الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:47 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: ترامب يدق طبول الحرب ويعلن بيع الجولان لإسرائيل


عار مجلس الأمن.. وفضيحة المجتمع الدولى
20 ألف مستوطن إسرائيلى.. مهددون بالقتل بعد تصريحات مجنون أمريكا
ـ صدام وشيك بين القطب الروسى وحلفاء واشنطن.. وتخوفات من رد الفعل السورى
ـ وثائق وقرارات الأمم المتحدة.. هل تنقذ الجولان من أنياب تل أبيب؟
صراع الجولان
ملف خاص بالوثائق والأحداث
بإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعتراف بلاده بـ«السيادة الكاملة لإسرائيل على هضبة الجولان» السورية المحتلة منذ 52 سنة واحتمال إقرار قانون فى الكونجرس فى هذا الشأن، تكون واشنطن قطعت مع سياسات الإدارات الأمريكية السابقة التى سعت إلى لعب «دور الوسيط» بين سوريا وإسرائيل للوصول إلى تسوية بموجب القرار 242 الذى نص على «انسحاب إسرائيل من أراضٍ احتلتها فى النزاع الأخير».
لا تزال إسرائيل وسوريا فى حالة حرب منذ حرب 1973. رغم إقامة منطقة حدودية منزوعة السلاح من خلال اتفاق هدنة ظلت هادئة لفترة طويلة نسبيا حتى بداية النزاع فى سوريا عام 2011. ويعيش فى منطقة الجولان المطلّة على الأراضى السورية نحو 20 ألف مستوطن إسرائيلى. وخلال ثمانى سنوات تغير الكثير فى سوريا، بين ذلك سيطرة فصائل معارضة على جنوب البلاد وجنوبها الغربى بما فى ذلك «منطقة فك الاشتباك» التى تشكلت بموجب اتفاق رعاه وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر فى نهاية مايو 1974 بعد حرب أكتوبر 1973، إضافة إلى انسحاب «القوات الدولية لفك الاشتباك» (اندوف) التى كانت منتشرة فى الجولان فى 2014.
اللافت، أن المحاولة الأمريكية الأخيرة لإنجاز اتفاق سلام قادها المبعوث الأمريكى السابق فريد هوف بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى العام 2010، حيث أسفر عن قبول الجانب الإسرائيلى السيادة السورية الكاملة على الجولان مقابل ترتيبات تتعلق بالأمن والتطبيع و«وعود بابتعاد دمشق عن إيران». لكن هذه المبادرة، التى وصلت إلى أعلى حد من التفاهمات ضمن معادلة «لا اتفاق على شىء إلى حين الاتفاق على كل شىء»، انتهت فى ربيع 2011 مع اندلاع الاحتجاجات فى سوريا.
خلال هذه الفترة انتشرت ميلشيات تابعة لإيران و«حزب الله» فى الجنوب ضمن صراع مع فصائل المعارضة السورية. وتركزت المفاوضات الأمريكية-الروسية فى العام الماضى بعد إنجاز اتفاق خفض التصعيد على إبعاد إيران عن الجولان والجنوب. وخلال قمة الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب والروسى فلاديمير بوتين فى هلسنكى فى يوليو الماضى أعطى الرئيسان أولوية لـ«ضمان إسرائيل» وإعادة تفعيل اتفاق فك الاشتباك ونشر القوات الدولية فى الجولان إضافة إلى عودة قوات الحكومة إلى الجنوب والجنوب الغربى.
وفى أغسطس الماضى، قال المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيجور كوناشينكوف: «أجرت روسيا مشاورات مع إيران، وصرحت طهران خلالها بأنها لا ترى من الصواب تأجيج الأوضاع فى المنطقة وأنها لا تحمل نوايا عدوانية تجاه إسرائيل. وبالنتيجة، وبإسهام روسى، تم سحب التشكيلات الموالية لإيران مع أسلحتها الثقيلة من مرتفعات الجولان». وتابع أن الميليشيات الإيرانية انسحبت مسافة 140 كلم باتجاه الشرق، وأنه تم سحب 1050 عنصراً و24 راجمة صواريخ و145 وحدة من الأسلحة الأخرى والتقنيات العسكرية. وفى المقابل، انتشرت الشرطة الروسية فى نقاط على طول خط «برافو» الفاصل بين الجولان المحتل والقنيطرة، ورعت عودة «القوات الدولية لفك الاشتباك» (اندوف). وأعلنت الأمم المتحدة، إعادة نشر «اندوف» بشكل تدريجى فى المنطقة المنزوعة من السلاح والمخففة من السلاح بموجب ترتيبات «فك الاشتباك» من شمال الجولان إلى جنوبه.
