ياسر بركات يكتب عن: التفاصيل الكاملة لعملية اصطياد قائد الحرس الثورى ..أيام سليمانى فى القاهرة
- دخل مصرسرا وبجواز سفر مزور
- جاء بدعوة من خيرت الشاطر لتشكيل حرس ثورى يحمى المعزول مرسى
ـ خلال إجتماعة مع الشاطر فوجئ سليمانى بتسريبات كاملة على هاتفة المحمول لتحركاته فى مصر !
- أخبر قيادات الإخوان بما حدث وقطع أجتماعة وقرر المغادرة على الفور
أربكت عملية اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي ، بقصف أمريكي صاروخي ، فجر الجمعة ببغداد، حسابات المنطقة والعالم، بعد التداعيات التي عكستها الضربة المفاجئة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
الضربة رفعت التوقعات باقتراب المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران وأذرعها بالمنطقة من جهة أخرى، وسط تهديدات أصدرها مجلس الأمن القومي الأعلى بإيران من أن الرد "سيشمل كل المنطقة"، ما يعني فتح التوقعات على جميع السيناريوهات. كما تخشى أوساط دولية من أن تؤدي عملية الاغتيال لإشعال فتيل حرب ضارية بالمنطقة، ستؤثر دون شك على إمدادات النفط والغاز، مع رفع العديد من دول المنطقة وتحديدا الخليجية منها، حالة التأهب، وسط ترقب وخوف من أن تطال ضربات الرد الإيرانية دولا مجاورة.
لم تكن خطة اغتيال الجنرال قاسم سليماني وليدة الظروف الحالية والهجمات على مقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، وإنما خرجت، كما يقول محللون أمريكيون، من أدراج القادة العسكريين في "البنتاجون" وتم تحديثها وفق التقارير الاستخباراتية التي تتابع تحركات هذا الجنرال الذي يعد المسؤول الأول عن ملف السياسات الخارجية الإيرانية في دول عدة بالمنطقة. وعادة ما يكون لدى الوكالات الأمنية والعسكرية الأمريكية ملفات طوارئ تتضمن استهداف أشخاص معينين أو التدخل عسكرياً في بلد ما، لكن لا يتم تفعيلها سوى بعد صدور أمر من القيادة الأمريكية بذلك. ويُرجّح أن قتل سليماني كان بالفعل إحدى خطط الطوارئ الأمريكية، وتم تنفيذها عندما أمر الرئيس دونالد ترامب بها.
سليماني، زار مصر سنة 2013، والتقى بعدد من قيادات الإخوان أبرزهم خيرت الشاطر في مدينة نصر ومنطقة التجمع شرق القاهرة، والأقصر جنوب مصر. ودارت هذه اللقاءات حول كيفية تشكيل حرس ثوري تابع للرئاسة المصرية، بقيادة المعزول محمد مرسي، يكون بديلاً للأجهزة الأمنية المصرية وموالياً للإخوان. غير أن الأجهزة الأمنية المصرية رصدت هذه اللقاءات، وعلمت بتفاصيلها، وكانت التفاصيل تتضمن تشكيل الحرس الثوري من طلبة كليات التربية الرياضية وكليات الحقوق وتدريبهم لمدة 6 أشهر، في أكاديمية الشرطة، ثم إلحاقهم بعد ذلك للعمل في حماية المنشآت والمقار الإخوانية، ومواجهة قوات الجيش والشرطة، والتمهيد للإطاحة بكافة العناصر غير الموالية لهم في الأجهزة الأمنية وإحلال هؤلاء مكانهم.
الأجهزة الأمنية رصدت المخطط كاملا، وأحيطت بتفاصيله بالصوت والصورة، وتعاملت معه بما يجب، حيث ألغت قرار الحكومة الإخوانية بالسماح للإيرانيين بزيارة مصر ضمن أفواج سياحية، وحذرت قيادات الإخوان من المضي قدما في هذا الأمر، رافضة تشكيل أجهزة أمنية بديلة للأجهزة الأمنية المصرية الرسمية.
دخل سليماني مصر سراً -كما يقول مصدر أمني- منتحلا صفة سائح إيراني وبجواز سفر مزور، والتقى ومعه قيادات من الحرس الثوري الإيراني بقيادات الإخوان، واتفق معهم على تفاصيل المخطط، كما اتفق معهم على كيفية إعادة هيكلة وزارة الداخلية المصرية، والأجهزة الأمنية الأخرى، لكن حدث له ما لم يتوقعه. فخلال اجتماعه مع خيرت الشاطر، فوجئ سليماني بفيديو لاجتماعاته مع قيادات الإخوان وجوازات سفره المزورة التي دخل بها مصر، على هاتفه الشخصي، كما فوجئ برسالة ضمنية مفادها أن لقاءاته مرصودة بالصوت والصورة وأن دخوله مصر كان مرصوداً وموثقاً. وأصابت المفاجأة سليماني بالدهشة والذهول وأخبر قيادات الإخوان بما حدث -ووفق ما يقول المصدر الأمني- قطع سليماني اجتماعه وقرر المغادرة على الفور ومعه الفوج السياحي الذي رافقه، وكان يضم عددا من قيادات الحرس الثوري ومن بعدها لم يزر مصر مرة أخرى.
