الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:32 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: سقوط أباطرة بنك باركليز يكتب نهاية حمد.. فضيحة قطر فى لندن ..تتصاعد


روبرت جاى .. القاضى الذى يهدد عرش الفساد
ويسرق النوم من عين رئيس الوزراء القطرى السابق
صار رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم وعددٌ من كبار أعوانه قاب قوسين أو أدنى من الوقوف في قفص الاتهام أمام القضاء البريطاني، بعد أن شدد القاضي المسؤول عن محاكمة 4 من قيادات القطاع المصرفي سابقاً في المملكة المتحدة بشأن صفقة مشبوهة مع جهاتٍ قطرية، على أن إدانة هذه القيادات ستؤكد تورط أركان النظام القطري بلا شك في ما حدث من جرائم احتيال وتلاعب على خلفية الصفقة.
في تصريحات شديدة اللهجة بدت موجهةً لـ»نظام الحمدين»، حذر القاضي روبرت جاي من عواقب القضية التي كُشِفَ النقاب خلال جلسات الاستماع المتواصلة فيها، عن حصول حمد بن جاسم على عمولات تُقدر بملايين الجنيهات الإسترلينية، في إطار الصفقة التي تم توقيعها منذ 10 سنوات، بهدف إنقاذ مصرف «باركليز» العريق من الانهيار جراء الأزمة المالية التي ضربت العالم في ذلك الوقت, وفي أول مداخلةٍ له منذ بدء نظر القضية قبل أكثر من أسبوع، قال القاضي إن «الاتفاق الزائف» الذي تورطت فيه عدة مؤسسات قطرية مرتبطة بنظام الدوحة مع «باركليز» في سياق صفقة الإنقاذ، يتطلب طرفيْن وليس طرفاً واحداً، في إشارةٍ إلى أن التهم الجنائية التي يوجهها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في المملكة المتحدة في إطار الدعوى، لا تشمل سوى قيادات المصرف البريطاني السابقين وحدهم.
لم يكتف القاضي البريطاني بالتلميح – كما ذكرت جريدة «فاينانشال تايمز» - بل أكد أن «الطرف المقابل في الاتفاق كان كياناً قطرياً»، وهو ما يعني أن التهم الموجهة لمسؤولي «باركليز» بالاحتيال والغش وعدم الأمانة، تفيد كذلك بأن هناك «شخصاً أو أكثر على ارتباطٍ بالكيان القطري المتورط في الاتفاق هم الآخرون مخادعون أو غير شرفاء بالمعنى الجنائي، لا يمكن الالتفاف حول ذلك». وفي مداخلته أمام هيئة المحلفين بمحكمة «ساذرك» التي تنظر القضية بجنوب لندن، قال جاي إن ثبوت التهم الموجهة في الدعوى لقيادات «باركليز»، يعني ضرورة اعتبار «الكيانات القطرية الضالعة في الصفقة مُذنبةً بالكذب والغش»، في إشارةٍ واضحةٍ لحمد بن جاسم الذي شارك في الاتفاق المشبوه خلال شركة «تشالنجر يونيفرسال المحدودة» التي تُوصف بأنها الأداة الاستثمارية التابعة له.
كان هذا الرجل رئيساً لوزراء قطر خلال الفترة التي جرى فيها التفاوض مع مسؤولي المصرف البريطاني، لتأمين حصوله على حزمة إنقاذٍ بلغت قيمتها نحو 12 مليار جنيه إسترليني (16.6 مليار دولار أمريكي)، بهدف تجنيب تلك المؤسسة المالية سيناريو التأميم الذي طال آنذاك منافسيْها «لويدز بانك جروب» و»رويال بانك أوف سكوتلاند». لكن الاتفاق الذي شمل كذلك شركة قطر القابضة (الذراع الاستثمارية لهيئة الاستثمار القطرية) تضمنت أيضاً تقديم المصرف البريطاني قرضاً للشركة بقيمة 2.7 مليار جنيه إسترليني (أي ما يوازي ثلاثة مليارات دولار أمريكي) في إطار صفقةٍ جانبيةٍ، تم إبرامها لإتمام تفاصيل حزمة الإنقاذ المالي، مع الزعم في الوقت نفسه بأن القرض ليس سوى مقابل لحصول «باركليز» على خدمات استشارية من الجانب القطري.
