الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:37 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن : لغز خاشقجى فى إسطنبول


* دخل القنصلية السعودية لإنهاء عقد الزواج.. واختفى بعد الخروج منها
* يقيم فى الولايات المتحدة الامريكية ويرتبط بعلاقات معلنة مع يوسف القرضاوى
* كان الكاتب العربى الوحيد الذى رفض تدخل مصر عسكريا فى ليبيا بعد مذبحة الأقباط المصريين هناك
* بدأ يكتب فى الواشنطن بوست مؤخراً.. وخصصت الصحيفة مساحة كبيرة للحديث عن اختفائه
* ارتبط مع بن لادن بصداقة قوية.. واعترف بثلاثة لقاءات جمعتهما فى أفغانستان والسودان
اختفى جمال خاشقجى فى إسطنبول فى الثانى من أكتوبر الجارى. وتضاربت الروايات حول اختفائه، إذ قالت خطيبته إنه لم يخرج من مبنى القنصلية السعودية فى إسطنبول، التى زارها لاستخراج وثيقة لإتمام زواجه، فى حين قالت السلطات السعودية إنه غادر القنصلية بعد وقت قصير. وكانت امرأة تدعى خديجة، هى من أثارت قضية اختفاء خاشقجى بعدما أبلغت السلطات الأمنية باختفائه بعد دخوله للقنصلية بهدف استخراج أوراق رسمية تثبت تطليقه لزوجته فى السعودية، بهدف الزواج بها بعد خطبتهما، إذ لا يسمح القانون التركى بتعدد الزوجات.
خاشقجى كان مقرباً من سلطات بلاده قبل أن تتبرأ من تصريحاته وتحليلاته السياسية فى العامين الأخيرين، ويغادر هو البلاد. ليواصل ادعاءه بأنه إصلاحى، وفى الوقت نفسه يستميت فى الدفاع عن حق التيار الإسلامى فى ممارسة العمل السياسى. وقبل اختفائه فى تركيا، كان يعيش فى الولايات المتحدة، وشارك خلال إقامته فى العاصمة الأمريكية واشنطن فى عديد من الفعاليات والأنشطة للدفاع عن التنظيمات الإرهابية، وظهر ميله إلى جماعة الإخوان. ودافع عن القيادى فى الجماعة يوسف القرضاوى، بعد تصريحاته التى دعا فيها إلى قتل المؤيديين للزعيم الليبى الراحل معمر القذافى والرئيس السورى بشار الأسد. كما قال إن منهج الإخوان هو «منهج كل مسلم وكل حركة إحيائية». كما أعلن رفضه لعزل محمد مرسى، ورفض تصنيف الجماعة كـ«منظمة إرهابية» ورأى أن ذلك من شأنه «إضعاف التقدم الخجول نحو الديموقراطية والإصلاح السياسى الذى تعرض للكبت والتقييد فى العالم العربى».
ولخاشقجى عدة كتب منها: «ربيع العرب.. زمن الإخوان» الذى يتناول الربيع العربى والإسلام السياسى، و«احتلال السوق السعودى» الذى يركز على قضية اعتماد المملكة على العمالة الأجنبية، و«علاقات حرجة» يتناول فيه العلاقات الأمريكية السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. ولأن الكتاب يتضح من عنوانه، فقد ربطت علاقة جيدة أو جيدة جدا بين خاشقجى وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ولم ينف ذلك، بل أكد الكاتب أنه التقى بن لادن فى السعودية والسودان وأفغانستان، وفى حوار له مع جريدة الأيام سنة 2003، قال إنه تعرف على بن لادن فى فترة «الجهاد ضد السوفييت». لذلك لم يكن غريبا أن يعرب عن استعداده لإجراء مقابلة مع زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادى فى قناة «العرب»، زاعما أنه لا ضرر فى ذلك لأن وظيفته فقط هى نقل الخبر.
خاشقجى المولود فى المدينة المنورة سنة 1958، دخل عالم الصحافة مراسلا للجريدة السعودية الناطقة بالإنجليزية «سعودى جازيت». وفى الفترة من 1987 إلى 1990 عمل مراسلا لجريدة الشرق الأوسط وجريدة عرب نيوز، ثم عمل لمدة ثمانى سنوات مع جريدة الحياة. وسنة 1999 تم تعيينه نائبا لرئيس تحرير عرب نيوز، قبل أن يصبح سنة 2003 رئيسا لتحرير جريدة الوطن، ولم يمر شهران، حتى تمت إقالته من هذا المنصب، ليختاره الأمير تركى الفيصل، سفير المملكة فى لندن، ثم واشنطن، مستشارا إعلاميا. ثم عاد لرئاسة تحرير الوطن فى 2007، لكن أقيل فى 2010 ثم وقع عليه اختيار الوليد بن طلال لرئاسة قناة «العرب» الإخبارية، التى تم إطلاقها من العاصمة البحرينية المنامة فى 2015، وتوقف بثها بعد ساعات.
