ياسر بركات يكتب عن: الأزهر الشريف : هذا فساد فى الأرض
موقف الأزهر الشريف ثابت تجاه كل من يخرج على المنهج الأزهري الوسطي، ولا يسمح لأحد الخروج بما يتناقض مع ما هو معروف عن الأزهر من سماحة واعتدال. وفي إطار جهود الأزهر والإمام الأكبر لمواجهة الأفكار المتطرفة وتصويب المفاهيم المغلوطة، تم إطلاق نظام تعليمي جديد، يتماشى مع مقتضيات قضية تجديد الخطاب الديني. وطالبت هيئة كبار العلماء باتخاذ عقوبات فورية لمن يخرج عن المنهج الوسطي. ويواصل الأزهر التحضير لمؤتمره العالمي حول "تجديد الفكر والعلوم الإسلامية" يومي 27 و28 يناير الجاري، الذي سينعقد بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونخبة من كبار القيادات والشخصيات السياسية والدينية البارزة على مستوى العالم.
الرئيس السيسي يدعو دائما إلى ضرورة بدء تنفيذ إجراءات ملموسة لإصلاح الخطاب الديني، في مواجهة الآراء الجامحة والرؤى المتطرفة. ووفق هذا التصور يأتي مؤتمر الأزهر العالمي حول تجديد الفكر الذي يهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة التي علقت بأذهان البعض، إضافة إلى تحصين الشباب من أفكار التنظيمات المتطرفة. ووفق هذا التصور أيضًا جرى اعتماد السلم التعليمي الذي يُعد خطوة مهمة من الخطوات التي يقوم بها الأزهر لمواجهة ومحاربة الأفكار المتطرفة الهدامة. إذ اعتمد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الخميس الماضي، نظاماً تعليمياً يطلق عليه "السلم التعليمي" بأروقة الأزهر.
مشيخة الأزهر ذكرت، في بيان، إن "النظام الجديد يهدف إلى نشر الفكر الوسطي الصحيح، من خلال فتح نوافذ جديدة لتدريس المنهج الأزهري، لتحصين العقول ضد الأفكار الهدامة، وضبط لغة الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم المغلوطة". وقالت هيئة "كبار العلماء" إن "صناعة التجديد صناعة دقيقة، لا يقوى عليها إلا الراسخون في العلم، وللأزهر العديد من الجهود في مجال تجديد العلوم والدعوة، كما نظّم الكثير من الأنشطة والفعاليات في ذلك الشأن". كما قررت الهيئة، الخميس، "إنشاء لجنة ثقافية تتكفل بإعادة استئناف الموسم الثقافي بجامعة الأزهر، ومدينة البعوث، والمدن الجامعية بالأزهر، وإتاحة الوسائل التي تساعدها في مواجهة كل فكر يناقض وسطية وسماحة المنهج الأزهري، والعمل على تعرية أصحابه ومروجيه".
الأزهر الشريف، جامع وجامعة، منذ إنشائه على يد جوهر الصقلي عندما بنى القاهرة الفاطمية سنة 970 ميلادية. وحسب بيان المشيخة، فإن السلم التعليمي الجديد قام على مراجعته أساتذة من التخصصات كافة، ويأتي متماشياً مع مقتضيات التجديد دون العبث بالتراث، من خلال ثلاث مراحل هي: المرحلة التمهيدية وتهدف إلى الوقوف على مبادئ العلوم الشرعية والعربية، والمرحلة المتوسطة وتهدف إلى استكمال وتأصيل لما سبق تعلمه في المرحلة التمهيدية. وتتكون المرحلتان الأولى والثانية من مستويين كل مستوى ستة أشهر يعقبه امتحان شفهي وتحريري. فيما تهدف المرحلة الأخيرة إلى التخصص في مجال العقيدة، والحديث والتفسير، والفقه وأصوله، واللغة العربية، على أن يخضع كل مجال لأربعة مستويات، تستمر دراسته ستة أشهر.
فكرة الأروقة بالجامع الأزهر، ارتبطت بأن الأزهر كجامعة، أفرد لكل جنسية وأهل إقليم من طلابه الذين وفدوا إليه من شتى بقاع العالم العربي والإسلامي (رواقاً) يقيمون فيه إقامة دائمة بالمجان طوال السنوات التي كانوا يقضونها في تحصيل العلوم في رحابه، وهي أماكن للإعاشة الكاملة بالمجان. وكانت 16 رواقاً لغير المصريين يحمل كل واحد منها اسم أبنائه مثل "الشوام، والأكراد، والهنود والمغاربة"، إضافة إلى 12 رواقاً لأبناء المحافظات المصرية.... وكانت العلوم التي تُدرس في الجامع الأزهر تزيد على عشرين فرعاً، وتطورت فكرة الأروقة فيما بعد، وأنشأت مصر مدينة البعوث الإسلامية عام 1959.
مما يُحسب للأزهر الشريف أيضا، أن طالبت هيئة كبار علمائه دول العالم بمنع التدخل الأجنبي في دولة ليبيا الشقيقة. وقالت الهيئة، في بيان، إنه انطلاقًا من مسؤوليتها تجاه العالم العربي والإسلامي، عقدت اجتماعًا طارئًا، يوم السبت، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، لمناقشة الأحداث الأخيرة التي تمر بها ليبيا الشقيقة، وأكدت الهيئة على أن أي تدخل خارجي على الأراضي الليبية هو فساد في الأرض ومفسدة لن تؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الأوضاع في ليبيا وإراقة المزيد من الدماء وإزهاق الأرواح البريئة. وطالبت الهيئة العالم أجمع وفي مقدمته الدول الإسلامية والمؤسسات الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدولي منع هذا التدخل قبل حدوثه؛ ورفض سطوة الحروب التي تقود المنطقة والعالم نحو حرب شاملة.
الهيئة شددت أيضًا على رفضها منطق الوصاية الذي تدعيه بعض الدول الإقليمية على العالم العربي، وتتخذه ذريعة لانتهاك سيادته، والتأكيد على أن حل مشكلات المنطقة لا يمكن أن يكون إلا بإرادة داخلية بين الأشقاء. ووجهت الهيئة الدعوة لجميع الأشقاء الليبيين إلى تغليب صوت العقل والحكمة ورفض الاستقواء بالخارج؛ لما يمثله ذلك من تدمير لمستقبل ليبيا وتفتيت لوحدة ترابها، وتمزيق أواصر الأخوة بين أبنائها.
بشكل واضح وحاسم أعلنت هيئة كبار العلماء دعمها للموقف المصري وثمنت حفاظه على أمن مصر وسلامتها، وأمن المنطقة بأكملها، وتحليه بأقصى درجات الدبلوماسية، مؤكدة أن هذا الموقف ليس بجديد على مصر التي كانت ولا تزال سداً منيعاً ضد العبث بأمن الشعوب العربية والإسلامية وسلامتها. وأخير أعرب أعضاء الهيئة عن أملهم في انتهاء هذا الصراع, داعين الله أن يحفظ مصر والمنطقة العربية وشعوبها، وأن ينعم عليها بالأمن والسلام، وأن يجنبنا جميعا مخاطر الحروب وويلات النزاعات التي يجب تجنبها بكل وسيلة ممكنة.