ياسر بركات يكتب عن: العالم يساند المجرم الصهيونى!
البرلمان الألمانى يدين حركة مقاطعة إسرائيل
ـ نتنياهو يتوعد مليار ونصف المليار مسلم
ـ فلسطين من غير القدس والمسجد الأقصى .. لن تكون شيئاً
إقرار البرلمان الألماني "بوندستاج" لقانون يدين حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس"، جاء ليكشف كيف يتم التلاعب بمصطلح "اللاسامية"، وكيف أنه ليس رفضا للتمييز وإنما مجرد انحياز لصالح إسرائيل. كما كشف أيضا، أن هناك دعما دوليا كبيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يعد أمامه غير أيام لإنهاء المفاوضات الائتلافية وتشكيل الحكومة، والتي إن لم ينجح، بمرور المهلة المقررة، فإنه لن يحظى بفرصة ثانية. وسيتم ترشيح تحالف أبيض أزرق بقيادة الجنرال جانتس، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة.
وسط ذلك كله، قام جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام، قام بعد نشر تقرير "إسرائيل هيوم" بنفي بند في هذا النص يتحدث عن ضم جزء من سيناء لغزة لإقامة مطار ومنشآت أخرى. وكانت الجريدة قد نشرت تحت عنوان "هل صحيح أن هذه هي صفقة القرن؟"، نصاً يفترض أنه مشروع ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضافت الصحيفة عنواناً جانبياً يقول إن بعض بنود النص تتفق مع تصريحات أمريكية سابقة، وبعضها يتعارض مع هذه التصريحات. كما قالت: "إن النص تم تداوله داخل أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية، غير أن أحداً لا يعرف المصدر الذي وزعه ولا أحد يستطيع أن يقرر مدى صدقيته". مع ذلك فقد تمت ترجمة النص إلى لغات كثيرة وتداولته مصادر إعلامية عديدة في العالم.
يحدث ذلك، بينما يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، صعوبات متزايدة لتشكيل حكومته الجديدة. وقال مصدر مقرب منه إن أحزاب اليمين المرشحة لدخول هذه الحكومة تضع عليه شروطاً تعجيزية ستجعله يقيم "حكومة وفق ميزان مضحك"، فيعين 30 وزيراً وخمسة نواب وزراء على قاعدة برلمانية من 60 نائباً. وقال النائب ميخا حريش، من حزب الليكود، الخميس الماضي: إن "الأحزاب اليمينية الحليفة تقوم بأكبر عملية ابتزاز سياسي ومالي في تاريخ السياسة الإسرائيلية. وهي تطرح مطالب تجعل الزعماء السياسيين أكثر من الشعب. وتجعل تكلفة الحكومة أكبر من تكلفة الإدارة الأمريكية. هذا الأمر سيدفع نتنياهو لأن يتنازل عن وجود حكومة أكثرية فيكتفي بحكومة تستند إلى نصف عدد أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)".
حريش أكد على أن نتنياهو يواجه مصاعب جدية في تشكيل حكومته الخامسة؛ إذ إن أياً من الشركاء المحتملين لم يتوصل إلى اتفاق معه حول دخوله الحكومة، فالجميع ينتظرون اللحظة الأخيرة. وقد أدخله رئيس حزب اليهود الروس "إسرائيل بيتنا"، أفيجدور ليبرمان، في أزمة جديدة؛ إذ طرح عليه خمسة شروط ورفض أن يناقش أحداً فيها، وقال: "إما أن تقبلوها وإما أن ترفضوها". وأكد أنه لا يخشى الجلوس في المعارضة. لكن جلوسه في المعارضة يعني أن تقوم الحكومة على أساس قاعدة من 60 عضو كنيست من مجموع 120 نائباً. وهذا يعني أنها ستكون حكومة هزيلة قابلة للسقوط في كل لحظة؛ ما جعل رئيس حزب "كلنا"، وزير المالية موشيه كاحلون، يعلن رفضه أن يكون وزيراً للمالية في حكومة ضيقة كهذه.
نتنياهو اتهمهما بأنهما اتفقا عليه لمنعه من تشكيل ائتلاف حكومي جديد. ونقل على لسانه، القول إن ليبرمان وكحلون يدبران أمراً خطيراً يقوّض قوة اليمين في إسرائيل، وكل منهما يكمل في منع تشكيل حكومة يمين. وأضاف: "ليبرمان ذهب بعيداً عندما صرح بوجود قطيعة مع الليكود إلى حين الاستجابة لمطالبه". لكن ليبرمان رد قائلاً: إن "المشكلة عند نتنياهو. فهو لا يجرؤ على مواجهة المتدينين ولا يجرؤ على مواجهة حركة (حماس)". وأضاف: "في اللقاءات الثلاثة التي جمعتنا معاً بعد الانتخابات لم يوافق نتنياهو على إجراء تغيير جوهري في سياسته حيال قطاع غزة ولا في تجنيد الشبان المتدينين".