حينما وجّه الجيش ضربة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى ليبيا فى مارس 2015، رداً على ذبح 21 قبطياً، كتب «خاشقجى» مقالاً فى جريدة «الحياة» اللندنية، رفض فيه تدخل مصر عسكرياً فى ليبيا، منحازاً لموقف قطر. وقال فى المقال إن مصر لديها ما يكفيها من مشكلات، والمحبة تقتضى نصيحتها بعدم الوقوع فى نكسة أخرى، لكنه ناقض نفسه، ودعا لضرورة التدخل العسكرى فى اليمن، لحمايته من «الميليشيات الحوثية». لكن سرعان ما اختفى «خاشقجى» قرابة العام، تحديدا من نوفمبر 2016، بعدما أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً، تقول فيه إن آراءه لا تمثل المملكة، بعدما انتقد وصول الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إلى السلطة، مؤكداً خوف المملكة من تداعيات هذا الأمر. ثم عاد فى أغسطس 2017، بتغريدة قال فيها: «أعود للكتابة والتغريد، الشكر لمعالى وزير الإعلام لمساعيه الطيبة والشكر والولاء متصلان لسمو ولى العهد لا كُسر فى عهده قلمٌ حر ولا سكت مغرد».
وكان أول ما كتبه معاودة الهجوم على مصر، بعد أن نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرا عن مزاعم «تعذيب السجناء»، وكتب: ما يجرى فى مصر مؤلم. السكوت عليه غبن. الدفاع عنه سقوط». وبعد أقل من شهر على عودته، وتحديداً فى سبتمبر الماضى، قررت جريدة «الحياة» وقف مقالاته، قبل أن يقرر الخروج من السعودية. ويبدأ الكتابة بشكل منتظم فى جريدة «واشنطن بوست». التى تركت مكان مقاله الأسبوعى فارغا، وخصصت افتتاحيتها ليوم الجمعة، 5 أكتوبر، للحديث عن اختفائه.
واشنطن بوست ذكرت أن خاشقجى، الذى حول الأعين على بلاده وقيادتها، دخل قنصلية السعودية فى إسطنبول يوم الثلاثاء، لاستخراج أوراق روتينية. وفى الوقت الذى تؤكد فيه خطيبته أنه لم يغادر المكان منذ دخوله، تقول المملكة السعودية إنه غادر، فيما لم تر تركيا أى علامة على مغادرته المبنى. يبدو أن السيد خاشقجى أحد كتابنا قد اختفى فعلاً. ونحن قلقون عليه. وأضافت الجريدة الأمريكية أن خاشقجى ليس فقط معلقا ومحللا، فعلى مدى مسيرته الطويلة، كان على اتصال وثيق مع ملوك السعودية، ويعرف أكثر من غيره عن طريقة تفكيرهم وعملهم. انتقاده الذى عبر عنه العام الماضى، أغضب بالتأكيد محمد بن سلمان، الذى تمت ترقيته إلى ولى عهد السنة الماضية، وقام بحملة واسعة لإسكات المعارضة. ومن بين الأشخاص الذى اعتقلوا فى تلك الحملة، رجال دين ومدونون وصحفيون وناشطون. كما قام بسجن النساء اللاتى دافعن عن الحق فى قيادة النساء السيارة، وهو الحق الذى مُنِح لهن حتى أثناء معاقبته لهن.
تتابع الجريدة: «بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، علق السيد خاشقجى على الفوز خلال مداخلة له فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن المملكة كانت قلقة (متوترة) من ترامب». وأشارت الجريدة إلى أنه يبدو أن هذا التعليق أغضب القيادة السعودية التى كانت تأمل أن تندمج مع الرئيس الجديد. وقد طلب من السيد خاشقجى أن يتوقف عن الكتابة واستخدام تويتر حينها». بعد ذلك، تضيف الجريدة أن خاشقجى «رأى الكثير من الأشخاص سجنوا بسبب آرائهم، لذلك قرر مغادرة البلاد. كتب منشورا فى سبتمبر 2017: «لقد تركت بيتى وعائلتى وعملى، وأرفع صوتى. إن فعل خلاف ذلك قد يكون خيانة لأولئك الذين يقبعون فى السجن. يمكننى التحدث، فى حين لا يستطيع الكثيرون فعل ذلك».
