ياسر بركات يكتب عن: يا خسارة يا ملك! .. الدوحة تشترى العاهل بـ500 مليون دولار!
خيانة
تسريبات تكشف العلاقات السرية بين الأردن وقطر
بعد إعلان المقاطعة العربية
سحب السفير الأردنى من الدوحة كان خدعة!
بخطوات متسارعة، ارتمت المملكة الأردنية فى أحضان قطر، بعد عامين من قرار عمان بخفض تمثيلها الدبلوماسى لدى الدوحة. والثلاثاء الماضى، أصدر الملك عبدالله الثانى، مرسومًا ملكيًا بالموافقة على تسمية أمين عام وزارة الخارجية، زيد اللوزى، سفيرًا للمملكة لدى قطر، بعد سنتين على خفض التمثيل الدبلوماسى بين البلدين. ونقل تلفزيون «المملكة» الحكومى عبر موقعه الإلكترونى أن الإرادة الملكية وافقت على قرار مجلس الوزراء بتسمية السفير زيد مفلح اللوزى سفيرًا فوق العادة ومفوضًا للمملكة الأردنية الهاشمية فى قطر. كما أشار إلى أن الحكومة «وافقت أيضًا على قرار حكومة دولة قطر ترشيح الشيخ سعود بن ناصر آل ثانى، ليكون سفيرًا فوق العادة ومفوضًا لها لدى البلاط الملكى الهاشمى».
كانت المملكة الأردنية قد خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسى مع قطر، فى أعقاب الأزمة الخليجية التى اندلعت عام 2017، وقاطعت على إثرها السعودية والإمارات والبحرين، ومصر، الدوحة. غير أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع كليًا حتى بعد اتخاذ الأردن موقفًا مساندا لجانب دول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب. استمرت الزيارات المتبادلة على خط عمان الدوحة، وبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 400 مليون دولار، فيما تحتل قطر المرتبة الثالثة من حيث حجم الاستثمارات فى الأردن، الذى يقدر بنحو مليارى دولار، وفق البيانات الرسمية الأردنية لسنة 2018، عدا تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة تنفيذ توجيهات تميم بن حمد، أمير قطر، حيال توفير 10 آلاف فرصة عمل للشباب الأردنى فى قطر.
خفض الأردن التمثيل الدبلوماسى مع قطر فى يونيو 2017، وسحب سفيره من الدوحة، إلى جانب سحب تراخيص مكاتب قناة «الجزيرة»، على خلفية مقاطعة دول الرباعى العربى فى يونيو 2017. وكانت العلاقات القطرية الأردنية أصابها الجمود، وعكرتها الأزمة الخليجية قبل عامين كاملين، حين اضطر الأردن للاصطفاف إلى جانب دول الحصار، واتخاذ «خطوات محسوبة» لم تصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بينما أبقت الدبلوماسية القطرية الباب مفتوحًا أمام عمان للعودة عن قرارها بتخفيض التمثيل الدبلوماسى، وتفهمت، كما يبدو، دوافع القرار الأردنى الذى اتخذ بعد ضغوط سعودية إماراتية لم تنجح عمّان آنذاك فى صدها. ولم يخل العامان الماضيان من لقاءات معلنة وغير معلنة بين مسئولى البلدين، وعلى أعلى مستوى، وآخرها كانت زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة لشئون الدفاع القطرى، خالد بن محمد العطية، إلى الأردن، منتصف إبريل الماضى، وتوقيعه عدداً من الاتفاقيات الدفاعية، وكذلك زيارة رئيس مجلس النواب الأردنى عاطف الطراونة للمشاركة فى اجتماعات الاتحاد البرلمانى الدولى، واستقباله من قبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى.
منتصف يونيو الماضى، أعلنت دويلة قطر، دعم اقتصاد الأردن بتوفير عشرة آلاف فرصة عمل للأردنيين داخل الدوحة، واستثمارات فى بلادهم بقيمة 500 مليون دولار، وذلك للمساعدة فى تخفيف الظروف الاقتصادية التى تمر بها المملكة.
وجاء الإعلان عن الدعم القطرى تزامناً مع أول لقاء منذ مقاطعة قطر، جرى فى العاصمة عمّان بين وزير الخارجية القطرى، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، والعاهل الأردنى عبدالله الثانى، تسلّم خلاله الأخير رسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، «تتصل بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها».
