ياسر بركات يكتب عن: جواسيس تل أبيب وصلوا المحكمة الدولية ! .. مؤامرة لتعطيل محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب
منذ توصية باتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، بإجراء تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة والضفة الغربية، وهناك تحركات إسرائيلية لمنع إجراء هذه التحقيقات، خاصة بعد أن حذرت مجموعة من كبار خبراء القانون الدولي في تل أبيب، رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزرائه وكبار الجنرالات في الجيش، من احتمال قيام المحكمة، بإصدار أوامر اعتقال دولية "سرية" ضدهم، والسعي لاعتقالهم بشكل فعلي بشبهة ارتكاب جرائم حرب، في حال قررت المحكمة فتح تحقيق ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
تسيبي حوتوبيلي، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، كشفت الثلاثاء الماضي، عن خطة تديرها حكومتها بشكل سري ترمي إلى منع انعقاد جلسة لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، للبحث في توصية باتو بنسودا. وقالت حوتوبيلي، إنها لا تستطيع الكشف عن الطريقة التي ستمنع فيها المحكمة من الانعقاد، لكنها أكدت أنها "تستند إلى إجراءات سياسية وعدلية". وقالت، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية العبرية، إن "الكثير من الخبراء في القانون الدولي يؤكدون أن المحكمة لا تملك صلاحيات للبحث في القضية؛ لأن السلطة الفلسطينية التي رفعت الدعاوى ضد الحكومة الإسرائيلية لا تتمتع بأي صفة قانونية". وقالت: "السلطة ليست دولة ولن تكون دولة إلا إذا وافقت إسرائيل على ذلك. وواضح أن مثل هذه الممارسات العدائية الفلسطينية لا تساعد على تغيير وجهة النظر الإسرائيلية. بل إن إسرائيل وأصدقاءها الكثيرين في العالم سيعاقبون السلطة على توجهها العدائي هذا". وتابعت حوتوبيلي بلهجة تهديد واضحة: "الفلسطينيون سيندمون على توجههم إلى هذه المحكمة".
معروف أن السلطة الفلسطينية تؤكد أنها تحمل عدداً كبيراً من الاستشارات الدولية التي تقول، إن المحكمة ستنعقد وإن السلطة تملك صلاحيات طلب محاكمة إسرائيل؛ لأنها تعتبر دولة مراقب في الأمم المتحدة وغالبية دول العالم تعتبرها دولة. وتعتقد بأن الاستمرار الإسرائيلي في ممارسة جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، خصوصاً في مجال الاستيطان وإطلاق الرصاص على متظاهرين وقتلهم، حتى بعد صدور إعلان بنسودا، يلزم المحكمة بقول كلمتها الصارمة ضد حكومة إسرائيل. وكان مصدر سياسي إسرائيلي، قد قال لصحيفة "معريب"، إن الحكومة لا تشعر بالاطمئنان من موقف المحكمة، وما زالت تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناعها برفض توصية بنسودا. وقال: "ما زال هناك احتمال لأن يستجيب قضاة محكمة العدل الدولية بشكل إيجابي لطلب المدعي العام ويوافقوا على فتح التحقيق. وفي هذه الحالة، فإنه في غضون 90 يوماً، ستصدر أوامر اعتقال دولية ضد عدد من المسئولين الإسرائيليين، الذين تم تحديدهم على أنهم يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، أكان ذلك بسبب النشاطات العسكرية أو بسبب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلة".
المصدر السياسي الإسرائيلي قال: "لقد بذلت إسرائيل في السنوات الأخيرة جهوداً كبيرة لإقناع المدعي العام للمحكمة بعدم الشروع في التحقيقات، لكن تلك المحاولات لم تنجح. والآن، وبعد قرارها حول التحقيق، بدأت إسرائيل في اتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية لتعبئة أكبر عدد ممكن من الدول الصديقة، من أجل ممارسة الضغط على المحكمة لتجنب التحقيقات. وحتى الآن، تلقت إسرائيل رسائل إيجابية من عدد من الدول التي تدعم موقف إسرائيل، منها "الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا والمجر وألمانيا".