في هذا السياق، أكد القاضي جاي في اليوم السابع للمحاكمة، أن أي إدانةٍ لمسؤولي «باركليز» الأربعة الذين يمثلون أمام القضاء، لا بد أن تُبنى على أن «لا خدمات استشارية حقيقيةً قُدِمَت في إطار هذا الاتفاق من جانب الجهات القطرية المنخرطة فيه، وأنه لم يكن سوى محاولةٍ لتبرير تقديم رسومٍ مُبالغاً فيها لممثلي هذه الجهات، ومن بينهم حمد بن جاسم بطبيعة الحال». وكان إدوارد براون ممثل الادعاء في القضية قد تجنب في مرافعته الافتتاحية التي اختتمها يوم الأربعاء الماضي، توجيه اتهامٍ مباشرٍ لأي شخصياتٍ قطريةٍ، كما لم يطلب مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى أياً منها للشهادة أمام المحكمة.
براون ألمح في المرافعة إلى أنه كان من الضروري أن يُحاكم المسؤولون عن الجهات القطرية التي مثلت «نظام الحمدين» في الصفقة، جنباً إلى جنب مع مسؤولي «باركليز» المتهمين، وعلى رأسهم جون فارلي الرئيس التنفيذي للمصرف وقت إبرام الاتفاق، وروجر جينكنز الرئيس السابق لمجلس إدارة وحدة التمويل الاستثماري المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيه. وأبدى ممثل الادعاء أسفه ضمنياً لأن الدوحة ونظامها الحاكم غير مشمولين في الدعوى، التي تضم قائمة المتهمين فيها أيضاً توم كالاريس وريتشارد بوث، المسؤوليْن السابقيْن عن كلٍ من وحدتيْ إدارة الثروات ومجموعة المؤسسات الأوروبية في المصرف البريطاني. وقال في هذا السياق بأسفٍ: «القطريون ليسوا أمام المحكمة هنا»، بالرغم من أنهم انخرطوا في هذه الآلية عن علم كامل بما تنطوي عليه من تحايل وتلاعب.
الادعاء يتهم مسؤولي «باركليز» الأربعة بأنهم دفعوا عمولات سرية لحمد بن جاسم والجهات القطرية المشاركة في الصفقة، مقابل مسارعتهم بضخ مليارات الدولارات في شرايين المصرف في غمار الأزمة المالية العالمية. ويؤكد مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في بريطانيا أن تلك العمولات بدأت بـ125 مليون جنيه إسترليني ثم قفزت إلى 280 مليوناً، دون أن يُكشف للمستثمرين في أسواق المال البريطانية عن طبيعتها بشكل محدد ومفصل، وهو ما يشكل انتهاكاً للقواعد التي يخضع لها «باركليز» باعتباره مصرفا مُدرجا في البورصة في المملكة المتحدة ويلتزم بحكم القانون بالكشف علناً عن تفاصيل الاتفاقات التي يبرمها. ونقلت «فاينانشال تايمز» عن ممثل الادعاء قوله إن اتفاق الخدمات الاستشارية الزائف الذي أُبرم مع حمد بن جاسم وأعوانه لم يكن سوى «ستار دخاني» للتعمية على منح هذه الشخصيات القطرية المثيرة للجدل عمولات بلغت قيمتها ضعف ما حصل عليه المستثمرون الآخرون في المصرف في ذلك الوقت.
