ياسر بركات يكتب عن: مايكل بلومبرج.. هل يطيح بترامب؟
ثروتة 56 مليار دولار ويعد تاسع أغنى رجل فى العالم وفق قائمة فوربس
يمتلك وكالة بلومبرج أقوى الشركات فى العالم فى مجال الإعلام الاقتصادى
أكثر المرشحين قرباً لبكين ووصف الرئيس الصينى بأنة ليس «ديكتاتوراً».
المشوار أمامه لا يزال طويلا للفوز بترشح الحزب الديمقراطى، إلا أن مايكل بلومبرج قد يكون المرشح الذى يخشاه ترامب أكثر من غيره. فهو معروف لا كرجل أعمال ناجح فحسب، بل من خلال عمله عمدة لمدينة نيويورك لفترة 12 عاما ومساعدته فى نهوض المدينة بعد الضربة التى تلقتها فى هجمات سبتمبر 2001،
الطريق قد لا يكون سهلا أيضا فى ظل المعركة المحتدمة لاختيار المرشح الديمقراطى من بين 18 منافسا حتى هذه اللحظة. فهو رغم نشاطه فإنه فى السابعة والسبعين من عمره، كما أنه سيحتاج إلى جهد كبير لكسب تأييد النساء والأقليات الذين يشكلون القاعدة الكبرى وسط ناخبى الحزب الديمقراطى، إذ إنه سبق أن أدلى فى الماضى بتصريحات وصفت بأنها تقلل من قدر النساء، كما تبنى سياسات فى نيويورك أعطت للشرطة صلاحيات واسعة استخدمت بشكل واسع لوقف وتفتيش السود والهسبانك.
رصد الرجل 35 مليون دولار من ماله الخاص لإنفاقها فى أسبوعين على حملة إعلانية ضخمة فى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك»، متجاوزا بذلك كل ما أنفقه المرشحون الآخرون الذين يتنافسون للفوز ببطاقة الترشح عن الديمقراطيين. فالمال لا يعتبر مشكلة لرجل تقدر ثروته بنحو 56 مليار دولار ويعد تاسع أغنى رجل فى العالم وفق قائمة فوربس، بل قد يكون ورقته التى يراهن عليها للصمود فى مواجهة منافسيه فى الحزب الذين سيتساقط بعضهم عندما تجف مواردهم المالية وتتوقف تبرعات الداعمين الذين سيحددون مواقفهم لاحقا وفقا لفرص المرشحين وقراءة استطلاعات الرأى العام. وربما لهذا السبب لم يتردد صاحب شركات بلومبرج المالية والإعلامية فى فرد عضلاته والإعلان عن أنه سيمول حملته الانتخابية من ماله الخاص ولن يقبل تبرعات الممولين.
بدأ العمل فى شارع وول ستريت بنيويورك المعروف بتداولات البورصة والعملات والأموال وذلك مع شركة سالومون بروذرز عام 1968، وأصبح بعد 4 سنوات فقط شريكا فى الشركة عام 1972.
عام 1981 بيعت شركة سالومون بروذرز، فاتجه مايكل بلومبرج فى العام ذاته إلى تأسيس شركته الخاصة فى مجال الكمبيوتر والمعلومات المالية، التى أحدثت ثورة فى طريقة تخزين بيانات الأوراق المالية واستهلاكها. وحققت الشركة نجاحاً هائلاً، وسرعان ما توسّعت إلى الدخول فى قطاع الإعلام مع أكثر من 100 مكتب حول العالم. واليوم، تعد شركته واحدة من أقوى الشركات فى العالم فى مجال الإدارة المالية والإعلام الاقتصادى، وبسببها أصبح اسم بلومبرج ماركة عالمية، وصار هو أغنى الرجال فى العالم.
دخل بلومبرج، الذى كان يعتبر نفسه ليبرالياً جمهورياً، إلى الساحة السياسية عام 2001 عندما فاز فى الانتخابات البلدية لمدينة نيويورك. وحقاً، ساهم فى إنهاض اقتصاد المدينة بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وللعلم، كان قد انتخب رئيسا لبلدية المدينة فى يناير 2002 خلفا لرودى جوليانى ليصبح العمدة رقم 108 للمدينة العريقة.
بلومبرج كان من أوائل المؤيدين لتشريع زواج المثليين، ومن ضمن أحد برامجه شيوعاً كعمدة إنشاء خط هاتف برقم موحّد 311 يربط سكان نيويورك مباشرة بخدمات المدينة، ما يسمح لهم بالإبلاغ عن الجرائم أو مشاكل النفايات أو أى شىء آخر. وبفضل النجاحات التى حققها خلال فترته الأولى كعمدة لنيويورك كان من السهل إعادة انتخابه مرة أخرى فى نوفمبر 2005.