عملية اصطياد قاسم سليماني مرت بمراحل كثيرة، على مدار السنوات الماضية، بعدما أصبح هدفاً أمريكياً منذ بروز أدواره، وتوسع أنشطة قواته في عدد من دول المنطقة. وسبقت عملية الاستهداف محاولات أمريكية سابقة لتتبع تحركات الرجل، الذي كان يُحيط نفسه بقدر من السرية في تنقلاته الخارجية، خصوصاً بعدما برز الجنرال الإيراني بعد غزو العراق في 2003، قبل أن يتوسع دوره مع انطلاق الثورة السورية.
كان سليماني لا يظهر في العلن، إلا في احتفالات المحاربين القدماء، أو لمقابلة مرشد الثورة الإيرانية، بحسب ما ذكرته صحيفة "النيوزويك" الأمريكية في تقرير سابق لها. وكان أبرز محاولات التتبع الأمريكية تجاه سليماني، عقب الغزو الأمريكي في العراق، التي كادت تصل إلى مبتغاها، قبل أن تفشل في إنجاز المهمة، بعدما "ابتلع الظلام سليماني وأعوانه كما لو كانوا أشباحاً".
تعود وقائع هذه المحاولة لعام 2007، حين نجحت القوات الأمريكية في مراقبة موكب يخترق الحدود الإيرانية مع شمال العراق عام 2007، وعلى متن إحدى عرباته قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، بحسب حديث سابق للجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال، المشرف على قيادة العمليات الخاصة المشتركة في العراق بين 2003 و2008، لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
كاد ماكريستال، الذي ألقت قواته القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين ثم قتلت مؤسس تنظيم "داعش" أبو مصعب الزرقاوي، أن يصل لهدفه "الثمين" في هذه الفرصة "النادرة"، قبل أن تتبدد هذه المحاولة عقب اختفاء سليماني وأعوانه عقب دخولهم مدينة أربيل. وأعرب، آنذاك، عن حسرته على ضياع فرصة رآها نادرة. وبحسب القائد الأمريكي، فإن استهداف سليماني كانت له أسباب منطقية، أبرزها مقتل مئات الجنود الأمريكيين من القنابل التي زرعتها قوات سليماني في الطرق بجميع أنحاء العراق. ويقول عنه ماكريستال: "حولت براجماتيته الداهية الوحدة (فيلق القدس) إلى عنصر مؤثر رئيسي في المجالات الاستخباراتية والمالية والسياسية خارج حدود إيران".
بعد هذه المحاولة الأقرب للوصول لسليماني، ظلّت القوات الأمريكية تتبعه، وتتحين الفرصة المناسبة للوصول له، حتى تهيأت، فجر الجمعة، بضربة أمريكية لطائرات من دون طيار، استهدفت موكباً كان يقله هو ومستشاره في العراق، نائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، لتكتب هذه المحاولة نهاية الرجل الذي كان يستعدّ للعب دور أكبر، كمشروع رئيسي للجمهورية.
واشنطن أكدت مسئوليتها عن تنفيذ الضربة، عبر بيان للبنتاجون أكد فيه ،الجمعة، أن الرئيس، دونالد ترامب، "هو من أصدر تعليمات تنفيذ عملية قتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من خلال غارة جوية بالعراق". وأوضح البيان أن سليماني وفيلق القدس، "مسئولان عن مقتل مئات الجنود الأمريكيين، وأن سليماني كان يخطط بشكل فعال لتنفيذ هجمات ضد الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين بالعراق، ودول المنطقة". ودعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فور إعلان الاغتيال إيران إلى التفاوض ضمنيا، وذلك في تغريدة له . كتب ترامب في صفحته بموقع تويتر، أن إيران لم تفز يوما في الحرب، لكنها لم تخسر في المفاوضات أبدا، في دعوة ضمنية إلى دعوة الإيرانيين للجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض. واعتبر ترامب أن سليماني كان يجب أن يُقتل "قبل سنوات عدة"، وتابع في تغريدة أخرى: "الجنرال قاسم سليماني قتل أو أصاب آلاف الأمريكيين بجروح بالغة على فترة طويلة وكان يخطط لقتل عدد أكبر بكثير... لكنه سقط!".
المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، نعى سليماني، معلنا الحداد العام لثلاثة أيام، ومقررا تعيين الجنرال "إسماعيل قاآني" قائدا جديدا لفيلق القدس خلفا لسليماني. وتوعد خامنئي، في تصريح نشرته وكالة أنباء فارس، "بتنفيذ رد قاس" على اغتيال سليماني، مؤكدا أن "الشهيد سليماني هو الشخصية الدولية للمقاومة، وإن كل من يهوى المقاومة سيثأر له". كما أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على أن بلاده ستنتقم لاغتيال سليماني، مضيفا:"استشهاد سليماني سيجعل إيران أشد حزما في مقاومة التوسع الأمريكي والدفاع عن قيمنا الإسلامية".
