الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:45 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: فى سلام يا إفريقيا


من منتدى العاصمة الإدارية إلى"الترويكا"
مصر تقدم كشف حساب للقارة السوداء
أرض الكنانة أعادت لإفريقيا بريق الماس خلال عام واحد
فتح مسارات دولية مع الصين وألمانيا واليابان وأمريكا
فض النزاعات العرقية وتفعيل اتفاقية صنع فى إفريقيا
وضع هموم القارة على جدول أمبراطوريات العالم
مع نهاية القمة الإفريقية الثالثة والثلاثين التي انعقدت اليوم الاثنين وأمس الأحد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تنتهي رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، التي تسلمتها في 10 فبراير الماضي، للمرة الرابعة في تاريخها. وخلال عام الرئاسة المصرية للاتحاد، وضعت أسس وخريطة طريق القارة في عدد كبير من الموضوعات المهمة، وقام الرئيس عبدالفتاح السيسي بمجهودات كبيرة مع الشركاء الدوليين والجهات المانحة من بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والولايات المتحدة والصين واليابان والمانيا لشرح المشاكل والتحديات الأفريقية والتركيز على دعم عملية التنمية في ربوع القارة الأفريقية عبر مشروعات تعود بالنفع على الجانبين.
منذ تولت مصر رئاسة الاتحاد، بذلت القيادة السياسية جهدا مستمرا ومتواصلا من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة الأفريقية، فحققت العديد من النتائج المبهرة على المستوى الإقليمي والدولي، الأمر الذي كان محل إشادة من الدول الأعضاء في الإتحاد وكبار مسئولي هيكله الإداري، حيث أعادت مصر تأكيد مبادئ وغايات الاتحاد الأفريقي نحو تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة، فلم يترك الرئيس السيسي محفلا دوليا إلا وشارك فيه حاملا هموم وآمال شعوب القارة في الحياة الكريمة، والحصول على حقها في التنمية المستدامة وفرص العمل، فضلا عن دعوته لرجال الأعمال والشركات الدولية الكبرى إلى الاستثمار في إفريقيا، لما يتوافر فيها من فرص ومزايا لا حصر لها ومنها الموارد الطبيعية والأيدي العاملة.
اقتصاديا، شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة التنسيقية المصغرة الأولى للاتحاد الأفريقي التي عقدت في نيامي، عاصمة النيجر في الثامن من يوليو الماضي، سعيا لتحقيق التكامل القاري والإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي، ومتماشية مع مُحددات الموقف المصري تجاه الجهود القائمة في هذا الصدد، حيث جرى تخصيصها للنظر في تقسيم العمل وتوزيع المهام بين الاتحاد والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية. وتم خلالها إطلاق الأدوات التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي كانت اتفاقيتها من أهم أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، وسعت مصر لتفعيل اتفاقية الحرة وجعلها واقعا، نظرا لأنها تمثل علامة فارقة في مسيرة التكامل الاقتصادي للقارة، عملا بمبدأ "الاقتصاد عصب السياسة، والسياسة وسيلة الاقتصاد"، وستنشئ أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، وهو ما يمهد الطريق إلى اندماج القارة في مؤسسات وآليات الاقتصاد العالمي.
في نوفمبر الماضي، استضافت العاصمة الإدارية الجديدة، منتدى "استثمر في إفريقيا"، الذي نظمته وزارة الاستثمار والتعاون الدولي بالتعاون مع وزارتي الخارجية والتجارة والصناعة، بحضور عدد من رؤساء دول وحكومات ووزراء من مختلف الدول الإفريقية ونحو 2000 شخص من ممثلي شركاء مصر في التنمية، ورجال الأعمال والمستثمرين وشخصيات رفيعة المستوى من مجال الأعمال من المصريين والأفارقة وجميع أنحاء العالم.
جاء هذا المنتدى بعد أيام من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى العاصمة الألمانية برلين - للمشاركة في أعمال القمة الثالثة للشراكة من أجل أفريقيا التي نظمها مجموعة العشرين، ترسيخا للدور الذي تضطلع به مصر في سبيل دفع وتعزيز جهود التنمية في القارة السمراء، خاصة في ظل رئاستها للاتحاد الأفريقي، كما أنها تؤكد على عمق ومتانة العلاقات بين الجانبين المصري والألماني على الصعيدين الثنائي والإقليمي.