فى 14 ديسمبر 1981 أقر الكنيست الإسرائيلى «قانون الجولان» بـ«فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان»، الأمر الذى رفضه السوريون فى الجولان. كما أن المجتمع الدولى لم يعترف بالقرار ورفضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى 17 ديسمبر 1981. وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم «الجولان السورى المحتل». من الناحية العملية، أدى «قانون الجولان» إلى إلغاء الحكم العسكرى ونقل صلاحيته للسلطات المدنية العادية. وتبلغ مساحة المنطقة التى ضمتها إسرائيل 1200 كم2 من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلو متر مربع.
مجلس الأمن أكد أن الاستيلاء على الأراضى بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واعتبر قرار إسرائيل ملغياً وباطلاً ومن دون فاعلية قانونية على الصعيد الدولى؛ وطالبها باعتبارها قوة محتلة، أن تلغى قرارها فوراً. وأشار السفير السورى فى جنيف حسام الدين آلا قبل يومين، إلى القرارات السنوية التى تتبناها الجمعية العامة للأمم المتحدة «حول الجولان السورى المحتل والتى تؤكد عدم شرعية الاحتلال وتجدد بشكل سنوى رفضها لقرار ضم الجولان وضرورة الانسحاب الإسرائيلى منه حتى خطوط الرابع من يونية 1967 وفقا لقرارى مجلس الأمن الدولى 242 لعام 1967 و338 لعام 1973 بشأن المطالبة بالانسحاب الإسرائيلى الكامل من الأراضى العربية المحتلة عام 1967 واللذين يشكلان مرجعية لأى عملية سلام فى المنطقة».
جرت محاولات عديدة لإطلاق مفاوضات بين سوريا وإسرائيل منذ احتلال الجولان فى حرب يونية 1967. وبعد حرب الخليج فى 1991. أطلق الرئيس الأمريكى الراحل جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر عملية السلام العربية-الإسرائيلية فى مؤتمر مدريد أكتوبر 1991. وروت المستشارة السياسية فى الرئاسة بثينة شعبان فى كتابها «مفكرة دمشق» أن الأسد أخرج خلال لقائه بيكر قبل مؤتمر مدريد، رسالة من الرئيس رونالد ريجان تعود لتاريخ 28 يوليو 1988، ليقرا أن سياسة ريجان كانت «تطوير فرص السلام العربى-الإسرائيلى على جميع المسارات، وأن هذا لا يزال أولوية بالنسبة إلى أمريكا لتنفيذ القرار 242 و338 بما فى ذلك مبدأ «الأرض مقابل السلام» باعتبار ذلك «جوهر» 242». قائلا: «ما يقوله الرئيس الأمريكى، هو سياسة أمريكية».
بعد مؤتمر مدريد عقدت على المسار السورى جلسات تفاوضية، لكنها كانت بمثابة «حوار الطرشان» بسبب تعليمات رئيس الوزراء اليمينى اسحق شامير الذى كان يريد «التفاوض لمجرد التفاوض». لكن فوز اسحق رابين فى انتخابات يونية 1992، أثار موجة من التفاؤل. وتم التعبير عن ذلك بتكليفه السفير ايتامار رابينوفيتش رئاسة الوفد المفاوض إلى الجولة السادسة من المفاوضات مقابل السفير الراحل موفق العلاف. وكان «الاختراق السياسى» الأساسى فى تلك الجولة التى عقدت فى واشنطن فى 24 أغسطس أن الوفد السورى قدم «ورقة الأهداف والمبادئ»، فكانت «الوثيقة الأولى» التى يقدمها الجانب السورى لاعتقاد الأسد بأن هذا يساعد بوش فى الانتخابات فى مواجهة الديمقراطى بيل كلينتون الذى صار متحمسا لدمشق وعملية السلام. والنقطة الأساسية التى تمحور النقاش حولها فى ورقة «الأهداف والمبادئ» كانت تتعلق بالبند الأول من الفقرة الخامسة لأنها تضمنت المطالبة بـ«الانسحاب الإسرائيلى الكامل من مرتفعات الجولان السورى المحتل العام 1967».
