ياسر بركات يكتب عن: العالم يحترق ..”هواوي” .. فى قبضة ترامب !
البيت الأبيض يلاحق أكبر شركات الصين
ـ وزارة التجارة الأمريكية تفرض قيودا على "67 "شركة فرعية .. والصين ترد برسوم جمركية تصل إلى 60 مليار دولار
تواصل إدارة ترامب المفاوضات التجارية مع الصين وترتفع سخونة حملة الانتخابات الرئاسية، في حين يدرك الأمريكيون أنه لا يوجد تهديد لنجاح مشروعهم القومي على مدى الخمسة وعشرين سنة المقبلة أكبر من سوء إدارة العلاقات الأمريكية مع الصين. ومع ذلك، دخلت القيود التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شركة "هواوي" الصينية للصناعات الإلكترونية والعشرات من الشركات التابعة لها حيز التنفيذ بعد إدراجها على قائمة سوداء تمنع وصولها إلى شركات التوريد الأمريكية الرئيسية.
في مرات مختلفة العام الماضي تذبذبت الأسواق رداً على حالة المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. والواقع أن حساسية السوق للتهديدات والتهديدات المضادة جديرة بالملاحظة إلى حد كبير. وعلى سبيل المثال، فإن الإعلان الصيني من المتوقع أن يرفع رسوم الصين الجمركية بنحو 10 مليارات دولار. معظم ذلك سيتخذ شكل أسعار أعلى بالنسبة للمستوردين الصينيين، وبعضه سيتم تجنبه عبر تحويل صادرات السلع مثل الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق أخرى، وبالتالي فإن التأثير على أرباح الشركات الأمريكية سيكون أقل بكثير من 10 مليارات دولار. وفي الأثناء، من المحتمل أن ترفع رسومُ الولايات المتحدة الجمركية أرباحَ الشركات في وقت تدفع فيه تكاليف الاستيراد الأعلى بعض الشركات نحو المنتجين المحليين.
وكالة بلومبرج ذكرت أن وزارة التجارة الأمريكية أصدرت مذكرة اتحادية تفرض قيودا على "هواوي" و67 شركة فرعية تابعة لها منتشرة في 26 دولة من ألمانيا إلى مدغشقر. وأوضحت أن هذه الشركات هي بالأساس فروع خاصة تابعة لـ"هواوي" تستخدمها لإدارة أعمالها التجارية في مدن ودول مختلفة، وهو ما يجعلها هدفاً رئيسياً للبيت الأبيض عند فرض قيود تصديرية على "هواوي" التي انتقدت ما وصفته بـ"قيود غير معقولة" لمنتجاتها في السوق الأمريكية، حسب وكالة الأنباء الألمانية. وذكرت الشركة في بيان أنها مستعدة للتعامل مع الحكومة الأمريكية والتوصل إلى "إجراءات فعالة لضمان أمن المنتجات". وأضافت: "تقييد عمل هواوي في الولايات المتحدة لن يجعل الولايات المتحدة أكثر أمنا أو أكثر قوة".
الاثنين الماضي، أعلنت الصين رسوماً جمركية جديدة على 60 مليار دولار من الصادرات الأمريكية، فيما هددت الولايات المتحدة برسوم جمركية جديدة على ما يصل إلى 300 مليار دولار من السلع الصينية. هذان العملان أشيرَ إليهما باعتبارهما السبب الرئيسي لتراجع بأكثر من 600 نقطة في مؤشر داو جونز الصناعي. وبالتزامن، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أمر وزير التجارة ويلبر روس، في قرار تنفيذي، بأن يطلب من شركات الاتصالات الأمريكية وقف استيراد معدات إلكترونية تصنّعها شركات أجنبية وتعد خطراً أمنياً، في إجراء استهدف الشركة الصينية بالدرجة الأولى التي يدور معها خلاف حول شبكات الجيل الخامس من أجهزة الاتصالات المستقبلية، وتتعرض لملاحقات قانونية بسبب اتّهامها بخرق نظام العقوبات على إيران، وجرى توقيف مديرتها المالية في كندا. ولتمكين الرئيس من تنفيذ الطلب، أعلن ترامب "حالة الطوارئ الوطنية" ليتجنب المساءلة القانونية جراء منعه شركات أجنبية من توريد معداتها إلى الأسواق الأمريكية، في خطوة قد تثير خلافات أيضاً مع منظمة التجارة العالمية.
