ياسر بركات يكتب عن: وثائق بيع قطر
- تميم عقد صفقة عسكرية مع أردوغان..والبرلمان التركى يوقع على الاتفاقية ويقرر إرسال 5 آلاف جندى إلى الدوحة!
- إقامة معسكرات مجهزة للأتراك وإلزام الشعب القطرى بتنظيفها وجمع أكياس القمامة منها
ـ تمكين الرئيس التركى من استخدام الأجواء والأراضى والقطع البحرية القطرية
ـ لا يحق للدوحة الاستعانة بطرف ثالث على أراضيها إلا بعد موافقة مكتوبة من اردوغان!
ـ مسموح للجيش التركى المتواجد فى الدوحة التدخل للحفاظ على أمن المنطقة وتكليف قطر باستخراج بطاقات هوية لهم ولعائلاتهم!
ـ البرلمان التركى يرفض تحديد المدة الزمنية لإقامة الجيش.. ويرفع شعار: «الوجود طويل الأمد»
ظلت الاتفاقية سرية منذ توقيعها بين الطرفين حتى استطاع موقع «نورديك مونيتور» الحصول على نسخة من الاتفاقية العسكرية السرية التى تم توقيعها بين أنقرة والدوحة. وبحسب الموقع السويدى فإن هذه الاتفاقية السرية تضمنت شروطاً وأحكاماً غامضة تم إدراجها بشكل متعمد، لتحقيق أهداف وأغراض سياسية تخدم أنقرة وبالذات الحزب الحاكم هناك.
الاتفاقية وما تسرب من بنودها فيها إذلال للطرف القطرى، وما خفى من بنودها قد يكشف أهدافها الحقيقية، فليس من المنطقى أن تذهب قاعدة قوامها 3 آلاف جندى قد ترتفع إلى 5 آلاف جندى لحماية دولة بمنشآتها وشعبها، بل ربما تكون كافية لحماية النظام وأفراده، لكن حماية الدولة يكون صعباً عليها. ويمكنك بسهولة استنتاج أن الاتفاقية تستهدف تحقيق هدفين، الأول هو إقامة تحالفات جديدة تستطيع من خلالها مواجهة الرباعى العربى دولياً ودبلوماسياً، والثانى هو شراء موقف تركيا ورئيسها أردوغان مادياً تحت مسمى توقيع اتفاقية عسكرية.
تحمل الاتفاقية اسم «اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضى القطرية»، وهى موقعة بين الطرفين فى 28 أبريل 2016 بالدوحة. وأوضح موقع «نورديك مونيتور» أن هذه الاتفاقية السرية، المسماة «اتفاقية التنفيذ» ليست سوى متابعة لاتفاق التعاون العسكرى «الإطار» الذى وقعه البلدان فى 19 ديسمبر 2014 ودخلت حيز التنفيذ فى 15 يونية 2015، وخلافاً للاتفاق الأول فإن «اتفاقية التنفيذ» تتضمن تفاصيل حول ما تأمل تركيا وقطر أن تحققاه فى منطقة الخليج.
تبين من الاتفاقية أن السلطات فى قطر لا تستطيع الدخول أو الخروج أو التحكم أو التدخل بالمبانى التى يستخدمها عناصر الجيش التركى الذين ينتشرون على الأراضى القطرية، وهو ما يعتبر انتهاكاً إضافياً لمعايير السيادة المتعارف عليها فى كل أنحاء العالم. ورغم أن الاتفاقية تتضمن إقراراً بأن ملكية المبانى والعقارات والمنشآت التى تستخدمها القوات التركية تعود إلى الجانب القطرى، لكن الاتفاقية فى نفس الوقت تحظر على القطريين أو السلطات القطرية التدخل فى هذه المنشآت بأى شكل من الأشكال، بل تنص الاتفاقية على أن «استخدام هذه المنشآت يظل محصوراً بالأتراك، وأن أى استخدام لهذه المنشآت يجب أن يتم بموافقة الجنرالات الأتراك الذين يقيمون فى دولة قطر».