أعلى هيئة أمنية بإيران، هددت الولايات المتحدة بانتقام قاس عقب الاغتيال، مؤكدة على أن واشنطن ارتكبت خطأ استراتيجيا كبيرا لها بغرب آسيا. وشدد المجلس الأعلى للأمن القومي (أعلى هيئة أمنية) بإيران في بيان، أن "الهجوم على سليماني أكبر خطأ استراتيجي ترتكبه أمريكا وسيكون وبالا عليها". وأضاف مهددا أن هناك "انتقاما قاسيا ينتظر المجرمين الذين يقفون وراء اغتيال سليماني"، محملا الولايات المتحدة المسئولية الكاملة عن عواقب عملية الاغتيال. وأشار إلى أن الرد على اغتيال سليماني سيشمل المنطقة بأسرها، وأن الولايات المتحدة ستدفع ضريبة غالية، لن تنجو منها بسهولة. وبدورها قالت قيادة الجيش الإيراني في بيان "إن انتقاما قاسيا ينتظر مصدري أوامر ومنفذي جريمة الاغتيال، وسيجعلهم يندمون على جريمتهم النكراء". كما صرح وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، بأن القوات المسلحة الإيرانية "ستنتقم من مسببي ومنفذي عملية اغتيال".
قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، حث بلاده على خوض حروب بالوكالة عبر الشرق الأوسط، ما أدى إلى اعتباره مرشحاً محتملاً لخلافة المرشد علي خامنئي. ومثل مقتله يوم الجمعة، في ضربة جوية أمريكية استهدفت موكبه في مطار بغداد، نهاية رجل كان يشار إليه بالبنان في بلاده. وأصبح منذ دخول الميليشيات الإيرانية إلى العراق في 2003، تدريجياً اسم الرمز لتمدد الإيراني المتمثل بتصدير الثورة في منطقة غرب آسيا.
نفوذ سليماني داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية أصبح واضحا في 2019 عندما منحه خامنئي "وسام ذو الفقار"، وهو أعلى تكريم عسكري في إيران. وكانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذا الوسام منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
نشأ سليماني صاحب الصوت الخافت في أسرة بسيطة تعمل بالزراعة في بلدة رابور في جنوب شرقي إيران، حيث ولد في 11 مارس 1957. وفي الثالثة عشرة من عمره سافر إلى كرمان وعمل في مجال البناء لمساعدة والده في سداد ديونه، وذلك وفقاً لما قاله سليماني نفسه في تقرير نشر على موقع "ديوا برس" المتخصص في تاريخ الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت 8 سنوات. وعندما أطاحت الثورة الإسلامية بالشاه في 1978، كان سليماني يعمل بدائرة المياه في بلدية كرمان ونظم مظاهرات احتجاج على الشاه. وتطوع سليماني في الحرس الثوري بعد تفجر الحرب مع العراق عام 1980 وسرعان ما ترقى في صفوفه، ثم شارك في محاربة مهربي المخدرات على الحدود مع أفغانستان.
مسئول عراقي ثانٍ قال : "سليماني مستمع رائع. فهو لا يفرض نفسه. لكنه يحصل على ما يريد على الدوام".
وفي ذروة الحرب الأهلية العراقية في 2007، اتهم الجيش الأمريكي "فيلق القدس" بتزويد الفصائل الموالية لإيران بعبوات ناسفة تسببت في مقتل كثير من الجنود الأمريكيين. ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسئول مخابراتي عراقي رفيع ذات مرة للمسئولين الأمريكيين في العراق، أن الجنرال سليماني يصف نفسه بأنه "السلطة الوحيدة المخولة بمتابعة المصالح الإيرانية في العراق". وكان المسئولون الأمريكيون في العراق وغيرهم يعدّون الجنرال قاسم سليماني خصماً كبيراً يُحسب له الحساب. كما كان السفير الأسبق كروكر قد قال عنه ذات مرة: "بالنسبة إلى قاسم سليماني، لم تنتهِ الحرب العراقية - الإيرانية حتى الساعة. ولا يمكن لأي إنسان شهد هذا الصراع شديد القسوة والفظاعة ولا يتأثر به إلى الأبد. وكانت غايته الاستراتيجية تتمثل في تحقيق الانتصار النهائي على العراق، وإن لم يكن ذلك ممكناً، فلا محيد عن إضعاف العراق وإسقاطه".
