ياسر بركات يكتب عن:صفقة القرن.. محاولة لإحياء ميت!
الأعلان عنها يأتى مع توقيت طلب نتنياهو حصانة برلمانية
الصفقة تشمل فرض السيادةالإسرائيلية على المستوطنات فى الضفة المحتلة
إعتبار بقية الأراضى الفلسطينية فى الضفة وقطاع غزة على أنها "فلسطين الجديدة"
بعد مرور أكثر من عامين على اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأول مرة خطة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، لا تزال الخطة تتعثر عند خط البداية. وأعلن مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي يوم الخميس دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه الرئيسي، بيني جانتس، إلى واشنطن الأسبوع المقبل لمناقشة "فرص السلام". ولم يرد أي ذكر للفلسطينيين الذين سارعوا للتحذير من أي تحرك أمريكي ينتهك القانون الدولي.
الرئيس الأمريكي أعلن أنّه يعتزم كشف خطّته للسلام في الشرق الأوسط قبل الزيارة التي سيُجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الثلاثاء. وقال ترامب لصحفيّين على متن الطائرة الرئاسية قبيل هبوطها في فلوريدا "على الأرجح سننشرها قبل ذلك بقليل". وأضاف "إنّها خطة ممتازة، أرغب فعلاً بالتوصّل إلى اتّفاق" سلام بين الدولة العبرية والفلسطينيين الذين لم تتم دعوتهم إلى الاجتماع المقرّر بين ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، والذين سارعوا إلى تأكيد رفضهم هذه الخطة. وفي القدس، قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي إنّ نتنياهو ومنافسه الرئيسي في الانتخابات بيني جانتس سيزوران واشنطن لمناقشة خطة السلام المنتظرة منذ أمد بعيد. وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت هناك اتصالات بين إدارته والفلسطينيين، أجاب ترامب بصيغة مبهمة. وقال "لقد تحدّثنا معهم بإيجاز"، من دون مزيد من التفاصيل. وأضاف "أنا واثق من أنّهم قد يردّون في بادئ الأمر بصورة سلبية لكنّ الخطّة في الحقيقة إيجابية للغاية بالنسبة لهم".
السلطة الفلسطينية استبقت تصريح ترامب بتجديد رفضها خطة السلام الأمريكية، وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيان "نؤكد مرة أخرى رفضنا القاطع للقرارات الأمريكية التي جرى إعلانها حول القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل، إلى جانب جملة القرارات الأمريكية المخالفة للقانون الدولي". وأضاف "نجدد التأكيد على موقفنا الثابت الداعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". وحذّر المسئول الفلسطيني من أنّه "إذا تمّ الإعلان عن هذه الصفقة بهذه الصيغ المرفوضة، فستعلن القيادة عن سلسلة إجراءات نحافظ فيها على حقوقنا الشرعية، وسنطالب إسرائيل بتحمّل مسئولياتها كاملة كسلطة احتلال". وقال أبوردينة إنه لم يتم أي حديث بينه وبين الإدارة الأمريكية "لا بإيجاز أو بإسهاب" حول ما يسمى بـ "صفقة القرن". وأضاف أبو ردينة، أن "الموقف الفلسطيني واضح وثابت وهو رفض قرارات واشنطن المتعلقة بالقدس وغيرها من القضايا، وبكل ما يتعلق بصفقة القرن المرفوضة".
الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال إنه لم يعد من الممكن اعتبار واشنطن وسيطا في أي محادثات سلام مع إسرائيل. ومنذ انتخابه، قام ترامب بسلسلة من التحركات التي أسعدت إسرائيل وأغضبت الفلسطينيين. يتضمن ذلك قراره عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ويخشى الفلسطينيون أن تبدد خطة ترامب آمالهم في إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ورفض عباس، الذي تمارس سلطته الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية، المشاركة في أي جهود سياسية مع إدارة ترامب.
