ياسر بركات يكتب عن: ثلاثى الأقوياء للسيطرة على المتوسط..مصر تنتصر فى اشرس حرب للغاز
هل أتاك حديث القمة ؟!
القاهرة ـ نيقوسيا ـ أثينا
القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة الثلاثاء الماضي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره القبرصي نيكوس أناستاسياديس ورئيس وزراء اليونان الجديد كيرياكوس ميتسوتاكيس، جاءت لتؤكد التحالف الإقليمي المؤثر بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا، خاصة بعد التغيرات الاستراتيجية التي طرأت على منطقة شرق البحر المتوسط منذ الاكتشافات الهائلة لثروة ضخمة من الغاز الطبيعي.
تلك هي القمة السابعة من نوعها في إطار آلية التعاون الثلاثي التي أصبحت تؤدي دورا رئيسيا ليس فقط على مستوى تعزيز الاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي، وإنما أيضا على المستوى الاستراتيجي من خلال إعادة رسم خارطة القوى الإقليمية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ولعل انتظام عقد هذه القمة سنويا بين قادة الدول الثلاث، يعكس حرص هؤلاء القادة على تنسیق الجهود لإعادة ترتیب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقـة، بما یخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، والتي أصبحت تتجاوز المصالح الخاصة بالغاز الطبيعي وترسيم الحدود البحرية إلى بناء كيان إقليمي ضاغط ورادع للقوى المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة، وفي مقدمتها تركيا، والجماعات الإرهابية ذات الأيديولوجيات المتطرفة، وموجات الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، التي أصبحت تشكل مصدر قلق لحكومات دول منطقة البحر المتوسط.
بعد ثورة ٣٠ يونيو وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم شهدت منطقة البحر المتوسط تطورات كبيرة في العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، وتوجت هذه الجهود بتوقيع أول اتفاق لتقسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، تم من خلاله تحديد واضح لحدود المياه الإقليمية وحدود المنطقة الاقتصادية لكل من البلدين، كما شهدت مياه البحر المتوسط اشتراك القوات البحرية للدول الثلاث في مناورات عسكرية أوضحت بجلاء مدى استعدادها لحماية المصالح القومية لهذه الدول من الأطماع الخارجية وخاصة أطماع تركيا.
بفضل دعوة مصر إلى إنشاء منتدى غاز المتوسط، اكتسبت العلاقات بين الدول الثلاث بعدًا وعمقٌا استراتيجيا، كما أتاحت هذه الآلية الثلاثية الفرصة لدراسة سبل التوسع والتطور التدريجي فصار المنتدى أول منظمة للطاقة في البحر المتوسط بأكمله وليس في الجزء الشرقي منه فحسب، وبالتالي أفق جديد وسوق متكاملة للغاز في شرق المتوسط، كانت أحد أهداف مصر في دعوتها لإنشاء هذا المنتدى، وهى عملية تسعى لإنشاء سوق متكامل للغاز في شرق البحر المتوسط فهي عملية ممتدة ومركبة كما وصفها وزير الطاقة اليوناني الذي أكد أن هذا المنتدى وهذا السوق المتكامل للغاز سيعد إنجازًا يستحق الكفاح من أجله، حيث يحدد المنتدى عملية التوفيق بين المصالح المختلفة بين دول الإقليم بشكل تتحقق فيه المصالح العامة والخاصة لكل دولة دون السعي لفرض إرادات أو استغلال ثروات، بل تحقيق المصالح والفوائد المشتركة لكل الأطراف.