سليماني لعب دوراً محورياً في الأمن العراقي من خلال الفصائل المختلفة، حتى إن الجنرال ديفيد بتريوس القائد العام للقوات الأمريكية في العراق في ذلك الوقت بعث برسائل إليه عن طريق مسئولين عراقيين، وفقاً لما ورد في برقيات دبلوماسية نشرها موقع "ويكيليكس". وبعد الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في شمال العراق، أصدر سليماني تحذيراً للقيادات الكردية أدى إلى انسحاب مقاتلين من مواقع متنازع عليها وسمح لقوات الحكومة المركزية بتأكيد سلطتها. ويقال إنه كان صاحب نفوذ أكبر في سوريا. وكانت زيارته لموسكو في صيف 2015 أول خطوة في التخطيط للتدخل العسكري الروسي الذي غيّر شكل الحرب السورية وصاغ تحالفاً إيرانياً روسياً جديداً لدعم الأسد. وجعل نشاطه هدفاً متكرراً لوزارة الخزانة الأمريكية، إذ فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب دعم فيلق القدس لجماعة حزب الله اللبنانية وفصائل أخرى مسلحة ولدوره في الرد السوري العنيف على المحتجين وما تردد عن دوره في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، عادل الجبير في 2011. وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية سليماني على قائمة العقوبات.
في الصيف الماضي، دخل سليماني في سجال بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، إثر تفاقم التوتر بين الجانبين. وخاطب ترامب قائلاً: "نحن قريبون منكم، وبدرجة لا يمكنكم أن تتصوروها". وكان الجنرال الإيراني، الذي ظل من الشخصيات الغامضة على نحو كبير، يحظى بمكانة المشاهير داخل إيران، مع أنه من الشخصيات المثيرة للاهتمام لدى مختلف الناس داخل البلاد. وليس فقط لأنه كان قائداً لجهاز استخباراتي خارج الحدود الإيرانية ومسئولاً عن تنفيذ العمليات العسكرية ذات الطبيعة السرية، لكنه اعتبر واحداً من أكثر الشخصيات العسكرية نفوذاً، فضلاً عن حياده في الساحة السياسية الداخلية.
منتصف أكتوبر الماضي، اجتمع قاسم سليماني مع حلفائه من الفصائل الشيعية المسلحة بالعراق في فيلا على نهر دجلة، على الجانب الآخر من مجمع السفارة الأمريكية في بغداد. وأصدر تعليمات إلى أكبر حلفائه في العراق، نائب قائد "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس، وزعماء فصائل قوية أخرى بتكثيف الهجمات على أهداف أمريكية في البلاد باستخدام أسلحة متطورة جديدة قدمتها لهم إيران.
جاء الاجتماع الاستراتيجي، الذي لم تتحدث عنه تقارير إعلامية من قبل، بينما كانت الاحتجاجات الحاشدة ضد النفوذ الإيراني المتنامي في العراق تكتسب زخماً، مما وضع إيران في صورة بغيضة. وكانت خطط سليماني بمهاجمة القوات الأمريكية كانت تهدف إلى إثارة رد عسكري، من شأنه أن يحول ذلك الغضب المتصاعد صوب الولايات المتحدة. وبالفعل دفعت مساعي سليماني الولايات المتحدة إلى شن هجوم، الجمعة، الذي أودى بحياته وحياة المهندس، مما شكل تصعيداً كبيراً للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران. وقُتل الاثنان في ضربات جوية استهدفت موكبهما في مطار بغداد، لدى توجههما إلى العاصمة، مما يمثّل ضربة قوية لإيران والجماعات العراقية المسلحة التي تدعمها طهران.
كان سليماني قد أمر "الحرس الثوري" الإيراني، قبل أسبوعين، من اجتماع أكتوبر، بنقل أسلحة أكثر تطوراً إلى العراق، منها صواريخ "كاتيوشا"، وصواريخ تُطلق من على الكتف يمكن أن تُسقِط طائرات هليكوبتر، وذلك من خلال معبرين حدوديين. واختار سليماني كتائب "حزب الله" لقيادة الهجمات على القوات الأمريكية في المنطقة، نظراً لامتلاكها القدرة على استخدام الطائرات المسيرة لاستطلاع الأهداف لمهاجمتها بصواريخ "الكاتيوشا". وذكر القادة بالفصائل أن من بين الأسلحة التي أمد بها سليماني حلفاءه من الجماعات العراقية المسلحة في الخريف الماضي طائرة مسيرة طورتها إيران وقادرة على التخفي عن أعين أنظمة الرادار.
كتائب "حزب الله" استخدمت الطائرات المسيرة لالتقاط صور جوية لمواقع تنتشر بها قوات أمريكية. وكان مسؤول عسكري أمريكي قد قال في 11 من ديسمبر إن هجمات الفصائل المدعومة من إيران على القواعد التي تستضيف قوات أمريكية في العراق تزداد وتصبح أكثر تطوراً، مما يدفع جميع الأطراف صوب تصعيد خارج عن السيطرة. وجاء هذا التحذير بعد يومين من سقوط أربعة صواريخ كاتيوشا على قاعدة قرب مطار بغداد الدولي مما تسبب في إصابة خمسة من قوات جهاز مكافحة الإرهاب بالعراق. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم لكن مسؤولاً عسكرياً أمريكياً قال إن معلومات المخابرات وفحص الصواريخ والبطاريات التي استُخدمت في إطلاقها يشير بإصبع الاتهام إلى فصائل شيعية مسلحة مدعومة من إيران، لا سيما كتائب "حزب الله" و"عصائب أهل الحق".
