ياسر بركات يكتب عن: الرئيس الإسرائيلى كلّفه بتشكيل حكومة.. السفاح نتنياهو كمان وكمان
قرّر الرئيس الإسرائيلى، رءوبين رفلين، تكليف رئيس الوزراء الحالى، بنيامين نتنياهو، تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد أن فشلت المفاوضات بين حزب نتنياهو (الليكود)، وحزب الجنرالات (كحول لفان) برئاسة بينى جانتس. وقد لمح رفلين بأن قراره جاء بعد أن أوضح النواب العرب فى القائمة المشتركة أن "توصيتهم على جانتس كانت محدودة". وقد شكره نتنياهو قائلاً إنه يرحب بهذه المسئولية، لأن إسرائيل تواجه 3 تحديات كبيرة، لا يجوز تفويت الفرصة لمجابهتها. الأول هو الوضع الأممى والخطر الإيرانى، والثانى الوضع الاقتصادى، والثالث هو الخطة الأمريكية للتسوية السلمية.
كانت المفاوضات بين الطرفين لتشكيل حكومة وحدة قد اصطدمت برفض أوساط واسعة فى صفوفهما الداخلية. ومن جهته، حاول رفلين التوسط، فجمع جانتس ونتنياهو مرتين، الاثنين والأربعاء، وخرج باستنتاج أن الوحدة ليست واقعية. لذلك، قرر وضع المنتخبين عند مسئولياتهم.
كلا المرشحين لم يستطع جمع 61 نائباً يؤيده فى الحكومة. لذلك، أصبحت العصمة بيد الرئيس الإسرائيلى. فقرر أن يفحص من توجد له قاعدة راسخة وقريبة أكثر. فوجد أن لدى نتنياهو 55 نائباً يوصون عليه بلا تحفظ. بينما جانتس جلب 57 نائباً، لكن 3 منهم انسحبوا (يقصد نواب حزب التجمع، فى القائمة المشتركة)، و10 آخرين (هم بقية نواب المشتركة) قالوا إنهم يؤيدون أن يشكل جانتس الحكومة، ولكنهم يرفضون أن يكونوا جزءاً منها. وعليه، أصبح جانتس يحسب بتوصيات حزبه وحزبى العمل وميرتس، 44 نائباً.
حذّر رفلين من أن الجمهور غير معنى بانتخابات أخرى، ولذلك فإنه سيسعى إلى دفع الأحزاب إلى القيام بمسئولياتها فى تشكيل حكومة. وصرح رفلين بأن نتنياهو، سيعيد كتاب التكليف له فى حال فشل فى تشكيل الحكومة هذه المرة، وليس كما حصل فى الانتخابات الأخيرة، عندما التف على رئيس الدولة وتوجه إلى الكنيست ومرّر قانوناً يقضى بإعادة الانتخابات. وقد صادق نتنياهو على هذا الكلام وتعهد أمام الجمهور بأن يعيد كتاب التكليف، ويسعى بكل قوته لئلا تكون انتخابات أخرى.
غادر جانتس مقر رؤساء إسرائيل، قبل أن يخرج رفلين ونتنياهو إلى الصحف. وسبقه المرشح الثانى فى قائمته، يائير لبيد، بتغريدة على "تويتر"، قال فيها إنه يعارض بشدة المشاركة فى حكومة يشارك فيها نتنياهو الفاسد، حتى فى حالة التناوب على رئاسة الحكومة. وقد اندفع عدد كبير من قادة هذا الحزب ينشرون مواقف مشابهة، مؤكدين أنهم لا يريدون أن يروا أنفسهم وزراء فى حكومة برئاسة نتنياهو، وهو يتلقى بعد بضعة أشهر، لوائح اتهام بـ3 قضايا فساد كبرى. وذكرت مصادر مقربة من لبيد أن نتنياهو رفض عرضاً من حزب الجنرالات بأن يتعهد للجمهور بالاستقالة فى حال توجيه لائحة اتهام ضده.