ضمن الخيارات المتاحة لاستغلال ثروات المنطقة، بحث المنتدى حتى الآن فكرة ربط خط أنابيب غاز من قبرص إلى محطات الإسالة في مصر فى إدكو، وبالتالي نقل الغاز المسال إلى اليونان إلى أوروبا عبر منظومة الغاز اليونانية، والخيارات الأخرى إنشاء خط أنابيب شرق المتوسط لربط احتياطيات الغاز عبر اليونان للسوق الإيطالية. وبالتالي يمكن رصد العديد من أهداف الدورة السابعة لقمة الدول الثلاث، كما أن معنى استمرار انعقاد هذه القمة هو إنها تحقق أهدافها وإنها ذات طابع هام واستراتيجى. ولعل أبرز هذه الأهداف هو تحقيق أمن واستقرار البحر المتوسط، كما أنها أداة فاعلة لتعزيز التعاون الثلاثي، خاصة في المجال التنموي والاقتصادي وفى مجالات الطاقة بالإضافة الى إنها إطار يتيح للدول الثلاث تبادل الرأي بشأن القضايا المطروحة على الساحة سواء أكانت قضايا تتعلق بالمنطقة العربية مثل سوريا، ليبيا، اليمن، القضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بقضايا منطقة المتوسط والهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب بالإضافة الى القضية القبرصية.
كل ذلك يأتي بالتزامن مع تعرض المنطقة لتهديدات متعددة، بسبب استمرار النزاع في سوريا وشمال إفريقيا في ليبيا، واستمرار الهجرة غير الشرعية، وهناك أيضًا بعد هام إنه بتعزيز آليات الحوار مع قبرص واليونان فنحن بذلك نعزز آليات الحوار مع الاتحاد الأوروبي، من خلال التواصل مع أحد الأطر الهامة والمؤثرة وهو الإطار المتوسطي في منظومة الاتحاد الأوروبي كما هو الحال بشأن علاقة الدبلوماسية المصرية تجاه دول وسط أوروبا تجاه دول "البلطيق"، كلها أطر هامة تتفاعل مع مصر لتؤثر على القرار داخل الاتحاد الأوروبي.
باستثناء "التصعيد التركي" غير القانوني والمستفز، جاء انعقاد القمة الثلاثية الأخيرة في ظل تطورات إيجابية سريعة تشهدها علاقات الدول الـثلاث، ما فتح آفاقا جدیدة لهذه العلاقات إلى درجة عالیة لم تکن متوقعة بالسرعة التي تمت بها، في ظل حالة اللاسلم واللاحرب التي سادت مجمل أوضاع منطقة شرق البحر المتوسط طیلة النصف قرن الماضي، نتيجة استمرار الأزمة القبرصية وعدم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ثم اندلاع الأزمة السورية في السنوات الأخيرة، ولعل من أبرز هذه التطورات ما يلي:
منتدى غاز شرق المتوسط من المنتظر أن يكون هذا المنتدى بمثابة آلية مهمة لتنسيق سياسات الغاز، وتحقيق المواءمة بين قطاع الطاقة وبين التنمية المستدامة، خاصة مع اتفاق هذه الدول على تكثيف المشاورات لرفع مستوى المنتدى إلى مستوى منظمة إقليمية، مع زيادة حضور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أنشطة المنتدى. وبعد أن تزايد التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، بشكل كبير نتيجة التوقيع على عدد من الاتفاقات المهمة، والتي من أهمها: الاتفاقية الإطارية بين الشركة المصرية القابضة للكهرباء والشركة الأوروبية الإفريقية للربط الكهربائي في 22 مايو 2019، والتي تهدف إلى إنشاء شبكة كهربائية بين مصر وقبرص واليونان، وكذا التوقيع على اتفاق منع الازدواج الضريبي بين مصر وقبرص، هذا إلى جانب توقيع مصر وقبرص رسميا في 18 سبتمبر 2018 على أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحري مباشر، بتكلفة تصل إلى نحو مليار دولار لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى تسهيلات الإسالة بمصر (في محطتي إدكو ودمياط) وذلك من أجل إعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية.