منذ ذلك الوقت اتبع الجانب السورى استراتيجية التمسك بـ«الانسحاب الكامل»، فبقيت المفاوضات تراوح مكانها باستثناء تقدم تمثل فى اعتبار الإسرائيليين أن القرار 242 «ينطبق على المسار السورى». وسجل اختراق آخر، إذ إن الإسرائيليين بدأوا بالحديث عن انسحاب «فى» الجولان مع أن ذلك لم يرتق إلى الانسحاب «من» الهضبة. حصل ذلك فى الجولة السابعة فى دفعتين نهاية 1992، مع أن كلينتون فاز فى الانتخابات الأمريكية بين الجولتين.
وزير الخارجية الأمريكى وارن كريستوفر قام بجولة فى الشرق الأوسط فى أغسطس 1993. فالتقى رابين فى حضور رابينوفيتش للحديث عن المسار السورى لاعتقاد الأمريكيين بأن «سوريا مفتاح السلام الإقليمى فى الشرق الأوسط». وفى هذا الاجتماع، طرح رابين أسئلة افتراضية على كريستوفر: «لنفترض أن مطالبهم (السوريين) قبلت، هل سوريا مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟ وهل ستكون على استعداد لسلام حقيقى يتضمن حدوداً مفتوحة وعلاقات دبلوماسية كما فى الحالة المصرية؟ هناك عناصر يجب تحقيقها فى السلام مثل إقامة سفارات وعلاقات قبل إنجاز الانسحاب».
انتقل كريستوفر إلى دمشق للقاء الأسد فى 4 أغسطس، وأبلغه: «إن رابين أخبرنى أنه إذا أعطى الأسد ما يريده، هل يستطيع التوجه فى شكل حقيقى نحو السلام؟». وبحسب كتاب «مفكرة دمشق» لشعبان، استشار الأسد وزير الدفاع الراحل مصطفى طلاس ورئيس الأركان الراحل حكمت شهابى قبل إرسال رد الجانب السورى على اقتراح كريستوفر بـ«وديعة رابين»، بما يتضمن ضرورة «الانسحاب الكامل». من جهته، روى نائب الرئيس السورى السابق فاروق الشرع فى كتابه «الرواية المفقودة» أن النسخة الأولى من وديعة رابين جاءت مع روس فى العام ١٩٩٣ حاملا رسالة من كلينتون حيث اجتمع بالأسد فى اللاذقية «دقيقتين» على انفراد ليقول بأن رابين «موافق على الانسحاب الكامل من الجولان، إذا تمت تلبية حاجاته الأمنية». وفى أبريل، سأل الأسد كريستوفر: «هل يعنى رابين الانسحاب التام إلى خط ٤ يونية 1967؟ أليس لديه أى ادعاء فى أى نوع كان فى الأراضى الواقعة شرق هذا الخط؟». أجاب: «رابين يفكر بالانسحاب من كل الجولان».
عندما تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء بعد اغتيال رابين فى 1995. أنكر وجود «وديعة» ما دفع الجانب السورى إلى شرح ما حصل. فروت الخارجية السورية فى وثيقة فى 2 أكتوبر 1999: «أبلغ كريستوفر فى يوليو 1994 موافقة رابين على الانسحاب من الجولان إلى خط الرابع من حزيران كالتزام لا بد منه للانطلاق إلى معالجة بقية عناصر اتفاق سلام كامل. وفى هذا السياق طرح الأسد على الوزير الأمريكى سؤالين للتأكد من صحة ودقة مضمون الالتزام الإسرائيلى. السؤال الأول: هل يعنى رابين بأن الانسحاب من الجولان سيشمل كل الأراضى التى كانت تحت سيادة سوريا فى الرابع من حزيران 1967؟ فكان جواب وزير الخارجية الأمريكى: نعم. السؤال الثانى: هل هناك أى ادعاء إسرائيلى بأى قطعة من الأرض الواقعة ضمن خط الرابع من حزيران، فكان جواب الوزير الأمريكى: لا يوجد أى ادعاء».
