ياسر بركات يكتب عن: تفاصيل الخروج المهين من المنظمة الكبرى .. الدوحة فى مفرمة أوبك
اتفقت أوبك وحلفاؤها بقيادة روسيا، وهو التحالف المعروف باسم "أوبك+"، يوم الجمعة، على تقليص إنتاج النفط أكثر مما توقعته السوق، وذلك رغم ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخفض سعر الخام.
بعد محادثات استمرت يومين في فيينا، أعلنت المنظمة أنها ستخفض الإنتاج 0.8 مليون برميل يوميا من يناير، في حين سيسهم الحلفاء غير الأعضاء فيها بتخفيضات قدرها 0.4 مليون برميل يوميا إضافية. وطبقا لما أعلنه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تباحثا واتفقا على تخفيضات إنتاج النفط. وهو ما أعلن عنه بوتين عقب لقائه ولي العهد السعودي على هامش قمة العشرين الأسبوع الماضي. وتوقع نوفاك أن تشهد سوق النفط تخمة معروض في الربعين الأول والثاني من العام المقبل في حال عدم خفض الإنتاج، موضحا أن تخفيضات إنتاج النفط ستكون تدريجية وستستغرق بضعة أشهر.
أسعار النفط قفزت نحو خمسة في المائة لتتجاوز 63 دولارا للبرميل بحلول الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش، إذ إن الخفض الإجمالي البالغ 1.2 مليون برميل يوميا يتجاوز الحد الأدنى البالغ مليون برميل يوميا الذي توقعته السوق. ويهدف هذا الخفض، الذي يوازي أكثر بقليل من واحد في المائة من الإنتاج العالمي، إلى احتواء تراجع أسعار الخام الذي بلغت نسبته ثلاثين في المائة في شهرين. وتؤمّن أوبك وحلفاؤها نحو نصف الإنتاج العالمي من الخام، وتربطهم شراكة منذ عامين.
كانت أوبك قد واجهت مطالب من ترامب لمساعدة الاقتصاد العالمي عن طريق الإحجام عن خفض الإمدادات. وكتب ترامب على "تويتر" الأربعاء الماضي أنه يتمنى ألا تقلص أوبك كميات الإنتاج، وقال إن "العالم لا يريد أن يرى أسعارا أعلى للنفط، كما أنه ليس في حاجة إليها أيضا". لكن وزيري الطاقة في السعودية وروسيا علقا بأن واشنطن ليست في موقع يسمح لها بأن تملي على التحالف سياساته.
دول "أوبك+" أظهرت في الأشهر الستة الماضية أنها تستطيع خفض أو رفع الإنتاج تبعا لاحتياجات السوق. ومع أن قرارات خفض الإنتاج أو زيادته لا تعتمد على قرار سياسي؛ وأنها تهدف في المقام الأول للمحافظة على استقرار الأسواق. إلا أن اتفاق أوبك ظل على المحك ليومين - أولا بفعل المخاوف من أن روسيا ستخفض أقل مما ينبغي، ثم بفعل بواعث القلق من أن إيران، التي تناقصت صادراتها من الخام بفعل العقوبات الأمريكية، لن تحصل على استثناء؛ وقد تعرقل الاتفاق. لكن بعد محادثات استمرت لساعات، أعطت إيران الضوء الأخضر لأوبك وأشارت روسيا إلى استعدادها لخفض أكبر. وسرعان ما أقر اجتماع لأوبك والمنتجين غير الأعضاء الاتفاق، وفقا لمصدرين في أوبك.
الخفض سيستمر لستة أشهر من يناير، وسيكون إنتاج أكتوبر الماضي هو خط الأساس له. وكان إنتاج أوبك وروسيا أقل في أكتوبر عن نوفمبر. لكن أوبك قد لا تكشف عن حصص الإنتاج لكل بلد على حدة، حسبما ذكرت المصادر. وكانت الدول الخمس والعشرون المعروفة باسم "أوبك+" قد تبنت قرارا بخفض الإنتاج منذ أوائل 2017، لترتفع الأسعار حتى وصلت إلى أكثر من 85 دولارا للبرميل في أكتوبر الماضي، لتتراجع بعد ذلك بشدة إلى أقل من 60 دولارا للبرميل في الشهر الماضي.
اتفاق دول "أوبك+" على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، يعد مفاجأة، نظرا لأن المناقشات التي سبقت إعلان القرار تركزت على اقتراح لخفض الإنتاج من دول أوبك وحلفائها بمقدار مليون برميل يوميا فقط، على أن تخفض أوبك إنتاجها بمقدار 650 ألف برميل يوميا.
حدث ذلك، وكأن انسحاب قطر لم يكن. مع أن الدوحة لم تكتف بالانسحاب أحادي الجانب، بل قامت أيضا بحملة تشويه سياسية وإعلامية لهذه المنظمة وتشكيك في دورها وشرعيتها وآليات عملها، وفي إطار هذه الحملة المنظمة يمكن تفسير التصريحات المضحكة لمدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية أحمد الرميحي، التي اعتبر فيها قرار بلاده بالانسحاب "تحررا واستقلالية"، وأن "اقتصاد الدول لا يرتهن بمكالمة هاتفية للتخفيض والزيادة دون أدنى احترام لأعضاء المنظمة"، وكأن قطر انتظرت 57 عاما لتكتشف أن المنظمة تدار بهذه الطريقة المزعومة التي لا ترضيها.
قطر التي أصبحت أول دولة شرق أوسطية تغادر "أوبك" قد لا يتوقف انسحابها من المنظمات الدولية عند هذه الخطوة، فسلوك النظام القطري أحادي الجانب تجاه هذه المنظمة واستخفافه بها وإهانته لها قد يصبح نهجا مميزا لهذا النظام في تعامله مع بعض المنظمات الإقليمية والدولية التي يرى أنها قد تعوقه عن تحقيق أهدافه، حتى لو كانت أهدافا غير مشروعة، وقد يصبح تكرار هذا الانسحاب أمرا واردا، ونعتقد أن مجلس التعاون الخليجي قد لا يكون بعيدا عن المخططات القطرية الساعية لتقويض المنظمات الإقليمية التي تقف في وجه مخططاتها، وبالتالي قد يكون المحطة التالية للانسحاب القطري أحادي الجانب، فبعد أن حاولت قطر مرارا وتكرارا تقويض المجلس بخروجها عن أهدافه والعمل عكس قراراته، قد لا تجد بدا من الانسحاب منه على أن تبدأ بعدها حملة إعلامية منظمة لتشويهه والتقليل من دوره، توهما أنها بذلك سوف تهدم المعبد على الجميع، لكنها بهذا المسلك لا تحاصر إلا نفسها ولا تزيد إلا من عزلتها.