آلية التعاون الثلاثي بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا أسهمت أيضا في لعب دور إيجابي لتحقيق قدر أكبر من التقارب بين الدول العربية والدول الأفريقية من جانب، ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، خاصة بعد النجاح الذي حققته القمة العربية الأوروبية الأولى بمدينة شرم الشيخ في فبراير 2019. ومن المنتظر أن تواصل هذه الآلية هذا الدور مع قرب موعد انعقاد الدورة الرابعة من قمة الاتحاد الأوروبي-العالم العربي، المقرر انعقادها في أثينا يومي 29 و30 أكتوبر 2019، وفي ضوء بدء تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، والأهمية التي توليها مصر للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تجعل منها بوابة عبور لكثير من المنتجات العالمية للنفاذ إلى السوق الأفريقي. وأضف إلى ذلك نجاح الدول الثلاث في تعزيز تعاونها العسكري والاستراتيجي، وهو ما تمثل في إجراء مناورات "ميدوزا 8" مؤخرا. ويشير المراقبون إلى أن هذه المناورات كانت من أكبر التدريبات البحرية الجوية المشتركة التي تنفذ في البحر المتوسط، وقد اشتملت على تنفيذ العديد من الأنشطة منها، على سبيل المثال، قيام القوات بتخطيط وإدارة أعمال قتال جوية وبحرية مشتركة، والتدريب على أعمال الاعتراض البحري وأعمال الإمدادات والتزود بالوقود ومكافحة الغواصات، كما تضمنت أيضا مكافحة أعمال التهريب والهجرة غير الشرعية، وتنفيذ حق الزيارة والتفتيش واقتحام السفن المشتبه بها وأعمال الإبرار البحري والجوي، بمشاركة عناصر من قوات الصاعقة والمظلات والقوات الخاصة البحرية.
هذه التطورات الإيجابية، تقول إن التعاون المصري اليوناني القبرصي سوف يؤدي دورا كبيرا في تشكيل توازن قوى جديد ومؤثر في مستقبل منطقة شرق البحر المتوسط، خاصة وأنه يحقق كثيرا من المصالح والأهداف المشتركة للدول الثلاث في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية. كما سيسهم تعاون الدول الثلاث في "ردع" تركيا وتحجيم أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة؛ لذلك لم يكن غريبا أن يجدد القادة في قمة القاهرة تحذيرهم من "التوتر، والتصعيد" في منطقة شرق المتوسط، جراء "التحركات الأحادية" التركية للتنقيب عن مكامن الغاز أمام سواحل "قبرص الشمالية" التي لا تعترف بها سوى أنقرة، كما أدان قادة مصر واليونان وقبرص الإجراءات التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ومياهها الإقليمية، والتي تمثل انتهاكا للقانون الدولي، وكذلك المحاولات الجديدة من جانب أنقرة لإجراء عمليات تنقيب بشكل غير قانوني في مناطق بحرية تم ترسيم حدودها وفقا للقانون الدولي.
الزعماء الثلاثة أعربوا عن قلقهم البالغ من العملية العسكرية غير القانونية وغير المشروعة التي أعلنت تركيا شنها في الأراضي السورية، مؤكدين ضرورة العمل للحفاظ على وحدة الدولة السورية وسلامتها الإقليمية، كما أدانوا أيضا بشكل قوي "أي محاولة تركية لتقويض وحدة الأراضي السورية أو القيام بأي تغييرات ديمغرافية متعمدة في سوريا". كما ترى اليونان وقبرص أن التعاون مع مصر في المستقبل ضروري، حيث يمكن أن تؤدي القاهرة دورا مهما في تأمين استقرار طويل الأجل على جانبي المتوسط.
نتائج قمة القاهرة الثلاثية تعكس واحدا من أهم التحولات الجیوسیاسیة الجاریة حاليا في المنطقـة، وهو تنامي الشراكة الإستراتيجية بين مصر واليونان وقبرص لتحقيق المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة. وهذه الشراكة المتنامية، على الأرجح، لن تسهم فقط في تشكيل حلف سياسي واقتصادي جديد يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن والتنمية في المنطقة، وإنما أيضا في تحويل منطقة شرق البحر المتوسط إلى منطقة رخاء مشترك، وذلك على خلفية ثروات الغاز الطبيعي الضخمة الموجودة بالمنطقة. فالتعاون بين مصر وقبرص واليونان لن تستفيد منه الدول الثلاث فحسب، ولكنه سوف يمثل أيضا فائدة كبرى لكثير من القوى الأخرى في المنطقة وفي العالم.