صحيفة اليمين "يسرائيل هيوم" نقلت عن "مصادر سياسية مطلعة"، قولها، إن هذا التحذير ورد بشكل رسمي خلال الجلسة التي عقدها نتنياهو للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية في حكومته (الكابينيت)، التي انعقدت الأربعاء الماضي، وتم الكشف عنها يوم الأحد. وأضافت، أن "الكابنيت" بحث في تبعات إعلان المدعية في محكمة لاهاي، فاتو بنسودا، عزمها فتح تحقيق بشبهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الفلسطينيين، إلى جانب التحقيق في عمليات نفذتها "حماس"، وبينها إطلاق صواريخ باتجاه مناطق مأهولة. وأكدت أن أوامر الاعتقال سارية يمكن أن تصدر في جميع الدول الأعضاء في محكمة العدل الدولية، وفي هذه الحالة، قد يتم احتجاز المسئولين الإسرائيليين أثناء تواجدهم في الخارج دون علمهم بوجود مذكرة توقيف بحقهم، وبالتالي، يُنصح بعدم زيارة هذه البلدان وفقاً للصحيفة الإسرائيلية.
حدث ذلك في الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب الإسرائيلية لمعركة برلمانية شديدة يتقرر فيها إن كان بالإمكان رفض طلب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، منحه حصانة برلمانية تعرقل محاكمته بثلاث تهم فساد. خاصة بعد أن أظهر استطلاع للرأي أن حوالي ثلثي الإسرائيليين (64 في المائة) يعارضون منح نتنياهو حصانة مقابل 36 في المائة يؤيدون منحها.
هذه النتيجة اعتبرها يائير لبيد، أحد زعماء حزب "كحول لفان"، مطابقة لموقف حزبه وقال إنه "في كل يوم يثبت أن الجمهور الإسرائيلي يريد مثلنا دولة سليمة يحاسب فيها القائد الفاسد ولا يعطى جوائز". ونصح لبيد نتنياهو أن يسحب طلبه الحصول على حصانة، "والتوفير على الجمهور والمؤسسات الحكومية والبرلمانية التوتر وحرق الأعصاب". وأضاف: "إصرار نتنياهو على الحصانة يؤكد أن المعركة الانتخابية ستتركز حول طابع الدولة اليهودية، هل تكون دولة فساد أو دولة قانون".
المعركة بين حزب الليكود ومعسكره اليميني من جهة وبين معسكر الوسط واليسار والعرب حول هذه القضية، من المتوقع أن تشتعل، فقد منح "كحول لفان" مهلة لرئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، يولي ادلشتاين، حتى يجمع الهيئة العامة للبت في تشكيل لجنة برلمانية تبحث في طلب نتنياهو الحصول على الحصانة. وقد أبلغه بأنه إذا لم يفعل، فستبدأ عملية الإطاحة به من منصبه". واتهمه بأنه "يحاول إجهاض البحث في موضوع الحصانة، لأنه يخاف من انتقام نتنياهو منه". وقال عوفر شلح، وهو قائد آخر في "كحول لفان" إن خطة نتنياهو هي أن يمرر هذا الأسبوع من دون بحث، وعندها تنشغل إسرائيل في استضافة أكثر من 40 زعيما عالميا سيحضرون المهرجان الدولي لإحياء الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتحرير معسكر الإبادة النازي "أوشفتس". واتهم شلح النائب ادلشتاين بالتواطؤ مع نتنياهو لعرقلة المسيرة الديمقراطية.
معروف أن هناك ثلاث لوائح اتهام ضد نتنياهو تتهمه بتلقي رشى وبالاحتيال وخيانة الأمانة، لكنه يعرقل انعقاد المحكمة لأنه طلب حصانة برلمانية. وحسب القانون لا تستطيع النيابة أن تبدأ المحكمة إذا طلب رئيس الوزراء حصانة، حتى يبت الكنيست في الموضوع. لكن نتنياهو يحاول اليوم عرقلة البحث في الحصانة، وذلك في لعبة مكشوفة لكسب الوقت؛ خصوصاً أنه يعرف أن هناك أكثرية 65 (من مجموع 120 نائبا) تؤيد سحب الحصانة والمباشرة في محاكمته.