المدعون يبررون عدم توجيه تهم رسمية حتى الآن لأركان النظام القطري الضالعين في هذه المؤامرة الشائنة، بأنهم لم يكونوا هم الملزمين أمام الرأي العام في بريطانيا بكشف جوانب الصفقة، بل كانت قيادات «باركليز» هي المعنية بهذا الأمر، بموجب القوانين السارية في المملكة المتحدة. وأبرزت «فاينانشال تايمز» ما شهدته الجلسات الماضية من أقوالٍ لبعض المتهمين، أقروا فيها بأنهم كانوا يعلمون منذ البداية بعدم مشروعية العمولات السرية التي دُفعت لشركائهم القطريين ومن بين هؤلاء ريتشارد بوث الذي أبدى قلقه بُعيد الاتفاق على ترتيبات الاتفاق المشبوه مع قطر، من أن تُعتبر الأموال التي حصل عليها رئيس الوزراء السابق للدويلة المعزولة عمولةً غير قانونية. كما استمعت هيئة المحلفين لاعترافات أفادت بأن روجر جينكنز الرئيس السابق لمجلس إدارة وحدة التمويل الاستثماري المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «باركليز»، كان يُعد بمثابة المسؤول الأول عن العلاقات مع النظام القطري في المصرف، وأنه حصل على مكافأةٍ تُقدر بنحو 25 مليون جنيه إسترليني بعد إتمام الاتفاق معها.
القضية التي تخص ثاني أقدم المصارف في بريطانيا على الإطلاق، شكلت محوراً لتحقيقات جنائية واسعة أجرتها السلطات البريطانية منذ عام 2012، وشملت 40 شخصاً من بينهم 12 من كبار المديرين التنفيذيين للمصرف الذي تأُسس عام 1690. ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة 6 أشهر على الأقل.
تفاصل أكثر عن الدور الذي لعبه بن جاسم في قطر عرفناها من كتاب فرنسي مثير عنوانه «قطر.. خزينة الأسرار»، كشف الوجه الآخر لرئيس الوزراء القطري السابق، خصوصا صفقاته وعمولاته التي تحوم حولها علامات استفهام ليس لها عدد، ومنه عرفنا أنه كان «القوة الضاربة، والذراع المسلحة للأمير القطري. لا ينام سوى أربع أو خمس ساعات ليلاً، والأمير حمد لا يملك طاقته على العمل. وهو وهابي محافظ، لا يراه الناس أبداً مع زوجاته فى العلن، وظل لفترة طويلة يملك وحده الحق في أن يكون مكتبه ملاصقاً لمكتب الأمير حمد في قصر الديوان الأميري».
الكتاب وصف حمد بن جاسم بأنه: «رجل أعمال محنك، لا بد أن تكون له صلة من قريب أو من بعيد بكل الشراكات والصفقات المالية والتجارية التي عقدتها قطر في السنوات العشرين الأخيرة. كما أن قائمة ممتلكاته وثرواته تثير الإعجاب: فهو يرأس شركة الخطوط الجوية القطرية، وبنك قطر الدولى، ونائب رئيس هيئة الاستثمارات القطرية، ومؤسسة قطر القابضة، ذراعها المسئولة عن شراء العقارات فى الخارج. وهو يملك أيضاً فندقي الفور سيزون وويست باى في الدوحة، وفندقي راديسون وتشرشل في لندن».
أما عن رجال حمد بن جاسم، ومندوبيه في إتمام الصفقات، فيذكرهم الكتاب بالتفصيل: «في عديد من المفاوضات والصفقات التجارية والصناعية، تكون عائلة الفردان الشيعية الكبيرة في قطر هي ممثلة حمد بن جاسم، خاصة كبيرها حسين الفردان، مصحوباً بأولاده على وفهد وعمر. أما «مديرو» صفقاته، الذين يتولون مهمة ترتيب تفاصيلها، فأبرزهم الشيخ محمد العقر، أحد أعضاء مجلس إدارة بنك قطر الدولي، ووزير الطاقة الشيخ غانم بن سعد السعد، الذي يقوم بدور جندي الاستطلاع في مفاوضات حمد بن جاسم مع المؤسسات الأجنبية، وكان هو الرجل الذي أرسله لجس النبض في صفقة شراء فندق كارلتون في مدينة كان الفرنسية».