نجحت دمشق فى الانتقال من «الانسحاب الكامل» إلى فرض «خط ٤ يونية». سيبقى هذا مبدأ رئيسياً فى المفاوضات. وأبلغ الأسد كريستوفر أنه فى مقابل تعهد رابين مستعدون لـ«الاستجابة للمقترحات الإسرائيلية التى تتضمن إنهاء حالة الحرب وترتيبات أمنية متفقاً عليها، ورفع المقاطعة ومشاركة سوريا فى المحادثات المتعددة الأطراف وجدولا زمنيا لتحقيق ذلك». بحسب محللين، هذه «الرواية» تناقض رواية قدمها رابينوفيتش فى كتابه «على حافة السلام» من أن خط الانسحاب لم يذكر إلا عام 1994 وأن الحديث كان عن «انسحاب كامل» وأن «الوديعة» الإسرائيلية التى وضعت فى «جيب» كريستوفر كانت مرتبطة بـ«إذا» «الافتراضية».
يعتقد الخبير البريطانى فى الشئون السورية الراحل باتريك سيل أن «مرونة» رابين نحو سوريا كانت لـ«خداعها» وفى إطار اللعب بين المسارات: السورية والأردنية والفلسطينية، لأن تركيزه الأساسى كان على المسار الفلسطينى الذى شهد تطوراً كبيراً بتوقيع اتفاق أوسلو فى سبتمبر 1993. إذ عقدت قمة سورية-أمريكية فى جنيف فى بداية 1994. وتعهدت دمشق بـ«عدم تعطيل» اتفاق أوسلو. لكن وفاة باسل نجل الرئيس السورى بعدها بأيام وقيام رابين بتقديم عرض «مجدل شمس أولاً» أسوة بـ«غزة أريحا أولاً» خلال لقائه كريستوفر فى أبريل 1994 جمدا المسار السورى. لكن فى 19 يوليو التقى كريستوفر رئيس الوزراء الإسرائيلى، فجدد الأول طلبه الحصول على أجوبة لأسئلة الأسد حول «خط الانسحاب».
يروى رابين نفسه رؤيته للموضوع عشية لقائه كريستوفر وبعد تقديمه «العرض» قبل سنة، فى صفحات كتبها فى دفتره الصغير ونشرتها صحيفة «معاريف» فى 11 أكتوبر 2002: «ما تم الاتفاق عليه هو: إرادة الانسحاب الكامل فى مقابل سلام كامل بجميع عناصره، مدة الانسحاب ومراحله، الجمع بين إنجاز سلام كامل قبل إكمال الانسحاب بإجراء انسحاب أولى وإجراءات أمنية». يضيف: «إن السوريين حصلوا على وعد بانسحاب كامل هو أكثر ما تتجرأ أى دولة عربية أخرى على المطالبة به فى مقابل عدم وجود اتفاق على أى عنصر من عناصر صيغة ما عرف بالصفقة الكاملة أو أرجل الطاولة الأربع». ويضيف: «إن عملية المفاوضات ستبدأ عندما يتوقع السوريون أن الأمريكيين سيخونون إسرائيل خطياً. لقد بدأوا المفاوضات وجعلوا من استئنافها شرطاً للحصول على تنازلات إضافية من إسرائيل.. لن نتنازل عن أى تغيير فى إجراءات الأمن متعلقة بالحال الجغرافية واتفاقية فصل القوات».
التقدم الجزئى، يفسر إعطاء الأسد «الضوء الأخضر» لقناة السفراء حيث اجتمع المعلم ورابينوفيتش فى 25 أغسطس فى منزل السفير روس، إضافة إلى لقاء السفير المعلم رئيس الأركان الإسرائيلى إيهود باراك والمستشار العسكرى لرئيس الوزراء دانى ياتوم فى 2 و3 نوفمبر بعد وعود كريستوفر. كما أعطى الأسد الضوء الأخضر للقاء حكمت الشهابى بنظيره الإسرائيلى إيهود باراك لبحث ورقة «أهداف ومبادئ ترتيبات الأمن» أو الـ«لا ورقة». وروى الشرع فى كتابه تركيز لقاء الشهابى مع نظيره الإسرائيلى أمنون شاحاك فى يونية ١٩٩٥ على موضوع محطة الإنذار المبكر الإسرائيلية لرفضه وجودها فى سوريا.
