الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 11:01 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: بوتيدجيدج الشاذ جنسيا .. فى مواجهة الرجل الأقوى فى العالم



بعد ثلاثة أيام على البلبلة التي أثارتها أول انتخابات تمهيدية للحزب الديمقراطي الأمريكي، في أيوا، ظهر بيت بوتيدجيدج وبيرني ساندرز متعادلين، الخميس الماضي. وتأتي هذه النتيجة التي تصدّر وفقها رئيس البلدية السابق لمدينة ساوث بند بولاية إنديانا النتائج بفارق ضئيل أمام ساندرز، بعد ساعات على مطالبة رئيس الحزب الديمقراطي توم بيريز بمراجعة نتائج الانتخابات.
الحملة الانتخابية تتواصل. وأعلن فريق ساندرز أنه جمع 25 مليون دولار من التبرعات في يناير، وهو رقم قياسي. وأرغمت النكسة التي تعرض لها كل من جو بايدن وإليزابيث وارن المرشحين على تخفيض نفقاتهما. واضطرت السيناتورة التقدمية عن ماساتشوستس لسحب ما قيمته 500 ألف دولار من الدعايات التلفزيونية في نيفادا وكارولاينا الجنوبية، وهما ولايتان مهمتان.
بيت بوتيدجيدج، مثلي الجنس، أو شاذ جنسيا، ويردد أنه لا يمت بصلة إلى مؤسسات الحكم في واشنطن، ويبدي في المقابل اقتناعاً بأن مساره سيقوده إلى البيت الأبيض. ويستشهد هذا التكنوقراطي البالغ من العمر 38 عاماً بخبرته كرئيس لبلدية ساوث بيند، مؤكداً أنه أقام في هذه المدينة الصغيرة الواقعة في ولاية إنديانا رابطاً متيناً مع الأمريكيين أكثر أصالة من علاقة نخب العاصمة الفيدرالية مع مواطنيهم.
انطلق بوتيدجيدج العام الماضي في المعركة لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي ومواجهة الرئيس دونالد ترامب في السباق إلى البيت الأبيض في نوفمبر القادم، وهو ينافس مرشحين ديمقراطيين معروفين أكثر منه بكثير من الرأي العام، وبعضهم في سن والده. ونجح بيت، كما يسميه العديدون تفاديا للفظ اسم عائلته الصعب، في تخطي سنه وقلة خبرته على صعيد السياسة الوطنية وقلة شهرته، ليحقق إنجازاً في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية أيوا، حيث تصدر منافسيه بحسب نتائج جزئية بعد فرز أصوات ثلثي مراكز الاقتراع.
بوتيدجيدج اكتسب مصداقية كسياسي مبتدئ في مواجهة خصومه الديمقراطيين، وبينهم نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي تصدر لفترة طويلة استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، والسيناتور بيرني ساندرز الذي يحمل آمال الجناح اليساري من الحزب. ولم ينجح هذان السياسيان المخضرمان في احتواء بيت بوتيدجيدج الذي ردد لناخبيه أن مساره كمرشح دخيل على السياسة ليس فريداً في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وقال خلال تجمع في نهاية الأسبوع الماضي في واترلو بولاية أيوا: "في كل مرة دخل حزبي إلى البيت الأبيض خلال السنوات الخمسين الأخيرة، كان ذلك بفضل مرشح مبتدئ في السياسة الوطنية، يركز على المستقبل، وغير مطبوع بنمط حياة واشنطن، يفتح الباب أمام جيل جديد... هكذا ننتصر". وبينما عبّر بوتيدجيدج عن بعض المواقف التقدمية، فإنه يعتقد أن وجهات نظره الأكثر اعتدالاً حول التغطية الصحية والضرائب يمكن أن تقنع ناخبي الوسط، خصوصاً المستقلين والجمهوريين الذين صوتوا لدونالد ترامب لكنهم يبحثون الآن عن خيار لطيّ صفحة هذه الولاية الرئاسية التي تثير انقسامات كثيرة. واغتنم بوتيدجيدج حملته في أيوا للسعي إلى جذب المناطق التي صوتت لصالح الرئيس باراك أوباما عام 2012 ثم لترامب عام 2016. وقال في أوتوموا الأحد: "إننا نستقبل العديد من الجمهوريين (...) المصممين على طيّ الصفحة".
غير أن بوتيدجيدج يواجه مهمة شاقة لتحويل فوزه في أيوا إلى نجاح انتخابي أكبر. فرغم قدرته المذهلة على جمع الأموال، لا تضعه استطلاعات الرأي الوطنية سوى في المرتبة الخامسة بين المرشحين الديمقراطيين، وذلك بسبب افتقاره إلى الشهرة نسبة إلى المرشحين الحاضرين في الساحة السياسية منذ وقت طويل. كما أنه يعاني من مستوى ضعيف جداً من التأييد بين السود الذين يشكلون قاعدة انتخابية أساسية للديمقراطيين.
كان بوتيدجيدج مجهولا تماما بالنسبة للعديد من الأمريكيين، إلى أن وصف نائب الرئيس الحالي مايك بنس بأنه "مهرّج" البيت الأبيض. ومع تقدم الحملة الانتخابية، قدم نفسه في موقع الداعي إلى الوحدة بعد انقسامات عهد ترامب. ويؤيد السياسي الديمقراطي تغطية صحية عامة تشمل جميع الأمريكيين، لكنه يقترح منحهم الخيار بين ضمان صحي وتأمين خاص. كما أنه مؤيد للنقابات ولفكرة زيادة عدد القضاة في المحكمة العليا التي تؤدي دوراً حاسماً في مختلف جوانب حياة الأمريكيين.