ويحكي الكتاب واقعة غريبة عن التعامل المالي لحمد بن جاسم: «لقد انتبه حمد بن جاسم مبكراً لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب. ومنذ فترة طويلة، قبل أن ينقلب حمد على والده الأمير خليفة في أوائل التسعينات، جاء اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين لزيارة خليفة، في منزله بمدينة كان الفرنسية، سعياً لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما في قطر».
ويواصل: «هنا، سأل الأمير خليفة، الذي لم يكن مهتماً بالبزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم عما ينبغي قوله لرجلي الأعمال، فرد عليه ابن جاسم: قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معي أنا! ووصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى فيلا الريان، مقر إقامة الأمير خليفة، وبعد دقائق من المناقشة، قال الأمير: إن حمد بن جاسم هو الذي يهتم بشئون الأعمال الخاصة بنا، سأترككم معه الآن.. ونهض ابن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس في أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلي الأعمال الفرنسيين قال: أنا أشعر بحرج بالغ لأنني مضطر إلى أن أقول هذا، لكن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة! هو لن يقول لكما هذا، أنا في غاية الحرج».
ويؤكد الكتاب أن مصدر هذه القصة هو أحد قيادات شركة الأعمال التي كانت تتفاوض على توسيع أعمالها في قطر، وأن القصة أكدها مصدر آخر من قلب العائلة الحاكمة: «كانت تلك غالباً هي الـ20 مليون دولار الأولى التي وضع حمد بن جاسم يده عليها من الشركات الفرنسية التي تعمل في قطر. وإن كان من غير المؤكد أن الأمير خليفة قد رأى هذه الأموال أصلاً».
ويتابع: «ابن جاسم مثله مثل الشيخة موزة، عدوته اللدودة، يعتبره البعض مبالغاً في ظهوره، بينما أمير قطر نفسه يقول صراحة إن حمد بن جاسم هو أغنى رجل في قطر، إلا أن كل هذا النشاط كان سبباً في إثارة الكثيرين ضده، لم تكن صدفة مثلاً أن عائلة (العطية)، التي يعتبر أفرادها من رفاق درب أمير قطر، شكلت مركزاً لمكافحة الفساد في قطر منذ بضعة أعوام. ظاهرياً، قيل إن هذا المركز يستهدف مكافحة هذا (الشر) الذي يلتهم الإدارة، إلا أنه في واقع الأمر كان سيفاً مصلطاً على رأس حمد بن جاسم على وجه التحديد».
ويواصل: «وبدأ الضجيج بالفعل، ففي قلب العائلة المالكة القطرية لا أحد يجهل أن حمد بن جاسم تلقى ما بين 200 إلى 400 مليون دولار في صورة عمولات، بعد إتمام صفقة شراء محلات هارودز الشهيرة في لندن، التي كان يملكها الملياردير المصري محمد الفايد، وفى فرنسا تلقى حمد عمولة قدرها 200 مليون دولار من شركة مقاولات بهدف بناء جسر بين قطر والبحرين، وهو جسر لن يرى النور في القريب غالباً.. واللائحة تمتد لتشمل أكثر من ذلك بكثير».
«وتتردد قصة بأن حمد بن جاسم، الذي ورث عن أبيه أراضى شاسعة، كان الوحيد من بين عائلة آل ثاني الذي قال له والده: اذهب لإتمام دراستك في الولايات المتحدة، لكنى لن أنفق عليك مليماً، عليك أنت أن تتصرف حتى لو قمت بغسيل السيارات»!
