ياسر بركات يكتب عن: مفاجأة البنك المركزى للمصريين
أخطر تقرير عن الاقتصاد المصرى بعد قرار خفض الفائدة
ـ تحليلات الخبراء عن انتعاش حياة المصريين بعد ضغوط التضخم
ـ لجنة السياسة النقدية تتعهد باستقرار الأسعار على مدى كبير
ـ الجنيه المصرى حقق 7% مقابل مؤامرة الدولار الشهيرة
ـ ثلاثة بنوك مصرية تبدأ تطبيق قرار خفض معدلات الفائدة
للمرة الأولى منذ فبراير الماضى، وبعد انخفاض معدلات التضخم عن المتوقع فى الآونة الأخيرة، أعلن البنك المركزى المصرى، الخميس الماضى عن خفض أسعار الفائدة الرئيسية 150 نقطة أساس. وقالت لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك، فى بيان، إنها قررت خفض سعر الإيداع لأجل ليلة واحدة إلى 14.25% بدلا من 15.75%، وسعر الإقراض لليلة واحدة إلى 15.25% من 16.75%. وهى الخطوة التى تأتى بعد أن تباطأ معدل التضخم إلى 8.7% فى يوليو بدلا من 9.4% فى يونيو، مفاجئاً المحللين الذين توقعوا ارتفاع الضغوط التضخمية فى أعقاب جولة من تخفيضات الدعم رفعت أسعار الوقود بين 16 و30%.
خفض الفائدة اتجاه عالمى، فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرها، وكان مؤشر التضخم السبب المباشر والرئيس فى رفع سعر الفائدة بمقدار 7% فى أعقاب تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016، وبالتالى وبعدما شهد مؤشر التضخم تراجعا فإنه يعطى حافزا لخفض سعر الفائدة، الأمر الذى يشجع على الاقتراض، بخاصة الشركات التى لا تنطبق عليها شروط مبادرة البنك المركزى لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالى تحريك السوق. ونضيف إلى ذلك أن تخفيض الفوائد الخاصة بكل الأوعية الادخارية للبنوك سيؤدى إلى عدم جذب الأوعية الادخارية للمودعين والمدخرين، وبخاصة صغار المدخرين، الأمر الذى يدفعهم إلى البحث عن وسائل استثمارية تعطى عائدا أكبر من العوائد التى تمنحها البنوك، بخاصة بعد انتهاء آجال شهادات قناة السويس.
مصادر رسمية مطلعة، قالت إن قرار تخفيض "المركزى المصرى" لأسعار الفائدة سينعش الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، وسيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلى، وسط توقعات بأن تتجه البورصة المصرية إلى الصعود خلال جلسات الأسبوع المقبل. وفى بيانها، أوضحت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، أن هناك عدة أسباب دفعتها إلى خفض أسعار الفائدة على عائد الإيداع والإقراض.
أول هذه الأسباب يتعلق باستمرار انخفاض المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى لأدنى معدل له منذ ما يقرب من 4 سنوات، على الرغم من إجراءات ضبط المالية للعامة للدولة المطبقة مؤخراً التى أدت إلى تغطية تكاليف معظم المنتجات البترولية. وأشارت إلى أن تراجع التضخم جاء مدعوماً باحتواء الضغوط التضخمية، وهو ما انعكس فى الانخفاض النسبى لمعدلات التضخم الشهرية، فضلاً عن التأثير الإيجابى لسنة الأساس، نظراً لأن إجراءات ضبط المالية العامة للدولة المطبقة مؤخراً كانت أقل من مثيلتها فى العام السابق.
الأسباب تضمنت كذلك البيانات المبدئية التى تشير إلى استمرار الارتفاع الطفيف لمعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى، ليسجل 5.7% خلال الربع الثانى من 2019، و5.6% خلال العام المالى الماضى، وهو أعلى معدل له منذ العام المالى 2007 / 2008. كما استمر انخفاض معدل البطالة ليسجل 7.5% خلال الربع الثانى من 2019 بما يمثل انخفاضا قارب 6 نقاط مئوية مقارنة بذروته التى بلغت 13.4% خلال الربع الرابع من 2013.
محللون يتوقعون مزيداً من تخفيضات الفائدة، أما لجنة السياسة النقدية فأرجعت خفض الفائدة إلى "استمرار احتواء الضغوط التضخمية وكل التطورات المحلية والعالمية"، مضيفة أن القرار "يتسق... مع تحقيق معدل التضخم المستهدف، البالغ 9% (تزيد أو تنقص 3%) خلال الربع الرابع لعام 2020، واستقرار الأسعار على المدى المتوسط". وقالت اللجنة إنها "ستستمر فى اتخاذ قراراتها بناءً على معدلات التضخم المتوقعة مستقبلاً، وليس معدلات التضخم السائدة". وارتفع الجنيه المصرى نحو 7% مقابل الدولار منذ بداية العام الحالى.
ردود فعل سريعة أعقبت قرار البنك المركزى بخفض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، حيث قررت بنوك الأهلى المصرى ومصر والقاهرة خفض معدلات الفائدة بعد ساعة واحدة من صدور قرار "المركزى المصري". وأعلن البنك الأهلى المصرى تخفيض أسعار الفائدة على شهاداته عقب قرار البنك المركزى المصرى. وقال نائب رئيس البنك، يحيى أبو الفتوح، فى تصريحات، إن لجنة "أليكو" قررت تخفيض أسعار الفائدة على الشهادات البلاتينية ثابتة العائد ذات أجل 3 سنوات بنسبة 1% لتصبح 14.25%، بدلا من 15.25%. كما قررت اللجنة تخفيض معدل الفائدة على الشهادات متغيرة العائد بنسبة 1.5%، لتصبح 14.5% بدلا من 16%، وخفض فائدة الشهادات الخماسية بمقدار 1%.
