ياسر بركات يكتب عن: ستيجلر جورج.. ضربة معلم
القاهرة تفاجئ العالم ببناء أضخم سد على نهر روفيجى
السد الجديد يتكلف 2.9 مليار دولار بطول 1025 متراًً.. ويشمل محطات للكهرباء وسدوداً للطاقة الكهرومائية
تنزانيا: انتظرنا الحلم 40 عاماًً.. وهربنا إلى مصر كما فعل السيد المسيح
- الفكرة بدأت بعد زيارة الرئيس لدارالسلام العام الماضى.. واتفاق جديد على إنشاء مزرعة مساحتها 1000 هكتار لزراعة الأرز
- المقاولون العرب والسويدى إلكتريك تفوزان بالمشروع والتنفيذ خلال 42 شهراً
- لماذا اختارت تنزانيا نهر روفيجى لإقامة المشروع؟!
ما يجرى على الأرض من مشروعات وحركة وتصويب للكثير من الخطط والمفاهيم، يؤكد وجود إصرار على أن تتقدم مصر خطوات إلى الأمام مهما كانت الصعوبات. وأن تعبر إلى آفاق جديدة تعيد فيها ترتيب أولويات سياستها الخارجية، بما يعيد التوازن فى علاقاتها التى كانت سائدة على صعيد كثير من القضايا والملفات، وفى مقدمتها العلاقات مع إفريقيا، التى أتاح غياب مصر عنها لقوى أخرى فرصة التسلل إليها، وتهديد مصالحها فيها.
من هنا يمكننا النظر إلى الاهتمام الذى توليه مصر للقارة السمراء، الذى تجسد بشكل رئيسى فى الحضور القوى للرئيس عبدالفتاح السيسى، معظم القمم الإفريقية، منذ وصوله إلى الحكم إضافة إلى تكثيف القاهرة للفعاليات المرتبطة بإفريقيا، وآخرها «منتدى الاستثمار-إفريقيا 2018» فى شرم الشيخ، الذى شهد حضور 10 زعماء أفارقة، ونحو 3 آلاف شخص من رواد الأعمال الأفارقة. كما تستعد مصر لتولى مقعد القيادة رئيساً للاتحاد الإفريقى مع انطلاق سنة 2019.
رؤية مصر الجديدة نحو إفريقيا عبّر عنها الرئيس السيسى، حين أكد، فى ختام منتدى إفريقيا، أن مصر «عادت للوجود المؤثر والفعال على الساحة الإفريقية بهدف التعاون والتعمير والبناء لصالح الأشقاء الأفارقة انطلاقاً من الثوابت الرئيسية لسياسة مصر تجاه الدول الإفريقية»، معلناً عن حزمة إجراءات تضمن وجوداً فعالاً لمصر بين أبناء القارة، بما فى ذلك إنشاء «صندوق ضمان مخاطر الاستثمار فى إفريقيا»، لتشجيع المستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم، والتفاوض مع مؤسسات دولية لدعم البنية الأساسية فى إفريقيا، ومن ضمن ذلك الإسراع فى الانتهاء من طريق القاهرة-كيب تاون، لدمج أقطار القارة وتوسيع حركة التجارة. كما أعلن عن توفير 100 منحة تدريبية عسكرية لمختلف دول القارة خلال العام المقبل، للرفع من كفاءات وخبرات الضباط وقادة الجيوش فى كلية القادة والأركان المصرية وأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية. وبدورها، شرعت الحكومة المصرية فى اتخاذ قرارات تتيح «معاملة تفضيلية» للأفارقة فى مصر، وتعزز التوجه المصرى نحو إفريقيا.
فى هذا السياق، جاء تدشين سد «ستيجلر جورج» (خانق ستيجلر) فى تنزانيا، ليكون أحدث المشاريع التنموية المصرية مع دول حوض النيل بالقارة الإفريقية، إذ وقَّع رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى، عقد إنشاء السد لتوليد الطاقة الكهرومائية، الذى فاز به تحالف شركات مصرية. وعلى هامش التوقيع، أشار مدبولى إلى أهمية التعاون مع الدول الإفريقية باعتبارها سوقاً مفتوحة وشريكاً استراتيجياً وتملك القدرة الفنية والخبرة العملية، مؤكداً أن هناك «ثقة إفريقية فى قدرات مصر». واعتبر مدبولى «المشروع الذى وُقّع عقده بين مصر وتنزانيا يُعد عودة حميدة لقوة مصر الناعمة فى إفريقيا، وذلك بأن يكون لمصر بصمة واضحة فى كل دولة بإفريقيا، وقد تكون هذه البصمة عبر مشاريع ووجود لوزارات بعينها، مثل مجالى الصحة والتعليم وغيرهما».