استطلاعات الرأي الإسرائيلية تبين تناقضا في النتائج، هذه الأيام. فبعد أن دل استطلاع نشرته، يوم الجمعة، صحيفة "معريب" يقول إن معسكر اليمين سيخسر مقعدا (من 55 إلى 54 مقعدا) مقابل معسكر الوسط اليسار والعرب الذي يرتفع من 57 إلى 58 مقعدا، جاءت نتائج استطلاعات القنوات التلفزيونية الثلاث مختلفة. فقالت القناة 12 إن اليمين يتغلب على اليسار 57:55، والقناة 13 قالت إن النتيجة ستبقى كما كانت في الانتخابات الماضية 57:55 لصالح اليسار فيما قالت القناة 11 إن المعسكرين سيتساويان 56:56 مقعدا. وفي التفاصيل يخسر الليكود مقعدين (من 32 إلى 30) حسب "معريب" بينما يرتفع "كحول لفان" من 33 إلى 34 مقعدا، وحسب استطلاعات التلفزيون يتراوح "كحول لفان" ما بين 34 و36، بينما يتراوح الليكود بين 30 و32 مقعدا.
والأمر الذي تجمع عليه كل الاستطلاعات هو أن حزب اليهود الروس "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيجدور ليبرمان سيحافظ على قوته (8 مقاعد) ومكانته كلسان ميزان وأن "القائمة المشتركة" (التي تضم الأحزاب العربية) ستحافظ على قوتها (13 مقعدا) ولكن هناك استطلاعا يعطيها مقعدا إضافيا على حساب الأحزاب اليهودية.
تصاعد الجدل حول الوجود الأمريكي في العراق
في حين أكد المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء الركن عبد الكريم خلف أن "الانسحاب الأمريكي من العراق يشمل كل الأراضي العراقية، بما في ذلك إقليم كردستان"، فإن تصريحات مسعود بارزاني بدت حادة، من خلال تأكيده على أن "القرار الذي اتخذه البرلمان لم يكن قراراً جيداً، وأن الكرد والسنة لم يشاركوا فيه. إضافة إلى أنه يشكل سابقة سيئة، حيث اتخذ القرار من قبل الكتلة الشيعية، دون التشاور مع أي من المكونات الرئيسية لهذا البلد: الكرد والسنة العرب"، مبيناً أنها "كانت خطوة حاسمة للغاية تم اتخاذها دون السعي للحصول على إجماع، وبالتالي تنتهك روح الدستور العراقي".
باستثناء مسعود بارزاني الذي لا يحتل منصباً رسمياً الآن في إقليم كردستان، فإن معظم جيل القيادات الذي كان يوصف بجيل التحالف التاريخي بين الكرد والشيعة على عهد صدام حسين غادر المشهد موتاً أو انزواءً نتيجة التحولات التي عصفت بالعراق بعد احتلاله من قبل الأمريكيين عام 2003.
المؤسسون الكبار لهذا التحالف الذي كتب الدستور بإرادة الطرفين، وتهميش بدا مقصوداً للعرب السنة، رحلوا جميعاً بدءاً من آية الله محمد باقر الحكيم، وأخيه عبد العزيز الحكيم، وجلال طالباني، وأحمد الجلبي، ومحمد بحر العلوم. اتفاق الطرفين على تمشية الدستور الذي كان للأمريكيين والأمم المتحدة، عبر مبعوثها الأخضر الإبراهيمي، دور كبير في صياغته بألغامه التي لا تزال مستمرة بالانفجار، لم يمنع من حصول خلافات كثيرة بينهما، كان أبرزها -ولا يزال- المادة (140)، الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها. وبوجود من كان قد تبقى من تلك القيادات التي توصف بـ"التاريخية"، مثل عبد العزيز الحكيم (توفي 2009) وجلال طالباني (توفي 2013)، كانت الخلافات تنتهي دائماً بالتسويات التي يحكمها مبدأ عاطفي، وهو "زاد وملح" فترة المعارضة التي وحدتهم ضد صدام حسين قبل إسقاطه عام 2003 بإرادة أمريكية.