سئل ليبرمان في محادثات مغلقة عن الخلافات بينه وبين نتنياهو بشأن قطاع غزة، وإن كانت جدية، فرفض الإجابة بالتفصيل، واكتفى بالقول إنه "يوجد لدى الجيش الإسرائيلي خطط مفصلة يعرفها نتنياهو جيداً، وحان الوقت لتفعيلها. الفرق بيننا أنني لا أوافق على أي تسوية مع قطاع غزة، بل يجب أن نلحق هزيمة عسكرية بحركة (حماس) وبقية التنظيمات". أما كحلون، قال لمقربين منه إنه لن يوافق على شغل منصب وزير مالية في حكومة ضيقة تعتمد على 60 عضو كنيست، من دون حزب ليبرمان. وقال أيضاً: إن هذه الحكومة ستكون ضعيفة ويمكن ابتزازها وممارسة الضغوطات عليها.
النائب حريش دافع عن فكرة تشكيل حكومة ضيقة وقال: إن نتنياهو يدرس بجدية إمكانية تشكيل حكومة مؤقتة تعتمد على 60 عضو كنيست، من دون ليبرمان، ليس بسببه، بل بسبب ليبرمان. وذكر بأنه بُعيد انتخابات عام 2015 شكل نتنياهو حكومة اعتمدت على 61 من مجموع 120 عضو كنيست، حتى انضم إليها لاحقاً ليبرمان، ليصل الائتلاف الحكومي إلى 67 عضو كنيست. ويمكن لهذه الخطوة أن تنجح في حال امتنع أو تغيب ليبرمان عن التصويت على الحكومة في الكنيست، لكن في حال قرر معارضة ذلك، فإن نتنياهو لن يحصل على غالبية.
أما عضو الكنيست يائير لبيد، من قائمة "كحول لفان" المعارضة، استغل هذا الوضع وعرض على ليبرمان، ألا يوقع على اتفاق للانضمام إلى الحكومة التي يعمل على تشكيلها بنيامين نتنياهو، والانضمام إلى حكومة بديلة ستشكلها قائمته "لأن حكومة نتنياهو حتى لو قامت، فستسقط بعد خمسة أشهر". وقال لبيد في مقابلة إذاعية، إنه "إذا انضم ليبرمان إلى الحكومة (برئاسة نتنياهو)، فإنه سيضطر إلى التنازل عن مخصصات التقاعد وسيخسر جمهور (المهاجرين) الروس كل شيء مرة أخرى. أما إذا انتظر أشهراً عدة، فإنه سيحصل منا على 55 إصبعاً أكيدة (في الكنيست)، من أجل رفع مخصصات التقاعد إلى المستوى الذي تعهد به. وسويا سيكون لديه 61 صوتاً أي أكثر من نصف أعضاء الكنيست". لكن ليبرمان رفض العرض، وقال: إنه لن يدعم حكومة لا يشكلها نتنياهو، في إشارة إلى رفضه المشاركة في حكومة يشكلها رئيس "كحول لفان"، بيني جانتس، علماً بأن احتمال أن يشكل جانتس حكومة هو احتمال ضئيل للغاية.
كل هذا يمكن اعتباره مقدمات للإعلان عن الخطة الأمريكية لعمليه السلام المعروفة إعلاميا بصفقة القرن، التي أشرنا في البداية أن جرينبلات، قام بعد نشر تقرير "يسرائيل هيوم" بنفي بند في هذا النص يتحدث عن ضم جزء من سيناء لغزة لإقامة مطار ومنشآت أخرى، وبدا أن هناك في كواليس إدارة ترامب محاولات لتعديل اختلالات الصفقة، ومحاولة لتصحيح انحيازات الفريق الأمريكي المكلف بصياغة مشروع السلام، بشكل يجعله قريبا من مطالب مبادرة السلام العربية في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو بعاصمة هي القدس الشرقية مع تبادل لبعض الأراضي.