وفي 27 من ديسمبر، تم إطلاق أكثر من 30 صاروخاً على قاعدة عسكرية عراقية قرب مدينة كركوك في شمال البلاد، في هجوم أودى بحياة متعاقد مدني أمريكي وإصابة أربعة أمريكيين واثنين من العسكريين العراقيين. واتهمت واشنطن "كتائب حزب الله" بتنفيذ الهجوم. ونفت الجماعة ذلك. وشنَّت الولايات المتحدة بعد ذلك بيومين ضربات جوية استهدفت الجماعة، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 25 مقاتلاً وإصابة 55. وأشعلت الضربات شرارة احتجاجات عنيفة على مدى يومين من جانب أنصار فصائل مسلحة مدعومة من إيران، الذين اقتحموا نقطة أمنية في محيط السفارة الأمريكية، ورشقوا قوات الأمن بالحجارة. ودفع ذلك واشنطن إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة والتهديد بالانتقام من طهران.
عناوين الصحف والمواقع الإخبارية الأمريكية عكست اهتماما كبيرا بالحدث، الذي يتوقع أن تكون له ارتدادات في الشرق الأوسط، قد تشمل استهداف مصالح لواشنطن. وأفرد موقع صحيفة "نيويورك تايمز" مساحة واسعة لإلقاء الضوء على اغتيال سليماني، الذي وصفته بـ"القائد الإيراني القوي"، وعلى أدواره في مختلف دول المنطقة. واعتبرت الصحيفة أن الخطوة "تصعيد كبير" للصدام الأمريكي الإيراني، وضربة قوية لطهران، مشيرة إلى دعوة زعيم الجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، إلى الانتقام. وألقت الصحيفة الضوء على تعليق للنائب الديمقراطي، أندي كيم، الذي كان مستشارا في الملف العراقي للرئيس السابق باراك أوباما، حيث حذر من خطورة الموقف، وقال إن الساعات والأيام القليلة المقبلة ستكون في غاية الأهمية.
بدوره وصف موقع "هافنجتون بوست" سليماني، بأنه أقوى شخصية في الشرق الأوسط، معتبرا أن اغتياله تصعيد أمريكي كبير ضد إيران. وحذر تقرير للموقع من تعرض المصالح الأمريكية لهجمات إيرانية، خاصة أن "الآلاف من القوات الأمريكية يوجدون حاليا في نطاق الصواريخ الإيرانية، ووجها لوجه مع مسلحين تدعمهم طهران، خصوصا في العراق وسوريا". وأضاف: "غياب سليمان قد يعيد تشكيل السياسة في الشرق الأوسط. رآه سماسرة السلطة المحليون عنصرا ذا قدرة عالية في التسبب بأضرار جسيمة -بما في ذلك للمصالح الأمريكية-، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير ،بما يخدم استراتيجية إيران بشكل عام". وتابع: "من المرجح أن تشعر قيادة بلاده بأنه يجب أن تتفاعل بقوة وبصوت عال، ويمكن أن تفعل ذلك في مجموعة متنوعة من السياقات".
من جانبها، سلطت "واشنطن بوست" الضوء على شخصية سليماني، وتاريخ نشاطه العسكري، وهو الذي اتهمه وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، عقب اغتياله، بالتخطيط لمهاجمة قوات أمريكية ودبلوماسيين، بحسب الصحيفة. واعتبرت الـ"بوست" بأن سليماني هو أهم قائد عسكري إيراني، مشيرة إلى أدواره المهمة في المنطقة، والمتصاعدة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. كما اعتبر موقع "بوليتيكو" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مارس "مقامرة خطيرة" بإصداره الأوامر بقتل سليماني، كما أكد بيان صادر عن البنتاجون. كما لفت إلى أن الخطوة "أرسلت موجات صدمات في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، ودفع إلى إجراء تقييمات فورية للتداعيات المحتملة". ونقل تقرير للموقع عن "مسئول شرق أوسطي"، لم يسمه، أن رد إيران قد يحدث في أي مكان، من الخليج إلى أمريكا اللاتنية مرورا بأفريقيا، مشددا على أن طهران لن تقبل بتلقي الضربة الموجعة والمضي كأن شيئا لم يحدث.
أيضا، أورد موقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي أن الضربة الجوية التي استهدفت سليماني أثارت شكوكا حول مستقبل الوجود العسكري للقوات الأمريكية في العراق، بعد مرور 17 سنة على الإطاحة بنظام صدام حسين. وجاءت هذه الضربة في الوقت الذي كان يطالب فيه المتظاهرون العراقيون حكومة بلادهم بالقيام بإصلاحات جذرية في النظام السياسي، ووضع حد للنفوذ الإيراني في البلاد، لتصبح مطالبهم، بعد هذه الحادثة، تتمحور حول ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. ونوه الموقع بأنه من المحتمل أن تعزز هذه الهجمات الجهود الرامية إلى مواجهة تحركات السعودية لتعزيز هيمنتها في العالم الإسلامي كقوة مالية، ومكانتها كوصي على المدينتين المقدستين، مكة والمدينة المنورة. لكن دعم الجهود التي يبذلها حلفاؤها والدول التي تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على العلاقات التي تربطها بها، وأحيانًا وجود بعض العلاقات المعقدة بين الدول، بما في ذلك ماليزيا وتركيا وقطر، يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لإدارة ترامب. وأشار الموقع إلى أن هذه الجهود شملت المبادرتين المشتركتين اللتين توجتا الشهر الماضي بعقد قمة إسلامية في كوالالمبور خارج حدود منظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من الرياض مقرا لها والتي تضم 57 دولة ذات أغلبية إسلامية. وفي نهاية المطاف، تلاشت آمال القمة في تحدي السعودية، وذلك بمواجهة القضايا الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي.