التوصيات الصادرة عن هذا المنتدى جاءت أولاً بشأن استغلال الموارد القارية وتعزيز سلاسل القيمة الإقليمية، من خلال تعظيم الاستفادة من الموارد القارية عن طريق وضع حوافز لتشجيع الاستثمارات الأفريقية المشتركة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وسلاسل القيمة الإقليمية، واستكمال مشروعات البنية الأساسية والخدمات اللوجيستية في القارة الأفريقية، لتعزيز القدرة التنافسية في الصناعة وتحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما تضمنت إعداد وتنفيذ مشروعات صديقة للبيئة بما يضمن الدخول في سلاسل قيمة مضافة جديدة، أخذاً في الاعتبار التجارب والمبادرات الإقليمية المعمول بها، والارتقاء بفكرة "صنع في أفريقيا" من خلال إنشاء نظام معلوماتي متكامل يشمل الموارد القارية المتاحة وربطها بسلاسل القيمة الإقليمية لتقليل الاعتماد على الواردات من الخارج، ولتعزيز التجارة البينية وزيادة تنافسية القدرات الصناعية، فضلا عن الاتفاق على مواصفات قياسية موحدة لضمان جودة المنتجات المتداولة داخل القارة.
بجانب الاستثمار في رأس المال البشري من خلال تعزيز مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية وتشجيع إنشاء شراكات مجتمعية قادرة على النهوض بالتجمعات الصناعية والحرفية اقتصاديا ومجتمعيا، وتطوير التعليم الفني والمهني بإدماج مفاهيم التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة لضمان تحقيق تنمية صناعية مستدامة، ومواجهة تأثيرات تغير المناخ ومحدودية مصادر المياه من خلال التركيز على التقنيات والتكنولوجيات البديلة في ترشيد موارد المياه واستخدامها، والاهتمام بقطاعات الشباب والمرأة ومتحدي الإعاقة.
كانت هناك توصيات بشأن تعزيز التكامل الصناعي بين الدول الأفريقية تتمثل في تطوير البنية الصناعية لدول القارة، خاصة في التجمعات والمناطق الصناعية بهدف رفع قدرتها التنافسية، وتحسين توزيع وإدارة مصادر الطاقة والمياه لهذه المناطق، وتعميم التجربة المصرية في تحديث منظومة القطاع الصناعي من خلال إنشاء مراكز لتحديث الصناعة في دول القارة تقدم خدمات تنمية الأعمال والتدريب الفني والمهني وخدمات الابتكار وريادة الأعمال لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصناعي في أفريقيا، فضلا عن دعم المؤسسات المتوسطة، والصغيرة ومتناهية الصغر من خلال التوسع في إنشاء تجمعات صناعية فعالة وتشجيع التكامل الصناعي الإقليمي.
وبشأن تفعيل دور الشمول المالي ، طالبت التوصيات بضرورة توفير دعم الصناعات المتوسطة، الصغيرة ومتناهية الصغر من خلال توفير الأدوات التمويلية الميسرة للمشروعات الصناعية والاستثمارات في أفريقيا، وبناء شراكات استراتيجية بين المؤسسات المالية والمنظمات الإقليمية وشركاء التنمية تساهم في رسم سياسات واضحة ومتكاملة للاستثمار بما يعزز من ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأفريقي، فضلا عن تعزيز دور المؤسسات المالية المحلية والإقليمية وشركاء التنمية في تصميم أدوات وخدمات مالية معتمدة على الابتكار والتكنولوجيا تساهم في الإسراع من وتيرة التكامل الصناعي الأفريقي، ومراجعة الجدول الزمني لإنشاء البنك المركزي الأفريقي والتوفيق بين برنامج التقارب لرابطة البنوك المركزية الأفريقية وبرنامج التقارب للمجموعات الاقتصادية الإقليمية.
خلال فترة رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، بذلت مجهودا كبيرا لفت أنظار العالم تجاه الأزمات والمشكلات التي تعاني منها القارة السمراء. واستضافت القاهرة اجتماعا رفيع المستوى لـ"الترويكا" الأفريقية ولجنة ليبيا، وناقشت القمة آخر التطورات على الساحة الليبية وسبل احتواء الأزمة وإحياء العملية السياسية في ليبيا والقضاء على الإرهاب، وذلك بمشاركة رؤساء رواندا وجنوب أفريقيا (عضوي ترويكا إدارة الاتحاد)، ورئيس الكونغو بصفته رئيسا للجنة المعنية بليبيا في الاتحاد، فضلاً عن مشاركة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى. كما استضافت القاهرة أيضًا قمة تشاورية للشركاء الإقليميين للسودان، والمنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد، ومنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، وأعمال اللجنة الوزارية المختصة للدفاع والأمن والسلامة الأفريقية والدورة العاشرة لمنتدى البريد الأفريقى. وقدمت مصر أفريقيا للعالم من خلال المؤتمرات والمحافل الدولية التي شارك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي متحدثا باسمها في الأمم المتحدة، وفى القمة الألمانية الأفريقية التي عقدت في برلين مستهدفة تعزيز التعاون الاقتصادي بين أفريقيا ودول مجموعة العشرين، من خلال مشروعات مشتركة تسهم في الإسراع بوتيرة النمو بالقارة السمراء، فضلا عن إنشاء صندوق لتشجيع الاستثمار بأفريقيا.