بيت بوتيدجيدج وبيرني ساندرز اللذان يتصدران نتائج استطلاعات الرأي، واجها انتقادات حادة، خلال مناظرة أقيمت يوم الجمعة في مدينة مانشستر، استهدفت الأول لقلّة خبرته والثاني لبرنامجه اليساري. وفي بداية المناظرة، دافع بوتيدجيدج عن نفسه ضد الذين اعتبروه قليل الخبرة. وفي إشارة إلى ساندرز أيضا، دعا الناخبين إلى "ترك سياسة الماضي في الماضي". أما ساندرز، فوجه بدوره سهام النقد إلى المرشح الشاب الذي يعتبره منافسه الرئيسي المحتمل، ووصفه بأنه مرشح وول ستريت. وقال متوجها له: "ليس معي 40 مليارديراً يساهمون في حملتي يا بيت". لكن ساندرز الذي يدعو إلى "ثورة سياسية" واجه انتقادات من عدة خصوم بينهم نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي اعتبر أن السياسات التي يروج لها متشددة، وبالتالي غير قادرة على توحيد الأمريكيين.
بايدن (77 عاما) الذي يأمل في استمرار فرص وصوله إلى البيت الأبيض بعد أن حلّ رابعا في انتخابات أيوا، شدد على أن السياسات التقدمية مثل نظام الصحة الشامل الذي يدعو له ساندرز ستسبب انقسامات، وستكون مكلفة ويصعب تمريرها في الكونجرس. وسأل: "كم سيكلف" قانون نظام الصحة للجميع الذي يدعو له ساندرز؟ وقدّر أن المشروع سيكلّف عشرات تريليونات الدولارات. وأضاف: "من سيصوت لصالح ذلك" في الكونجرس؟ وبدا بايدن أكثر حيوية مما كان عليه في المناظرات السابقة، واغتنم فرصة الحديث عن السنّ ليقول إن الأوضاع العالمية المتوترة الحالية تتطلب رجل دولة خبيراً لقيادة الأمة في هذه الفترة الحالكة.
رغم انتكاسة أيوا، أكد بايدن أنه لا يزال يرى نفسه الأقدر على منافسة الجمهوري دونالد ترامب الذي أفلت هذا الأسبوع من محاكمة لعزله لم تؤثر على قاعدته الانتخابية. ورأى منافسون آخرون، بينهم إيمي كلوبوشار، أن بوتيدجيدج مبتدئ يفتقر للخبرة في الساحة الدولية. وقالت عضو مجلس الشيوخ: "لدينا وافد جديد على البيت الأبيض" في إشارة إلى ترامب، قبل أن تضيف: "انظروا إلى أين أوصلنا".
المرشح الشاب الذي لم يكن معروفا قبل عام واحد فقط، خاض حملة طموحة تعتمد على خبرته كعسكري سابق ليصور نفسه قائداً جديراً بالثقة. كما ركّز على تجديد الأجيال، معتبراً أنها أفضل طريقة لحل مشكلات الأمة. وقال إن "أكبر مجازفة يمكن أن نقوم بها في وقت كهذا هي رفض خوض التحدي الجديد عبر التمسّك بالمعتاد".
شارك في مناظرة نيو هامبشير المستثمر أندرو يانج والملياردير توم ستاير والسيناتورة إليزابيث وارن أيضاً. وأظهرت كلوبوشار المتحدرة من مينيسوتا، أداء قوياً من خلال معارضة ساندرز ووارن. ورأت أن برنامجيهما التقدميين سيسببان انقساماً بين الناخبين. وقالت: "بصراحة، وجود مرشح وسطي يوحد الناس سيكون أسوأ كوابيس ترامب". واعترف بايدن بأنه يخوض معركة شاقة في أول ولايتين تفتتحان التصويت في الانتخابات التمهيدية. وقال: "تلقيت هزيمة في أيوا والأغلب أني سأتلقى هزيمة أخرى هنا"، في اعتراف واضح بارتفاع فرص فوز ساندرز للفوز في نيو هامبشير المجاورة لمسقط رأسه فيرمونت.
التوتر داخل الحزب الديمقراطي يتصاعد مع الصراع حول خيار تبني سياسات تقدمية يقترحها ساندرز. وسئل المرشحون هل يخشون انتصار ديمقراطي اشتراكي في الانتخابات التمهيدية. ورفعت كلوبوشار وآخرون أيديهم بالموافقة. وبينما تصادم المتناظرون السبعة، غاب مرشحون آخرون عن المنصة. فقد اختار الرئيس السابق لبلدية نيويورك مايكل بلومبرج تجاهل مناظرات الترشيح الأولى، وأنفق أموالاً طائلة على الإعلانات، آملاً أن يحدث ضجة عند مشاركته في "الثلاثاء الكبير" بتاريخ 3 مارس، الذي تصوّت خلاله 14 ولاية.
وارن التي تدعو إلى إنهاء "الفساد" في واشنطن، هاجمت بلومبرج (وبوتيدجيدج أيضاً) لجمع مساهمات مالية كبيرة من مانحين أثرياء. وقالت: "لا أعتقد أنه يمكن السماح لأحد بأن يشتري موقعاً كمرشح أو كرئيس". وأضافت: "لا أعتقد أنه يمكن السماح لأي ملياردير بأن يكون قادراً على فعل ذلك، ولا أعتقد أنه يمكن السماح للناس الذين يتملقون المليارديرات لتمويل حملاتهم بأن يفعلوا ذلك". وبعد نيو هامبشير، يتوجه المرشحون إلى نيفادا في 22 فبراير، تليها كارولاينا الجنوبية في 29 فبراير ثم "الثلاثاء الكبير".