بمنتهى السرعة، أعلن مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي تعيين العميد إسماعيل قآني على رأس "فيلق القدس" بالحرس الثوري خلفا لسليماني ووصف خامنئي العميد قآني بأنه من أبرز قادة الحرس الثوري في "مرحلة الدفاع المقدس" وهو التعبير الذي يستخدمه الإيرانيون لوصف حرب السنوات الثماني مع العراق في عقد الثمانينات، ويعتبر قآني الرجل الثاني إلى جوار سليماني.
قآني المولود في بونجورد بشمال محافظة خراسان عام 1957 شارك مقاتلا في الحرب العراقية الإيرانية كقائد لواء، وتدرج في المناصب العسكرية حتى تولى منصب نائب قائد "فيلق القدس" عام 1997 بعد تولى سليماني قيادة "الفيلق". ويقال إنه كان ظلا لسليماني، لكنه يميل أكثر نحو التشدد. إذ لا ينظر مثلا إلى الحرب في سوريا بوصفها حربا إقليمية وإنما يصفها بأنها حرب "وجودية" بالنسبة لإيران، وشارك فيها بصفه مستشارا عسكريا وكان من مهندسي "تصدير" مفهوم "التشكيلات الشعبية " التي يعتبر من المنظرين لها في إيران.
كان قاني هو أول من كشف امتلاك "جماعة أنصار الله" في اليمن لصواريخ يبلغ مداها أكثر من 400 كلم. كما تدرج قآني في عدة مناصب داخل "الحرس الثوري" من بينها تولي قيادة العمليات في أفغانستان وباكستان. وقد وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة العقوبات الخاصة بها عام 2012. ووصفته وسائل إعلام إيرانية بأنه "الرجل الصلب" الذي لا يختلف كثيرا عن الجنرال سليماني، وله من "الخبرة الكافية" بشأن التعامل مع جبهات القتال المختلفة. وظل يكرر في تصريحاته تأكيده لالتزامه بخط المرشد الإيراني.
كما نقل عنه تصريح آخر عام 2017 وصف فيه تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران بقوله هذه "التهديدات ضد إيران ستدمر أمريكا، لقد دفنا العديد من أمثال ترامب ونعرف كيف نقاتل ضد أمريكا". ويتحدث البعض عن علاقاته القوية مع الجماعات المسلحة القريبة من إيران في سوريا ولبنان وغزة، فضلا عن تهديداته لـ"إسرائيل".
اختيار قاني حسم الجدل بشأن من سيكون خليفة سليماني الذي يبدو أنه حدد من سيخلفه بحيث يكون شخصية من داخل "فيلق القدس" منعا لأية خلافات، وهو النهج الذي ينسب إلى اللواء حسين سلامي القائد الحالي لـ"حرس الثورة" وقيادات الجيل الثاني في "الحرس". ونقلت وسائل إعلام إيرانية تصريحات للعميد قآني قال فيها إن الولايات المتحدة أنفقت ستة تريليونات دولار على الحروب في الشرق الأوسط لكنها لم تنجح وإن "مؤامرات ومخططات الأعداء منذ بداية الثورة لغاية الآن قد أحبطت".
السؤال الآن: هل يعني تعيين قآني الذي يوصف بأنه منظر تصدير "التشكيلات الشعبية"، أن إيران اختارت نهج الرد على الضربة الأمريكية بعمليات واسعة بالنيابة عبر الميليشيات والجماعات المسلحة المقربة منها، أو ما بات يعرف بـ"حروب الوكالات"؟
ربما نعم وربما لا، لكن الواضح هو أنه لن يحدث أي تغيير حذري في خطط "فيلق القدس" على الأقل حاليا، وقد حسم خامنئي الجدل بتأكيده عدم وجود تغيير "في الخطط" التي كانت في عهد سليماني، داعيا كوادر "فيلق القدس" إلى التعاون مع القائد الجديد.
الترجمة الاقتصادية لتصفية رأس الحربة الإيرانية
فور شيوع نبأ مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في بغداد، ومخاوف الأسواق من تصاعد حدة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، قفزت أسعار النفط بأكثر من 4%، صباح الجمعة، في الأسواق الآسيوية. وارتفع سعر برميل النفط الخام الخفيف تسليم فبراير بنسبة 4.3% في التعاملات الإلكترونية ليصل إلى 63.84 دولار، في حين ارتفع سعر برميل خام برنت تسليم مارس بنسبة 4.4% ليصل إلى 69.16 دولار.