بعكس المرة الثانية، ما كان فوز بلومبرج بانتخابات نيويورك مرة أخرى للمرة الثالثة عام 2009 سهلاً على الإطلاق؛ إذ اضطر لإنفاق مبلغ غير مسبوق من أمواله الخاصة بلغ نحو 90 مليون دولار على حملته الانتخابية. وفى النهاية أعيد انتخابه ولكن كمرشح مستقل لا يتبع أياً من الحزبين الكبيرين، وبقى فى منصبه هذا حتى عام 2012 عندما خلفه العمدة الديمقراطى بيل دى بلاسيو... الذى رشّح بدوره نفسه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطى هذا العام، إلا أنه سرعان ما انسحب من السباق.
فى يناير 2014 استقال بلومبرج من مهامه السياسية، وأمضى تلك السنة مركّزاً على الأعمال الخيرية فى مجالات التعليم والبحث الطبى والفنون، وكذلك التغيير البيئى والمناخى، قبل أن يعود رئيسا تنفيذيا لشركته العملاقة بلومبرج إل. بى. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن بلومبرج ألّف كتابين، نشر الأول قبل أن يصبح عمدة لنيويورك وهو مذكرات بعنوان: «بلومبرج عن بلومبرج» عام 1997، وبعد عشرين سنة شارك فى تأليف كتاب «مناخ الأمل: كيف يمكن للمدن والأعمال التجارية والمواطنين إنقاذ الكوكب» مع كارل بوب. كما كان خلال عام 2019، موضوعاً فى كتاب من تأليف إليانور راندولف، تناول كثيرا من حياة رجل الأعمال الثرى وقصة صعوده من أصول متواضعة إلى قمة عالم البنوك الاستثمارية ونجاحه السياسى غير المتوقع.
يشترك مايكل بلومبرج، الذى يصف نفسه بـ«المرشح المعتدل»، مع بقية أعضاء مرشحى الحزب الديمقراطى بهدف إلحاق الهزيمة بدونالد ترامب. إذ أعلن عمدة نيويورك الملياردير السابق خلال الأسبوع الماضى أنه دخل السباق الرئاسى متأخراً لهدف واحد هو هزيمة دونالد ترامب. وأوضح: «أنا أخوض السباق الرئاسى لأهزم دونالد ترامب وأعيد بناء أمريكا... لا يمكننا تحمّل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترامب اللاأخلاقية». وأردف فى موقعه على الإنترنت، مع انطلاق حملته الدعائية التى بلغت تكلفتها 30 مليون دولار، أن «المخاطر كبيرة جداً... وعلينا أن نفوز بهذه الانتخابات وإعادة بناء أمريكا».
غير أن بلومبرج سيواجه مصاعب كبيرة داخل الحزب الديمقراطى فى كسب تأييد ناخبى الحزب، واللحاق بسلسلة التجمّعات التى يجريها المرشحون الـ16 فى الولايات الـ50 لكسب تأييد هؤلاء الناخبين. ولا سيما، أن يسارى الحزب الذين يؤيدون المرشحين إليزابيث وارين وبيرنى ساندرز يرون فى بلومبرج مليارديراً يجب إخضاع ثروته لضرائب باهظة من أجل تقليص اللامساواة بين المرشحين.
كذلك يختلف بلومبرج فى توجهاته السياسية مع أقرانه الديمقراطيين، فى أنه منفتح على الصين بل هو أكثر المرشحين ودية لبكين. وسبق له أن جادل كثيراً ضد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما حافظ على استثماراته مع الصين. بل قال فى أحد لقاءاته الصحفية إن «الرئيس الصينى ليس ديكتاتورياً»، ومن المحتمل جداً استخدام هذه النقطة ضده خلال الفترة المقبلة.
المنافسة بين المرشحين الديمقراطيين الباقين فى حلبة التنافس ازدادت سخونة، وأصبحت أكثر صعوبة ما كانت عليه فى السابق بعد انضمام مايكل بلومبرج إلى السباق. ذلك أن البعض يرى فيه الوجه الأوفر حظاً من بين المتنافسين، خاصة أن بايدن قد يواجه مصاعب فى ملف الصفقة التجارية الأوكرانية لصالح شركة ابنه، والتى يواجه ترامب بسببها دعوة إلى العزل من منصبه. ثم إن كتلة أصوات الناخبين اليساريين ستتوزّع على الأرجح خلال الأشهر المقبلة بين وارين وساندرز ولا بد من أن يسقط أحدهما على الطريق، وبينما فى معسكر «الوسط» تشير استطلاعات الرأى بصورة مطرّدة إلى عجز السيناتورة كمالا هاريس، عضو مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا -كبرى الولايات الأمريكية- عن تحقيق الاختراق الذى كانت تأمل به، ما أفقدها كثيرا من قوة الدفع.
التنافس على ترشيح الديمقراطيين ما زال فى مرحلة مبكرة، لكن دخول شخصية بوزن مايكل بلومبرج، لديها رصيدها الواسع على مستوى البلاد كلها من شأنه تغيير كثير من المعطيات. بل إن مرشحاً مثل بلومبرج، بعيد عن اليسار التقليدى، لن يوحد فقط الوسط واليمين الديمقراطيين، بل سيجتذب نسبة لا بأس بها من الناخبين الجمهوريين المعتدلين المحسوبين على الاتجاه المحافظ اقتصاديا والليبرالى اجتماعياً ودينياً.