ياسر بركات يكتب: استسلام أمريكي في أفغانستان
منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001، لم يتوقف الصراع بين حركة "طالبان" من جهة، والقوات الحكومية والدولية بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، ما تسبب في سقوط آلاف الضحايا المدنيين. وما زالت حركة "طالبان" تسيطر على 59 من أصل 407 وحدات إدارية تتشكل منها أفغانستان، بينما تتمتع بنفوذ في 119 وحدة إدارية أخرى.
يوم الجمعة، قال مسئول كبير بالإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق لخفض أعمال العنف مع حركة "طالبان"، ما قد يؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وقال المسئول للصحفيين في مؤتمر أمني في ميونيخ إن اتفاق خفض العنف لمدة سبعة أيام لم يبدأ بعد. ومع ذلك، دارت اشتباكات بين قوات الحكومة الأفغانية ومقاتلي حركة "طالبان"، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، على الرغم من تصريحات مسئولين أمريكيين عن حدوث انفراجة في الأيام الماضية في محادثات سلام تهدف لإنهاء الصراع القائم منذ 18 عاماً.
على الرغم من استمرار مفاوضات الطرفين المتناحرين في العاصمة القطرية، الدوحة، تحدثت كل من "طالبان" والقوات الحكومية عن اشتباكات على الأرض. وقالت وزارة الدفاع الأفغانية إن قائداً كبيراً بـ"طالبان" لقي مصرعه، في ضربة جوية بإقليم بلخ بشمال البلاد. وذكرت الوزارة في بيان: "أسفرت ضربة جوية موجهة نفذتها القوات الجوية الأفغانية عن مقتل مولوي سردار محمد، أحد الأعضاء البارزين في اللجنة العسكرية بـ(طالبان) وثمانية آخرين". ولم تؤكد طالبان النبأ. وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم "طالبان" إن مقاتلي الحركة قتلوا ستة جنود أفغان، منهم ضابطان، في هجوم على نقطة تفتيش في إقليم قندوز بشمال البلاد.
مصادر أفغانية وأمريكية ومن "طالبان" ذكرت أنه قد يتم توقيع اتفاق سلام هذا الشهر، مما يسمح بسحب نحو 13 ألف جندي أمريكي وآلاف من جنود حلف شمال الأطلسي الآخرين من أفغانستان. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن هناك "فرصة جيدة" للتوصل لاتفاق سلام مع "طالبان"، بشأن خفض في عدد القوات الأمريكية. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن هناك "تقدماً مهماً" أُحرز خلال الأيام القليلة الماضية في المحادثات مع حركة "طالبان"، فيما ذكر وزير الدفاع مارك إسبر أنه جرى التفاوض على اقتراح لخفض العنف لمدة أسبوع.
عدد الهجمات في أفغانستان قفز إلى مستويات قياسية، في الربع الأخير من عام 2019، مقارنة بالسنوات السابقة. وبمجرد انتهاء المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، في ختام اجتماعات وزراء دفاع دول حلف الناتو في بروكسل، كان التركيز من جانب الصحفيين والمتابعين للاجتماعات، على التفسير الصحيح لما جاء على لسان إسبر، بشأن صفقة أو اتفاق مع "طالبان"، وهل هي هدنة وتوقف عن القتال أم اتفاق لتهدئة العنف؟ لكن في النهاية اتفق معظمهم على أن ما جاء على لسان الوزير الأمريكي في المؤتمر الصحفي هو أن "الولايات المتحدة و(طالبان) ناقشتا مقترحاً لخفض العنف لمدة أسبوع".
التصريحات جاءت عقب اجتماع للدول المساهمة في مهمة الحلف في أفغانستان، اتفق الوزراء على استمرار الالتزام الراسخ بأمن أفغانستان واستقرارها على المدى الطويل، وتزويد القوات الأفغانية بالتدريب والدعم المالي لمحاربة الإرهاب، وخلق ظروف السلام، مع دعوة "طالبان" إلى إظهار الإرادة للتوصل إلى اتفاق موثوق به لإنهاء العنف في البلاد. وفي تعليق له على هذا الأمر، قال الصحفي البريطاني تيم كوبر، إن المسألة فعلاً غاية في التعقيد، موضحاً أن "الغريب في الأمر، أن (طالبان) تدخل في حوار ومفاوضات، ويظن الجميع أن الأمور على وشك إيجاد الحلول، لإنهاء العنف، ولكن، نفاجأ بتورط (طالبان) في تفجيرات صادمة".
