الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:53 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: وقائع سقوط مؤامرة صفقة القرن


ترامب يتعرض لأقسى عقاب سياسى
حفلة توبيخ عالمية للرئيس الأمريكى
25 وزير خارجية أوروبيا و6 رؤساء وزراء ينتصرون للقدس
رسالة استنكار تاريخية تطالب بالقدس عاصمة لفلسطين
شهد الأسبوع الماضى سيلاً من الأخبار عن الخطة الأمريكية للسلام فى منطقة الشرق الأوسط المعروفة باسم "صفقة القرن"، وتسابقت الصحف الأمريكية والأوربية والعربية والإسرائيلية فى نقل تصريحات عن مسئولين، وعن مصادر أمريكية مقربة من جاريد كوشنير، وجيسون جرنبلات، وكان بين ما تم الكشف عنه هو أن الخطة ستربط بين أربعة عناصر، هي: السلام، والتنمية الاقتصادية، واعتراف الدول العربية بإسرائيل، وقبول الوضع الحالى للسلطة الفلسطينية كسلطة حكم ذاتى وليس كدولة ذات سيادة.
الجديد هو أن شخصيات أوروبية شغلت مناصب سياسية عليا، منها خمسة وعشرون وزير خارجية أوروبيا سابقا وستة رؤساء وزراء سابقين واثنان من الأمناء العامين للأمم المتحدة السابقين. كل هؤلاء قاموا بالتوقيع على خطاب يستنكر خطة ترامب ويطالب الحكومات الأوروبية برفضها؛ لأنها منحازة لإسرائيل وضد الفلسطينيين، ولكونها تخلت عن المفهوم الذى تبنته السياسات الأمريكية من قبل، وهو "حل الدولتين". كما استنكر الموقعون على الخطاب اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وطالبوا حكومات دولهم بالتصميم على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها فى القدس. والجديد أيضا هو أن وكالة رويترز نقلت عن مصدر مطّلع إعلان مستشار الرئيس الأميركيّ جاريد كوشنير أنه سيتمّ الإعلان عن "صفقة القرن" بعد شهر رمضان. وقال المصدر إنّ كوشنير حثّ مجموعة من السفراء على التحلّى بذهن منفتح تجاه مقترح الرئيس ترامب المنتظر فى الشرق الأوسط، وبحسب الوكالة لفت المستشار إلى أنّ المقترح سيتطلّب تنازلات من الجانبين. ونقل المصدر الذى طلب عدم ذكر اسمه، عن كوشنير قوله: "سيتعيّن علينا النظر فى حلول وسط معقولة من شأنها أن تجعل السلام قابلاً للتحقيق". وأضاف أن كوشنير دعا مجموعة من السفراء فى واشنطن إلى "الانفتاح الفكرى تجاه خطة الرئيس الأميركى دونالد ترامب للتسوية فى الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن الخطة تقضى بتنازل الطرفين.
الحقيقة المؤكدة هى أن إسرائيل دولة غاصبة، بالضبط كما أن حق الفلسطينيين فى أرضهم لا جدال عليه. ومع ذلك كان العنوان الرئيس للأداء العربى والفلسطينى منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1947، مروراً بكل محطات المواجهة العسكرية والسياسية، هو إضاعة الفرص ، ما سمح للكيان الغاصب بأن يمعن فى اعتداءاته محولاً قضمه للأراضى إلى أمر واقع يبنى عليه لقضم جديد، ضارباً عرض الحائط بمبدأ "الأرض مقابل السلام" الذى شكّل إطاراً ناجحاً لاتفاقيات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن، كما اعتمدته مبادرة السلام العربية التى أُطلقت عام 2002.