خلال حكم نتنياهو بين 1996 و1999 جرت اتصالات ومساعٍ أوروبية قام بها المبعوث الأوروبى السابق ميجيل انخيل موراتينوس ورجل الأعمال اليهودى رون لاودر. وقال الشرع بأنه فى عهد نتنياهو جاءت القناة السرية من وليد المعلم «سفيرنا فى أمريكا الذى كان بحكم إقامته الطويلة فى واشنطن نجح فى إقامة علاقات وطيدة مع مجموعة مهمة من اليهود الأمريكيين القريبين من إسرائيل»، إذ نقل لاودر رسائل بين نتنياهو والأسد، إلى حين مجىء باراك وأطلق المفاوضات «من حيث توقفت» بعد مفاوضات سرية قام بها المستشار القانونى فى الخارجية رياض داودى واورى ساجى فى سبتمبر ١٩٩٩.
فى لقائها الأول بالأسد منذ انتخاب باراك فى مايو 1999، أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت أن الأسد كان يركز على أن رابين «تعهد» بإعادة كل الجولان. وروت أولبرايت فى كتاب «حياتى» أن الأسد قال: «لا أحد ولا أى طفل فى سوريا سيوافق على السلام مع أى طرف يحتفظ حتى لو بشبر واحد من أراضينا». وفى بداية 2000، عقدت مفاوضات بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود باراك فى بلدة شيبردزتاون فى ولاية فرجينيا الغربية بعد اجتماع تمهيدى فى واشنطن. كان السؤال المحورى: أين هى الحدود للانسحاب؟ أين الخط الذى كان قائماً قبل حرب يونية؟. وتروى أولبرايت: «الأسد الذى لم يكلّ أبدا من إبلاغنا بأنه اعتاد السباحة فى بحيرة طبرية عندما كان شاباً، أصر على أن الأراضى السورية تمتد إلى الشواطئ الشرقية للبحيرة».
بعدما توقفت المفاوضات فى شيبردزتاون بسبب تهرب باراك من «ترسيم» الحدود. بقيت القمة بين الأسد وكلينتون فى 26 مارس 2000 الأمل الوحيد لتحقيق اتفاق السلام قبل وفاة الرئيس السورى. وتقول أولبرايت بأن كلينتون عندما قال بأنه سيقدم عرضاً رسمياً لما كان باراك مستعدا للقيام به، أجاب الأسد: «جيّد. لن أرد حتى تنتهى، لكن ماذا بشأن الأراضى؟ وعندما قال كلينتون: «الإسرائيليون مستعدون للانسحاب كلياً إلى حدود متفق عليها فى صورة مشتركة»، رد الأسد: ماذا تعنى بمتفق عليها فى صورة مشتركة؟
بدأ كلينتون يشرح وأخرج منسق عملية السلام دنيس روس خريطة تستند إلى أفكار باراك، وكانت تبيّن خطا يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الأردن وبحيرة طبرية، مع تحديد واضح لشريط الأرض الذى يريد باراك الاحتفاظ به. قال الأسد: إذن هو لا يريد السلام، من دون حتى أن ينظر إلى الخريطة وقال: «انتهى الأمر». وكتبت شعبان فى كتابها أن الجانب السورى ليس لديه المحضر الرسمى لقمة الأسد-كلينتون فى جنيف، ذلك أن الجانب الأمريكى لم يف بوعده بإرسال المحضر، روى الشرع أنه بعد الدخول إلى قاعة الاجتماعات وقول كلينتون بأن روس «سيغادر حالاً الاجتماع بعد أن يعرض خريطة للجولان» وأنه كان للتو على الهاتف مع باراك الذى أبدى «استعدادا لإعادة كل الجولان باستثناء شريط يبعد عن بحيرة طبرية ٤٠٠-٥٠٠ متر».
أضاف الشرع أن الأسد قاطع كلينتون، وقال: «هم لا يريدون السلام». أكمل كلينتون بعدما نظر إلى قصاصة ورق بأن باراك «يعرف تمسك سوريا بأراضيها، لكنه لا يستطيع التخلى عن هذا الشريط الضيق وسيعطيكم بدلاً منه أرضاً بنفس المساحة، وأشار إلى روس وطلب منه نشر الخريطة فوق طاولة بين الرئيسين. حاول كلينتون استعادة اهتمام الأسد، ولم يفلح (...) لأن الأسد فقد الاهتمام بعد أن تأكد أنهم يريدون من السوريين ألا يقتربوا من مياه البحيرة». وبعدها انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان فى مايو 2000 ورحل الأسد فى يونية من العام نفسه. وخلال عقد من حكم الرئيس بشار الأسد دخل الجانب التركى على خط الوساطة لتوقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل خصوصاً فى «سنوات العزلة» على دمشق بين 2005 و2009 إلى أن عاد الجانب الأمريكى إلى الاهتمام بعملية السلام مع تسلم الرئيس باراك أوباما وصولا إلى صوج هوف «مسودة اتفاق» فى بداية 2011. لكن الاتفاق لم يتحقق... واستقال هوف من ملف السلام وتسلم ملف دعم المعارضة السورية فى 2012.