الملاحظ هو أن عدداً من قادة تحالف "كحول لفان" بدأوا يمارسون ضغوطاً على زعيمهم، جانتس، لكيلا يقع في "كمين" ويمتنع عن السفر إلى البيت الأبيض للقاء ترامب الثلاثاء القادم. وقال مسئول كبير في هذا الحزب إن "ما يتكشف من أسرار حول كيفية نشوء هذه المبادرة، يدل على أنها خطة وضعها مساعدو نتنياهو وترامب معاً"، وإن "المبادر إليها هو السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون درامر"، وإن "توقيتها ليوم الثلاثاء المقبل حدد بشكل دقيق في اليوم الذي يبدأ فيه البحث في الكنيست حول طلب نتنياهو الحصول على حصانة برلمانية لتأجيل محاكمته".
كان نواب حزب نتنياهو، الليكود، قد بادروا إلى طرح مشروع لتأجيل البحث في حصانته، "حتى يتفرغ للمهمات الكبرى لتحديد مصالح إسرائيل الاستراتيجية"، كما قال رئيس كتلة الليكود البرلمانية، ميكي زوهر. وأضاف: "حزب كحول لفان يتصرف كمجموعة سياسيين صغيرين عديمي الخبرة ويلجأون إلى طرق صبيانية، في مواجهة عظمة نتنياهو. يشاهدونه وهو يجلب لإسرائيل خمسين زعيماً عالمياً ويشاهدونه وهو يتلقى دعوة فاخرة من الرئيس الأمريكي الأكثر قرباً من إسرائيل في تاريخ البلدين ويعرفون أنه يقدم لإسرائيل أفضل عرض سياسي لتحقيق السلام، وبعد كل هذا يحاولون إشغاله في قضايا تافهة يمكن تأجيلها بسهولة".
في المقابل، يتخبط حزب "كحول لفان" في التعاطي مع دعوة ترامب. واعترف أحد قادته البارزين في تصريحات لمراسل "معريب" السياسي، بن كسبيت، بأن "جانتس وقع في كمين خطير". وقال: "واضح أن فكرة الوصول إلى واشنطن في يوم الثلاثاء القادم، متذيلاً وراء نتنياهو، ليست بريئة وليس سهلاً التعامل معها. فهي فكرة تلائم عقلية نتنياهو. ولكنها تطرح باسم الولايات المتحدة. فإذا رفض جانتس سيعتبر موقفه صفعة للرئيس الصديق والحليف لأكبر وأقوى دولة في العالم. وسيظهر كقائد ضعيف أمام الإسرائيليين، لأنه كان قد قبل الدعوة ووعد بتلبيتها. وإذا وافق وذهب مع نتنياهو، سيبدو وجوده ثانوياً. لذلك فإن القرار صعب. ولا بد من وسيلة إبداعية توفر علينا العناء وتنقذنا من هذا المطب".
المهم هو أن نائب الرئيس الأمريكي قام بتسليم دعوة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومنافسه رئيس "كحول لفان"، للحضور إلى البيت الأبيض لإطلاعهما على مضمون الخطة الأمريكية لتسوية الصراع الإسرائيلي العربي المعروفة باسم "صفقة القرن". وقالت مصادر في تل أبيب إن اللقاء سيُعقد يوم الثلاثاء القادم، وهو اليوم الذي سيباشر فيه الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أبحاثه حول طلب نتنياهو الحصول على حصانة برلمانية تؤجل محاكمته بتهم الفساد.
المراسل السياسي للقناة 12 الإسرائيلية، عميت سيجل، قال إن نتنياهو سيطّلع على "الخطة السياسية الأفضل التي عُرضت على إسرائيل"، وأنها "تشمل إزاحة جدية للحدود"، حسب مصادره. وأوضح سيجل أن الخطة الأمريكية ستشمل فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة المحتلة، وفي حال رفض الطرف الفلسطيني الصفقة وفشل المفاوضات بين الطرفين لإقامة دولة فلسطينية، فإنه سيكون من حق إسرائيل ضم كل مستوطنات الضفة.