الرئيس السيسى كان قد أكد أنه حريص جداً على «أن ننتهز فترة رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، وأن تقود مصر عملاً إفريقياً مشتركاً لصالح إفريقيا بوجه عام». وفى السياق أيضاًً، تسعى مصر إلى إنشاء خط ملاحى نهرى للربط بين نهر النيل والبحر المتوسط ليمر بجميع دول حوض النيل، وينتهى عند بحيرة فيكتوريا. وسبق أن أكد السيسى اهتمام مصر بسرعة استكمال مراحل هذا المشروع، باعتباره نافذة للدول الإفريقية على البحر المتوسط وأحد أهم شرايين الربط بين الدول الأعضاء فى التجمُّع، فضلاً عما سيوفره المشروع من فرص لتعزيز التجارة البينية ونقل السلع والخدمات وزيادة فرص الاستثمار.
مشروع إنشاء السد يأتى فى إطار خطط الحكومة التنزانية لإحداث نهضة تنموية فى البلاد، حيث يعد المشروع من أهم وأكبر المشروعات القومية والتنموية فى تنزانيا، على ضوء ما يتوقع أن يحققه من تنويع مصادر الطاقة فى تنزانيا، ومعالجة مشكلات الطاقة هناك، هذا إلى جانب توفير الاحتياجات المائية اللازمة من خلال التحكم فى تصرفات المياه طيلة العام بما فيها فترات الفيضان.
يقع مشروع السد فى منطقة «ستيجلر جورج» فى تنزانيا، فى منطقة «موروجورو» على نهر روفيجى. وستستمر مدة تنفيذ المشروع 42 شهراً متتاليا، تشمل 6 أشهر لتجهيز الموقع. ويتكون مشروع السد من أعمال تصميم وإنشاء سدود للطاقة الكهرومائية، ومحطات كهرباء، بطول يبلغ 1025 متراً، وارتفاع 130 متراً.
إلى جانب إنشاء سـد خرسانى رئيسى لتخزين المياه اللازمة لتوليد الطاقة الكهرومائية من محطة الكهرباء، يتضمن المشروع أيضاً إنشاء أربعة سدود أخرى لتخزين المياه ليصل إجمالى مخزونات المياه المتوقعة إلى 33 مليار متر مكعب، هذا فضلاً عن إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة تصل إلى 2115 ميجاوات ومحطة ربط كهرباء فرعية بطاقة 400 كيلو فولت، بالإضافة لخطوط نقل الكهرباء 400 كيلو فولت لأقرب نقطة بالشبكة العمومية.
بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى تم توقيع عقد إقامة مشروع سد «ستيلجر جورج» بتنزانيا، الذى تقوم بتنفيذه الشركات الوطنية. وعلى هامش التوقيع، استقبل الرئيس التنزانى الدكتور جون ماجوفولى الدكتور مدبولى، ونقل تحياته إلى شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشكره العميق للدور المصرى الذى يسهم فى عملية التنمية وتأهيل الكوادر الوطنية التنزانية.
السد المقام فى حوض نهر روفيجى، فاز بتنفيذه التحالف المصرى لشركتى المقاولون العرب والسويدى إلكتريك. وفى مستهل اللقاء، نقل الدكتور مصطفى مدبولى إلى رئيس جمهورية تنزانيا تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيراً إلى حرص الرئيس على تعزيز علاقات التعاون مع تنزانيا قيادة وشعبا، وعلى العمل المشترك من أجل تحقيق التنمية والرفاهية لشعبى البلدين. وأعرب مدبولى عن تقدير مصر للدفعة القوية التى تحققت فى علاقات البلدين أخيراً، خاصة عقب زيارة الرئيس السيسى إلى دارالسلام فى أغسطس 2017، والتى نتج عنها انعقاد فعاليات الدورة الثالثة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين بالقاهرة فى يناير 2018، وذلك بعد 21 عاماًً من انعقاد الدورة الثانية فى «أروشا» عام 1997. كما أكد رئيس مجلس الوزراء تطلع مصر لمواصلة العمل للبناء على نتائج تلك الزيارة على صعيد تعزيز علاقات البلدين فى مختلف المجالات، خاصة الارتقاء بحجم التبادل التجارى بين البلدين، ليرتقى إلى مستوى العلاقات السياسية القائمة، وكذلك التأكيد على تطلع الرئيس السيسى لاستقبال شقيقه الرئيس التنزانى فى زيارة إلى مصر فى أقرب فرصة، تلبية للدعوة الموجهة منه إلى الرئيس التنزانى.