ويتابع الكتاب: «أما ابن حمد، جاسم، فهو وسيطه عادة في الشئون الخاصة، يقول عنه أحد رجال الأعمال الفرنسيين إنه يرسله كثيراً في طليعة كتيبة المفاوضين على عقد ما سيتم توقيعه بين الشركات، ربما لأنه ورث عن أبيه سرعته التي تقترب من سرعة البرق في إنجاز وعقد الصفقات، وهى المزايا التي جعلت حمد بن جاسم دائماً موجوداً وظاهراً في قطر، كما لو أن الأمير حمد غير قادر على الاستغناء عنه».
لكن، تظل هناك تلك الصراعات القاسية التي يمكن أن تغير مسار حمد بن جاسم، خاصة صراعه مع الشيخة موزة، وابنها ولى العهد تميم، الذي عهد إليه والده بملفات صفقات التسليح التي ظلت في يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يدخله إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر. وكانت الحرب على ليبيا هي التي شهدت تزايد دور الأمير تميم في مجال العلاقات الخارجية لقطر.
يقول الكتاب الفرنسي: «إن أمير قطر صار يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التي كانت في الأساس مهمة رئيس الوزراء. وخلال الحرب ضد نظام القذافى في ليبيا، كان الأمير تميم هو المسئول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التي لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم في الإطاحة بالقذافى».
وكان نجاح تميم في إدارة الملف الليبي سبباً في أن يعتمد عليه والده من جديد في تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذي أشعل الصراع بين حمد بن جاسم وعزمي بشارة، رجل تميم في الملف السوري، على حد وصف الكتاب.
وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة وفقاً للكتاب، إنه «في أزمة سوريا سعت قطر لحشد التأييد الدولي لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل والسبل؛ حشد الفنانين، تقديم الدعم المالي والسياسي للمجلس الوطني السوري، تحريك رجال الأعمال السوريين.. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدوحة عاصمة المعارضة السورية التي يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها».
ووفقاً للكتاب، فإن الصراع الذي يجرى على أرض سوريا ستنعكس آثاره حتماً على الصراع الدائر في قلب العائلة المالكة القطرية بين حمد بن جاسم والأمير تميم بن حمد، خاصة في حالة فشل ابن جاسم في وضع حد للأزمة، يقول المؤلفان: «إن الوضع في سوريا شديد التعقيد بالنسبة لقطر، خاصة في ظل وجود دول أخرى لها مصلحة في الانتقام؛ فالعراقيون مثلاً يقولون إنهم يملكون دلائل على أن القطريين يقومون بتمويل الإرهابيين في جماعة جبهة النصرة، وهى الامتداد السوري لتنظيم القاعدة في العراق. مثل هذا الكلام هو أساس الانتقادات المبطنة التي يوجهها الأمير تميم، الأكثر حذراً، لطريقة التعامل مع الملف السوري، إلا أنه في نهاية الأمر لا يملك ذلك الملف تحت يده».
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين في الدوحة: «إن التوازنات الداخلية في قطر ستهتز لو ازداد تعقد الأزمة السورية، وتعذر الوصول إلى حل للصراع فيها. وستزداد حتماً حدة المعركة المكتومة الدائرة بين حمد بن جاسم، الذي يتحرك في الملف السوري، وبين ولى العهد، الذي يملك وجهة نظر مختلفة في إدارة هذا الملف».
وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة: «إن القطريين يتحركون على أساس قرارات يتخذها بضعة رجال من وحى اللحظة، أو يتخذها الأمير منفرداً. لا يبدو أن السلطة في قطر عندها تخطيط على المدى الطويل، ولكنها تتحرك وفقاً لما يقتضيه الموقف لحظتها، وهذا ما يمثل نقطة ضعفها الأساسية».
ويروى أحد الدبلوماسيين المغاربة، في مقابلة مع مؤلفي الكتاب يوم 12 ديسمبر 2012، عن واقعة حدثت في قلب جامعة الدول العربية في المغرب، وجه خلالها حمد بن جاسم تهديداً صريحاً لوزير الخارجية الجزائري مراد المدليسى، الذي كان رافضاً بشدة تبنى موقف معارض للنظام السوري بالطريقة التي تريدها قطر، فصاح فيه حمد بن جاسم: اسكت أنت، دورك سيأتي! ثم استدار للحاضرين الذين صمتوا مبهوتين قائلاً: على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعوني، لأن الأمريكان ورائي أنا».