استكمالا لاستهداف شركة "هواوي"، أعلنت وزارة التجارة بشكل منفصل أنها وضعت الشركة وعشرات الشركات التابعة لها على قائمة الشركات التي تعد خطراً على الأمن القومي. وستُمنع من شراء قطع الغيار والتقنيات الأمريكية دون طلب موافقة حكومة الولايات المتحدة. وفي المقابل أعلنت شركة "هواوي" أن الولايات المتحدة انتهكت حقوقها بفرضها قيوداً غير معقولة، قائلة إن منعها من العمل في السوق الأمريكية لن يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً أو أقوى، بل سيؤدي إلى اقتصار المنافسة والخيارات على بدائل أقل مستوى وأكثر كلفة. غير أن البيت الأبيض برر هذا الإجراء بوجود خصوم أجانب يستخدمون بصورة متزايدة مكامن ضعف في الخدمات والبنى التحتية التكنولوجية في مجالي الإعلام والاتصالات في الولايات المتحدة. وحذّر البنتاجون ومسؤولو المخابرات الأمريكية من أن الشركات الصينية ستكون قادرة على السيطرة على شبكات الاتصالات في البلاد. وأعربوا عن مخاوفهم ليس فقط من أن الرسائل الآمنة يمكن اعتراضها أو تحويلها سراً إلى الصين، ولكن يمكن للسلطات الصينية أن تطلب من شركة "هواوي" إغلاق الشبكات خلال أي صراع، وتعطيل البنية التحتية الأمريكية مثل خطوط أنابيب الغاز وشبكات الهواتف المحمولة.
قرار ترامب الأخير، يعكس أنه عازم على المضيّ في حربه التجارية مع الصين إلى حين تطبيق شروطه، مستفيداً من رهانه على تقارير ودراسات اقتصادية تؤكد أن الصين تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية، يرغب في استغلالها لتعديل ميزان التبادل التجاري معها وإنهاء العديد من شروطها في التعامل مع الشركات والاستثمارات الأجنبية فيها. وتحظى حربه التجارية مع الصين بتأييد قلّ نظيره من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وحث العديد من قادة الحزب الديمقراطي ترامب على المضي في هذه المواجهة. وبعدما نال تأييد كبير الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشوك شومر، أعلن السيناتور مارك وورنر كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أن قرار الرئيس ترامب هو خطوة مطلوبة وتعكس حقيقة أن شركتي "هواوي" و"زي تي إي" تمثلان تهديداً على أمن وشبكة الاتصالات في الولايات المتحدة وحلفائها.
مصادر أمريكية قالت إن ترامب عقد اجتماعات سرية كثيفة مع كبار مسؤولي شركات الاتصالات الأمريكية بهدف بلورة القرار الذي يريد اتخاذه، وأكد أمامهم ضرورة "ربح معركة الجيل الخامس"، وأنه لن يسمح لأي شركة غير أمريكية بالفوز بعقد تطوير هذا الجيل على الأراضي الأمريكية. ويسيطر قطاع التكنولوجيا على المنافسة التجارية الدائرة بين البلدين، فيما تعتقد واشنطن أن الوقت قد حان لإعادة فرض شروطها التجارية، ليس فقط على الصين بل ومع العديد من شركائها وحلفائها، حيث يهدد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة على قطاع استيراد السيارات من الاتحاد الأوروبي أيضاً.
ترامب جعل من الصين أحد أهدافه المفضلة في حملته الانتخابية عام 2016، ويراهن الآن على تحقيق إنجازات في هذا الملف، لدعم حملته الجديدة في انتخابات 2020. وكشفت تقارير، أن ترامب لطالما كان يحبّذ فرض التعريفات الجمركية على خصوم الولايات المتحدة ومنافسيها، وذلك منذ الثمانينات. وهو كان من أكثر المتحمسين للحرب التجارية التي نشبت بين الولايات المتحدة واليابان في ذروة صعودها الاقتصادي في تلك الفترة، وهو ما يرغب في تكراره مع الصين اليوم.