في المعاملات الفورية، وبحلول الساعة 10:58 بتوقيت جرينتش، صعد خام برنت إلى 69.5 دولار للبرميل، في أعلى مستوياته منذ منتصف سبتمبر عندما هوجمت منشأتان نفطيتان سعوديتان. وزاد خام غرب تكساس الوسيط 2.53 دولار أو 4.1% إلى 63.71 دولار للبرميل، بعد أن قفز في وقت سابق إلى 64.09 دولار للبرميل، أعلى مستوى منذ أبريل 2019. وارتفعت المخاوف المتعلقة بإمدادات النفط من الشرق الأوسط، عقب الضربة الأمريكية، وقال هنري روم محلل شؤون إيران لدى أوراسيا: "نتوقع صدامات متوسطة إلى منخفضة المستوى تستمر لما لا يقل عن شهر، ومن المرجح أن تقتصر على العراق". ورجّح أيضاً أن تستأنف إيران التضييق على حركة الشحن التجاري في الخليج، وربما إجراء تدريبات عسكرية لتعطيل الشحن مؤقتاً.
مصادر بشركات نفط أجنبية قالت لوكالة "رويترز" إن العشرات من موظفيها الأمريكيين، في مدينة البصرة النفطية العراقية كانوا في طريقهم لمغادرة البلاد. بينما قالت وزارة النفط العراقية في بيان إن حقول النفط في أنحاء البلاد تعمل بصورة طبيعية، ولا تأثير على الإنتاج أو الصادرات.
أيضأ قفزت أسعار الذهب واحداً% إلى أعلى مستوياتها في أربعة أشهر. وقال بنجامين لو، المحلل في "فيليب فيوتشرز": "الأخبار الآتية من الشرق الأوسط إلى جانب بعض الشراء المدفوع بالعوامل الفنية وتراجع الدولار، يدعم أسعار الذهب". وسجّل السعر الفوري للذهب ذروته منذ الخامس من سبتمبر عند 1543.66 دولار للأوقية (الأونصة)، وكان مرتفعاً 0.8% إلى 1541.10 دولار للأوقية بحلول الساعة 13:50 بتوقيت جرينتش. وزادت عقود الذهب الأمريكية الآجلة نحو واحد% إلى 1543.30 دولار للأوقية.
على مدار الأسبوع، ارتفع الذهب نحو 2% في المعاملات الفورية، متجهاً صوب مكاسب، للأسبوع الرابع على التوالي. ويُعتبر الذهب استثماراً آمناً في أوقات الضبابية السياسية والاقتصادية. وفي المعادن النفيسة الأخرى، سجلت الفضة أعلى مستوياتها فيما يربو على شهرين عند 18.25 دولار، وزادت في أحدث سعر لها 0.8% إلى 18.17 دولار للأوقية، في حين صعد البلاتين 0.4% مسجلاً 982.66 دولار، ومتجهاً صوب مكاسب أسبوعية بنحو أربعة%. وتقدم البلاديوم 0.3% إلى 1964.87 دولار، ليصبح بصدد صعود أسبوعي يتجاوز 3%.
من جهة أخرى، قفزت عملات الملاذ الآمن، مثل الين الياباني، إلى أعلى مستوياتها في شهور، يوم الجمعة، بعد الضربة الأمريكية. وصعدت سندات الخزانة الأمريكية والذهب بعد الإعلان. وسجّل الين الياباني ذروته في شهرين عند 107.92 مقابل الدولار الأمريكي، وزاد 0.5% في أحدث سعر له. ويُنظر إلى الين عادة كملاذ آمن من المخاطر، نظراً لوضع اليابان كأكبر بلد دائن في العالم. وتضخمت تحركات العملة أيضاً في ظل معاملات هزيلة بسبب عطلة في طوكيو. وصعد الفرنك السويسري، الذي يعتبر ملاذاً آمناً هو الآخر، إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر عند 1.0824 مقابل اليورو. وبلغ الدولار الأمريكي أعلى مستوياته في أسبوع أمام العملة الأوروبية الموحدة. وتراجع الجنيه الإسترليني 0.2% إلى 1.3117 دولار، وفقد 0.1% أمام اليورو ليسجل 85.10 بنس.
عوائد السندات الحكومية الأمريكية لأجل عشر سنوات، نزلت إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أسابيع مسجلة 1.814%، بعد صعودها إلى 1.946 في اليوم السابق. وترتفع أسعار السندات مع هبوط عوائدها. وقال جيرمي ستريتش، مدير قسم العملات في "سي آي بي سي"، إن تراجع العوائد الأمريكية يُظهر تراجعاً عن التفاؤل الملاحَظ يوم الخميس. وأضاف أن المتعاملين يحسبون الآن حساب المخاطر الناجمة عن رد الجانب الإيراني. وتابع: "ما زلنا ننتظر ونراقب لمعرفة ما إذا كان رد الفعل سيكون بالدينامية التي تنبئ بها عناوين الأخبار الأولية".