خلال اللقاء قدم الدكتور مدبولى التهنئة للجانب التنزانى على توقيع عقد إنشاء السد فى حوض نهر «روفيجى»، مؤكداً حرص التحالف المصرى الفائز لشركتى «المقاولون العرب» و«السويدى إلكتريك» على أن يكون التنفيذ وفقا لأعلى المعايير العالمية، وطبقا للإطار الزمنى المنصوص عليه فى العقد، خاصة فى ظل الاهتمام الذى يحظى به المشروع فى تنزانيا على المستويين الحكومى والشعبى، باعتباره من المشروعات التنموية الكبرى فى البلاد. وأضاف رئيس الوزراء: إننا نتطلع إلى الانتهاء من المفاوضات الجارية بين الجانبين بشأن عدد من المشروعات، وخاصة مشروع إنشاء مزرعة مشتركة لإنتاج اللحوم، وهو المشروع الذى كانت قد تمت مناقشته خلال زيارة الرئيس السيسى لتنزانيا، فضلاً عن مشروع مذكرة تفاهم بين الجانبين بشأن إنشاء مزرعة مشتركة فى منطقة بكوبا على مساحة 1000 هكتار لزراعة الأرز. ونوه مدبولى باستعدادات مصر لتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى لعام 2019، مشدداً على حرص مصر على التنسيق مع الدول الإفريقية الصديقة قبل الإعلان عن أولويات الرئاسة المصرية، وتأكيد استعدادنا للتعاون والتنسيق مع تنزانيا خلال فترة رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى،
من جانبه، طلب رئيس جمهورية تنزانيا المتحدة نقل تحياته إلى شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيداً بنتائج زيارته إلى تنزانيا فى أغسطس 2017، والتى ساهمت فى الارتقاء بأطر التعاون لآفاق أرحب. وأعرب الرئيس التنزانى عن تقدير بلاده للجهود المبذولة لدفع علاقات التعاون الثنائية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، وأعرب ماجوفولى عن سعادته بالمشاركة رفيعة المستوى للدكتور مصطفى مدبولى والوفد المرافق له، فى احتفالية توقيع عقد إنشاء مشروع السد، خاصة أن بلاده تعتبر المشروع من أهم وأكبر المشروعات القومية والتنموية فى تنزانيا.
رئيس الجمهورية التنزانى أشار إلى حرصه على تلبية الدعوة الكريمة لشقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى لزيارة مصر فى أقرب فرصة لتعزيز العلاقات التنزانية المصرية فى مختلف المجالات، كما أكد أنه أصر على اختيار مكان إقامة السد فى نهر آخر غير النهر الذى تصب مياهه لمصر، قائلا: حتى لا تتأثر حصة مصر التى تربطنا بشعبها وقيادتها علاقات حب وود.
كان ماجوفولى ومدبولى شهدا مراسم توقيع عقد إنشاء مشروع سد «ستيجلر جورج» لتوليد الطاقة الكهرومائية الذى سينفذه التحالف المصرى وتبلغ قيمته 2.9 مليار دولار. وحضر من الجانب المصرى وزيرا الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمد شاكر، والموارد المائية والرى الدكتور محمد عبدالعاطى، وعدد من المسئولين ورجال الصناعة والمستثمرين، بينما حضر عن الجانب التنزانى، نائبة رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وعدد من الوزراء والمسئولين.
الرئيس التنزانى قال إن مشروع سد روفيجى حلم انتظرناه طيلة 40 عاماً منذ أن دعا إليه الأب الروحى للدولة جوليوس نيريرى عام 1967، ولكن لم يتم تنفيذه طيلة هذه المدة بسبب تكلفته الباهظة، خاصة أننا دولة فقيرة ولكن يأتى اليوم لنشيده بأموالنا، حيث إنه يتكلف 2.9 مليار دولار، أى ما يعادل 1.6 تريليون شيلنج تنزانى، وسوف نشيده مع شقيقتنا مصر التى هربنا إليها لتنفيذ المشروع، كما هرب السيد المسيح إلى مصر خوفا من القتل. وأكد الرئيس التنزانى، خلال كلمته على هامش توقيع العقد، أن تنفيذ مشروع السد يأتى ليكذب ويرد على الاعتراضات التى قابلت المشروع أنه سوف يدمر، ولكن الحقيقة أنه سيحافظ على البيئة، لأنه سيوقف نزيف الأشجار التى يتم قطعها بمعدل 23 مليون طن سنوياً، أو 583 شجرة يومياً، لتصنيع الفحم الذى يستخدم فى توليد الكهرباء التى تغذى تنزانيا، حيث إن 92% من الكهرباء المنتجة تأتى من الفحم، و7% من البنزين، بجانب تكلفتها العالية ولكن توليد الكهرباء من المياه أوفر بكثير، فكل كيلووات يتكلف 36 شيلنج، فى حين باقى المصادر تتكلف أكثر من 100 شيلنج، كما أن السد يكفى لتغطية احتياجات سكاننا البالغين 55 مليون نسمة حتى 60 عاماً مقبلا.