وينص البند (g) فى الفقرة الثانية من المادة السادسة من الاتفاقية على أنه (مع الاحترام الكامل للسيادة القطرية فإنه وكجزء من تبادل وجهات النظر بين الأطراف، وطبقا لهذه الاتفاقية، فإن قطر تضمن الوصول بشكل حصرى والاستخدام بشكل حصرى للقوات التركية، والمتعاقدين الأتراك وموظفيهم وأى أشخاص يتم الاتفاق عليهم، إلى المنشآت والمناطق المتفق عليها». كما تفرض الاتفاقية على قطر أن تحصل على «موافقة خطية مسبقة» من تركيا فى حال رغبت الدوحة فى إدخال أو استخدام أو الاستعانة بطرف ثالث داخل المناطق التى يتواجد فيها الجيش التركى على الأراضى القطرية.
بدأت أزمة قطر الأولى فى 5 مارس 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وذلك لعدم التزام قطر باتفاق مبرم فى 23 نوفمبر 2013، بالعاصمة السعودية الرياض، ووقّعه أميرها تميم بن حمد آل ثانى، بحضور العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأيده بقية قادة دول مجلس التعاون الخليجى. وانتهت الأزمة فى 16 نوفمبر 2014، بتوقيع قطر لاتفاق جديد فى اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر 2013 واتفاق الرياض التكميلى 16 نوفمبر ٢٠١٤).
كان أبرز بنود الاتفاقين التى وقع أمير قطر تميم على الالتزام بها: وقف دعم تنظيم الإخوان الإرهابى، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأى تنظيم أو فئة فى اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو مع الدول المحيطة. وكان بين أبرز البنود أيضاً الالتزام بالتوجه السياسى الخارجى العام الذى تتفق عليه دول الخليج، وإغلاق المؤسسات التى تُدرِّب مواطنين خليجيين على تخريب دولهم. كما وقّع تميم على بند يمنح دول الخليج الحرية فى اتخاذ إجراءات ضد قطر فى حال عدم التزامها.
بعد شهر واحد من الاتفاق تم الإعلان عن التوقيع على اتفاقية تعاون عسكرى بين قطر وتركيا فى 19 ديسمبر 2014، وهو ما يعنى أن المباحثات حول الاتفاق جرت خلال فترة أزمة الدوحة الأولى. وأن تركيا استغلت الأزمة لعقد اتفاق مع قطر ينص على إنشاء أول قاعدة عسكرية لها فى الخليج، تحقيقاً لحلمها بالتغلغل العسكرى فى الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى كانت الإمارة الصغيرة تدرك جيداً أن مقاطعتها من قبل الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أمر قادم لا محالة، لأنها لن تلتزم بما تعهدت به وفق اتفاق الرياض 2013 واتفاق الرياض التكميلى 2014، فتلاقت مصالح الطرفين فى التوصل لهذا الاتفاق، خاصة فى ظل التوافق الأيديولوجى والفكرى بين الدولتين فى رعاية الفوضى ودعم جماعة الإخوان الإرهابية.
بوفاة العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فى ٢٣ يناير ٢٠١٥، انقلبت قطر كلياً على تعهداتها وأطلقت الحبل على الغارب لدعم جماعة الإخوان الإرهابية وتنفيذ أجندات مشبوهة تضر بالأمن القومى الخليجى والعربى بالتعاون مع حليفها التركى. وهنا، أدركت الدوحة أن لعبها بالنار وعدم تنفيذها تعهداتها سيسبب لها أزمة قريبة، فيما كان الحليف التركى هو الآخر يود التعجيل بتنفيذ اتفاق التعاون العسكرى «الإطار» الذى وقعه البلدان فى 19 ديسمبر 2014، ومتابعة لهذا الاتفاق، قام البلدان فى 28 أبريل 2016 بتوقيع اتفاقية بشأن تمركز قوات تركية فى قطر حملت اسم «اتفاقية التنفيذ» تتضمن تفاصيل حول ما يأمل البلدان تحقيقه فى منطقة الخليج، وهى الاتفاقية التى كشف موقع «نورديك مونيتور» السويدى قبل أيام بنودها السرية.
