ياسر بركات يكتب: الصراع على نفط سوريا
اتهمت روسيا، يوم السبت، الولايات المتحدة بممارسة "اللصوصية" على مستوى عالمي، بعد إعلان نيتها حماية حقول النفط في شرق سوريا التي استعادها المقاتلون الأكراد من تنظيم داعش، شكك خبراء في شرعية الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب واعتبروها "بعيدة عن الواقع".
وزارة الدفاع الروسية قالت في بيان إن "ما تفعله واشنطن حالياً من وضع اليد والسيطرة على حقول النفط شرق سوريا، يدل بكل بساطة على عقلية اللصوصية على مستوى عالمي"، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية. وأضافت الوزارة: "ليس أي من حقول النفط الواقعة على أراضي جمهورية سوريا العربية ملكاً لإرهابيي تنظيم (داعش)، ولا للمدافعين الأمريكيين عن إرهابيي تنظيم (داعش)، بل تعود حصرياً لجمهورية سوريا العربية".
يأتي ذلك فيما يرى خبراء أن الاستراتيجية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب في سوريا التي تقضي بحماية الحقول النفطية في شرق البلاد بعيدة عن الواقع ومشكوك في شرعيتها. إذ كان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن في السادس من أكتوبر سحب العسكريين الأمريكيين الألف المنتشرين في شمال شرقي سوريا، مفسحاً بذلك المجال لعملية عسكرية تركية ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل الأكراد المكون الرئيسي فيها، وحليفة واشنطن في مكافحة المتطرفين. لكنه قال الأربعاء الماضي إن "عدداً قليلا من الجنود" الأمريكيين سيبقون في سوريا "في المناطق التي تحوي نفطا"، مؤكداً "قمنا بضمان أمن النفط". وتابع ترمب: "سنقوم بحمايته وسنقرر ماذا سنفعل في المستقبل".
البنتاجون، أكد الخميس الماضي، إرسال تعزيزات لحماية حقول النفط من دون توضيح حجمها. ويوم الجمعة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر نية واشنطن الدفاع عن حقول النفط السورية في دير الزور، الأكبر في البلاد قرب الحدود مع العراق حيث ينتشر 200 جندي أمريكي. وقال في حلف شمال الأطلسي: "نتخذ حالياً تدابير لتعزيز مواقعنا في دير الزور وسيشمل ذلك قوات وآليات للتأكد من أن تنظيم داعش لن يتمكن من الوصول إلى مصدر يؤمن له إيرادات تسمح له بضرب المنطقة أو أوروبا أو الولايات المتحدة".
رسميا، يهدف ذلك إلى منع تنظيم داعش من الاستيلاء على الحقول النفطية الكبرى في البلاد، التي يسيطر عليها حاليا التحالف الكردي العربي ممثلاً بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، في محافظة دير الزور (شرق) شرق الفرات، في موقع غير بعيد عن الحدود العراقية. لكن هذه الاستراتيجية الجديدة تشكل، في رأي نيك هيراس، تحولاً كاملاً للولايات المتحدة التي كانت تبرر وجودها على الأرض السورية رغماً عن رأس النظام بشار الأسد، بمكافحة تنظيم "داعش".
الخبير في النزاع السوري في مركز الأمن الأمريكي الجديد قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن إدارة ترمب تحاول "جعل أفضل الموارد النفطية للبلاد رهينة واستخدامها عملة للمقايضة، من أجل إجبار نظام الأسد وحماته الروس على قبول مطالب الولايات المتحدة" خلال تسوية سياسية للنزاع السوري. وتابع نيك هيراس أن "مهمة الولايات المتحدة تحولت من القتال النبيل في مواجهة أكثر منظمة إرهابية مكروهة في العالم إلى مناورة وهمية لإجبار الأسد على تغيير سلوكه عبر مصادرة النفط السوري".
روسيا أرسلت، الجمعة، تعزيزات بنحو 300 عسكري كانوا منتشرين سابقاً في الشيشان، وذلك تنفيذاً لاتفاق توصلت إليه مع تركيا الأسبوع الماضي. وأكدت وزارة الدفاع الروسية، في بيان نقلته وكالة أنباء "تاس"، أن نحو 300 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية "كانوا منتشرين سابقاً في جمهورية الشيشان، وصلوا إلى سوريا للقيام بعمليات خاصة". ويشير البيان إلى أن هذه العناصر ستعمل على ضمان سلامة المدنيين، وتقديم المساعدة للقوات الكردية في عمليات الانسحاب من منطقة بعمق 30 كيلومتراً على الحدود التركية - السورية. وأضاف البيان أيضاً أن 20 مدرعة عسكرية روسية أرسلت أيضاً كتعزيز إلى سوريا.
بموجب اتفاق بين أنقرة وموسكو في منتجع سوتشي في روسيا، بدأت القوات الروسية، منذ الأربعاء، تسيير دورياتها في المناطق الشمالية، قرب الحدود مع تركيا. ويقضي الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا بانسحاب القوات الكردية من منطقة حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومتراً، وطول 440 كيلومتراً، خلال مهلة مدتها 150 يوماً.
ترمب كان اقترح، الاثنين الماضي، أن تقوم الولايات المتحدة "بإرسال واحدة من كبريات المجموعات النفطية" لاستغلال النفط السوري. وصرح الموفد الأمريكي الخاص السابق لسوريا بريت ماكجولاك الذي استقال في ديسمبر الماضي، في مؤتمر صحفي: "سيكون ذلك أمراً غير قانوني"، مذكراً بأن النفط السوري ملك لشركة حكومية سورية "شئنا أم أبينا". وأضاف أن الولايات المتحدة اقترحت من قبل فكرة استغلال النفط السوري بالاتفاق مع موسكو وإيداع الأرباح في صندوق للتنمية يوضع بتصرف الدولة السورية بعد انتهاء النزاع. وأوضح أن "الروس لم تعجبهم الفكرة وأعتقد أنها لن تعجبهم اليوم أيضاً".
بحسب جريدة "واشنطن بوست"، فإن الرئيس الأمريكي اقتنع بالإبقاء على بعض القوات، شمال شرقي سوريا، حين جرى إخباره بمسألة النفط، وقيل له إن حقولا قد تقع في أيدي المتشددين إذا انسحبت الولايات المتحدة بشكل كلي. ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي لم يجر ذكر اسمه، أن اهتمام ترامب الكبير بمسألة النفط قدم فرصة ثمينة للبنتاجون الذي لم يكن راضيا عن خطوة الانسحاب، وشبه المسؤول إقناع ترامب بالبقاء "بتقديم جرعة الدواء إلى طفل صغير داخل عبوة من الزبادي". وأورد المصدر أن أحد المسؤولين الأمريكيين اقترح أن ترسل واشنطن مئات من الجنود فقط إلى شمال شرقي سوريا، لكن شريطة أن يظل العدد ما دون الكتيبة؛ وتضم كتيبة الجيش الأمريكي، وفق الأعراف، ما يتراوح بين 800 وألف جندي.
الخطة العسكرية تقترح أن تتمركز هذه القوات بين بلدات محافظتي الحسكة ودير الزور، وإذا أضيفت هذه القوات إلى من هم موجودون حاليا في سوريا، فإن عدد الجنود الأمريكيين سيقترب من الألف، أي العدد نفسه الذي أريد له أن ينسحب في وقت سابق، وهكذا تكون واشنطن قد أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وسط غموض حول أسباب "التذبذب" في التقدير العسكري والاستراتيجى