الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:53 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: الأكراد وأزمة الانسحاب الأمريكى المرتبك


الانسحاب الأمريكى من سوريا، تم ربطه بتحقيق «أهداف» معينة، منها إلحاق الهزيمة التامة بـ«داعش» وموافقة تركيا على عدم مهاجمة أكراد سوريا حلفاء الولايات المتحدة، بمجرد الانسحاب الأمريكى. غير أن هذه الأهداف أو الشروط لم يتم تلبيتها بل إن تركيا، رفضت بصراحةً شرط الولايات المتحدة بألا تهاجم الأكراد.
الرئيس التركى رفض مجرد الاجتماع مع جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، أثناء زيارته للمنطقة، ووصف تصريحاته بأنها «خطأ فادح». وقال فى كلمة أذاعها التلفزيون مخاطباً حزبه السياسى الأسبوع الماضى: «الرسالة التى أدلى بها بولتون فى إسرائيل غير مقبولة. ولا يمكننا أن نستسيغها». ومن غير الواضح أيضاً ما إن كان قد تم بالفعل احتواء «داعش». فقد ذكر تقرير للصحفية «ليز سلاى» الشهر الماضى أن هناك «علامات على أن (داعش) بدأ يعيد جمع صفوفه». والتقارير الصحفية تشير إلى أنه رغم تعليقات بولتون، لم يتلق البنتاجون أى تحديث لخطط الانسحاب منذ الشهر الماضى وأنه يمضى قدماً فى تنفيذ خطة ترامب».
الانسحاب الكامل المشروط بإذعان تركيا، لن يحدث على الأرجح، بعد أن كشفت ورقة «خريطة طريق» قدمها مسئولون أكراد سوريون إلى «الضامن الروسى»، ونصت على 11 بندا، بينها مطالبتهم بـ«اعتراف دمشق بالإدارة الذاتية» شمال شرقى البلاد ودستور جديد يضمن المشاركة فى الثروات الطبيعية وإلغاء الإجراءات التمييزية مقابل اعترافهم بـ«الرئيس المنتخب بشار الأسد» ومركزية الدولة وحدودها وعلمها وجيشها.
مصادر أكدت أن المسئولين الأكراد سلموا الجانب الروسى «خريطة طريق» مفصلة لمبادئ كان قائد «وحدات حماية الشعب» الكردى سيبان حمو طرحها خلال زيارتين غير معلنتين إلى دمشق وموسكو نهاية العام الماضى، على أن يكون الجانب الروسى «ضامنا لأى اتفاق بين دمشق والأكراد».
وبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب نهاية العام الماضى نيته «الانسحاب الكامل والسريع» من سوريا، زار حمو حميميم ثم دمشق والتقى بحضور قادة فى الجيش الروسى مدير مكتب الأمن الوطنى اللواء على مملوك ووزير الدفاع العماد على أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار العاصمة الروسية فى 29 ديسمبر، والتقى وزير الدفاع سيرجى شويجو ورئيس الأركان فاليرى جيراسيموف ورئيس غرفة العمليات فى هيئة الأركان سيرجى رودسكوى.
وبحسب القيادى، فإن الورقة تضمنت 11 بندا، «ستة تلبى مطالب دمشق» و«خمسة تلبى مطالب الجانب الكردى»، إذ نصت المبادئ على أن «سوريا دولة موحدة والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق» وأن «الرئيس المنتخب، أى الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين» بموجب انتخابات جرت فى 2014.
ونص البند الثالث على أن «الثروات الطبيعية هى ثروة وطنية لكل السوريين»، علما بأن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التى تشكل «الوحدات» عمودها الفقرى ويدعمها التحالف الدولى بقيادة واشنطن، تشمل ثلث مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع وتضم 90٪ من النفط السورى الذى كان يتضمن إنتاج 360 ألف برميل قبل 2011، وتضم مناطق شرق الفرات، أيضا نصف الغاز الطبيعى وأكبر ثلاثة سدود فى البلاد، إضافة إلى غالبية الإنتاج الزراعى من القطن والحبوب، حيث كانت تخزن البلاد 3.5 مليون طن. وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة فى الدستور»، بما يشمل السياسة الخارجية ومصدر القرار فى المحافل الدولية فى دمشق، عاصمة الدولة المركزية، إضافة إلى بندين يتضمن أولهما الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمى للجمهورية العربية السورية بموجب الأمم المتحدة. ونص البند السادس على اعتراف الجانب الكردى بـوجود «جيش واحد» للدولة، لكن هناك موقفاً تفاوضياً يقوم على أن تكون «قوات سوريا الديمقراطية» التى تضم 70 - 80 ألف مقاتل ضمن الجيش الوطنى المستقبلى بموجب ترتيبات مستقبلية.
