ياسر بركات يكتب عن: الكيان الفاسد يختار الرجل الفاسد إسرائيل تمنح نتنياهو الفرصة الخامسة لتشكيل الحكومة !
ومؤسسات القضاء تهدد بفتح ملفات الرشاوى
خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، منتصراً مرة أخرى، فى الانتخابات العامة للكنيست الإسرائيلى، ويتجه لولاية خامسة فى رئاسة الوزراء. واليوم يحاول بناء ائتلاف جديد، بعد تكليف الرئيس الإسرائيلى له بتشكيل الحكومة الجديدة، بناءً على توصية 65 عضواً من أعضاء الكنيست، بدأت جولة المفاوضات المعتادة بينه كرئيس لحزب "ليكود" الحائز على 35 مقعداً وبين خمسة أحزاب من معسكر اليمين.
الأحزاب الخمسة هى "اتحاد اليمين" (5 مقاعد)، و"شاس" (8 مقاعد)، و"يهدوت هتوراه" (8 مقاعد)، و"إسرائيل بيتنا" (5 مقاعد)، وأخيراً "حزب كولانو" (4 مقاعد). وقد بدأ كل حزب يطرح شروطه ومطالبه على نتنياهو مقابل دعمه ودخول حكومته، وأحياناً تكون المطالب متناقضة ما يفرض على نتنياهو الدخول فى مفاوضات، تهدف إلى إرضاء جميع الأحزاب المشاركة فى حكومته الائتلافية. وتضم أحزاب المتدينين ثلاثة أحزاب، أولها حزب "اتحاد اليمين"، وهو حزب صهيونى دينى، وأهم مكوناته حزب "البيت اليهودى" الممثل للصهيونية الدينية وجماعات المستوطنين، وحزب "عوتسماه يهوديت" الممثل لفكر الحاخام كاهانا العنصرى المتطرف، وله خمسة مقاعد. والمثير أن هذا الحزب اشترط لكى ينضم إلى الحكومة الائتلافية الجديدة أن يتعهد نتنياهو بمنع إقامة دولة فلسطينية بين البحر الأبيض ونهر الأردن. وأن يتعهد برفض خطة "صفقة القرن" التى سيعلنها الرئيس ترامب. وأن يتعهد كذلك بضم مناطق الضفة الغربية المقامة عليها المستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية بقانون يصدره الكنيست.
على ضوء هذه التركيبة الجديدة لبيت القرار الأول والأخير فى إسرائيل، يظهر السؤال: إلى أين تتجه الحكومة الجديدة فى أمر يهم الفلسطينيين أكثر من غيرهم؟ وهو أمر احتمالات التسوية السياسية معهم، إذا ما تم النظر إلى الأمر من زاوية استئناف المفاوضات، سنجد أن الوضع الداخلى وقراءة اليمين الإسرائيلى المنتصر فى الانتخابات للوضع الإقليمى والدولى، يشجع على ترجيح خيار عدم التسوية.
عودة نتنياهو إلى الحكم هذه المرة، تشكل منعطفاً خطيراً و ضاغطا على أكثر من صعيد. فعلى الصعيد الداخلى، لم تكن إسرائيل يوما جانحة إلى اليمين المتطرف كما هى اليوم، مع احتضان نتنياهو لهذا الحزب، حزب "القوة اليهودية" الذى أسسته جماعة كاخ بقيادة الحاخام المتطرف مائير كاهانا، وهى التى أدرجتها كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، وحتى إسرائيل نفسها، على لائحة الإرهاب منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. فهذا الحزب يقوم على تعصب قومي-دينى ويسعى لإقامة دولة الشريعة اليهودية التى ترفض حتى اليهودى العلمانى، وليس فيها مكان للعربى. من جهة أخرى كان لافتاً خلال المعركة الانتخابية أن مسألة النزاع الإسرائيلى الفلسطينى لم تحتل مكانة مركزية فيها بما يؤشر من جهة إلى انتصار المشروع الاستيطانى، ومن جهة أخرى إلى موت عملية تسوية النزاع كما عهدناها والاكتفاء بإدارته بأقل ثمن ممكن لإسرائيل. مع الإشارة الى التراجع المعيب فى وزن تمثيل العرب فى الكينست والذى تتحمل وزره قياداتهم.