واصل خاشقجى كتابة المقالات بعد ذلك. وكتب فى فبراير أن «القيود التى يفرضها ولى العهد على حرية التعبير قد امتصت الأوكسجين من الساحة العامة التى كانت محدودة فى السابق، ولكنها موجودة. يمكنك أن تقرأ بالطبع، ولكن عليك أن تفكر مرتين فقط فى المشاركة أو الإعجاب بأى شىء لا يتماشى تماما مع تفكير المجموعة الحكومية الرسمية. وتقول الجريدة إنه «فى يونيو، أشاد خاشقجى بقرار ولى العهد السماح للنساء بالقيادة، لكنه حثه على إطلاق سراح ناشطات سعوديات. وفى أغسطس، نبه القيادة السعودية إلى أنه كان من الخطأ اختيار معركة مع كندا حول حقوق الإنسان». وتختم الجريدة افتتاحيتها بالقول: «لقد كان ولى العهد فى جميع أنحاء الولايات المتحدة يبشر برؤيته لمجتمع سعودى أكثر حداثة، رؤية تخرق القوانين والممارسات الدينية القديمة، وتدعو للانفتاح على الترفيه والاستثمار الأجنبى. إذا كان ملتزماً حقاً بهذا الأمر، فإنه سيرحب بالنقد البناء من جانب الوطنيين مثل السيد خاشقجى. وسيبذل كل ما فى وسعه لضمان أن السيد خاشقجى حر وقادر على مواصلة عمله».
تصاعدت التكهنات خلال الأيام الماضية، وظهرت التكهنات بوجود سيناريو ثالث يتوقع مقتل خاشقجى فى إسطنبول. ويتبنى إعلاميون وكتاب ومدونون سعوديون وعرب، سيناريو مقتل خاشقجى فى مدينة إسطنبول، ويربطونه بعملية تصفية للإعلامى السعودى لمنعه من العودة لبلاده، بعد أن أبدى رغبة بذلك على حد قول البعض منهم. ويتفق ذلك السيناريو فى جزء منه، مع الرواية الرسمية السعودية التى تقول إن خاشقجى دخل قنصلية بلاده الواقعة فى الشطر الأوروبى من مدينة إسطنبول، وغادرها بعد ذلك بوقت قصير، دون أن تشير لكونه قد تعرض للاختطاف أو القتل فى المدينة.
المدون والكاتب السعودى المعروف، منذر آل الشيخ مبارك، فى تغريدة مثيرة للجدل على حسابه فى موقع “تويتر” “لن يسمح لأى هارب بالعودة إلى وطنه حياً فهناك من يلبس ثوب الصديق ويخشى أن يفتضح أمره، تصفية كل من يحاول التطهر من الحزبية عادة قديمة». وكان المدون السعودى يتحدث ضمن تفاعله مع نقاش أوسع يدور فى موقع «تويتر» حول سيناريو مقتل خاشقجى فى مدينة إسطنبول، ويتهم أطرافاً تركية بالوقوف خلفه بعد أن انهالت الاتهامات فى الفترة التى أعقبت الكشف عن اختفاء خاشقجى على بلاده السعودية.
لم تقتصر تلك التكهنات على تدوينات مواقع التواصل الاجتماعى، فقد لمح الصحفى السعودى المقيم فى لندن، عضوان الأحمرى، لإمكانية حدوث ذلك السيناريو خلال نقاش مع الكاتب التركى يوسف كاتب أوغلو استضافته قناة فرنسية. وقال الأحمرى، إن إسطنبول مدينة غير آمنة وحدث فيها كثير من الاغتيالات والاعتقالات، مستشهداً بعدد من الحوادث، ومشيراً لكون مناوئين سعوديين لبلادهم غادروا فى الماضى إسطنبول واتجهوا إلى كندا؛ لعدم توفر الأمان لهم فى المدينة التركية. واختار الكاتب السعودى خالد المطرفى، التحليل بشكل أكثر تفصيلاً لسيناريو مقتل خاشقجى، وقال إن «اختفاء جمال خاشقجى يعيد إلى الأذهان السعودى محمد المفرح الذى توفى فى تركيا فى ظروف غامضة (وكان يتزعم ما يعرف بحزب الأمة الإخوانى) عندما بدأ يُلمح أنه سيعود للمملكة، كتلميحات خاشقجى الأخيرة!».
اتهم الإعلامى السعودى خالد المجرشى، تركيا بإخفاء الكاتب السعودى جمال خاشقجى، وقال فى تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية: «هناك ترتيب لإثارة موجة من الكراهية فى الشارع التركى خاصة، والإسلامى بشكل عام، ضد السعودية». ورأى الإعلامى السعودى أن «قصة خاشقجى لا أساس لها من الصحة»، مضيفا: المنطق يقول إنه من غير المعقول أن يذهب من كان رئيسا لتحرير جريدة مهمة ومستشارا للسفير السعودى فى أمريكا وأصبح معارضا الآن، إلى القنصلية من أجل إنجاز أوراق تخص زواجه من فتاة تركية». وتساءل «الذى يعارض سياسة بلده هل هو بحاجة إلى ختم قنصليتها على ورقة من أجل إتمام مراحل الحب بالزواج؟»
كل تلك التكهنات غير مؤكدة، بينما تستمر الرياض وأنقرة فى التمسك بروايتهما المتناقضتين عن مكان وجوده، سواء خارج القنصلية أو داخلها. وقد نكتشف أننا أمام مسرحية فاشلة تنقلب ضد مؤلفيها، سواء بإفصاح السلطات التركية عن مكان وجود المواطن السعودى المختفى جمال خاشقجى أو مكان جثته!!