واعتبر الرئيس رفلين هذا الوضع مأزقاً شديداً فى السياسة الإسرائيلية. وقال إنه يطرح فكرة لسنّ قانون جديد أو إدخال تعديلات على قانون الانتخابات الحالى، "لضمان شعور الجميع بأن العملية الديمقراطية هى نزيهة ومبنية على مبدأ الشفافية والمساواة وتمكين الجميع من المشاركة فيها". وفى التفاصيل، تبين أنه يريد ألا يصل إلى وضع يكون فيه رئيس الحكومة مشلولاً عشية الانتخابات، ولا يريد أن يكون هناك مجال لانتخاب رئيس حكومة والسماح له بأداء مهامه، حتى لو كانت موجهة ضده لائحة اتهام.
بعد فشل جلسة ثانية بين وفدى التفاوض لتشكيل حكومة وحدة فى إسرائيل بين ممثلى الحزبين الكبيرين، بدأت تظهر علامات تململ فى صفوف حزب الليكود تحذر من "توريط الدولة فى انتخابات ثالثة فى هذه السنة"، وتسمع فى الكواليس كلمات تذمر قاسية من أداء "الزعيم"، وخرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بهجوم مباشر ضد المتمردين، وعقد اجتماعاً ضم مئات القادة الميدانيين فى الحزب وراح يؤلبهم على من يسعون للتخلص منه ويتهمهم بالخيانة. وقال نتنياهو فى خطاب حاد إن "هناك من يسرب للإعلام بأن بعض قادة الليكود يريدون إسقاطى حتى يقيموا حكومة مع بينى جانتس. وأنا أقول إن هذه مجرد أوهام يبثها حزب جانتس. فهل تصدقون أن أحداً منا يخرج عن الإجماع؟ هل تصدقون أن هناك من يجرؤ على التمرد على هذه العائلة؟ (يقصد الحزب)، فالليكود ليس مجرد حزب، بل إنه عائلة واحدة متمسكة بقيادتى ولا يوجد ليكودى أصلى مخلص يقبل أن يجروه إلى انقسام أو تصدع أو حتى خدش صغير".
هذا الخطاب بمنزلة تعبير عن أزمة نتنياهو، إذ إنه يعرف أن كثيرين فى الحزب باتوا يرون فيه عبئاً وليس كنزاً، كما كانوا يرونه عشية الانتخابات. وقسم منهم تركوا صفوف الحزب وصوتوا علناً لأحزاب أخرى، بينهم قادة بارزون أمثال دان مريدور وبينى بيجن وميخائيل إيتان وغيرهم. وأكد المراقبون أن عدداً كبيراً من قادة الليكود يمكن أن يتركوا الليكود فى حال فشل نتنياهو فى تشكيل الحكومة المقبلة، خصوصاً إذا وجدوا أن نتنياهو يقود إسرائيل إلى انتخابات جديدة للمرة الثالثة فى سنة واحدة.
وأعلن رئيس بلدية رمات جان، الذى كان عضو كنيست عن الليكود، كرميل شاما، أنه سيخرج للتظاهر فى الشوارع مع ألوف الإسرائيليين فى حال التوجه إلى انتخابات. وقال شاما: "التوجه إلى انتخابات يعتبر خطاً أحمر. فكل من يعيش مع الناس ويسمع نبضهم يعرف أن الجمهور مل من الانتخابات وسوف يعاقب بقسوة شديدة من يأخذنا للانتخابات مرة ثالثة خلال سنة. وأنا سأكون واحداً من آلاف الناس الذين سينزلون إلى الشارع ويحتجون".