القاهرة ـ نيقوسيا ـ أثينا
القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة الثلاثاء الماضي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره القبرصي نيكوس أناستاسياديس ورئيس وزراء اليونان الجديد كيرياكوس ميتسوتاكيس، جاءت لتؤكد التحالف الإقليمي المؤثر بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا، خاصة بعد التغيرات الاستراتيجية التي طرأت على منطقة شرق البحر المتوسط منذ الاكتشافات الهائلة لثروة ضخمة من الغاز الطبيعي.
تلك هي القمة السابعة من نوعها في إطار آلية التعاون الثلاثي التي أصبحت تؤدي دورا رئيسيا ليس فقط على مستوى تعزيز الاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي، وإنما أيضا على المستوى الاستراتيجي من خلال إعادة رسم خارطة القوى الإقليمية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ولعل انتظام عقد هذه القمة سنويا بين قادة الدول الثلاث، يعكس حرص هؤلاء القادة على تنسیق الجهود لإعادة ترتیب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقـة، بما یخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، والتي أصبحت تتجاوز المصالح الخاصة بالغاز الطبيعي وترسيم الحدود البحرية إلى بناء كيان إقليمي ضاغط ورادع للقوى المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة، وفي مقدمتها تركيا، والجماعات الإرهابية ذات الأيديولوجيات المتطرفة، وموجات الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، التي أصبحت تشكل مصدر قلق لحكومات دول منطقة البحر المتوسط.
بعد ثورة ٣٠ يونيو وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم شهدت منطقة البحر المتوسط تطورات كبيرة في العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، وتوجت هذه الجهود بتوقيع أول اتفاق لتقسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، تم من خلاله تحديد واضح لحدود المياه الإقليمية وحدود المنطقة الاقتصادية لكل من البلدين، كما شهدت مياه البحر المتوسط اشتراك القوات البحرية للدول الثلاث في مناورات عسكرية أوضحت بجلاء مدى استعدادها لحماية المصالح القومية لهذه الدول من الأطماع الخارجية وخاصة أطماع تركيا.
بفضل دعوة مصر إلى إنشاء منتدى غاز المتوسط، اكتسبت العلاقات بين الدول الثلاث بعدًا وعمقٌا استراتيجيا، كما أتاحت هذه الآلية الثلاثية الفرصة لدراسة سبل التوسع والتطور التدريجي فصار المنتدى أول منظمة للطاقة في البحر المتوسط بأكمله وليس في الجزء الشرقي منه فحسب، وبالتالي أفق جديد وسوق متكاملة للغاز في شرق المتوسط، كانت أحد أهداف مصر في دعوتها لإنشاء هذا المنتدى، وهى عملية تسعى لإنشاء سوق متكامل للغاز في شرق البحر المتوسط فهي عملية ممتدة ومركبة كما وصفها وزير الطاقة اليوناني الذي أكد أن هذا المنتدى وهذا السوق المتكامل للغاز سيعد إنجازًا يستحق الكفاح من أجله، حيث يحدد المنتدى عملية التوفيق بين المصالح المختلفة بين دول الإقليم بشكل تتحقق فيه المصالح العامة والخاصة لكل دولة دون السعي لفرض إرادات أو استغلال ثروات، بل تحقيق المصالح والفوائد المشتركة لكل الأطراف.