هذا الأداء السيئ أسهم فى إفشال جميع مبادرات السلام التى طُرحت منذ أكثر من 50 عاماً، حتى وصلنا اليوم إلى ما تُسمى "صفقة القرن"، وهى صفقة عربية - إسرائيلية أكثر منها صفقة فلسطينية - إسرائيلية، تأخذ بعين الاعتبار حقوق شعب طُرد من أرضه ووطن سُلب من أهله. وأسهم أيضاً فى تسلل إيران لملء الفراغ العربى والفلسطيني، فتمددت فى المنطقة من باب حمل لواء المقاومة ضد إسرائيل مع كل ما استتبع ذلك من إيقاظ لمارد النزاع السنى - الشيعى كما لشيطان التشدد الإسلامى العنيف فى شقيه السنى والشيعي. ومع طموحاتها التوسعية والنووية، حوّلت طهران انتباه العالمين الغربى والعربى عن القضية الفلسطينية ليصبح خطرها الشغل الشاغل للمجتمع الدولى برمته. بالإضافة إلى أن أكثر من نصف العالم العربى مشغول بمشكلات داخلية وحروب ونزاعات مع غياب أى دور للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
جامعة الدول العربية أكدت أن "هناك تطورات ومستجدات مهمة حول ما يتردد إعلامياً بشأن قرب الإعلان عما يطلق عليه (صفقة القرن)، وأن هذه المستجدات هى التى جعلت الجانب الفلسطينى يدعو لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، يوم الأحد، كى يُطلع الرئيس محمود عباس الوزراء العرب على الموقف الفلسطيني، وعلى ما يحتمل إعلانه فيما يخص الصفقة، وتعبئة الموقف العربى لمواجهة هذه التطورات".
السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، قال فى تصريحات صحفية، إن "الصورة العامة ليست مطمئنة، من جهة أن يكون هذا الطرح إيجابياً ومتوازناً ويراعى الحق الفلسطيني"، مضيفاً أن "الجانب الفلسطينى طلب هذا الاجتماع، فى ضوء ما يتردد إعلامياً بشأن قرب الإعلان عما يطلق عليه (صفقة القرن)، وبالتالى هناك مستجدات يرغب الرئيس الفلسطينى فى طرحها، وهو ما حدا بالجانب الفلسطينى لطلب هذا الاجتماع، الذى نراه اجتماعاً فى غاية الأهمية، لأنه سوف يتم فيه الاستماع لهذه المعطيات وللموقف الفلسطيني، والرئيس أبو مازن سوف يطرح المستجدات على الوزراء، التى يعتبرها الجانب الفلسطينى غاية فى الأهمية، وتمهد للإعلان عما يطلق عليه (صفقة القرن)".
حول وجود معلومات أو رؤى بشأن "صفقة القرن". قال زكي: "لا أعتقد أن أحداً لديه معلومات دقيقة عما سوف يتم طرحه، الكل يلعب لعبة التخمينات، والإعلام مليء بالمجسات، والأمور المطروحة، ولا أحد يعلم مدى صحتها"، مضيفاً أن "الجانب الأمريكى كلما طرحت تقارير إخبارية تتناول هذه الصفقة يسارع بنفيها والتقليل بشأنها؛ لكن كثيراً من المسئولين العرب استمعوا بأشكال متعددة إلى بعض العناصر التى طرحها الجانب الأمريكى هنا أو هناك"، موضحاً: "نستشعر أن ما يثار ويطرح لن يكون مراعياً للحق الفلسطيني، وأن ما يطرح قد يكون عكس ذلك، قد يكون هذا الطرح فيه انحياز للجانب الإسرائيلى على حساب الحقوق الفلسطينية".
وعن تعامل الجانب العربى والجامعة مع هذا الموقف. أكد زكي: "حتى نتعامل مع هذا الموقف لا بد من عقد اجتماعات، وجلوس وزراء الخارجية العرب، رؤساء الدبلوماسيات العربية، المعنيين بالتعامل مع هذا الموضوع"، معرباً عن اعتقاده بأن اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وأى اجتماعات أخرى سوف تتلوه، ستكون مهمة لكى نفهم، ونتأكد من صلابة الموقف العربى فى مواجهة هذا التحدى القادم.