لكن، ربما كانت نظرة الأمريكان أنفسهم لحمد بن جاسم تختلف، يقول الكتاب: «إن حمد بن جاسم يضغط منذ زمن طويل على أعصاب نظرائه، فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء يختتم اجتماع في نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكن كوندوليزا رايس هتفت: كلا أرجوكم، لا أريد حمد بن جاسم تحديداً، سيستمر في استعراضه! ولم يبذل أي من الوزراء العرب أدنى جهد لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغداء». ويواصل: «لا يوجد بلد واحد في العالم يسمح لرئيس وزرائه ولا لوزير خارجيته بإهانة أحد نظرائه، وحده حمد بن جاسم يجرؤ على ذلك، لأنه يتصرف كأنه أمير ثانٍ. ووصلت به الجرأة يوماً ما إلى أن يدس ميكروفوناً تحت السجادة خلال مناقشة جرت بينه وبين ملك السعودية الراحل الملك فهد!».
ويضيف الكتاب: «إن حمد بن جاسم، مثل قطر، يمتلك شهية الغيلان.. نجح مؤخراً في أن يضع يده على كل استثمارات البترول والغاز المملوكة لهيئة الاستثمارات القطرية، مستفيداً من اختفاء منافسه، الشيخ أحمد العطية، من قيادة وزارة الطاقة، إلا أنه في النهاية يمتلك عقلية حقيقية للمساومة و(الفصال)، كما لو كان كل شيء بالفعل معروضاً للبيع في سوق. وحدث مرة أنه كان يريد الاستحواذ على إحدى الشركات الفرنسية، فطلب من المسئولين فيها (تخفيضاً) على سعر الأسهم المعروضة للبيع فيها، فقالوا له على الفور: مستحيل! هذه صفقة بين شركاء، نحن لسنا في سوق هنا! واحتاج الأمر إلى أن يتدخل أمير قطر شخصياً ليعيد العقل إلى ابن عمه».
حمد وحمد وموزة شركاء في نقل قطر من إمارة صغيرة مسالمة تلتزم بمسؤولياتها كدولة عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، إلى دولة متمردة مؤذية ومتآمرة وإرهابية كأقل الأوصاف التي توصف بها قطر وفقاً لوضعها الآن، غير أن هناك إلى جانب ذلك طابوراً من الأشخاص الوافدين إلى قطر، وآخرين خارج قطر، تغلغلوا في مفاصل الدولة، وأثروا في قراراتها، ونجحوا في اختراق مؤسساتها، وأثروا في توجهاتها، وأقنعوا الثلاثي بأجندتهم.
بهذا الشكل، يمكننا أن نقول قطر ليست سوى إمارة ضائعة أو مختطفة فقط، وإنما دولة مسروقة من خريطة الانتماء الخليجي، وأن الهدف من سرقتها كان إيذاء جيرانها، والتآمر عليهم، وجعل دولهم في حالة ترقب دائم، ويحاولون دائما منع وصول نيران الإرهاب إليهم.
وبالتدريج، لم تعد مؤامرات الدوحة سراً، ولم يعد خافيا تخطيطها لخلق الفوضى بين مواطني دول الخليج العربي وممارسته. ولم يعد سارقوها يجدون حرجاً أو تردداً في خرق كل القوانين والأعراف الدولية، والإعلان عن مؤامرات خطيرة على لسان شيوخها، وهو ما كان مستترا ثم بدأ الإعلان عنه في تسريبات صوتية.
بعد هذا كله، هل يمكن أن تدعي قطر البراءة من الإرهاب، وهل يمكن أن نصدق مزاعمها بأنها بريئة من تآمرها على دول الجوار الأعضاء في مجلس التعاون؟!