الإجراء الأمريكي لا يلقى ترحيباً في العواصم الأوروبية، فبعد أن رفضت لندن الامتثال لطلب واشنطن فرض حظر كامل على "هواوي" واختارت بدلاً من ذلك إطلاق عملية تقييم شاملة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدوره إنه لا يعتزم الرضوخ للضغط الأمريكي. ويشار إلى أن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة من بين الدول التي ترفض الطلب الأمريكي حظر "هواوي" تماماً من المشاركة في بناء شبكة الجيل الخامس. وقال ماكرون لتلفزيون "بلومبرج" في أثناء حضوره مؤتمراً تكنولوجياً في باريس: "توجُّهنا هو عدم حظر (هواوي) أو أي شركة أخرى". وأضاف أن "فرنسا وأوروبا واقعيتان ومنطقيتان. نحن نؤمن بالتعاون والتعددية. وفي الوقت نفسه نحن حريصون للغاية بشأن التعامل مع التكنولوجيا الجيدة وحماية أمننا الوطني وجميع قواعد السلامة".
لم يكن ينبغي للاعبين العقلانيين في السوق أن يستبعدوا كلياً إمكانية زيادات في الرسوم الجمركية الاثنين، كما لا شك في أنه ما زالت ثمة فرصة للتوصل لاتفاق تجاري. وبالتالي، فإن السوق ما كان ينبغي أن يتحرك بهذا الشكل على إثر تغير ربحية الشركات على خلفية الرسوم الجمركية الجديدة. وعليه، يمكن القول إن هناك لغزاً يشي بالكثير في هذا الموضوع. ذلك أن أحداثاً تأثيرها المباشر على أرباح الشركات هو بضعة مليارات دولار، يبدو أنها تتسبب في تذبذبات سوقية تغيّر إجمالي قيمة الشركات بمئات المليارات من الدولارات. والحال أنه بأي عملية حسابية لحساب التأثير المباشر لتغيرات الرسوم الجمركية على الربحية، أو عدم اليقين بشأن الربحية، لا يمكن تبرير نوع التغيرات الذي حدث في القيمة السوقية مثلما رأينا يوم الاثنين، أو في العديد من الأيام الأخرى عندما كانت ثمة أخبار حول وضع المفاوضات التجارية الأمريكية الصينية.
في اعتقادي، فإن جزءاً من الجواب على اللغز يكمن في ميل الأسواق إلى المبالغة أحياناً في رد الفعل على الأخبار. لكن جزءاً أكبر من الجواب ربما يكمن في فكرة أن النزاع التجاري الحالي يمثل مقدمة أو توطئة ممكنة لنزاع أكبر بكثير بين الدولتين صاحبتي أكبر اقتصاديين في العالم. ذلك أنه عندما يبدو أن الاحتمال ضئيل في أن يتم حل نزاع حول مشاكل تجارية محددة بشكل جيد، وليست بتلك الصعوبة الكبيرة التي قد يتصورها البعض، يخلص المراقبون العقلانيون إلى أن الاحتمال ضئيل أيضاً في أن تستطيع الولايات المتحدة والصين تدبير مشاكل مختلفة، من تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس إلى كوريا الشمالية، ومن مستقبل تايوان إلى تغير المناخ العالمي، ومن تدبير العولمة إلى الهندسة الأمنية لمنطقة المحيط الهادئ.
العلاقات بين الولايات المتحدة والصين صارت صدامية إلى حد كبير، الأمر الذي قد يشهد انهياراً لسلاسل الإمداد، وبلقنةً للإنترنت، وزيادةً كبيرة في نفقات الدفاع، وربما حتى نزاع عسكري. وكل هذا سيكون كارثياً بالنسبة لمستويات المعيشة، كما ستكون له تأثيرات سلبية جداً على قيمة الشركات العالمية. وأعتقد أن الخطر الأكبر المتمثل في نتائج كارثية متوسطة المدى، وليس التأثير المباشر للنزاعات التجارية، هو الذي كان وراء ردود الفعل الكبيرة جداً للأسواق على خبر المفاوضات التجارية.