المؤكد هو أن نتنياهو سيمنح أدواراً أساسية لشركائه اليمينيين الذين أبدوا استعداداً لدعم تشريع يحميه من توجيه الاتهام إليه رسمياً فى قضايا فساد وخيانة الأمانة وتلقى الرشاوى. وهو ما أكده "بن كاسبيت" الذى تناول، فى مقال، مساعى رئيس الوزراء الإسرائيلى لتفادى التعرض لمحاكمة جراء قضايا الفساد المتهم بها، وأوضح الكاتب أن نتنياهو بدأ بدفع المقربين منه للتصريح بأن الشعب قال كلمته فى الانتخابات، على اعتبار أن نجاحه فى الانتخابات بقرار من الشعب يعفيه عن أى مساءلة قانونية. وأبدى الكاتب فى موقع "المونيتور" اعتقاده بأن خطة نتنياهو للإفلات من المحاكمة ستعتمد على القانون الإسرائيلى الذى لا يُرغم رئيس حكومة على الاستقالة لدى تقديم لائحة اتهام ضده، لذا يعتزم نتنياهو الاستمرار كرئيس حكومة إلى ما بعد انتهاء الإجراء القضائى، فى حال ما تم فتح تحقيق ضده بعد الاستجواب، فالحديث يدور عن محاكمة لسنوات طويلة، يليها استئناف واحتمال لتقديم استئناف آخر فى المحكمة العليا، وإذا نجح نتنياهو بإرجاء الاستجواب إلى الخريف وربما لاحقًا إلى نهاية السنة، فإنه ليس واضحًا كم ستستمر المحاكمات، ولكن فى الغالب ستستمر لسنوات طويلة. وأضاف "بن كاسبيت" بأن نتنياهو وائتلافه سيسعون إلى تمرير قانون يمنع المحكمة العليا من إلغاء قوانين يسنّها الكنيست، وقانون كهذا بإمكانه تمكين الكنيست من التغلب على المحكمة العليا، معتبرًا كل هذه الأمور تُحدث تعقيدات سياسية من شأنها وضع مصاعب أمام خطة تهرب نتنياهو.
معروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، يواجه معركة كبيرة مع مؤسسات القضاء فى ثلاث قضايا فساد، أبرزها صفقة الغواصات التى جرى التحقيق فيها مع نتنياهو، وأوصت الشرطة والنيابة بتقديم لائحة اتهام ضده بشبهة ارتكابه مخالفات فساد، تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
صفقة شراء الغواصات من ألمانيا كشفت عن وجود رشاوى ضخمة بمئات ملايين الدولارات يشتبه، بالتورط فيها مجموعة من أقرب المقربين من نتنياهو، قريبه ومحاميه الشخصى ديفيد شمرون، ونائب رئيس مجلس الأمن القومى، أفريئيل بار يوسف، ومدير مكتب نتنياهو، ديفيد شيران، والوزير الأسبق، أليعيزر زندبيرج، بالإضافة إلى قائد سلاح البحرية الأسبق، أليعيزر مروم. وقد عمل هؤلاء على شراء السفن الحربية والغواصات من شركة "تيسنكروب" الألمانية، ورفضوا ضم شركة كورية للمناقصة، مقابل الحصول على رشاوى ضخمة. وقد تم إخفاء هذه المعلومات عن وزير الدفاع، موشيه يعلون، يومها. وقد رأى يعلون أن نتنياهو شريك فى هذه الفضيحة، ولا توجد أى إمكانية أن يخرج منها بريئاً.
هذه القضية تشمل بنداً يقضى بألا تبيع شركة حوض بناء الغواصات "تيسنكروب" الألمانية غواصات مشابهة لدول مجاورة لإسرائيل، باستثناء مصر. وحسب الالتماس المذكور أعلاه، فإن المبعوث الشخصى الخاص لنتنياهو، المحامى يتسحاق مولخو، هو الذى صادق أمام الحكومة الألمانية على بيع غواصات متطورة لمصر، بالتنسيق مع مجلس الأمن القومى، الذى يخضع لنتنياهو مباشرة، ومن دون علم وزير الأمن والمجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية والأمنية والجيش الإسرائيلى. وقد اعتبر يعالون هذا الأمر بأنه "على حافة الخيانة". وأكد الالتماس أن نتنياهو وحده فقط الذى كان بإمكانه المصادقة على تسليم الحكومة الألمانية رسالة تتضمن موافقة إسرائيلية على بيع تلك الغواصات لمصر. ولم يجرِ التحقيق معه حول ذلك، ولم تستوضح الشرطة هذا الأمر لدى مكتب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التى كشفت عن هذه الموافقة الإسرائيلية خلال لقائها مع الرئيس الإسرائيلى، رؤوبين رفلين، فى شهر مايو 2015.