الموقع السويدى أشار إلى الاستغلال التركى لقطر، مبيناً أن الاتفاقية العسكرية السرية بين قطر وتركيا تضمنت «شروطاً وأحكاماً غامضة تم إدراجها بشكل متعمد»، من أجل تحقيق بعض الأهداف والأغراض السياسية التى تخدم أنقرة أو الحزب الحاكم فيها بشكل خاص. ومن بين الشروط والأحكام التى تتضمنها الاتفاقية العسكرية السرية بين الدوحة وأنقرة «تمكين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من استخدام الأجواء والأراضى والقطع البحرية القطرية فى عملية الترويج لأيديولوجيته وأفكاره فى منطقة الخليج، إضافة إلى تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية، بجانب استخدام جيشه فى المنطقة».
وإزاء استمرار قطر فى سياساتها الداعمة للإرهاب، أعلنت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية، والإمارات، ومصر، والبحرين)، قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر،فى الـ5 من يونية 2017، بسبب إصرارها على المضى قدماً فى تمويل التنظيمات الإرهابية وحماية قيادات الجماعات المتطرفة، وتوفير منابر إعلامية لنشر خطاب الكراهية. وبعد يومين فقط من بدء المقاطعة صوّت البرلمان التركى فى الـ7 من يونية 2017 على مشروعى قرار، يتعلق الأول بتدريب وتأهيل قوات الدرك القطرية، والثانى بتطوير اتفاقية التعاون العسكرى المبرمة مسبقاً بين البلدين، بما يعنى تسريع إنشاء القاعدة التركية. وأظهر تكالب أنقرة على الدوحة بعد يومين فقط من قرار المقاطعة بشكل واضح نية تركيا المبيتة استغلال الأزمة مجدداً لصالحها. بدليل أن هناك تعديلات جرت على نص الاتفاقية عند تمريرها فى البرلمان فى يونية ٢٠١٧، من بينها عدم تحديد المدة الزمنية المتعلقة بمهمة القوات التركية فى قطر، ولا كم من الوقت ستبقى هناك، حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على «الوجود طويل الأمد، والوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية»، دون أى تحديد للمدد الزمنية، ولا تعريف ما هو «المدى الطويل» ولا من يُحدد مدة الالتزام للقوات التركية.
عملياً، استغلت تركيا الأزمة وسارعت بتحقيق أهدافها، مساهمة فى تعقيد الوضع والأزمة، بدلاً من أن تسهم فى حلحلته كما تدعى، لأنها أحد أبرز المستفيدين من تغريد قطر خارج سرب أشقائها فى مجلس التعاون الخليجى. وهكذا استغلت تركيا كلا الأزمتين لاحتلال قطر عسكرياً بموجب اتفاقية معها، وبدأت فى استنزاف ثروات الشعب القطرى تحت غطاء تعاون عسكرى واقتصادى حصلت فيه على عقود بمليارات الدولارات فى وقت تعانى فيه البنية التحتية فى قطر خصوصاً فى الشمال من انعدام الخدمات كما شكا قطريون، ونشر فى الصحف القطرية نفسها ورصدته «العين الإخبارية» فى وقت سابق.
كل الشواهد تقول إن قطر تحولت إلى ساحة خلفية لنظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بعد أن سمح «تنظيم الحمدين» باستغلال أراضى البلاد لتجريب أنظمة تسليح تركية جديدة. ففى ديسمبر الماضى، أجرت شركة «أسيلسان» التركية المتخصصة فى الصناعات العسكرية والإلكترونية، تجربة على الأراضى القطرية، لاختبار أحدث أسلحتها محلية الصنع، سلاح «صرب – ظفر. وبعد أن أصبحت الأراضى القطرية مرتعاً للقوات التركية، لم يعد من الغريب أن تجرى شركة «أسيلسان» تجاربها على الأراضى القطرية. كما صارت عقود التسليح والمشاريع الاستراتيجية تذهب لأنقرة، ففى مارس الماضى، وقّعت قطر اتفاقية مع تركيا لشراء 556 آلية مدرعة، واتفاقية مع شركة تركية لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية شمالى البلاد. وفى ظل الأزمة الاقتصادية التى تشهدها تركيا وانهيار سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكى، ابتزت تركيا قطر لتدعمها. وشنت صحف مقربة من الرئيس التركى هجوماً لاذعاً على قطر فى أوائل أغسطس الماضى، وقالت صحيفة «تقويم» التركية إن حالة من الإحباط سادت المجتمع التركى بسبب «الصمت القطرى» تجاه الأزمة التى تعصف باقتصاد البلاد، مذكرة الدوحة بأن أنقرة وقفت معها فى أزمتها التى لا تزال مستمرة، وبعد الهجوم الإعلامى سافر تميم إلى أنقرة 15 أغسطس، وأعلن من هناك دعماً لتركيا بقيمة 15 مليار دولار فى صورة استثمارات جديدة وودائع وضمانات.
