ياسر بركات يكتب عن: مع خريف الليرة صيف لبنانى ساخن
ميشيل عون يبحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية والفضائح تطارد الكبار
ثلاث أزمات أشعلت الوضع فى لبنان، أولها أزمة المحروقات التى ستفتتح الأسبوع المقبل على إضراب مفتوح هدّد به أصحاب المحطات. والثانية إمكانية توقف الأفران والمخابز عن العمل. والثالثة - وهى الأخطر - ملامح أزمة فى استيراد الأدوية.
الأزمات كلّها مرتبطة بارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكى مقابل العملة الوطنية، لأن التجّار يشترون المواد بالدولار ويبيعونها للمستهلك بالليرة اللبنانية، فى ظلّ عدم قدرة مصرف لبنان المركزى على الإمساك بهذه اللعبة.
وبعدما أقفلت بوجهها كل سبل الحلّ، قررت نقابة أصحاب المحطات وأصحاب الصهاريج وموزعو المحروقات الإضراب يوم الاثنين المقبل، ما لم تسفر الاتصالات الجارية عن حلول ترضى العاملين فى القطاع.
فى محاولة لامتصاص الغضب، قال رئيس الجمهورية ميشال عون إن أى فشل هو فشل لكل السلطة، وأثنى على عمل الحكومة، نافياً كل الشائعات التى نسبت إليه عكس ذلك، بينما دعا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريرى إلى عدم المزايدة حول الإصلاحات، مطالبا الجميع بالعمل على تحقيقها.
مواقف عون والحريرى جاءت فى جلسة مجلس الوزراء التى انعقدت الخميس، للمرة الأولى بعد أزمة الدولار التى شهدها لبنان الأسبوع الماضى والاحتجاجات الشعبية؛ حيث شدّد رئيس الحكومة، بحسب المصادر «على أن الإصلاحات ستشمل كل القطاعات دون استثناء، داعياً الفرقاء إلى عدم المزايدة فى موضوع الإصلاحات والعمل يداً واحدة، لأن إنجازها سيكون ربحاً للجميع». وأوضح أنه «لكى لا يتأخر إقرار الموازنة سيتم تضمينها ما أنجز منها إلى الآن، على أن يستمر البحث بكل الدراسات والأوراق الأخرى المقدمة فى اجتماعات اللجنة الإصلاحية، وتقدم تباعاً كمشروعات قوانين لإقرارها»، وهو الموقف الذى أيّده وزير المالية على حسن خليل.
ونفى الحريرى بعد الاجتماع وجود اى مشكلة بينه وبين الرئيس عون. كما سبق أن نفى عون الشائعات حول موقفه من الحكومة، مثنياً فى المقابل على عملها، ومجدداً تأكيده على ضرورة محاكمة مطلقى الشائعات، وفق ما ينص عليه قانون العقوبات، وليس المطبوعات.
هذا الموضوع كان محور كلمة رئيس الجمهورية فى مستهل جلسة الحكومة؛ حيث أكد «أن حق التظاهر لا يعنى حق الشتيمة، وحرية الإعلام لا تعنى حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن». وشدد على «أن الوقت اليوم ليس للمزايدة، بل لحل المشكلات، وخصوصاً الاقتصادية منها، وأولها إكمال الموازنة». وأضاف: «أنا رئيس الدولة، وأمثل كرامة اللبنانيين وهيبة الدولة، ونحن جميعاً نمثل السلطة الإجرائية، وأى فشل لنا هو فشل لكل السلطة، ولذلك ممنوع أن نفشل، ولن نفشل».
رئيس الجمهورية اللبنانى دعا إلى أن يمارس كل مسئول صلاحياته، وإذا أخطأ فلا بد من محاسبته وفقاً للأصول والقواعد القانونية، طالباً من الوزراء تحمل مسئولياتهم والدفاع عن الحكومة، وشرح ما يقومون به للمواطنين ليكونوا على بيّنة ولا يستمعون للشائعات التى تُطلق من هنا وهناك. وشدد الرئيس عون على أن القوانين وضعت للتطبيق، وليس للاطلاع عليها فقط.
الرئيس عون أثار أيضاً فى الجلسة ضرورة البحث فى مسألة التعامل بالليرة اللبنانية، وفق ما تنص عليه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، فتحدث وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، لافتاً إلى أن النصوص القانونية تلزم التداول بالعملة اللبنانية، وتفرض عقوبات على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية. وقال الوزير بطيش إنه أصدر فى شهر مايو (أيار) قراراً بهذا الشأن، وإنه راسل وزارة الاتصالات بوجوب اعتماد الليرة اللبنانية فى إعلان أسعار السلع والخدمات وفى تسديد الفواتير، خاصة أن شركتى «ألفا» و»تاتش» تصدران فواتيرهما بالدولار الأمريكي، على غرار البطاقات المسبقة الدفع، ما أدى إلى بلبلة فى الأسواق، مقترحاً استحصال المتاجر التى تبيع البطاقات على ترخيص من وزارة الاتصالات بهدف تنظيم هذا القطاع والحد من العشوائية فيه.