باختصار نحن أمام درس مهم للجانبين، يمكن تلخيصه في أنه من الخطر تحويل السعي وراء حتى الأهداف الوطنية الحيوية إلى حرب وجودية. وبالمقابل، فإنه من المهم، حتى عندما تكون للدول أهداف متعارضة، البحث عن توافقات وحلول وسطى، وتجنب الخطاب الناري، وتضييق، بدلاً من تكبير، المجالات حيث توجد مطالبات. ولا شك أن تأسيس مصداقية بأن الوعود سيتم الوفاء بها، وأن المفاجآت سيتم تجنبها، هو أمر مهم للغاية مع الخصوم مثلما هو مع الأصدقاء.
عندما كان إتش. آر. ماكماستر مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي والجنرالُ جيمس ماتيس وزيرَه في الدفاع، كان لدى ترامب عسكريان محنكان وحذران من أن تُجرّ أمريكا إلى حرب في الشرق الأوسط. وكانا قلقين بشكل خاص بشأن مواجهة ممكنة مع إيران، رغم أن لدى كلا الرجلين سبباً قوياً ووجيهاً للاستياء من إيران بسبب دورها العدائي ضد القوات الأمريكية، خلال ذروة حرب العراق وهجمات إرهابية سابقة ضد الأمريكيين في لبنان والسعودية. وعلى الرغم من أن هذين المستشارين لم يكونا متفقين بشأن عدد من القضايا، إلا أن كليهما كانا قلقين بشأن محدودية خبرة الرئيس في السياسات الأمنية والخارجية، وعدم إصغائه لنصائحهما. وقد أُعفي ماكماستر من مهامه في مارس 2018 واستُبدل بجون بولتون في أبريل 2018. أما ماتيس، فقد استقال في ديسمبر 2018 على خلفية قرار ترامب الارتجالي سحب القوات الأمريكية من سوريا.
ماتيس لم يتم استبداله رسمياً إلى الآن، لكن وزير الخارجية مايك بومبيو بات يلعب دوراً واضحاً، وعلى نحو متزايد في تحديد أهداف السياسة الأمريكية عبر العالم، لاسيما في الشرق الأوسط. ويتقاسم كل من بولتون وبومبيو عداءً خاصاً تجاه إيران، ويدعوان إلى تعامل أكثر صرامة تجاه إيران . ففي يناير 2019، زار بومبيو القاهرة، وقال من جملة ما قال: "في سوريا، ستستخدم الولايات المتحدة الدبلوماسية، وسنعمل مع شركائنا من أجل طرد آخر جندي إيراني، والعمل عبر عملية تقودها الأمم المتحدة لجلب السلام والاستقرار إلى الشعب السوري، الذي يعاني منذ وقت طويل. ولن تكون ثمة أي مساعدة أمريكية في إعادة الإعمار للمناطق السورية، التي يسيطر عليها الأسد، حتى تنسحب إيران ووكلاؤها ونرى تقدماً لا رجعة فيه نحو حل سياسي". لكن ما لم يوضحه بومبيو وقتئذ، أو في أي وقت منذ ذلك الحين، هو كيف بالضبط يتوقع أن يتم طرد "آخر جندي إيراني" من سوريا. وفضلاً عن ذلك، فإن حقيقة أن وكيل إيران الرئيسي، وهو "حزب الله"، موجود في لبنان المجاور، يوحي بأن تهديد بومبيو ووعيده هدفهما الترهيب فقط، أو بأنه لم يفهم العلاقات الوثيقة بين الشيعة والعلويين في المنطقة. ثم إنه لا أحد يتوقع من روسيا، التي تعتبر أمريكا أكبر تحد لها، أن تكون متعاونة وتأمر إيران بالخروج من سوريا.