المادة الرابعة من هذه الاتفاقية تتضمن – على سبيل المثال - عبارة فضفاضة وغامضة تنص على إرسال «أى بعثات أخرى»، وذلك فى سياق الحديث عن نشر القوات التركية، وهو ما يعنى أن أرودغان يمكن أن يتجاوز البرلمان التركى فى إرسال قوات إلى الخارج أو القيام بمهمات قتالية دون علم ممثلى الشعب التركى، مستخدماً العبارة الغامضة بما يتناسب مع هواه وبالتفسير الذى يمكن أن يحقق مصالحه، ودون الحصول على الموافقة المسبقة من البرلمان التركى والتى ينص عليها دستور بلاده.
الاتفاقية نصت أيضا على إلزام قطر بتقديم قائمة طويلة جداً من الخدمات المجانية للجنود الأتراك، ابتداءً من تأمين السيارات والوقود والصيانة وصولاً إلى إلزام القطريين بتنظيف المنازل والمبانى التى يقيم فيها الأتراك وجمع أكياس القمامة التى يخلفونها وراءهم فى شوارع الدوحة. وتفرض المادة السادسة تحت مسمى «الخدمات اللوجستية»، على الجانب القطرى أن يقدم جميع الخدمات اللازمة التى يحتاجها الجيش التركى خلال وجوده على الأراضى القطرية بما فى ذلك أعمال الإنشاءات والنقل والإمدادات وعقود الصيانة. كما تشمل صيانة وإصلاح المركبات، وتنظيف الأبنية، وتسييج المناطق المستخدمة، وعمليات التشجير والتعشيب، وتزويد الأتراك بالغاز الطبيعى والماء والكهرباء والتبريد وخدمات الإنارة، وجمع أكياس القمامة والتخلص منها، وجمع المخلفات الطبية، والتخلص من عوادم المنتجات النفطية ومخلفاتها، ومكافحة الحشرات، وتقديم الخدمات اللازمة للمبانى التى يقيم فيها الجنود الأتراك، وغسيل وكيّ ملابسهم. كما تنص على عدم سداد أية فواتير مستحقة على الجيش التركى لصالح الشركات القطرية، إلا بموافقة الجانب التركى وبموجب تقارير خاصة مكتوبة توضح ماهية هذه الفواتير.
الفقرة الثانية من المادة السادسة تفرض على الجانب القطرى أن يتكفل بتكاليف العقود التى يبرمها الأتراك مع أى طرف أو شركة من أجل الحصول على الخدمات التى لا تستطيع الحكومة القطرية أن تقدمها بشكل مباشر، وهو ما يعنى أن الجيش التركى قد يبرم عقوداً بملايين الدولارات مع شركات محلية أو أجنبية أو ربما تركية ومن ثم تقوم الحكومة القطرية بسداد هذه الأموال من خزينتها، بموجب هذه الاتفاقية. كما تتكفل الحكومة القطرية بجميع الخدمات الطبية والعلاجية التى يحتاجها الجيش التركى خلال وجوده على الأراضى القطرية، ودون أى مقابل مالى، ما يعنى أن آلاف الجنود الأتراك أصبحوا مؤمَّنين صحياً فى قطر وعلى نفقة الحكومة بشكل كامل.