ورغم أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه لم يقدم، في ندوة معهد واشنطن، سوى بعض ملامح الخطة المتوقع أن تكون شديدة التفصيل، ربما يفيد تقارب الأفكار بين فريقه، ومعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل INSS، في توقع اتجاهها العام والعناصر الأساسية فيها. ومن هنا أهمية دراسة التصور الذي يطرحه هذا المعهد، في تقريره السنوي "المسح الاستراتيجي لإسرائيلي 2018-2019"، والذي ينطلق من منهج سلام مقابل اقتصاد. ويقتصر هذا التصور على الضفة الغربية اعتقاداً في أن "حل مشكلة قطاع غزة ليس شرطاً مسبقاً لتحقيق تقدم" وفق ما ورد في التقرير، على أساس أن القطاع يحتاج عملاً لتحسين الوضع الإنساني، وإعادة الإعمار عن طريق آلية دولية توفر التمويل اللازم، إلى جانب ضمان إنهاء الأعمال العسكرية ووقف التسلح. لذا، ليس متوقعاً أن يعطل التصعيد العسكري الذي حدث في القطاع الأسبوع الماضي إعلان الخطة وفق التوقعات الراجحة.
تصور المعهد الإسرائيلي يتضمن عناصر كثيرة ربما يكون ثلاثة منها ضمن ما يفكر فيه معدو الخطة الأمريكية. أولها نقل السيطرة الكاملة على "المنطقة ب" إلى السلطة الفلسطينية، ليصبح وضعها مماثلاً لـ"المنطقة أ" التي تتولى السلطة الفلسطينية إدارتها بشكل كامل. وتمتد المنطقتان على نحو 40% من مساحة الضفة الغربية. ويتيح تواصل المنطقتين فرصة لإقامة نواة دولة فلسطينية في فترة تالية. ولأن استبعاد قطاع غزة من الخطة الأمريكية المنتظرة يعني أنها لا تقدم حلاً نهائياً، حتى إذا تحدث معدوها عن مثل هذا الحل، بل تسوية مؤقتة أخرى. وفي هذه الحال تبقى الفرصة قائمة لإقامة دولة فلسطينية عندما تصبح الظروف مهيأة لحل نهائي. وربما يكون الوضع الفلسطيني قد تحسن حين تتوفر إمكانات هذا الحل.
أكثر من سبعين عاماً والفلسطينيون يطالبون بدولة مستقلة على حدود 67 وفق الشروط المستحقة، دولة عاصمتها القدس الشرقية مع عودة للاجئين، وقد أقرت الأمم المتحدة للفلسطينيين بكل ذلك، وأصدرت القرارات التي تعطي حقهم في دولة مستقلة كاملة السيادة. وعليه، يمكننا القول إن النسخة الجديدة لا علاقة لها بأي قانون أو قرار دولي ولا عرف مرعي، وتؤكد أن سلاح الواقع هو ساري المفعول هنا فقط لا غير، وبالمطلق ليس في مصلحة الفلسطينيين، خاصة بعد إلقاء سلاح المقاومة واستبداله بغصن الزيتون، وتحصين إسرائيل بالقبة الحديدية. لم تعد هناك قدس شرقية ولا غربية، بل كلها إسرائيلية موحدة، بالإضافة إلى استقطاع 12% من الضفة الغربية لمصلحة المستوطنات الإسرائيلية التي غرست لهذا اليوم.
عندما كانت الثورة الفلسطينية في بدايتها مضرباً للأمثال والبطولات التي كانت تمرر على أذهاننا، لم نسمع عن مخططات تلو الأخرى مع وجود المخطط الرئيسي للاحتلال الصهيوني، ثم تحولت تلك الثورة إلى سلطة تحاور وتناور وتجالس الإسرائيليين حتى مضت على تلك المحادثات عقود عدداً خرج الفلسطينيون منها بخفي حُنين. ومع مضي إسرائيل في صناعة واقع جديد على الأرض لم تعد نتائج تلك الجدليات تثبت قواعدها في تلك الأرض المطلوب فك أسرها. مع وجود محاولات تريد تحويل السلطة الفلسطينية إلى "سَلَطة" مشوهة تسميها دولة بلا معالم، لا عاصمة، ولا حدود مرسومة لذا هي لا حاجة لها إلى جيش لأنها بلا سيادة.
لا نجد ما نقوله في النهاية، غير أن فلسطين بدون القدس والمسجد الأقصى لا تستقيم ، ويستحيل لمليار ونصف مليار مسلم الموافقة على ذلك. ويكفي أن الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المخيمات وفي المهجر يطالب بفلسطين 1917، وليس فلسطين 1948 ولا 1967، وهو ما يطلق عليه بفلسطين التاريخية، وهو ما نسميه عندما نقول بأن السياسة لا تلغي التاريخ.