في ربيع 2019، اشتدت أعمال إدارة ترامب ضد إيران عقب قولها، على نحو لا يخلو من مصداقية، إن طهران تتصرف على نحو مثير للاستفزاز. وفي أبريل، صنفت الولايات المتحدة الحرسَ الثوري "منظمةً إرهابيةً"، وعلى الفور، قالت إيران بأن كل القوات الأمريكية في منطقة الخليج موجودة هناك بشكل غير قانوني. وفي 5 مايو 2019، أعلن بولتون (وليس ترامب) أن حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لينكولن، وسفن الدعم التي ترافقها إلى جانب قاذفات القنابل الاستراتيجية بي 52، أُرسلت إلى الشرق الأوسط. كل هذه الخطوات التصعيدية تهدف، إلى جانب تشديد العقوبات الاقتصادية، إلى ممارسة الضغط على القيادة الإيرانية حتى تغيّر سياساتها في المنطقة. لكن الرد الإيراني تميز بالتحدي، وحتى الآن، ليس ثمة أي مؤشر على اعتزام أي جانب التراجع. والحال أنه من شأن مواجهة عسكرية كبيرة مع إيران أن تكون خطيرة بالنسبة لكل الأطراف. فالتداعيات الاقتصادية على سوق النفط معتبرة، شأنها شأن التهديدات بالنسبة للقوات الأمريكية في المنطقة.
علاقات واشنطن التجارية مع شركائها الرئيسيين، تمت إعادة هيكلتها جذرياً، وهو ما حقق مكاسب لا تقدر بثمن للولايات المتحدة، فالصين، وهي أكبر شريك تجاري خفضت بعض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، وذلك بعد قرار الرئيس ترامب بفرض رسوم إضافية بأكثر من 200 مليار دولار على الواردات الأمريكية من الصين، والتي دخلت حيز التنفيذ نهاية الأسبوع الماضي، حيث يطالب ترامب بالمزيد من الإجراءات، إلا أن الصين ردت بفرض رسوم على وارداتها من أمريكا بمبلغ 60 مليار دولار، مما يعني أنهما ومعهما العالم دخل في حرب تجارية رسمياً، والأهم من ذلك أن الصين وتحت الضغوط اتخذت إجراءات لحماية الملكية الفكرية، وتقييد تسرب التكنولوجيا الأمريكية لأسواقها، والذي كان يكلف المؤسسات الأمريكية خسائر فادحة.
وبالنسبة لجيرانه الأقرب أعاد الرئيس صياغة اتفاقياته التجارية مع كل من كندا والمكسيك، والتي كان يعتقد أنها مجحفة بحق بلاده، وذلك إلى جانب نيته في فرض رسوم إضافية بمبلغ 11 مليار دولار على واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي إذا لم يراجع الاتحاد الإعانات التي يقدمها لمؤسساته الاقتصادية، حيث ساهمت هذه وغيرها من الإجراءات في دعم الاقتصاد الأمريكي وتوفير مصادر تمويل وفرص استثمار وعمل إضافية، مما أوجد له انعكاسات إيجابية كبيرة على الاقتصاد الأمريكي والذي حقق في العامين الماضيين، أي منذ دخول ترامب البيت الأبيض مؤشرات اقتصادية إيجابية جداً.
ضمن هذه المؤشرات تأتي معدلات النمو والتي تتمحور حول 3% سنوياً، علماً بأنه بلغ 4.1% في الربع الأول من العام الماضي، وتم توفير ملايين الوظائف، مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 3.6% وهو الأدنى منذ خمسين عاماً، إذ تم إضافة 263 ألف وظيفة في شهر أبريل الماضي وحده، كما انخفضت معدلات التضخم إلى 2% فقط بفعل قوة الاقتصاد. وبفضل القيود على تسرب التكنولوجيا من خلال خرق حقوق الملكية الفكرية، أدت سياسة ترامب إلى عودة عشرات المليارات من القيمة المضافة الناجمة عن التطور التقني للشركات الأمريكية، والتي استفادت منها بعض الدول من خلال إنتاج الماركات العالمية المزودة بتكنولوجيا أمريكية، بما فيها وسائل الاتصال الحديثة المنتجة في الصين بصورة أساسية.
من ذلك كله، يتضح أن الرئيس ترامب لا يعيد هيكلة علاقة بلاده الاقتصادية والتجارية مع شركائه الرئيسيين فحسب، وإنما يعيد صياغة مجمل العلاقات الاقتصادية الدولية والتي يحاول من خلالها تحقيق مكاسب جديدة على أسس تجارية أكثر رسوخاً من وجهة نظره. وتلك هي المعادلة التي يحاول تطبيقها أيضا في مشروعه للسلام المعروف باسم صفقة القرن، الذي بدا أنه يدعم به إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،.