وقالت الخارجية القطرية فى بيان نشر على موقعها الإلكترونى: «فى ظلّ الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة التى تمرّ بها المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة فإن دولة قطر تعلن عن عشرة آلاف فرصة عمل سيتمّ توفيرها فى قطر للشباب الأردنى لمساعدته فى تحقيق تطلعاته والإسهام فى دعم اقتصاد وطنه». وأضاف البيان: «كما تعلن (قطر) عن حزمة من الاستثمارات التى تستهدف مشروعات البنية التحتية والمشروعات السياحية بقيمة 500 مليون دولار أمريكى». وقالت الوزارة إن دولة قطر تركز فى دعمها المقدم على المشروعات ذات الطبيعة المستدامة، «لخلق قاعدة يستند عليها الاقتصاد الأردنى على مدى سنوات، كما تركز على دعم فئة الشباب الذين هم أمل المستقبل والقوة الدافعة للإنتاج، كما أثبتت تجارب عدد من الاقتصادات الصاعدة».
الخارجية القطرية زعمت أن من شأن توفير فرص العمل للشباب الأردنى وتنفيذ المشروعات التى تنوى دولة قطر تنفيذها فى الأردن من خلال إنشاء صندوق استثمارى للبنية التحتية والمشروعات السياحية، «أن تخلق حراكاً لعجلة الاستثمار، وفرصاً استثمارية مباشرة وغير مباشرة، سواء خلال فترة تنفيذ هذه المشروعات أو بعد دخولها مرحلة تقديم الخدمات أو الإنتاج». وتابع البيان: «إن دولة قطر فى دعمها ووقوفها بجانب المملكة الأردنية حكومةً وشعباً إنما تنطلق من العلاقات الأخوية التاريخية الوطيدة مع الأردن الشقيق ومن مبادئها الراسخة وقيمها العربية الأصيلة، وإن دولة قطر تؤكد أن التباينات وإن وجدت فإنها لا يمكن أن تؤثر على قيامها ووفائها بواجبها القومى والإسلامى تجاه الدول العربية الشقيقة وشعوبها».
واعتبرت الدوحة أنه «من الواجب الإشادة فى هذا السياق بعدد من المواقف الأردنية الثابتة تجاه عدد من القضايا القومية، وفِى القلب منها القضية الفلسطينية، والتى تشكّل المملكة الأردنية عمقاً استراتيجياً وتاريخياً وشعبياً لها، لا سيّما فى المحافظة على الحقوق الإسلامية والعربية فى مدينة القدس الشريف التى تنضوى تحت الوصاية الهاشمية الكريمة، وإن دعم دولة قطر للأردن فى هذا الوقت لهو دعمٌ لهذا الثبات والصمود».
موازنة الأردن للعام الجارى تعانى بالفعل عجزاً مالياً بقيمة إجمالية 1.753 مليار دولار، وهو ما جعل الأردنيين يعيشون منذ مطلع 2018، تحت موجة غلاء حاد فى أسعار السلع الرئيسة والخدمات، طالت «الخبز» أبرز سلعة شعبية بالسوق المحلية. وينفذ الأردن إجراءات أوصى بها صندوق النقد الدولى، منها زيادة الضرائب وخفض الدعم؛ ما أثَّر سلباً على الفقراء والطبقة المتوسطة. وأواخر مايو الماضى، نشرت جريدة «التايمز» تقريرا لمراسلها فى الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، تحت عنوان «الأردن يدير ظهره لحلفاء الغرب فى نزاع سببه إسرائيل»، يتساءل فيه عن سبب محاولات الأردن التقارب مع قطر وتركيا، وإرسال رسائل إلى إيران. وأشار التقرير، إلى أن الأردن، الذى يعد عنصرا أساسيا فى المعمار الأمنى للشرق الأوسط، أجبر فى الآونة الأخيرة على التحرك قريبا من تركيا وإيران وقطر، متخليا عن حلفائه التقليديين؛ وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التى يمر بها، والسياسات العدوانية للسعودية.