ماجوفولى كشف أن تنزانيا رفضت تنفيذ سد على نهر النيل حرصا وحفاظا على حصة مصر من مياه النيل، واخترنا مكانا آخر لتنفيذ السد، وقال: ونحن مستعدون لسداد نسبة مقدم التنفيذ البالغة 15% من التكلفة الإجمالية من أجل سرعة بدء الأعمال دون انتظار باقى المفاوضات، ونحن نثق فى قدرة المصريين على إنجاز المشروع حتى قبل المدة المقررة، ولهذا طلبنا من الرئيس السيسى أن يضع المشروع تحت إشرافه، وخاصة أن مصر لديها تقنيات تفوق دولا كبرى. وأكد الرئيس التنزانى أن هناك علاقات قوية بين مصر وتنزانيا ممتدة منذ قرون حتى قبل مجىء الاستعمار البريطانى لأرضنا، فكان التجار المصريون يأتون إلينا للعمل، فاكتسبنا منهم الثقافة واللغة حتى بعض أنواع الموسيقى، كما اشتدت العلاقات خاصة بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والأب الروحى لتنزانيا، واشتركا فى تأسيس الاتحاد الإفريقى والمساعدة فى استقلال الكثير من الدول. وأضاف: اليوم نحن سعداء بالزخم الكبير الذى اكتسبته العلاقات الثنائية بين مصر وتنزانيا فى العام الماضى بعد زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، إلى دارالسلام فى أغسطس 2017، والتى تبعها عقد اجتماعات الدورة الثالثة للجنة المصرية-التنزانية المشتركة للتعاون بالقاهرة فى يناير 2018، بعد 21 عاماًً منذ انعقاد الدورة الثانية فى أروشا فى عام 1997، ونحن نتطلع إلى مزيد من البناء على تلك الإنجازات المهمة لدفع العلاقات الثنائية فى جميع المجالات.
بهذا الشكل يمكننا أن نقول التحرك المصرى لتدعيم علاقات التعاون مع الدول والتكتلات الإفريقية، يسير بخطى ثابتة، مع الإشارة إلى أن حجم الاستثمارات المصرية فى إفريقيا، بلغ حتى عام 2017 نحو 7.9 مليار دولار أمريكى موزعة على 62 مشروعاً، وارتفع لنحو 10.2 مليار دولار عام 2018. وتشمل هذه الاستثمارات قطاعات البناء والتشييد والمواد الكيميائية والتعدين والمستحضرات الطبية والدوائية والاتصالات والمكوّنات الإلكترونية والخدمات المالية، فى حين يبلغ حجم الاستثمارات الإفريقية فى مصر 2.8 مليار دولار. وتتمثل أهم الصادرات المصرية إلى دول إفريقيا فى السكر وأجهزة الاستقبال، وترابيع البلاط والمكعبات، ومنتجات شمع البارفين، وغيرها، فى حين تتمثل أهم الواردات المصرية من الدول الإفريقية فى الشاى، وغاز البوتان، والأقطاب السالبة من النحاس، والقطن.
وما من شك فى أن اختيار القارة الإفريقية كبوصلة للاستثمارات المصرية فى الفترة المقبلة سيعود بالفائدة على الاقتصاد المصرى، لما تمتلكه دول تلك القارة من موارد اقتصادية ضخمة، كما تشكّل سوقاً استهلاكيَّة كبيرة تضمُّ نحو 1.2 مليار نسمة وموارد بشرية، بجانب موقعها الاستراتيجى المتميز عن بقية المناطق فى العالم، وتتوافر العديد من الفرص لرجال الأعمال المصريين فى إفريقيا فى مجالات التجارة والاستثمار سواء فى السلع أو الخدمات.