كان كبير مستشاري الرئيس ترامب وصهره جارد كوشنر، قد ألغى زيارة لإسرائيل حدد موعدها الخميس الماضي، بعد أن أعلن أنه سيأتي مع فريق السلام في البيت الأبيض لبحث موعد إطلاق هذه الصفقة. ولم يعطِ تفسيراً منطقياً لهذا الإلغاء، فيما قال أحد مرافقيه إن "السبب هو حالة الطقس"، لكنّ مصادر مقربة من السفارة الأمريكية في القدس الغربية، قالت إن السبب هو أن الرئيس ترامب أراد إعطاء الموضوع وزناً أكبر، إذ كلّف نائبه بتسليم الدعوة. واجتمع بنس، الخميس الماضي، مع جانتس ونتنياهو، كل على حدة. وسلمهما الدعوة.
مصادر سياسية في تل أبيب قالت إن السفارة الأمريكية في القدس تلقت عشرات الرسائل في الأسبوعين الأخيرين تحذرها من مغبة نشر الصفقة، "لأنها ستظهر كهدية لنتنياهو ضد جانتس وستبدو تدخلاً في المعركة الانتخابية لصالح رئيس حكومة في طريقه إلى الهاوية". وقد استفسر السفير ديفيد فريدمان من جانتس، ففاجأه الأخير بالقول: "بالعكس، أنا أؤيد نشر الصفقة قبيل الانتخابات". وأضافت المصادر أن نشر الصفقة سيكون هدية لجانتس لا لنتنياهو. إذ إن جانتس سيؤيّدها بلا تحفظ. فيما سيقع نتنياهو في مشكلة مع حلفائه في تكتل أحزاب اليمين المتطرف "يمينا"، الذين يعارضون أي صفقة تعيد للفلسطينيين شبراً من أراضي الضفة الغربية وتتحدث عن دولة فلسطينية.
وقال نفتالي بنيت، وزير الأمن ورئيس تحالف "يمينا"، إن كتلته التي تعتز بالعلاقات مع الولايات المتحدة وتكنّ بالغ الاحترام والتقدير للرئيس ترامب، ترفض مبدئياً التنازل عن أراضٍ إسرائيلية للفلسطينيين. وتدعو نتنياهو إلى توضيح هذا الموقف لواشنطن. وتطالبه بترجمة وعوده الانتخابية بضم غور الأردن وشمالي البحر الميت إلى إسرائيل وفرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، فوراً، وعدم الانتظار إلى ما بعد الانتخابات. وأعرب بنيت عن خشيته من أن تكون المبادرة الأمريكية لنشر صفقة القرن قبيل الانتخابات، عملاً مقصوداً للتخريب على إجراءات الحكومة الإسرائيلية لضم غور الأردن.
كان فريق السلام الأمريكي يخطط أصلاً لطرح الجزء السياسي من الخطة في الصيف الماضي، لكنه قرر الانتظار حتى تؤدي حكومة جديدة في إسرائيل اليمين. ومنذ ذلك الحين تعاني إسرائيل من أزمة سياسية وهي ذاهبة إلى انتخابات ثالثة في أقل من 11 شهراً. لذلك يقف فريق السلام الأمريكي بين خيارين صعبين: الأول هو إطلاق الخطة على الرغم من الجمود السياسي في إسرائيل، ما قد يضر بفرص نجاحها. والثاني هو الانتظار حتى الانتخابات الإسرائيلية في مارس، والتي قد تؤدي إلى طريق مسدود مرة أخرى. في هذه الحالة، يكون قد فات الأوان لإطلاق الخطة مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم. ويرى الأمريكيون أن تأخير نشرها، يترك فراغاً ينوي الأوروبيون ملأه بمبادرات من عندهم. وقد عبّر الأوروبيون عن موقفهم هذا في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، في بروكسل حيث ناقشوا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعملية السلام المجمدة على مدار السنوات الست الماضية. وأكدوا ضرورة كسر الجمود والدفع بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967 والاعتراف بدولة فلسطين، وهو الحل الذي ترفضه حكومة نتنياهو وكذلك إدارة الرئيس ترامب.