بعد وقت قليل من تصريحات إسبر، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة "قريبة جداً" من إبرام اتفاق سلام مع حركة "طالبان". وقال في مقابلة إذاعية: "أعتقد أننا قريبون جداً منه. أعتقد أن هناك فرصاً جيدة للتوصل لاتفاق وسنرى"، مضيفاً في الوقت نفسه أن "هذا لا يعني أنه سيكون لدينا حتماً اتفاق، ولكننا سنعلم خلال الأسبوعين المقبلين".
يقترب مفاوضو الولايات المتحدة الأمريكية و"طالبان" من اتفاق محتمل، ولكن الأفغان متشككون من التقدم ومن الخطوات التي تشملها العملية. ولكن الأفغان انتقدوا الاتفاق، يوم الجمعة، متشككين فيما إذا كان سوف يحدث أي تغيير حقاً، وتساءلوا: "أين كانت الحكومة الأفغانية خلال أكثر من عام ونصف العام من المحادثات بين أمريكا و(طالبان)؟!".
مسئولون أمريكيون وأفغان، كشفوا عن موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على معاهدة سلام "مشروطة" مع حركة "طالبان". جاء ذلك في تصريحات صحافية أدلى بها مسئولون أمريكيون وأفغان (لم يتم تسميتهم) لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ونشرت على موقع الصحيفة. وقال المسئولون إنّ ترامب "وافق بشكل مشروط على اتفاق سلام مع (طالبان)، إيذاناً بإنهاء الحرب الأمريكية الأطول". وحسب الصحيفة، فلن يتم التوقيع رسمياً على اتفاق السلام بين الطرفين "إلا إذا قدمت (طالبان) دليلاً على التزامها به خلال فترة مدتها 7 أيام، سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق من فبراير الحالي". وتابعت: "إذا استطاعت (طالبان) وقف العنف خلال تلك المدة، فستبدأ واشنطن خطة تدريجية لسحب قواتها من الأراضي الأفغانية، يتبعها مفاوضات مباشرة بين قادة أفغانستان و(طالبان) حول مستقبل بلادهم".
مسئول أفغاني اطلع على فحوى اتصال أجراه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع أحد الأطراف المعنية، إن الأخير "تواصل مع القادة (الأفغان وطالبان) هاتفياً، كلّ على حدة، لإخبارهم بالموافقة المؤقتة للرئيس دونالد ترامب على الخطة"، حسب المصدر ذاته. في حين أشار مصدر أمريكي مطلع لـ"نيويورك تايمز" إلى أن ترامب "وافق على الخطة الاثنين أثناء زيارته قاعدة دوفر الأمريكية لتسلم رفات وفيات الحرب التي بدأت عام 2001، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأفغان و3500 جندي أمريكي". فيما أعلن مسئول بـ"طالبان" على علم بالمفاوضات، وجود "تحركات إيجابية" من قبل الحركة، إلا أنه رفض مناقشة أي تفاصيل أخرى إذ لا يزال الأمر قيد المداولة بين أعضاء الحركة.
تزايد تعرض المدنيين في أفغانستان للوقوع ضحايا في غمرة تغير خطوط المواجهة. وقُتل أكثر من 2500 شخص وأصيب نحو 5600 في أول تسعة أشهر من عام 2019، وفقاً لأحدث تقرير للأمم المتحدة، مما يجعل العام الماضي أكثر الأعوام التي تم تسجيلها دمويةً للمدنيين. وصنف تقرير الأمم المتحدة غزني باعتباره رابع أخطر إقليم للمدنيين. وذكرت وزارة الدفاع الأفغانية أن قواتها استعادت السيطرة العام الماضي على 10 مناطق كانت تستولي عليها طالبان وأربع مناطق كانت تقاتل عليها. وتدور الهجمات العسكرية واسعة النطاق مع اكتساب المحادثات بين الولايات المتحدة و"طالبان" زخماً ومع سعي كلا الجانبين لاستغلال المكاسب الميدانية لتعزيز موقفه على طاولة المفاوضات.
تقرير منظمة مراقبة حكومية، ذكر في يناير 2019 أن "طالبان" تسيطر أو تقاتل على قرابة نصف أقاليم أفغانستان. وأشاد مسئولون أمريكيون وأفغان بالانتصارات على الأرض باعتبارها وسيلة لتغيير قواعد اللعبة، كما توضح تحسن قدراتهم. لكن مسئولين محليين وجماعات من حقوق الإنسان حذّروا من أن الحملات العسكرية المحتدمة تجعل حياة المدنيين أسوأ. وأشاد توريالاي هادي، قائد القوات العسكرية الأفغانية في غزني، بالسيطرة على المناطق التي تمت استعادتها لأنها توفر لقواته السيطرة على الطرق السريعة الحيوية التي تربط غزني بباقي البلاد. لكنه أقر بأن الطرق السريعة مازال يتعين تطهيرها من القنابل التي يزرعها مقاتلو "طالبان" على جنباتها كل صباح.