سبنسر أشار إلى أن الملك عبدالله الثانى، الذى يواجه خطر الاحتجاجات، وقطع الدعم السعودى، الذى ساهم فى استمرار الاقتصاد الأردنى لعقود، بدأ فى الأشهر الأخيرة محادثات مع تركيا وقطر، اللتين تعدان منافستين للسعودية، مشيرا إلى أن الأردن قام أيضاً، وإن كان بشكل طفيف، بالتواصل مع إيران، البلد الذى حذر الملك من مخاطرها حتى وقت قريب. وقالت الجريدة إن الملك الأردنى غاضب من الرئيس دونالد ترامب، الذى دافع عن المصالح الإسرائيلية بقوة، خاصة أن أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصول فلسطينية. وأورد التقرير نقلا عن المسؤولين، قولهم إن الأردن كان مستقرا عندما كانت علاقاته جيدة مع جيرانه العرب، خاصة أن مصالحه تحتاج دائما لنهج متوازن، إلا أن المطلعين على الأمور يقولون إن السعودية تطلب من حلفائها دعم جانبها ضد أعدائها. ونقل الكاتب عن مصدر، قوله: «علاقاتنا تعتمد على مصالحنا»، وأضاف: «ليس للأردن أى نزاع مع تركيا أو قطر ولا إيران، وبعدنا عن كل منها يعتمد على ما ينفعنا».
وأشار التقرير إلى أن الملك عبدالله (57 عاما) واجه ضغوطا أكثر؛ لأن إدارة ترامب تنوى الكشف عن «خطة كبرى» للسلام فى الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الأردن يعد من حلفاء بريطانيا والولايات المتحدة وأصدقائهما فى الخليج، خاصة السعودية، إلا ان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ودعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، جعل من قبوله الخطة مستحيلا من الناحية السياسية، «إن كانت التسريبات التى سربت للصحف دقيقة». وأفاد التقرير بأنه من المتوقع ألا تلبى الخطة، التى رسمها صهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، أيا من الطموحات الفلسطينية، وألا تشتمل على حل الدولتين الذى يدعمه الأردن.
ونقل سبنسر عن المصدر الأردنى، قوله: «هذه (الصفقة الكبرى) لن تحقق الاستقرار للمنطقة»، وأضاف أن «النزاع الإسرائيلى الفلسطينى هو واحد من الأسباب الرئيسية التى تدفع الشباب العربى نحو الإرهاب، ودون وجود حل عادل للنزاع فإنه لن يكون هناك تغير فى ذلك المناخ». وأوضح أن الأردن، على خلاف جيرانه، لا توجد فيه مصادر طبيعية، وواجه منذ الحرب الأهلية السورية عام 2011 تدفق 1.5 مليون لاجئ سورى إلى أراضيه، لافتة إلى أنه فى الوقت ذاته فإن السعودية، التى تواجه خفضا فى ميزانيتها، وتراجعا فى سعر النفط، قطعت المساعدات التى تقدمها عادة للأردن.
فى شهر فبراير التقى الملك عبدالله الثانى مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وهو الرجل الذى ظل يهاجمه وإن لم يكن علنا، واتفق الزعيمان على التنسيق فى الموضوع الإسرائيلى-الفلسطينى، والتقيا فى أثناء الحرب الكلامية بين أردوغان والسعودية، عقب مقتل الصحفى جمال خاشقجى فى إسطنبول، العام الماضى. وذكر التقرير أن الملك عبدالله الثانى ذهب الشهر الماضى خطوة أبعد، عندما أرسل رسالة لأمير قطر حول «العلاقات الثنائية» بين البلدين، فيما لا تزال قطر تعانى من حصار منذ عامين، ولا توجد إشارات إلى قرب فكه، وأرسل الأردن تهانيه لإيران فى العيد الأربعين للثورة الإسلامية، مشيرة إلى أن دبلوماسيين قللوا من أهمية هذه الخطوات، قائلين إن الأردن لديه القليل من القوة لحرف مجاله عن المحور المؤيد للغرب ومحور السعودية.
وزير الخارجية الأردنى السابق والسفير السابق فى إسرائيل مروان المعشر، الذى لا يزال مطلعا على ما يدور بعقل الحكومة، قال إنه «فى الوقت الذى لا يستطيع فيه الأردن تغيير مواقفه فأنه يبقى على خياراته مفتوحة لحماية ظهره». بينما يقول الواقع أن شعبية الملك تضررت بسبب المعاناة الاقتصادية، ووصول الدين العام إلى 31 مليار دولار، الأمر الذى ترتب عليه قطع الدعم عن الخبز، وبلوغ البطالة نسبة 18%.
صحيح أن الملك أظهر مرونة سياسية مكنته من تجاوز الاضطرابات التى أصابت جيرانه فى أثناء الربيع العربى. إلا أن هناك تشققات بدأت تظهر فى جدار الاستقرار، وهناك إشارات إلى وجود تطورات قد تؤدى إلى إضعاف النظام بشكل خطير، وله تداعيات استراتيجية، وإن كانت على المدى البعيد.