ياسر بركات يكتب عن: المخابرات الألمانية..النجم الذى هوى .. تفاصيل أخطر اختراق إلكترونى هز العالم
بيانات شخصية وخطابات تخص مئات من الشخصيات السياسية
وكالة الأمن القومى الأمريكى الغائب الحاضر فى الفضيحة المدوية
بدأت الفضيحة حين ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية (إيه آر دى)، يوم الجمعة، أن متسللين إلكترونيين قاموا بتسريب بيانات شخصية وخطابات تخص مئات السياسيين الألمان، من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أيضاً، فى هجوم وصفته الحكومة الألمانية بـ«الخطير».
الهيئة نقلت عن محطة «آر بى بى» التابعة لها، أن هذه البيانات، التى نُشرت على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، تشمل تفاصيل بطاقات الائتمان وأرقام الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى عناوين وخطابات شخصية ونسخ من بطاقات هوية. وأفاد التقرير بأن عملية الاختراق تأثرت بها جميع الأحزاب الألمانية الكبرى، باستثناء حزب البديل من أجل ألمانيا المنتمى لليمين المتطرف. ولم يُعرف بعد الدافع وراء العملية ولا هوية منفذيها. وتم تسريب رقم فاكس وبريد إلكترونى خاص بميركل، بالإضافة إلى عدد من الخطابات المرسلة منها وإليها.
فى أول رد فعل عن التسريب من الحكومة الألمانية، تحدثت وزيرة العدل كاتارينا بارلى عن «هجوم خطير». وقالت بارلى: «القائمون على التسريب يريدون الإضرار بالثقة فى ديمقراطيتنا ومؤسساتنا». وأكدت بارلى ضرورة التحرى عن الجناة بسرعة وكشف دوافعهم السياسية المحتملة، وقالت: «لا ينبغى السماح للمجرمين والعقول المدبرة لجرائمهم بإثارة جدل فى بلدنا». ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر مطلعة لم تذكرها، أن الحكومة تبحث ما إذا كان هذا التسريب تم عبر قرصنة إلكترونية. وأوضحت المصادر أن الحكومة ترجح أن شخصا تخول له وظيفته الدخول إلى هذه البيانات الحساسة قام بتسريبها على الإنترنت.
المصادر ذكرت أنه تبين أن التسريب لم يحدث عبر الشبكة الحكومية، مضيفة أنه من المرجح أن التسريب تم عبر شبكة البرلمان الألمانى (بوندستاج). وأوضحت المصادر أن من بين البيانات المسربة أرقام هواتف ومحادثات إلكترونية. وأكدت المصادر أن سلطات الأمن تسعى بأسرع السبل الممكنة للحيلولة دون الوصول إلى هذه البيانات مجدداً.
هناك آلاف الوثائق والتقارير، التى تم تسريبها، كشفت قيام وكالة الأمن القومى الأمريكية المكلفة باعتراض المكالمات الهاتفية والمراسلات الالكترونية، بإنشاء مجموعات متخصصة فى تطوير واستخدام برمجيات تجسس على أجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة، تمكنت من تعقب سجلات الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكترونى والتسلل إلى داخل مئات ملايين أجهزة الكمبيوتر عبر كل مناطق العالم لأخذ المعلومات منها ومواقع رئيسية على الشبكة العنكبوتية، تستخدم وكالة الأمن القومى الأمريكية وهو جهاز مراقبة رئيسى للحكومة الأمريكية، حسابات فيسبوك الشخصية ومواقع تواصل اجتماعى أخرى بهدف إنتاج خرائط «اجتماعية» مترابطة، تسمح بوضع طرق التعامل مع الأشخاص المستهدفين سواء كانوا سياسيين أو عسكريين أو رجال اقتصاد ومديرى شركات. ويسمح الأسلوب باستخدام حسابات مواقع التواصل الاجتماعى وتحديد مكان الوجود الجغرافى للشخص نفسه والأرصدة البنكية وسجلات التأمين الصحى والضرائب لتعزيز عمليات تحليل الشخصية والاتصالات الهاتفية والإلكترونية.
إحدى الوثائق أكدت وكالة الأمن القومى أجيز لها إجراء «تحليل بيانى واسع النطاق لسلسلة كبيرة جدا من البيانات الوصفية للاتصالات دون الاضطرار إلى التأكد من جنسية» كل عناوين البريد الالكترونى أو رقم التليفون أو الأمور الأخرى المحددة للهوية. كما كشفت تقارير، نشرها موقع ويكيليكس أن عمليات التجسس على الاتصالات العربية كانت تقدر بالمليارات وأنها فاقت بآلاف المرات تلك التى نفذتها الوكالة الأمريكية فى دول أوروبية وطالت اتصالات كل الزعماء العرب ودوائر صنع القرار العربية المهمة ومن بينها السعودية ومصر والأردن والعراق ودول أخرى مثل إيران وباكستان وكذلك الهند. وكشفت الوثائق أن وكالة الأمن القومى الأمريكية تجسست على حوالى 125 مليار اتصال هاتفى ورسائل نصية فى فترة شهر واحد وكانت غالبيتها من دول شرق أوسطية.