ضمن الخيارات المتاحة لاستغلال ثروات المنطقة، بحث المنتدى حتى الآن فكرة ربط خط أنابيب غاز من قبرص إلى محطات الإسالة في مصر فى إدكو، وبالتالي نقل الغاز المسال إلى اليونان إلى أوروبا عبر منظومة الغاز اليونانية، والخيارات الأخرى إنشاء خط أنابيب شرق المتوسط لربط احتياطيات الغاز عبر اليونان للسوق الإيطالية. وبالتالي يمكن رصد العديد من أهداف الدورة السابعة لقمة الدول الثلاث، كما أن معنى استمرار انعقاد هذه القمة هو إنها تحقق أهدافها وإنها ذات طابع هام واستراتيجى. ولعل أبرز هذه الأهداف هو تحقيق أمن واستقرار البحر المتوسط، كما أنها أداة فاعلة لتعزيز التعاون الثلاثي، خاصة في المجال التنموي والاقتصادي وفى مجالات الطاقة بالإضافة الى إنها إطار يتيح للدول الثلاث تبادل الرأي بشأن القضايا المطروحة على الساحة سواء أكانت قضايا تتعلق بالمنطقة العربية مثل سوريا، ليبيا، اليمن، القضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بقضايا منطقة المتوسط والهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب بالإضافة الى القضية القبرصية.
كل ذلك يأتي بالتزامن مع تعرض المنطقة لتهديدات متعددة، بسبب استمرار النزاع في سوريا وشمال إفريقيا في ليبيا، واستمرار الهجرة غير الشرعية، وهناك أيضًا بعد هام إنه بتعزيز آليات الحوار مع قبرص واليونان فنحن بذلك نعزز آليات الحوار مع الاتحاد الأوروبي، من خلال التواصل مع أحد الأطر الهامة والمؤثرة وهو الإطار المتوسطي في منظومة الاتحاد الأوروبي كما هو الحال بشأن علاقة الدبلوماسية المصرية تجاه دول وسط أوروبا تجاه دول "البلطيق"، كلها أطر هامة تتفاعل مع مصر لتؤثر على القرار داخل الاتحاد الأوروبي.
باستثناء "التصعيد التركي" غير القانوني والمستفز، جاء انعقاد القمة الثلاثية الأخيرة في ظل تطورات إيجابية سريعة تشهدها علاقات الدول الـثلاث، ما فتح آفاقا جدیدة لهذه العلاقات إلى درجة عالیة لم تکن متوقعة بالسرعة التي تمت بها، في ظل حالة اللاسلم واللاحرب التي سادت مجمل أوضاع منطقة شرق البحر المتوسط طیلة النصف قرن الماضي، نتيجة استمرار الأزمة القبرصية وعدم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ثم اندلاع الأزمة السورية في السنوات الأخيرة، ولعل من أبرز هذه التطورات ما يلي:
منتدى غاز شرق المتوسط من المنتظر أن يكون هذا المنتدى بمثابة آلية مهمة لتنسيق سياسات الغاز، وتحقيق المواءمة بين قطاع الطاقة وبين التنمية المستدامة، خاصة مع اتفاق هذه الدول على تكثيف المشاورات لرفع مستوى المنتدى إلى مستوى منظمة إقليمية، مع زيادة حضور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أنشطة المنتدى. وبعد أن تزايد التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، بشكل كبير نتيجة التوقيع على عدد من الاتفاقات المهمة، والتي من أهمها: الاتفاقية الإطارية بين الشركة المصرية القابضة للكهرباء والشركة الأوروبية الإفريقية للربط الكهربائي في 22 مايو 2019، والتي تهدف إلى إنشاء شبكة كهربائية بين مصر وقبرص واليونان، وكذا التوقيع على اتفاق منع الازدواج الضريبي بين مصر وقبرص، هذا إلى جانب توقيع مصر وقبرص رسميا في 18 سبتمبر 2018 على أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحري مباشر، بتكلفة تصل إلى نحو مليار دولار لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى تسهيلات الإسالة بمصر (في محطتي إدكو ودمياط) وذلك من أجل إعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية.