كما تراجعت عوائد السندات الحكومية بأنحاء منطقة اليورو، الجمعة. ونزلت عائدات السندات الاتحادية الألمانية لأجل عشر سنوات، وهي من الملاذات الآمنة، لأدنى مستوياتها في عامين، وبلغت عوائد السندات الإسبانية أقل مستوى في خمسة أسابيع، وهبطت تكاليف الاقتراض في إيطاليا عشر نقاط أساس تقريباً. ونزلت عوائد السندات الألمانية، التي تُعتبر واحدة من أكثر الأصول أماناً في العالم، بشكل حاد عبر شتى آجال الاستحقاق. ونزلت عوائد السندات الاتحادية لأجل عشر سنوات سبع نقاط أساس إلى أدنى مستوى في أسبوعين، عند "سالب" 0.29%، لتقلّ بواقع 13 نقطة أساس عن أعلى مستوياتها في سبعة أشهر، الذي بلغته قبل يوم فقط. وفي سائر منطقة اليورو، هبطت عائدات السندات لأجل عشر سنوات بين ست وتسع نقاط أساس. ونزلت عائدات السندات الإسبانية لأجل عشر سنوات سبع نقاط أساس إلى 0.38%، بعد أنباء بأن حزباً انفصالياً في كاتالونيا يعتزم الامتناع عن التصويت خلال الاقتراع المقبل للبرلمان لتأكيد رئاسة الزعيم الاشتراكي بيدرو سانتشيث للوزراء.
وبعدما بلغت الأسواق مستويات فائقة، يوم الخميس، متأثرة بأجواء إيجابية حول تخفيض حدة الحرب التجارية الكبرى بين أكبر اقتصادين في العالم، أمريكا والصين، أصابت الضربة الجوية الأمريكية المؤشرات بحالة تراجع كبرى، لتهبط أغلبها بشكل حاد مع أحجام المستثمرين عن ضخ المزيد في الأسهم والاتجاه بشكل كبير للملاذات الآمنة. وتراجعت المؤشرات الرئيسية للأسهم الأمريكية نحو واحد% عند الفتح، يوم الجمعة، وهبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 315.47 نقطة، بما يعادل 1.09%، إلى 28553.33 نقطة، بينما فتح المؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، متراجعاً 31.49 نقطة، أو 0.97% إلى 3226.36 نقطة، ونزل المؤشر "ناسداك" المجمع 115.76 نقطة أو 1.27% إلى 8976.43 نقطة.
كانت المؤشرات الثلاثة الرئيسية للأسهم الأمريكية في بورصة "وول ستريت" بدأت العام الجديد عند مستويات قياسية مرتفعة، يوم الخميس، مع تزايد أجواء التفاؤل بانحسار التوترات التجارية، وتحسن آفاق الاقتصاد العالمي، بعد أن أعلنت الصين عن حزمة حوافز لدعم اقتصادها المتباطئ، حيث صعد المؤشر "داو جونز" الصناعي 187.72 نقطة، أو 0.66%، إلى 28726.16 نقطة، بعد نحو ساعة من جلسة بدء التداول، بينم ارتفع المؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأوسع نطاقا 17.19 نقطة، أو 0.53%، إلى 3247.97 نقطة. وقفز مؤشر "ناسداك" المجمع 77.68 نقطة، أو 0.87%، إلى 9050.29 نقطة. وكان المؤشران "ستاندرد آند بورز 500" و"ناسداك" قد أنهيا عام 2019 على أكبر مكاسب سنوية من حيث النسبة المئوية منذ 2013. بينما سجل داو جونز أكبر مكاسبه السنوية منذ 2017.
في أوروبا، وفي الساعة 14:30 بتوقيت جرينتش، ظهر الجمعة، كان المؤشر "ستوكس 600" الأوروبي منخفضاً 0.5%، محاولاً التعافي من خسائر صباحية تخطت حاجز 0.6%، وهبطت جميع مؤشرات الدول الرئيسية في أوروبا أيضا، إذ تعرض "داكس" الألماني لخسائر فادحة بنحو 1.37%، وفقد "كاك 40" الفرنسي 0.26%، و"فوتسي 100" البريطاني 0.13%. وتراجعت جميع مؤشرات القطاعات الأوروبية إلا واحداً، وبنسب تراوحت بين 0.4% و1.2%. وارتفع مؤشر قطاع النفط والغاز 0.4%. وفي آسيا، تخلّت الأسهم الآسيوية عن مكاسبها المبكرة. وتراجع مؤشر "إم إس سي آي" الموسع لأسهم آسيا والمحيط الهادي خارج اليابان بنسبة 0.26%، بعدما كان قد ارتفع قبل الضربة الأمريكية إلى أعلى مستوياته منذ 15 يونيو 2018. وتراجع مؤشر "شنغهاي" المركب الصيني، ليسجل خسائر نسبية بلغت 0.05%، وانخفض مؤشر "هانج سانج" في هونج كونج ليسجل خسائر بنسبة بلغت 0.32%.