فى منتجع سوتشى الروسى، عقدت فعاليات المنتدى الاقتصادي الأفريقي الروسي الذي عقد لأول مرة على هذا المستوى في تاريخ العلاقات بين الجانبين بمشاركة 40 دولة، حيث قام الرؤساء المشاركون باعتماد إعلان ختامي يعكس المبادئ التي تم الإتفاق عليها وأهمها احترام قواعد القانون الدولي، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ وتحقيق السلم والأمن، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتسوية الصراعات بالطرق السلمية؛ ودعم أجندة التنمية الإفريقية 2063، 2030 ،وتدشين آلية وزارية لمتابعة الحوار والشراكة بين الجانبين. وفى العاصمة الصينية، عقدت قمة صينية إفريقية مصغرة على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، وأكد المشاركون فيها حرص مصر على القيام بدور فاعل وداعم لتحقيق الأهداف المرجوة من المشاركة بين الصين وأفريقيا والتركيز على أولويات التنمية في أفريقيا. وخلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية "تيكاد"، الذي عقد بمدينة يوكوهاما، تلك القمة رفيعة المستوى التي تنظمها اليابان سنويا لدعم أفريقيا وتطلعاتها التنموية، تم مناقشة أهمية التنمية الافريقية من خلال الشعوب والتكنولوجيا والابتكار والاستقرار بالقارة، ومواصلة جهود إصلاح مجلس الأمن الدولي. وممثلا عن قارة أفريقيا، شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اجتماعات قمة مجموعة السبع الكبرى، بمدينة "بياريتز" الفرنسية.
بهذا الشكل، تابعت مصر عن كثب شديد جهود الإصلاح التي تتبناها الدول الإفريقية، وعملت على تنفيذها، وهي إصلاحات تختلف أولوياتها المحلية وتتفق جميعها في أهداف مشتركة، لتحقيق تنمية مستدامة شاملة تستفيد منها الشعوب الإفريقية، وتسهم في رفع مستوى معيشتهم، وهو ما يدعو إلى مزيد من التعاون والتنسيق كي تتحول أفريقيا أرض الفرص الواعدة إلى أرض للنماء والازدهار. وخلال رئاستها للاتحاد الأفريقي طرحت مصر رؤية متكاملة للقارة الأفريقية من خلال إطلاق فرص الاستثمار التي تقدمها القارة الأفريقية في مختلف القطاعات، كما تعتبر مصر أن التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول الأفريقية عنصر حيوي لتحقيق أجندة التنمية الأفريقية 2063. كما تتمتع مصر بمقومات معلومة للجميع وفرص سانحة ودعم سياسي من قادة الدول الإفريقية وعلاقات قوية واتفاقيات تجارية واستثمارية وتجمعات اقتصادية قوية داخل القارة الإفريقية، ما يدعو المؤسسات الدولية والمستثمرين من أرجاء العالم لكي يساهموا في تنفيذ مشروعات مشتركة ويستفيدوا من قوة سكانية شابة وموارد متاحة وموقع جعل أفريقيا قلب العالم ونقطة الوصل بين قاراته.
عملت مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي مع أشقائها من الدول الإفريقية على ترجمة البرامج الإصلاحية إلى خطوات تنفيذية تحولها إلى واقع ملموس، حيث أنجزت إفريقيا في هذا الإطار خطوة تاريخية مهمة على طريق الاندماج الاقتصادي القاري تمثلت في دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية حيز النفاذ، وإطلاق أدواتها التنفيذية خلال قمة الاتحاد الإفريقي الاستثنائية بالنيجر يوم 7 يوليو 2019. وشهدت أيضا القارة إقرار خطوات استكمال تحرير التجارة والخدمات والانتهاء من قواعد المنافسة، وفض المنازعات وحماية الملكية الفكرية كركائز أساسية في فتح وضبط الأسواق؛ لتشجيع كافة المستثمرين من مختلف الدول للاستثمار في إفريقيا بهدف تحقيق المنفعة المشتركة.