطاق"، ونشرت تعزيزات أمنية كبيرة في المدينة البالغ عدد سكّانها نحو 90 ألف نسمة، وشاهد مراسل "فرانس برس" نحو 30 عربة للشرطة تغادر مقر الشرطة في هاناو، وبحسب شهود عيان، نشر عناصر الشرطة المدججة بالسلاح.
وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" نقلت عن ابن صاحب المقهى قوله: "الضحايا أشخاص نعرفهم منذ سنوات"، موضحا أن اثنين من موظفي المقهى في عداد القتلى، وأكمل أنه لم يكن هو ولا والده موجودين في المقهى وقت الهجوم. وقال "إنها صدمة للجميع". وقالت النائبة المحافظة كاتيا لايكرت "إنه حقا مشهد رعب"، فيما تحدث رئيس بلدية هاناو الاشتراكي الديموقراطي كلاوس كامينسكي عن "ليلة مرعبة ستطارد الجميع لوقت طويل جدا"، مطالبا بعدم إطلاق التكهنات، كما ناشد المواطنين الحذر.
المتحدث باسم الشرطة قال إن دوافع الهجومين لم تعرف بعد، إلا أن ألمانيا شهدت في السنوات الأخيرة عددا من الهجمات، أسفر أحدها عن مقتل 12 شخصا في قلب برلين في ديسمبر 2016. لكن أكثر ما يثير قلق السلطات الألمانية حاليا هو التهديد الإرهابي المتمثل باليمين المتطرّف، خاصة منذ اغتيال عضو في حزب المستشارة أنجيلا ميركل مؤيد للمهاجرين في يونيو الماضي.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت إن هناك عدة أدلة على وجود دوافع عنصرية ويمينية متطرفة وراء الحادث، مشددة على أن الحكومة الألمانية ستستخدم كل قوتها للتصدي لمن يحاولون تقسيم سكان البلاد. وتحت وقع صدمة هجوم هاناو العنصري، أعلنت الحكومة الألمانية تعزيز المراقبة الأمنية، خاصة حول المساجد، لمواجهة تهديد اليمين المتطرف "المرتفع جدا". واحتشد مساء الخميس، في نحو 50 مدينة ألمانية، مئات لتأبين القتلى التسعة لإطلاق النار المزدوج في هاناو. وأدت هذه الاحتجاجات إلى ولادة جدل حول الأسلحة وحماية الأقليات والدور التحريضي لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.
المدعي العام الاتحادي الألماني بيتر فرانك أكد حدوث اتصال بين الادعاء العام ومرتكب هجوم هاناو في نوفمبر الماضي. وقال فرانك يوم الجمعة إن الادعاء العام تلقى في ذلك الحين بلاغا من الرجل ضد منظمة استخباراتية غير معروفة. وبحسب البيان، ذكر الرجل في البلاغ أن هناك منظمة كبيرة تسيطر على كثير من الأمور و"تخترق أدمغة الأفراد وتمسك أشياء معينة بها، لتتحكم بعد ذلك بشؤون العالم". وبحسب بيانات فرانك، لم يتضمن البلاغ أي عبارات يمينية متطرفة أو عنصرية، مضيفا أنه لم يتم بدء أي تحقيقات بناء على هذا البلاغ. وأشار فرانك إلى أن والد الجاني كان لافتا للانتباه أيضا في الماضي عبر اتصاله بسلطات من خلال إرسال خطابات مختلفة، مثل شكاوى. ويرجح محققون ألمان أن منفذ الهجوم في "هاناو" كان مصابا بالذهان الشديد.
شهدت ألمانيا ثلاثة هجمات عنصرية ومعادية للسامية خلال تسعة أشهر، من اغتيال نائب داعم للمهاجرين إلى مذبحة هاناو مرورا بالهجوم الذي استهدف كنيسا يهوديا في مدينة هال في احتفال يوم الغفران. وتقلق وزارة الداخلية خاصة من تنامي بحث اليمين المتطرف عن أسلحة من جميع الأنواع. وحجزت الشرطة 1091 قطعة سلاح عام 2018، مقابل 676 في العام السابق، في إطار تحقيقات حول مخالفات وجرائم منسوبة لليمين المتطرف. ونادى أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ بتعزيز التشريعات حول الأسلحة، وهو ما يعد تحديا في بلد مولع برياضة الرماية التي كان قاتل هاناو المفترض أن يمارسها.
مأساة هاناو تحمل بعدا سياسيا في بلد ظهر فيه "حزب البديل" من أجل ألمانيا المتطرف منذ عام 2013. وبات له منذ عامين نواب في البرلمان. وقال الرئيس فرانك فالتر شتاينماير خلال حضوره واحدة من 50 وقفة بالشموع أقيمت في أنحاء البلاد لتأبين الضحايا إن ألمانيا متحدة ضد العنف. لكن أيتن كابلان، وهي معالجة مهنية تعيش في مدينة أيسن بغرب البلاد، تقول إن الكلمات واللفتات ليست كافية. وأضافت لـ"رويترز": "نحن بحاجة إلى حملة وطنية تحتفي بالتعدد العرقي لسكان ألمانيا وتدين هؤلاء الذين يحاولون زرع بذور الانقسام". وتابعت قائلة: "بعض الأشخاص الذين كانوا في المقهيين جاءوا إلى ألمانيا بسبب الاضطهاد في وطنهم. وآخر ما يريدونه هو دفعهم إلى الشعور بعدم الأمان".