أيضا، كشف رئيس بنك مصر، محمد الإتربى، أن البنك سيقوم بتخفيض أسعار الفائدة على الشهادات المتغيرة، بعد قرار المركزى المصرى بخفض أسعار الفائدة بواقع 150 نقطة أساس. وأوضح فى تصريحات عقب انتهاء اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، أن البنك سيقوم بتخفيض الفائدة على الشهادات المتغيرة بنسبة 1.5%. وأشار إلى أن لجنة الخصوم والأصول بالبنك المعروفة بأليكو ستجتمع يوم الأحد المقبل للنظر فى نسب التخفيض على الشهادات الثابتة والأوعية الادخارية.
وحدة أبحاث شركة "فاروس"، قالت إن قرار البنك المركزى المصرى بخفض أسعار الفائدة يأتى متوافقاً مع توقعات سابقة. وقالت "فاروس" إن هناك أربعة أسباب وراء اتجاه البنك المركزى المصرى لخفض الفائدة، أولها أن معدل التضخم سجل قراءة أقل من 9% على أساس سنوى، وهو يقل عن المستهدف الذى أعلنه البنك المركزى المصرى عند 9% (بزيادة أو نقصان 3%) بنهاية عام 2020. وأضافت: "يعنى ذلك أننا وصلنا إلى المستهدف قبل عام من الجدول الزمنى الموضوع لبلوغه. وقد تبين أيضاً أن متوسط أسعار الخضروات والفاكهة انخفض بنسبة 15-25% فى شهر أغسطس نتيجة إدارة المعروض، ما يعنى أن مستويات التضخم فى شهر أغسطس قد يتم ترويضها، وقد تأتى أقل من التوقعات". وأوضحت "فاروس" أن معدل الفائدة الفعلى كان أعلى من 5% (3.5% بعد الخفض) ، وهو يرتفع بكثير عن المعدل المتوسط البالغ 2%.
العائد الذى يحصل عليه الأجانب من استثماراتهم فى أدوات الخزانة المحلية صار جذاباً جداً، فى ظل ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار منذ بداية العام حتى تاريخه، فضلا عن الانخفاض النسبى فى مستويات المخاطر المحيطة بالاقتصاد الكلى والدولة المصرية مقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى. يعنى ذلك أننا يمكن أن نشهد خفضا فى الفائدة نسبته 2 إلى 3% دون التأثير على شهية الاستثمار فى أدوات الخزانة المحلية.
خفض الفائدة سيدعم موازنة الدولة والفجوة التمويلية، بصورة قد تقلل حاجة الحصول على قروض جديدة. وأوضحت أن التأثير على الاستثمار سوف يظهر فى النصف الثانى من العام 2020 بعد ان يصل اجمالى الخفض إلى ما يتراوح بين 3 و5%. وما من شك فى أن الخطوة إيجابية وتبعث بالتفاؤل بالنسبة لمستقبل اتجاه أسعار الفائدة، كما تدفع السوق المحلية إلى تجاوز حالة الركود الصعبة مع اتجاه تراكم السيولة لدى البنوك وذلك بسبب الفائدة المرتفعة. ويشير قرار البنك المركزى المصرى الأخير إلى الاتجاه إلى بدء دورة التيسير النقدى.
كان تقليص دعم الوقود، الذى أرهق الميزانية لعقود، ركناً أساسياً لحزمة إصلاحات بقيمة 12 مليار دولار لمدة 3 سنوات جرى توقيعها مع صندوق النقد فى 2016، تضمن اتفاق الصندوق، الهادف إلى إعادة جذب المستثمرين بعد سنوات الاضطراب التى أعقبت ثورة 2011، خفضاً حاداً لقيمة الجنيه واستحداث ضريبة قيمة مضافة. وما زال ملايين المصريين يعانون لتلبية احتياجاتهم الأساسية، رغم تحسن البيانات الاقتصادية. وباستثناء قطاع الطاقة، وجدت مصر صعوبة فى جذب الاستثمار الأجنبى المباشر منذ 2011، ليشهد الربع الأول من 2019 أدنى مستوى للاستثمار الأجنبى المباشر غير النفطى فى 5 سنوات على الأقل.
الخطوة، كما قلنا، إيجابية لتحفيز الاستثمارات، لكن بيئة الأعمال فى مصر تحتاج إلى مزيد من الخفض خلال الفترة المقبلة. قدره البعض بـ100 نقطة أخرى من أجل إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الحقيقى وليس أسواق المال فقط. بالفعل، مصر ما زالت فى حاجة إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة لإنعاش السوق، وتشجيع رجال الأعمال على ضخ المزيد من الاستثمارات فى البلاد التى عانت من ضعف الاستثمار الأجنبى المباشر والمحلى خلال الفترة الماضية.
ويبقى أن نشير إلى أن الاقتصاد المصرى حقق نمواً، بلغت نسبته 5.6% فى 2018 - 2019، مقارنة مع أرقام لم تزد على 3% منذ سنة 2011. ومن المتوقع أن يخفض القرار الجديد أعباء التمويل على الشركات، ويعطى فرصة لزيادة معدلات الاستثمار، خصوصاً فى قطاعى العقارات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.