ولا تتضمن الاتفاقية ما يشير إلى تاريخ انتهاء تواجد القوات التركية، كما لا يوجد ما ينص على إطار زمنى لخروجهم، وهو ما يعنى أن قطر قد تظل ملزمة بهذه الالتزامات لعشرات السنين. كما أن الاتفاقية لا تجيز أن يتم اللجوء إلى أى طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية، من أجل فض المنازعات أو الخلافات التى يمكن أن تنشأ عنها. وتنص على أن «جميع الجنود الأتراك الموجودين على الأراضى القطرية لا يمكن أن يخضعوا للقانون القطرى ولا للجهاز القضائى هناك، وإنه فى حال ارتكب أى منهم مخالفة أو جريمة فإن القضاء التركى هو الذى يختص بالنظر فيها». كما يحظر على السلطات القطرية اعتقال أى جندى تركى ينتهك القوانين أو المعتقدات الدينية، أو محاكمته داخل قطر أو إخضاعه للقانون القطرى.
بين الشروط والأحكام التى تتضمنها الاتفاقية العسكرية السرية بين قطر وتركيا «تمكين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من استخدام الأجواء والأراضى والقطع البحرية القطرية فى عملية الترويج لأيديولوجيته وأفكاره فى منطقة الخليج، إضافة إلى تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية، إضافة إلى استخدام جيشه العضو فى حلف الناتو فى المنطقة». كما أن الاتفاقية العسكرية السرية بين تركيا وقطر تنطوى على مخاطر كبيرة قد تؤدى إلى تصعيد مشاركة تركيا فى صراعات محتملة قد لا يكون لها علاقة بحماية المصالح القومية التركية، وهو ما يؤكد بأن البنود الغامضة فى الاتفاقية تم وضعها بشكل متعمد من أجل تمكين الرئيس أرودغان من الاستفادة منها وبشكل ممنهج.
البنود الواردة فى الاتفاقية السرية تذهب إلى ما هو أبعد من التدريب والتمارين المشتركة بين الجانبين إلى الحديث عن «العمليات»، بما يُمكن أردوغان من إرسال قواته لتنفيذ مهام قتالية فى الخارج. كما تتضمن الاتفاقية النص الغامض التالى: «تتمثل المهمة الرئيسية لهذه القوات فى دعم وتعزيز القدرات الدفاعية لدولة قطر من خلال التدريبات المشتركة، وتخضع لموافقة الطرفين، وتنفيذ التدريب/التدريبات مع القوات المسلحة للدول الأخرى والمساهمة فى عمليات مكافحة الإرهاب وعمليات دعم السلام الدولية وأى بعثات أخرى متفق عليها بشكل متبادل وبموافقة خطية من كلا الطرفين».
هناك غموض آخر فى نص الاتفاقية السرية، وهو ما تم تضمينه فى النص الذى وافق عليه البرلمان التركى فى 9 يونية 2017، وهو عدم تحديد المدة الزمنية المتعلقة بمهمة القوات التركية فى قطر، ولا كم من الوقت ستبقى هناك، حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على «الوجود طويل الأمد، والوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية»، دون أى تحديد للمدد الزمنية، ولا تعريف ما هو «المدى الطويل» ولا من يُحدد مدة الالتزام للقوات التركية. كما تحدد المادة 17 مدة الاتفاقية بـ10 سنوات مع التجديد التلقائى لمدة إضافية مدتها خمس سنوات لكل تمديد، لكن السؤال الذى ليس له إجابة، هو هل تنطبق هذه المدة على وجود القوات التركية فى قطر أم لا.
أيضاً، لا تحدد الاتفاقية مستوى القوة أو عدد القوات التركية المنتشرة على الأراضى القطرية، حيث تنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن تركيا سترسل قطعاً جوية وأرضية وبحرية إلى قطر دون تحديد أى عدد أو مستوى لهذه القوات، وذلك على الرغم من أن القسم الثانى من هذه المادة ينص على أن «نشر القوات يجب أن يكون وفقاً للخطة التى تقبلها الأطراف»، وينص القسم التالى على أن تركيا سوف تتخذ قراراً بشأن «مدة مهمة الأفراد الذين سيتم تعيينهم». كما تفتقد الاتفاقية لعنصر بالغ الأهمية، وهو أنها لا تحدد أية آلية لتسوية أى نزاع ينشأ بموجب هذه الاتفاقية، حيث تنص المادة 16 من الاتفاقية على أن النزاعات «يتم حلها بالتفاوض بين الأطراف، دون الرجوع إلى اختصاص أى طرف ثالث أو منشأة أو محكمة وطنية أو دولية».