تزامن تكليف بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد فوزه بالانتخابات العامة مع إعلان جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمعنى الأول بما يسمى "صفقة القرن"، أن موعد الإعلان عن هذه التسوية العتيدة للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى سيكون بعد شهر رمضان المبارك. ما يعنى أن نتنياهو إذا نجح فى تشكيل الحكومة، سيكون أول استحقاق تواجهه حكومته الجديدة هو التعامل مع "صفقة القرن" التى طال انتظارها. وإذا كان من المرجح أيضاً أن تكون هذه التسوية وليدة تفاهمات عميقة مع نتنياهو، فهى ستشكل دون أدنى شك كارثة على المنطقة بعامة وعلى الفلسطينيين بخاصة.
كل ما يجرى تداوله فى هذا الشأن هو مجرد تسريبات إسرائيلية غير مؤكدة وتكهنات كلامية كان هدفها مساندة بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلى الأكثر تطرفاً فى انتخابات "الكنيست" الماضية، أبرزها أن أقصى ما بإمكان الفلسطينيين تحقيقه هو حكم ذاتى، تُستثنى منه كل المستوطنات الإسرائيلية الرئيسية، وهناك من يتحدث، ومن دون أى معطيات مؤكدة، عن أن هذا "الحكم" سيكون ثنائياً أى فلسطينياً - أردنياً وهذا فى حين أن الجيش الإسرائيلى سيبقى يتحكم بالحدود الشرقية للضفة الغربية وعلى طول مجرى نهر الأردن وصولاً إلى البحر الميت فى الجزء الشمالى منه.
كانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أنه وفقًا للرؤية الأمريكية لخطة السلام، سيكون على إسرائيل فى المرحلة الأولى الانفصال عن أربعة أحياء فى الشطر الشرقى من القدس المحتلة، شعفاط، وجبل المكبر، والعيساوية وأبو ديس، ويتم نقلها إلى السلطة الفلسطينية، وفصلها عن القدس. وذكر المحلل العسكرى لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الخطة الأمريكية المعروفة بـ"صفقة القرن" التى بات الإعلان عنها وشيكًا وفقًا لمصادر صحفية تعززها التحركات الدبلوماسية الأخيرة فى المنطقة، لا تتضمن إخلاء البؤر الاستيطانية فى الضفة الغربية المحتلة بما فى ذلك المستوطنات "المعزولة"، فيما تكون منطقة الأغوار تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلى الكاملة. وأضافت الصحيفة أن الدولة الفلسطينية وفقًا للرؤية الأمريكية التى تترجمها "صفقة القرن" ستكون "دويلة ناقصة" دون جيش أو أسلحة ثقيلة، وذلك مقابل ما وصفها هرئيل بـ"حزمة من الحوافز المادية الضخمة" الممنوحة من السعودية ودول خليجية أخرى". كما أشارت الصحيفة إلى ما اعتبرته "تخوفات" أردنية من أن تمنح الخطة الأمريكية موطئ قدم للسعودية ودول خليجية أخرى فى الحرم القدسى الشريف، ما يسحب الامتياز الأردنى فى الإشراف على الأوقاف الدينية الإسلامية والمسيحية فى المدينة المقدسة.
هذا الكلام لن يقبله بالتأكيد الفلسطينيون أو الأردنيون أو العرب عموما، الذين لا يمكن أن يقبلوا بما هو أقل من قرار قمة بيروت العربية فى عام 2002 والذى جاء فيه أنه لا حل إطلاقاً مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا تم التأكيد عليه فى قمة تونس الأخيرة وبإجماع عربى كامل يُستثنى منه سوريا نظراً لعدم حضورها هذه القمة التى هى بدورها كانت قد أكدت تمسكها بحيثيات هذا الحل وهى لا تزال تتمسك به حتى الآن رغم ظروفها الصعبة وغير المستقرة.
منذ بدأ الحديث والعمل على "صفقة القرن"، أى على مدى سنتين كبيستين من التسريبات دون الإفصاح عن النص الدقيق لبنودها، وقع العالم فى حيرة من أمره حيال تقويمها وتحديد موقف منها، كان ذلك مقصوداً كى لا يتوافر للمعارضين التقليديين مادة يستفاد منها فى مجال التعبئة ضدها. وما يجب الالتفات إليه هنا أن الإسرائيليين اعتادوا قبل انتخابات الكنيست الأخيرة وبعدها على ضخ معلومات تضليلية لدق الأسافين بين العرب.