وبعد انتهاء الجلسة، قال وزير الإعلام جمال الجراح: «إن جميع الوزراء أكدوا على مبدأ الحريات، وهناك حدود فى المقابل صانها الدستور، ونصّت عليها القوانين التى ترعى التعاطى مع هذه الحريات، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمقامات، ولا سيما مقام رئيس الجمهورية والوزراء». وأضاف: «ما أطلق فى اليومين الأخيرين من إشاعات ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد والمالية العامة، وقد تمنى الجميع على وسائل الإعلام توخى الدقة بنشر الأخبار التى تتصل بالنقد الوطنى وبالاقتصاد». وبينما رأى أن الإعلام ينقل ما يقوله السياسيون، قال: «لكن هناك أمراً آخر حيث يجتهد بعض الإعلاميين فى تحليل الوضع الاقتصادى والمالي، بما يؤثر سلباً على الوضع العام، إضافة إلى شتم المسئولين، وهذا أمر غير مقبول».
وعن جدول أعمال الحكومة، لفت الجراح إلى أنه أقرّ باستثناء بند واحد، وأنه سيتم استكمال التعيينات فى وقت قريب جداً، مضيفاً أن «كل إصلاح يمكن أن يكون من ضمن الموازنة سيرد فى متنها ضمن المهلة الدستورية، وكل إصلاح يجب إرساله إلى مجلس النواب سيصل وفق مشروع قانون، وعمل اللجنة الإصلاحية سيستمر حتى بعد الموعد الدستورى وتقديم الموازنة إلى المجلس النيابي». وفى ردّ على سؤال حول موقف كل من «حزب القوات» و»التيار الوطنى الحر» بأنه لا موازنة إلا ضمن إصلاحات، قال: «لم يقل أحد ذلك، إلا أنه كان تأكيداً من (القوات) و(التيار الوطنى الحر) بشكل خاص، على ضرورة تضمين الموازنة إصلاحات جذرية تؤدى إلى استقرار اقتصادى ومالي، وهذا ما ينادى به كل الفرقاء فى المجلس، لأن الجميع حريص على إنجاز الموازنة فى أقرب وقت لإرسالها إلى مجلس النواب فى موعدها الدستورى فى 15 أكتوبر، كما سترسل إصلاحات أخرى إلى مجلس النواب وفق مشروعات قوانين، وسيتواصل البحث فى إصلاحات أيضاً على غرار مناقشة النظام الجمركى الجديد بخطوطه الأولية، وهو مشروع مهم، لأنه يسهّل عمل التجار والمستوردين ويؤمّن مدخولاً إضافياً للخزينة، ولكنه مشروع لا يمكن الانتهاء منه خلال فترة قصيرة جداً. كما يتم أيضاً البحث فى قانون المناقصات الجديد الذى يؤمّن شفافية للمناقصات، وفى حال لم يتم الانتهاء منه قبل تقديم الموازنة، فسيصل إلى مجلس النواب بمشروع قانون منفصل».
وعن موعد الانتهاء من البحث فى الموازنة وإحالتها ضمن موعدها الدستوري، قال الجراح: «الأرقام كانت قد أنجزت بشكل كامل، ما عدا الجزء الثانى من أرقام وزارة الخارجية ووزارة الأشغال، لغياب الوزيرين فى حينه. بنود المواد القانونية ستستكمل، والإصلاحات سبق أن ذكرت كيفية التعامل معها، لأن عملية الإصلاح مستمرة ودائمة ولا تنتهى مع الموعد الدستورى للموازنة، إلا أنه مع نهاية العام يجب أن تكون لجنة الإصلاح المالى والاقتصادى قد أنجزت كل ما عليها القيام به». وعما إذا كان لبنان تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية أم أن فى الأمر تجميلاً للواقع؟ قال: «لدى لبنان القدرة على تجاوز هذه الأزمة، إنما الأمر يحتاج إلى بعض الهدوء، فنحن نملك إمكانات كبيرة للخروج من الأزمة».
وفى ردّ على سؤال حول «مَن المعنيّ بالفوضى التى حصلت الأسبوع الفائت؟» أجاب الجراح: «لا أعلم، لكن المؤكد أنه ليس الإعلام، فهناك وزراء ونواب يدلون بتصريحات سلبية عن الأوضاع، وهذا أمر تم طرحه فى مجلس الوزراء، وقد أكده دولة الرئيس، مؤكداً فى الوقت عينه «أن المسئولين السياسيين ورئاسة الجمهورية فريق واحد، لكن بعض السياسيين يجتهدون فى الكلام».
ثلاثة عقود مرّت على انتهاء الحرب الأهلية فى لبنان، لكن مآسى اللبنانيين لم تنته بعد، بل تتنقل من أزمة إلى أخرى، بدءاً من الكهرباء إلى الاتصالات والمياه والنفايات وقطاع النقل. أما أحدثها، فهى الأزمة الاقتصادية والمالية التى تنذر بانفجار شعبي، بدأت ملامحه تظهر فى تحركات شعبية على الأرض، وتهدد بقلب الطاولة، فى حين تلجأ الدولة جرياً على عادتها إلى الحلول المؤقتة و»الترقيعية»، التى تخدّر الناس لأشهر قليلة، قبل أن تعود لتنفجر فى مكان آخر.