الاتفاقية العسكرية السرية التى بموجبها تنتشر قوات من الجيش التركى على الأراضى القطرية منذ منتصف العام 2017، أظهرت أن عناصر هذه القوات وأبناءهم وعائلاتهم يتمتعون بوضع استثنائى فى مجال الإقامة والدخول والخروج من وإلى البلاد، بما يجعلهم أشبه بالمواطنين وليس المقيمين الأجانب. وتشير المادة الثانية عشرة من الاتفاقية إلى أن لعناصر الجيش التركى المنتشرين على الأراضى القطرية حرية الدخول والخروج باستخدام بطاقات التعريف الشخصى الصادرة فى بلدهم إضافة إلى جوازات سفرهم التركية فقط، وهو ما يعنى أنهم معفيون من أية تأشيرات أو إجراءات إضافية عند الدخول والخروج، كما أنهم معفيون أيضاً من ضرورة إبراز بطاقات إقامة قطرية أو موافقات من الكفيل القطرى أو الحكومة القطرية، وفقاً للقوانين السارية على الأجانب المقيمين هناك.
لا يوجد أى عدد محدد أو معلن للقوات التركية التى تتواجد على الأراضى القطرية، كما أن الاتفاقية لم تحدد عدد القوات ولا نوعها ولا ما هى المهام التى تقوم بها بالتحديد، كما أن الاتفاقية المحددة بمدة زمنية لا توضح إن كان يتوجب على هذه القوات أن تغادر الأراضى القطرية بعد انتهاء مدة الاتفاقية أم يمكن إبقاء القواعد العسكرية التركية فى البلاد لمدة أطول. وتنص الفقرة الأولى من المادة (12) من الاتفاق على أنه «لعناصر القوات العسكرية التركية ومرافقيهم وعائلاتهم الدخول والخروج إلى قطر من خلال الأماكن الرسمية لدخول البلاد ومغادرتها، ويتطلب ذلك فقط بطاقات الهوية الشخصية وجوازات السفر الصادرة عن السلطات التركية.
أما الفقرة الثانية من المادة ذاتها فتوجب على قطر أن تصدر بطاقات إقامة لكل من عناصر القوات التركية ومرافقيهم وعائلاتهم، «وذلك لغايات استخدامها داخل الأراضى القطرية». وتشير الفقرة الثالثة من المادة (12) إلى أن القوات التركية تسلم للسلطات القطرية قوائم بأسماء عناصر القوات المسلحة وعائلاتهم ومرافقيهم ممن تنطبق عليهم هذه الاتفاقية، ليتم اعتمادها والتعامل معهم عند الدخول والخروج من وإلى دولة قطر. ومن المعروف أن عدداً كبيراً من الدول، من بينها تركيا، يحتاج مواطنوها لتأشيرات دخول مسبقة إلى قطر، كما أن لكل وافد يقيم ويعمل فى قطر كفيلاً من المواطنين، وعادة ما يكون شركة أو منشأة تجارية أو جهة حكومية، وهو ما تم استثناء الأتراك منه بوضوح.
الاتفاقية، وإن كان يطلق عليها عسكرية، إلا أنها ذات دلالات وأبعاد سياسية مشتركة، فهى فرصة للحكومة التركية كى تستنزف قطر مالياً وتناوئ دول الخليج التى ترفض سياساتها وتدخلاتها. وبالنسبة لقطر، فهى محاولة للكيد السياسى ضد دول الرباعى العربى، وشراء موقف تركيا والحصول على دعمها، ومساندتها ضد العرب فى المحافل الدولية، مثلما تفعل مع إيران، ولكن ليس باتفاقيات عسكرية بل باتفاقيات اقتصادية مباشرة. وما من شك فى أن أردوغان يعرف تماماً أن قطر لن تتعرض لهجوم عسكرى، ولن تخوض القاعدة أى حروب عسكرية، لكنه وقع الاتفاقية بعد إقرارها سريعاً من البرلمان، كى يضمن لنفسه موطئ قدم يمكن من خلاله تحقيق أغراضه الأيديولوجية والسياسية فى المنطقة، وأن يحقق استفادة مادية كبرى تنعش ولو قليلاً اقتصاده المهترئ.