آلية التعاون الثلاثي بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا أسهمت أيضا في لعب دور إيجابي لتحقيق قدر أكبر من التقارب بين الدول العربية والدول الأفريقية من جانب، ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، خاصة بعد النجاح الذي حققته القمة العربية الأوروبية الأولى بمدينة شرم الشيخ في فبراير 2019. ومن المنتظر أن تواصل هذه الآلية هذا الدور مع قرب موعد انعقاد الدورة الرابعة من قمة الاتحاد الأوروبي-العالم العربي، المقرر انعقادها في أثينا يومي 29 و30 أكتوبر 2019، وفي ضوء بدء تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، والأهمية التي توليها مصر للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تجعل منها بوابة عبور لكثير من المنتجات العالمية للنفاذ إلى السوق الأفريقي. وأضف إلى ذلك نجاح الدول الثلاث في تعزيز تعاونها العسكري والاستراتيجي، وهو ما تمثل في إجراء مناورات "ميدوزا 8" مؤخرا. ويشير المراقبون إلى أن هذه المناورات كانت من أكبر التدريبات البحرية الجوية المشتركة التي تنفذ في البحر المتوسط، وقد اشتملت على تنفيذ العديد من الأنشطة منها، على سبيل المثال، قيام القوات بتخطيط وإدارة أعمال قتال جوية وبحرية مشتركة، والتدريب على أعمال الاعتراض البحري وأعمال الإمدادات والتزود بالوقود ومكافحة الغواصات، كما تضمنت أيضا مكافحة أعمال التهريب والهجرة غير الشرعية، وتنفيذ حق الزيارة والتفتيش واقتحام السفن المشتبه بها وأعمال الإبرار البحري والجوي، بمشاركة عناصر من قوات الصاعقة والمظلات والقوات الخاصة البحرية.
هذه التطورات الإيجابية، تقول إن التعاون المصري اليوناني القبرصي سوف يؤدي دورا كبيرا في تشكيل توازن قوى جديد ومؤثر في مستقبل منطقة شرق البحر المتوسط، خاصة وأنه يحقق كثيرا من المصالح والأهداف المشتركة للدول الثلاث في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية. كما سيسهم تعاون الدول الثلاث في "ردع" تركيا وتحجيم أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة؛ لذلك لم يكن غريبا أن يجدد القادة في قمة القاهرة تحذيرهم من "التوتر، والتصعيد" في منطقة شرق المتوسط، جراء "التحركات الأحادية" التركية للتنقيب عن مكامن الغاز أمام سواحل "قبرص الشمالية" التي لا تعترف بها سوى أنقرة، كما أدان قادة مصر واليونان وقبرص الإجراءات التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ومياهها الإقليمية، والتي تمثل انتهاكا للقانون الدولي، وكذلك المحاولات الجديدة من جانب أنقرة لإجراء عمليات تنقيب بشكل غير قانوني في مناطق بحرية تم ترسيم حدودها وفقا للقانون الدولي.
الزعماء الثلاثة أعربوا عن قلقهم البالغ من العملية العسكرية غير القانونية وغير المشروعة التي أعلنت تركيا شنها في الأراضي السورية، مؤكدين ضرورة العمل للحفاظ على وحدة الدولة السورية وسلامتها الإقليمية، كما أدانوا أيضا بشكل قوي "أي محاولة تركية لتقويض وحدة الأراضي السورية أو القيام بأي تغييرات ديمغرافية متعمدة في سوريا". كما ترى اليونان وقبرص أن التعاون مع مصر في المستقبل ضروري، حيث يمكن أن تؤدي القاهرة دورا مهما في تأمين استقرار طويل الأجل على جانبي المتوسط.
نتائج قمة القاهرة الثلاثية تعكس واحدا من أهم التحولات الجیوسیاسیة الجاریة حاليا في المنطقـة، وهو تنامي الشراكة الإستراتيجية بين مصر واليونان وقبرص لتحقيق المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة. وهذه الشراكة المتنامية، على الأرجح، لن تسهم فقط في تشكيل حلف سياسي واقتصادي جديد يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن والتنمية في المنطقة، وإنما أيضا في تحويل منطقة شرق البحر المتوسط إلى منطقة رخاء مشترك، وذلك على خلفية ثروات الغاز الطبيعي الضخمة الموجودة بالمنطقة. فالتعاون بين مصر وقبرص واليونان لن تستفيد منه الدول الثلاث فحسب، ولكنه سوف يمثل أيضا فائدة كبرى لكثير من القوى الأخرى في المنطقة وفي العالم.