بعد 16 عاماً، بدا أن الأوضاع اختلفت تماماً، حتى بالنسبة للأمريكيين الذين تطور صراعهم مع إيران إلى الحد الذي أنهى كل التحالفات السابقة، وبدأ بتشكيل اصطفافات جديدة. الانسحاب الأمريكي من العراق بقرار شيعي منفرد من قبل البرلمان العراقي بدا أنه القشة التي قصمت ظهر هذا التحالف، انطلاقاً من الوصف الذي استخدمه رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، في تصريحاته لموقع "المونيتور"، وهي عبارة "سابقة سيئة" تعني أن كل السوابق التي سبقت هذا القرار كانت ضمن مستوى التحالفات والعلاقات، حتى إن ترنحت طوال السنوات الماضية على وقع خلافات كثيرة.
بارزاني أشار إلى أن "السؤال الذي يجب أولاً معالجته هو: لماذا القوات الأمريكية موجودة هنا؟ إنهم هنا بناء على دعوة من الحكومة العراقية في عام 2014، وبالتشاور مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عندما كان (داعش) على مشارف بغداد"، وأضاف: "السؤال الثاني هو: هل الوضع الحالي في العراق يبرر انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف بالنظر إلى مهمتها، وهي المساعدة في هزيمة (داعش)؟ نحن حكومة إقليم كردستان نشعر بالقلق لأن الإجابة (لا) بوضوح، حيث تشير جميع المعلومات الاستخباراتية إلى أن (داعش) أعاد تجميع نفسه، وأنهم يقومون بهجمات ضد أهداف عراقية بشكل يومي. ومن هنا، فإن مصلحة كردستان تهم القوات الأمريكية بقدر ما هي في صالح العراق بأسره".
وفي سياق ذلك، كشف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، أن "وجود القوات الأمريكية جاء بناء على مذكرة تم رفعها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تدعو إلى تشكيل تحالف لمساندة القوات العراقية في مواجهة عصابات (داعش) الإرهابية التي كانت تهدد المنطقة بأجمعها، وتمت الموافقة على ذلك"، مضيفاً أنه "بعد الانتصار على عصابات (داعش)، قدم العراق طلبات بخروج تلك القوات، وفق مذكرة قدمها وزير الخارجية السابق إبراهيم الجعفري لإنهاء عمل التحالف، وأكد أن العراق لن يترتب عليه أي التزام مالي وسياسي". وأوضح خلف أن "قرار إخراج القوات الأجنبية هو قرار سيادي، ويشمل جميع الأراضي العراقية، بما فيها إقليم كردستان، لأنه جزء من العراق. كما أن الإقليم لا مشكلات له بهذا الخصوص".
بينما يتصاعد هذا الجدل، رفضت قيادة القوات الدولية للتحالف ضد "داعش" وكذلك وزارة الدفاع الأمريكية تأكيد الخبر الذي نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين، أن الولايات المتحدة استأنفت، الأربعاء، عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات العراقية، بعد توقفها في أعقاب مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني الجنرال قاسم سليماني بغارة جوية أمريكية في بغداد مطلع الشهر.
البنتاجون في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أمريكية ألا خطط لديه لسحب القوات أو خفضها الآن في العراق. وكانت "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولَيْن عسكريين قولهما إن البنتاجون "يريد أن يستأنف في أسرع وقت ممكن التعاون مع الجيش العراقي في مجال إعادة مكافحة تنظيم (داعش)، كيلا يستغل التنظيم الوضع الراهن ويعيد تفعيل عملياته". وكانت واشنطن أوقفت العمليات العسكرية المشتركة مع العراق في 5 يناير الحالي، أي بعد يومين من مقتل سليماني. وهدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على العراق إذا قرّرت بغداد إخراج الجنود الأمريكيين البالغ عددهم 5200 جندي من دون اتفاق وتفاهم مع الولايات المتحدة.
رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي قال أنه لا خطط حالية لدى واشنطن لمناقشة سحب القوات الأمريكية من العراق. وعاد وأكد الاثنين الماضي خلال ندوة في ولاية كاليفورنيا أن جميع قادة العراق أبلغوه في مجالس خاصة أنهم يؤيدون الوجود العسكري الأمريكي في بلدهم على رغم مطالباتهم العلنية بخروج الجنود الأمريكيين. غير أنّ بومبيو لم يستبعد خفض عدد الجنود في مرحلة لاحقة، تماشيا مع رغبة الرئيس ترامب الذي دائماً ما يؤكد عزمه على الانسحاب من "مناطق النزاع المكلفة والحروب التي لا تنتهي" في الشرق الأوسط.