كانت واشنطن وضعت برنامجا لتدريب 35 - 40 مقاتلا جديدا لتوفير الأمن والاستقرار شرق نهر الفرات ومنبج وقرب قاعدة التنف فى الزاوية السورية - الأردنية - العراقية، مناطق تحت سيطرة حلفاء أمريكا. كما شجعت على تدريب عناصر شرطة محلية، إضافة إلى قوات الأمن الداخلى الكردية (أسايش). وكان المبعوث الدولى السابق ستيفان دى ميستورا قدم إلى وفدى الحكومة والمعارضة ورقة من 12 بندا سياسيا، تم إقرارها فى «مؤتمر الحوار الوطنى السورى» فى سوتشى بداية العام الماضى، نصت على بند خاص بالجيش، مفاده ضرورة «الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمى بشكلٍ حصرى الحدود الوطنية، وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة المخابرات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطنى وتتصرف وفقاً للقانون».
فى المقابل، تضمنت «خريطة الطريق» التى سلمت إلى موسكو، خمسة مطالب كردية، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور وإصلاح دستورى يؤدى إلى دستور توافقى وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، بما يعنى تعديلات فى القوانين التى صدرت بعد 2011 والدستور الذى أقر فى العام 2012. ونص البند الثانى على مطالبة دمشق «اعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقى البلاد، إضافة إلى «إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردى» فى بند ثالث ذكر سلسلة من «الإجراءات الظالمة»، بينها الإحصاء الاستثنائى للعام 1962 وحرمان لآلاف من الجنسية السورية و«مكتومى القيد»، إضافة إلى دعوة لإلغاء «الضغط الأمنى» ضد الأكراد. وتضمن البند الرابع «اعتراف» الدولة المركزية بـ«الأكراد مكونا رئيسيا من مكونات الشعب السورى» مثل باقى المكونات وتشمل الآشوريين والتركمان والعرب وغيرهم، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية - الموازنة لكل المناطق بما فيها المناطق الكردية»، ما يعنى توزيع المساهمة العادلة فى الثروات الطبيعية.
مسئولون فى دمشق كانوا قد لوحوا بعمل عسكرى ضد مناطق شمال شرقى البلاد فى حال فشل التفاوض. وجرت سلسلة مفاوضات بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، الذراع السياسى لـ«قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق ظهر خلاف جوهرى بين مطالب الجانب الكردى بـ«الاعتراف بالإدارة الذاتية» واكتفاء دمشق بقبولها بـ«الإدارة المحلية» المطورة بموجب القانون 107. وشجعت موسكو أكثر من مرة الطرفين على استمرار التفاوض، وهى كانت قد أقرت مسودة لدستور سورى نص على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية فى سوريا. كما لمح مسئولون فى وزارة الدفاع الروسية إلى قبول النموذج الروسى الفيدرالى فى سوريا، فيما أشارت دمشق إلى أن «التجربة الروسية لا يمكن أن تطبق فى سوريا». وعبر نائب وزير الخارجية السورى فيصل المقداد قبل أيام عن تفاؤله إزاء الحوار مع الجماعات الكردية التى تريد إبرام اتفاق سياسى مع دمشق، مشيرا إلى حدوث تقدم فيما يتعلق بالمحادثات التى توسطت فيها روسيا. وقال: «التجارب السابقة لم تكن مشجعة ولكن الآن أصبحت الأمور فى خواتيمها. وإذا كان بعض الأكراد يدعى أنه جزء لا يتجزأ من الدولة السورية ومن شعب سوريا فهذه هى الظروف المواتية. لذلك أنا أشعر دائما بالتفاؤل».
على أى حال، هناك كثير من الارتباك، وهو من صنع الإدارة نفسها. أشارت «واشنطن بوست» فى الأيام القليلة الماضية إلى أنه لا يوجد وضوح حقيقى بشأن مدى فعالية أهداف بولتون. وحتى المبادئ الخمسة التى تم تقديمها فى تركيا كانت مجرد آمال وليست مطالب. وأشارت الصحيفة إلى أنه بدلاً من التأكيد على ضرورة «الضمان التام» لأمن الأكراد، كما طالب بولتون، «تريد الولايات المتحدة التوصل إلى حل تفاوضى للمخاوف الأمنية التركية. والولايات المتحدة تعارض أى سوء معاملة للمقاتلين الأكراد الذين قاتلوا مع أمريكا ضد داعش».
الحال ببساطة هو أن كل أسبوع، بل كل يوم، تظهر مؤشرات مختلفة بشأن الانسحاب الأمريكى من سوريا. وأكثر الاستنتاجات ترجيحاً، هو أنه لا توجد خطة محكمة فى هذه المرحلة وأن الإدارة الأمريكية ما زالت تحاول وضع خطة لانسحاب يجعلها تعود مرة أخرى بمكاسب أفضل.