طرح الخطة قبل الانتخابات الإسرائيلية قد يعطي دفعة قوية لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه اتهامات بالفساد، وناشد الإدارة الأمريكية مساعدته. وتشير مصادر إلى أن الشق السياسي من خطة السلام يدعم نوايا إسرائيل بضم المستوطنات في الضفة الغربية، وربما أيضاً المستوطنات في غور الأردن، وتبرر ضمها باعتبارها خطوة ضرورة لحماية أمن إسرائيل، في حين يتم تصنيف بقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها أراضي دولة انتقالية أو "فلسطين الجديدة"، مع إعطاء الجانب الفلسطيني بعض الصلاحيات الإدارية المحدودة نسبياً. ولا يزال الغموض يكتنف وضع اللاجئين الفلسطينيين في إطار الخطة، وأيضاً ما يتعلق بالمنطقة "ج" وفقاً لاتفاقيات أوسلو.
حتى الآن، لم يُكشف إلا القليل من الخطة التي يتعين عليها معالجة قضايا استعصت على جهود صانعي السلام السابقين على مدار عقود من الزمن. وتشمل هذه القضايا: وضع القدس التي تضم مواقع مقدسة لدى اليهود والمسلمين والمسيحيين.. وضع حدود متفق عليها بين الجانبين.. وضع الترتيبات الأمنية لتهدئة مخاوف إسرائيل من هجمات الفلسطينيين وجيران معادين.. المطلب الفلسطيني بإقامة دولة، ووضع حد لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.. إيجاد حل لمحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.. ترتيبات لتقاسم الموارد الطبيعية الشحيحة، مثل المياه.. المطالب الفلسطينية بإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويعيش الآن أكثر من 400 ألف إسرائيلي بين نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، إلى جانب 200 ألف مستوطن آخر في القدس الشرقية.
ترامب ونتنياهو من أقرب الحلفاء. كما يواجه الرجلان مشاكل داخلية. فمن المرجح أن يتم اتهام ترامب بمحاولة صرف الانتباه عن مساءلته في الكونجرس بينما وجهت لنتنياهو تهم فساد في نوفمبر تشرين الثاني، مما وضعه في مأزق قانوني. وينفي الرجلان ارتكاب أي مخالفات. وكلاهما يواجه حملات انتخابية: فترامب يسعى لإعادة انتخابه، أما نتنياهو فقد فشل في تشكيل ائتلاف حاكم بعد جولتي انتخابات العام الماضي.
سقف التوقعات منخفض. فقد انهارت آخر محادثات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عام 2014. والمعضلة الكبرى هي حل الدولتين، وهي الصيغة الدولية المطروحة منذ فترة طويلة لإحلال السلام من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. وتؤيد الأمم المتحدة ومعظم الدول في جميع أنحاء العالم حل الدولتين، الذي بات ركنا أساسيا في أي خطة سلام لعقود. لكن إدارة ترامب رفضت باستمرار دعم حل الدولتين. وفي نوفمبر تشرين الثاني، خالفت سياسة أمريكية مطبقة منذ عقود عندما أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر مستوطنات إسرائيل على أراضي الضفة الغربية "مخالفة للقانون الدولي".
على الجانب الآخر، تعهد مسئولون فلسطينيون وفصائل فلسطينية بإسقاط ما يُعرف بـ"صفقة القرن" الأمريكية التي يفترض أن يعلن عنها الرئيس دونالد ترامب بعد ساعات ، محذرين من تجاوز "الخطوط الحمراء"، ومؤكدين أن ما وصفوها بـ"المؤامرة" لن تمر، في وقت ذكرت تسريبات أن خطة السلام الأمريكية تعطي الإسرائيليين "كل شيء" مقابل النذر القليل للفلسطينيين.