هل يقدم أو يؤخر إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أن «موقف الشرعية الدولية لن يتغير»، فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلى للجولان السورى؟
جوتيريش شدد على «ضرورة التزام كل قرارات مجلس الأمن فى هذا الشأن»، ورافضاً فى الوقت ذاته التعقيب مباشرة على تغريدة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى شأن دعوته إلى الاعتراف بالمرتفعات المحتلة كجزء من إسرائيل. ومن المقرر أن يبحث مجلس الأمن موضوع التمديد لقوة الأمم المتحدة لفك الاشتباك (أندوف)، فى ضوء تقرير جديد أعده جوتيريش حول الأوضاع الهشة فى المرتفعات المحتلة.
فى تقريره الذى يتزامن مع تغريدة ترامب، عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن «القلق البالغ من تصاعد التوتر» بين طرفى اتفاق فصل القوات، كما ظهر فى أحداث 29 نوفمبر (تشرين الثانى)، و20 يناير، و11 فبراير، ملاحظاً «بقلق» النشاطات العسكرية المتواصلة، وتواجد الجماعات المسلحة السورية فى منطقة الفصل على الجانب برافو (أى المنطقة المحررة من الجولان). وأشار جوتيريش أيضاًً إلى رسالة قدمها له المندوب الإسرائيلى الدائم لدى الأمم المتحدة، دانى دانون، فى 13 مارس الجارى، حول وجود «شبكة إرهابية واسعة النطاق تابعة لـ(حزب الله)» فى الجانب برافو، مضيفاً أن «(حزب الله) اغتنم الفرصة لإنشاء جبهة إرهابية سورية منها لمهاجمة إسرائيل»، وأوضح أن الشبكة تمتد من الحضر إلى أرنبة وخان أرنبة والقنيطرة، محملاً السلطات السورية المسئولية الكاملة عن أى أعمال قد تحصل من هذه المنطقة.
جوتيريش شجع أعضاء مجلس الأمن على «دعم الجهود المبذولة لتوعية كلا الطرفين بخطر التصعيد، والحاجة إلى الحفاظ على وقف النار القديم بين إسرائيل وسوريا»، مضيفاً أنه «لا يزال من الأهمية بمكان أن يحافظ الطرفان على صلاتهما بقوة الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك فى المقام الأول، للحيلولة دون أى تصعيد للحالة عبر خط وقف النار»، ولاحظ «الدعم المستمر من الأطراف للجهود المتواصلة التى تبذلها قوة (أندوف) للعودة تدريجياً إلى عملياتها الكاملة من جانب (برافو)»، داعياً الطرفين إلى تقديم «كل الدعم اللازم للسماح باستخدام (أندوف) معبر القنيطرة بشكل كامل، تمشياً مع الإجراءات المعمول بها». وأشار إلى أنه «مع مواصلة (أندوف) جهودها (...) فى منطقة الفصل، يظل من الأهمية بمكان ضمان سلامة وأمن موظفى الأمم المتحدة»، إذ إن «الظروف التى تعمل فى ظلها القوات والمراقبون العسكريون لا تزال تستوجب تدابير اليقظة وتخفيف المخاطر»، وطالب الحكومة السورية بـ«مواصلة الوفاء بمسئوليتها الرئيسية عن سلامة وأمن موظفى الأمم المتحدة على الجانب برافو».
ويكفى لتأكيد غياب جوتيريش عن الواقع زعمه بأن «الالتزام المتواصل من إسرائيل وسوريا حيال اتفاق فك الاشتباك، ودعم وجود (أندوف)، لا يزالان أمراً أساسياً». وكذلك تعويله على «استمرار تعاون كلا الطرفين لتيسير النهوض بخطط البعثة للعودة التدريجية إلى العمليات والمواقع فى منطقة الفصل، ولضمان أن تتمكن البعثة من تنفيذ ولايتها».