فى ظل حالة التضييق الاقتصادى والمالى الإسرائيلى على السلطة والشعب الفلسطيني، قال زكي: "هناك دعم مالى يذهب للجانب الفلسطيني، لكن الاحتياج أصبح كبيراً، نتيجة الضغوط الأمريكية، والممارسات الإسرائيلية باستقطاعات مالية للعوائد الفلسطينية، وهذا يؤدى إلى تجفيف الموارد المالية لدى السلطة الفلسطينية بشكل سريع، ويعرض السلطة للانهيار، ونأمل أن تكون هناك (شبكة أمان مالية عربية) للوضع والمجتمع الفلسطينى كله، وليس فقط للسلطة الفلسطينية وتأمين احتياجات الشعب". وقال زكى إن "العرب حاضرون فى هذا الأمر، وكانوا موجودين دائماً بدرجات متفاوتة، فهناك دول تدفع ملايين كثيرة جداً لدعم الوضع الفلسطينى مجتمعياً ورسمياً، وإن شاء لله هذا الممارسات العربية الكبيرة تستمر لدعم الشعب الفلسطيني".
قد تقول إن نتنياهو هو ترامب إسرائيل، لكنه أذكى. غير أن ذلك كان قبل أن ينسج الرجلان ما يقولان إنها أقوى علاقة صداقة بين زعيمين أمريكى وإسرائيلي. وبعد أن دافع عن سياسات ترامب لفترة طويلة، تبنى نتنياهو حيل الرئيس الأمريكى فى ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي. فهل سيتبنى الآن، تحت ضغط شركائه، التدابير التى كان يتجنبها دائماً؟ هذا أكثر ما يخشاه بعض الإسرائيليين بعد فوز نتنياهو الانتخابي.
الامتحان الحاسم لما إن كان نتنياهو قد تغير، هو ما إن كان سينفذ آخر وعوده الجامعة، وهو ضم أجزاء من الضفة. ففى مقابلة معه قبل ثلاثة أيام من الانتخابات، تعهد بـ"تطبيق السيادة" ليس فقط على الكتل الاستيطانية اليهودية الكبيرة قرب الحدود مع إسرائيل، ولكن أيضاً على "النقاط الاستيطانية المعزولة" الموجودة عميقاً داخل الأراضى الفلسطينية. وهو أمر من شأنه إنهاء إمكانية اتفاق بشأن قيام دولة فلسطينية، وإغراق إسرائيل فى نزاع مع معظم بقية العالم، وإرغامها على الاختيار بين التضحية بهويتها اليهودية وأن تصبح دولة تمييز عنصري.
مشكلة نتنياهو، وربما فرصته، هى أنه لم يعد لديه "كابح الطوارئ" الذى كان الزعماء الإسرائيليون يستخدمونه لكبح التجاوزات: التهديد بقطيعة مع الولايات المتحدة. ذلك أن رفض البيت الأبيض هو الذى منع إسرائيل من قصف العراق خلال حرب الخليج، وهو الذى لعب دوراً فى منع ضربة إسرائيلية على إيران خلال ولاية أوباما الأولى. ثم إن أوباما، ورؤساء أمريكيين قبله، كبحوا جزئياً بناء المستوطنات الإسرائيلية.
الآن، يجد نتنياهو فى ترامب رئيساً أمريكياً يثير مشاعر القومية الإسرائيلية ويؤججها. فباعترافه بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان الشهر الماضي، أقنع ترامب اليمين المتطرف الإسرائيلى بأنه لن تكون ثمة معارضة جدية لضم الضفة. وما زاد تشجيع اليمين الإسرائيلى الشهادة التى ألقاها الأسبوع الماضى أمام الكونجرس وزيرُ الخارجية مايك بومبيو، الذى رفض القول إن كانت الولايات المتحدة ما زالت تؤيد دولة فلسطينية. كما رفض متحدث باسم الخارجية الأمريكية التعليق على وعد تعهد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية عن اتساع التطرف فى الأوساط اليهودية، وتراجع كبير فى دور كتلة وسط اليسار، فحزب العمل مع 6 نواب، وحركة "ميريتس" مع 5 نواب، دخلوا مرحلة التلاشي، وحصل "أزرق – أبيض" حزب الجنرالات بقيادة حانتس - ليبيد على 35 نائباً، قوة لا يستهان بها. ما يعنى أكثر من مليون ناخب، هم بأكثريتهم من المناطق المدنية - الصناعية، كتل أبيب وضواحيها، ويجب ألا يُعد الأمر كحاصل تجميع الوسط مع أوساط يسارية إسرائيلية، فهذا الحزب الحديث شكّل ظاهرة فى إسرائيل، لكن الدعم الخارجى بأضلاعه الأربعة لنتنياهو حال دون تمكنه من حسم الانتخابات. الدعم الرباعى هو العنصر الذى حسم نتيجة التصويت، التى ستضع على الرف مجرد احتمال البحث عن تسوية حد أدنى للصراع الفلسطينى الإسرائيلي، ودون أدنى شك لكل جهة ممن تقاطعوا على دعم نتنياهو، رؤيتها ومصالحها.