وكانت قد انتهت، ظهر الجمعة، جولة ثانية من المفاوضات الائتلافية بين حزبى "كحول لفان" (أزرق أبيض) والليكود، ففشلت فى التقدم ولو خطوة واحدة فى المفاوضات على تشكيل حكومة وحدة بينهما، وبعد 4 ساعات من المباحثات، انفضوا بلا نتيجة. واتفق طاقما التفاوض على استئناف المفاوضات بداية الأسبوع المقبل. وقد كشف ممثلو الليكود أنهم أبلغوا موافقتهم على أن تكون خطة الرئيس الإسرائيلى، رءوفين ريفلين، قاعدة للتفاوض. وتقضى هذه الخطة بتشكيل حكومة وحدة مع اتفاق تناوب بين نتنياهو وجانتس. وفى حال تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، ويتعذر عليه القيام بمهام منصبه، يتسلم جانتس مهام رئيس الحكومة من دون أن يضطر نتنياهو إلى تقديم الاستقالة من المنصب. وذكر بيان صادر عن الليكود أن أعضاء طاقم التفاوض عن "كحول لفان" لم يستجيبوا بوضوح لهذا المقترح. وأضاف البيان أن الوزيرين ياريف ليفين وزئيف إلكين، طالبا ممثلى "كحول لفان" بأن يقدموا ردهم على المقترح الذى تقدم به ريفلين، وإذا ما كانوا يقبلون به أساساً للمفاوضات الائتلافية الجارية، أم لا، فى محاولة لتجنب انتخابات ثالثة فى أقل من عام.
فى المقابل، نفى المسئولون فى "كحول لفان"، ادعاءات الليكود، وقالوا إن طاقم الليكود يصر على موقفه باعتماد مسألة تناوب واستمرار نتنياهو فى منصبه برئاسة الحكومة، كأساس للمباحثات. ولكنهم فى الوقت ذاته أكدوا أن جلسة مباحثات أخرى ستعقد بينهما فى القريب. وأوضحوا أن ممثلى "كحول لفان" قدموا لطاقم التفاوض عن الليكود مجموعة من القضايا لمناقشتها والاتفاق حولها، غير أن المسئولين فى الليكود أصروا على موقفهم واشترطوا موافقة مسبقة على استمرار نتنياهو فى منصبه رئيساً للحكومة وطالبوا بمناقشة إمكانية التناوب. كما عاد هؤلاء المسئولون ليعبروا عن رفض "كحول لفان"، إصرار الليكود على أن يفاوض باسم كتلة اليمين كلها، التى تضم 55 عضواً. وقالوا إن إصرار "الليكود" على استمرار نتنياهو فى الحكم وضرورة التوصل إلى اتفاق تناوب يدل على أنهم يحاولون المماطلة فى التفاوض، وبالتالى جر المنظومة السياسية الإسرائيلية إلى انتخابات ثالثة. وفى هذا السياق، وصف مسئول فى "كحول لفان" مطلع على مجريات المباحثات، جلسة المفاوضات بأنها "حوار طرشان"، وشدد على أن "المباحثات لا تزال عالقة فى نقطة البداية".
فى مواجهة مباشرة بادر إليها نتنياهو مع المستشار القضائى للحكومة أفيحاى مندلبليت، تلقى ضربتين من النيابة من شأن كل منهما أن تورطه أكثر فى ملفات الفساد وتجعله أكثر عصبية، وبالتالى أكثر اقترافاً للأخطاء.
كانت الضربة الأولى التى تلقاها نتنياهو قد جاءت من النيابة العامة التى أعلنت انتهاءها من فحص ملفات شركائه فى الملفات الثلاثة، رجال الأعمال الذين يشتبه فى أنهم قدموا له الرشى، وصاحب جريدة "يديعوت أحرونوت"، وصاحبى موقع "واللا" الإخبارى اللذين تفاوضا معه على الحصول على مكاسب تجارية مقابل تحسين صورته فى منشوراتهما. وخلصت إلى توصية للمستشار القضائى بضرورة تقديم لوائح اتهام لهم. وأفاد خبراء قانونيون بأن تقديم شركاء نتنياهو إلى القضاء يعنى تقديم نتنياهو أيضاً، إذ لا يعقل أن توجه لائحة اتهام لكل واحد من شركائه فى الجريمة، ويخرج هو بريئاً. فالقانون يحاسب ويعاقب من يقدم الرشى، ولكنه يعاقب بصورة أشد من يتلقى الرشى.