حسب موقع «سريبتوم» المتخصص فى نشر الوثائق السرية فإنه جرت 7800 مليون عملية تجسس على الاتصالات فى السعودية ومثلها فى العراق و1900 مليون اتصال فى مصر و1600 مليون اتصال فى الأردن. وكشفت الوثائق أن أكبر عمليات التجسس كانت فى أفغانستان التى كانت حصتها من التجسس تفوق 21.98 مليار اتصال ثم 12.76 مليار اتصال فى باكستان و6.28 مليار اتصال فى الهند، و1.73 مليار اتصال فى إيران. ونوضح هنا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عندما التقى (فى 31 من يوليو 2013) بالأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطنى السعودى ورئيس المخابرات العامة، وجرى نقاش حاد حول الحرب الدائرة فى سوريا، ذكر بوتين أن على الرياض أن تكون حذرة من واشنطن لأنها تخطط لزعزعة استقرار المملكة وتساند مجموعات تصفها بالمعارضة المطالبة بالديمقراطية.
فى الوقت نفسه، تسربت معلومات عن أن الكرملين أبلغ السعوديين بأن أجهزة المخابرات الأمريكية تتجسس عليهم بشكل واسع، وأن عليهم أن يطلعوا على ما فى حوزة إدوارد سنودن (مؤسس ويكليكس) من معلومات ليتيقنوا من ذلك بأنفسهم.
وكالة الأمن القومى الأمريكية، تعتمد فى عملياتها عدة وسائل منها الشراكات «القانونية» وعميلات الاختراق وتقنيات جديدة غير مُعلن عنها، إضافة إلى أساليب خداع مختلفة. ومنذ تأسيسها فى 4 نوفمبر 1954 بغرض جمع المعلومات عن الاتصالات الدولية وتحليلها (مقرها الرئيسى فى فورت ميادى بولاية ماريلاند الأمريكية ويعمل بها حاليا حوالى 1620 موظفاً) كانت مهمتها الهيمنة على قطاع المعلومات والاتصالات، ومع مرور الوقت أصبحت الوكالة تشغل المئات من علماء الرياضيات والتشفير وتحاول أن تضم لها آخرين فإذا رفضوا تعرقل أبحاثهم وتقدمهم الوظيفى بل تمارس ضدهم كل أنواع الترهيب لمنعهم من العمل لحساب مؤسسات أخرى قد تتعارض نشاطاتها أو تعرقل ما تقوم به مختلف أجهزة المخابرات الأمريكية.
الوكالة وبالإضافة إلى وسائلها الخاصة وطواقمها والوكالات الـ15 الأخرى العاملة فى المجال الأمنى، تعتمد فى تجسسها غير المباشر على عدة وسائل: أولها الشراكات السرية بينها وبين الشركات الكبرى فى مجال تكنولوجيا المعلومات أمثال جوجل وآبل وياهو وغيرها. وهذه الشراكات، التى تعمل بشكل قانونى تتيح للوكالة الدخول إلى قواعد معلومات ضخمة ومهمة، خاصة أنه غالبا ما تقوم هذه الشركات بتقديم خدمات لمؤسسات مهمة ودول حول العالم.
أما بالنسبة للشركات التى ترفض الشراكة مع وكالة الأمن القومى أو لا تستطيع هذه الوكالة الوصول إليها كالشركات الصينية على سبيل المثال، فتقوم الوكالة بمحاولات لاختراقها لتحصل على المعلومات التى فى قاعدة بياناتها، كما تعمل على تقليص دورها فى الشبكة الدولية بحيث يبقى الإقبال مركزا على المؤسسات المرتبطة بوكالة الأمن القومى.
وكالة الأمن القومى تعتمد أيضا فى تجسسها على تقنيات جديدة غير معلنة وغير منتشرة، منها برنامج متقدم يعتمد على معدات كبيرة ومعقدة ويقوم باعتراض الاتصالات ورسائل المحمول ليس فقط من مراكز داخل الولايات المتحدة بل خارجها، وقد نشرته واشنطن فى 100 قنصلية وسفارة لها عبر العالم. ورابع وسيلة تستخدمها وكالة الأمن القومى للتجسس على العالم هى «الشركات الوهمية»، فتقوم الوكالة بتأسيس هذه الشركات فى دول محايدة كسويسرا، وتقدم هذه الشركات خدمات تشفير عالية الدقة لصالح دول مختلفة، وهناك عدة دول فى منطقة الشرق الأوسط استخدمت هذا التشفير لضمان أمن الاتصالات بين سفاراتها فى العالم أو فى مؤسسات سيادية فى داخلها.
معروف أن وكالة الأمن القومى تستعين فى عمليات المخابرات بشركات أخرى، تكون أحيانا متمركزة خارج الولايات المتحدة وتكون لها فروع عبر العالم وتعلن أنها تقدم خدمات فى مجال «مكافحة التجسس» وتأمين الحواسب وأجهزة الاتصال المختلفة من الاختراق، فى حين أنها تفعل العكس بتقديم كل مفاتيح التأمين التى تبيعها لزبائنها إلى المخابرات الأمريكية. لا نستبعد أن تكون هناك شراكات بين وكالة الأمن القومى وشركات اتصالات فى الدول العربية أو أجهزة مخابرات محلية. خاصة وأن شبكات الاتصال والبنى التحتية فى دول الخليج «قديمة جداً»، ولا تحتاج لكل تقنيات وكالة الأمن القومى المتقدمة لاختراقها والتنصت عليها.
أخيراً، وإذا كان تجسس الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين سيثير، مجدداً، موجة احتجاجات من جانب الاتحاد الأوروبى، فإنه سيكون، كالعادة، باردا ولا يتناسب مع حجم الفعل الأمريكى. ولن تجدى المطالبة بتوقيع اتفاقية عدم تجسس، لأن مثل هذه الاتفاقيات لا تنفع كثيرا، فى ضوء عدم التزام الولايات المتحدة بأى اتفاقيات إلا تلك التى تخدم مصالحها.