الداعم الأول لنتنياهو، كان الرئيس الأمريكي، فبعد قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، اعترف الرئيس دونالد ترامب بالاحتلال الإسرائيلى للجولان ضارباً عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن الدولي، وكل منحى المفاوضات، الذى كرسته قمة بيروت العربية 2002 "الأرض مقابل السلام"، وتريد واشنطن من نهجها هذا إحداث وقائع على الأرض، قبل طرح مشروعها المعروف بـ"صفقة القرن"، التى قال عنها نتنياهو، لا أعرف التفاصيل، لكننى أعرف ماذا أبلغت الأمريكيين، وهو أن إسرائيل لن تخلى أى مستوطنة، ما يعنى ضم الكتل الاستيطانية فى الضفة الغربية للكيان الصهيوني!
الغريب أن حركة "حماس" دعمت نتنياهو أيضاً، ففى حمأة الانتخابات جرى بـ"الخطأ" كما قيل إطلاق صاروخين باتجاه تل أبيب، ما وفّر لنتنياهو الفرصة عبر سفك الدم الفلسطيني، لتقديم نفسه للناخبين فى إسرائيل على أنه رجل الأمن رقم واحد. هدية "حماس" المدعومة من طهران، والتى تتلقى الأموال القطرية نقداً عبر مكتب نتنياهو، ردّ الأخير عليها بأجمل منها، عندما أعلن أن لا دولة فلسطينية فى الضفة والقطاع، وأن تل أبيب لن تسمح للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس بالسيطرة على غزة.
كما لعبت قطر، لصالح نتنياهو، عبر شراء الضمائر نجحت من خلال عزمى بشارة المسيطر على الديوان القطري، فى تفتيت القائمة العربية الموحدة، ودفعت أتباعها فى "التجمع" (عزمى بشارة رئيسه السابق) و"الحركة الإسلامية" إلى شق "القائمة الموحدة"، فتدنت نسبة المقترعين العرب إلى ما دون 50 فى المائة، وخسر التمثيل العربى مبدئياً 3 نواب، فيما الوحدة كانت ستكسبهم نائبين، وستساهم فى قطع الطريق على نتنياهو. إنه الدور القطرى المفضوح فى دعم المخطط الصهيونى وإضعاف السلطة الفلسطينية، وقد دخل طوراً جديداً.
لا بد هنا أن نتذكر الدور السلبى الذى لعبته جبهات وقوى على غرار جبهة الصمود والتصدى ومحور الممانعة، ومحاولات التذاكى التى مارستها قوى فلسطينية بعد اتفاق أوسلو والعودة إلى الضفة الغربية وغزة والتى أدت بين ما أدت إليه إلى عسكرة انتفاضة الحجارة وخيار العمليات الانتحارية، وحرب مستعرة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية. ولا ننسى استغلال معظم الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية فى الداخل واتخاذها مبرراً لاستبداده وفشله فى تحقيق التنمية. ومع هذا كله، كان مسلسل العلاقات الدامية بين الفصائل الفلسطينية وبعضها البعض، وبينها وبين دول عربية، بعد أن أصاب العمى بعض الفصائل وجعلها توجه بنادقها إلى صدور الأشقاء.