أما الضربة الثانية فتلقاها نتنياهو مباشرة من المستشار مندلبليت الذى يعد صديقه وكاتم أسراره، وكان نتنياهو قد عينه سكرتيراً لحكومته، ثم رقاه إلى منصب المستشار القضائى. توجه نتنياهو إلى مندلبليت طالباً أن تكون جلسة السماع، المقررة ليومى 2 و3 أكتوبر المقبل، جلسة علنية تبث بشكل مباشر على الهواء. ورد مندلبليت على الطلب فى رسالة عاجلة، بعد ساعات قليلة من تسلمه الطلب، ولم يكتفِ بالرد السلبى ورفض الطلب عملياً، بل كانت الرسالة شديدة اللهجة حازمة بشكل خاص. وجاء فى الرسالة الموجهة إلى محامى الدفاع عن نتنياهو: "هذا طلب غريب عجيب نادر الحدوث، ولا يمكن قبوله"، وأضاف: "جلسات السماع تهدف إلى إقناع السلطات القانونية ببراءة موكلكم، وليس لإقناع الجمهور بذلك؛ إنه قرار مهنى يجب أن يظل مستقلاً عن أى حكم خارجى أو ضغط سياسى. وقد كان من الأفضل، بدلاً من تقديم طلبات غير ذات صلة من الواضح أنها لن تقبل، اتباع التعليمات، وتقديم مذكرات دفاع موسعة على الشبهات المقدمة".
لم يتقبل نتنياهو هذا الرد، وهاجم مستشاره القضائى علناً، بقوله إن "رده مخيب للآمال. وستكون نتيجته جعلها محاكمة ميدانية غير عادلة لرئيس الحكومة"، وقال أيضاً: "خلال السنوات الأربع الماضية، صاحبت التحقيقات ضدى مئات التسريبات المحرفة والعدوانية والجنائية، التى وجهت إلى مسامع الجمهور بهدف توليد صخب إعلامى جارف ضد رئيس الحكومة، وهذا غير مقبول فى الأنظمة الديمقراطية، وبالتالى كان من المناسب معالجة الوضع من خلال فتح أبواب الجلسة أمام الجمهور، ولكى ينكشف الجمهور على جميع الحقائق، وليس على التسريبات الموجهة". واستطرد نتنياهو مخاطباً مندلبليت: "أنت تعلم أن الشفافية تمنح الحقيقة. ففى جميع الأحوال، ستكون هناك تسريبات، ونحن نشاهد 300 تسريب، من دون أى معالجة وأى تحقيق. لذلك فإن هذه الآلية ستستمر. فلماذا يتغذى الجمهور على أمور جزئية؟ فليخرج كل شىء، وليس فقط أنه ليس لدى ما أخفيه، وإنما أريد أن يسمع الجميع. هذا هو طلبى، بث حى لجلسة الاستجواب، وهكذا نضمن العدل والحقيقة".
يشار إلى أن جلسة السماع تتمحور حول ثلاثة ملفات جنائية: "الملف 1000" المتعلق بحصول نتنياهو وزوجته ونجله على منافع وهدايا من أثرياء؛ و"الملف 2000" المتعلق بمحادثات نتنياهو مع ناشر "يديعوت أحرونوت"، نواح موزيس، لضمان تغطية داعمة لنتنياهو، مقابل وقف مجانية صحيفة "يسرائيل هيوم"؛ والملف 4000 المتعلق بمنح امتيازات لشركة "بيزك"، مقابل تغطية داعمة فى موقع "واللا" الإلكترونى لصاحبيهما ألولوفتش. وكان مندلبليت قد أعلن أنه ينوى تقديم لائحة اتهام، لكنه خفف التهم، ثم قال إن قراره النهائى سيصدر لاحقاً بعد جلسة الاستماع التى راح نتنياهو يماطل فى تحديدها. وقد ترددت أنباء، الأسبوع الماضى، حول صفقة ادعاء أو قرار عفو عن نتنياهو، مقابل اعتزاله السياسة، لكن مسئولاً قضائياً رفيعاً شدد على أن احتمالاً كهذا ليس وارداً فى حالة نتنياهو، رغم أن هناك صفقات ادعاء تعقد مع الغالبية العظمى للمتهمين، لكن توجد مصلحة عامة فى القضايا والشبهات ضد نتنياهو. وستتيح هذه الجلسة لمحامى نتنياهو فرصة أخيرة للدفاع عن موكلهم، قبل أن يقرر المستشار القضائى ما إذا كان سيوجه الاتهام إليه أم لا.